انكماش صناعة البتروكيماويات فرصة لتوسع شركات النفط الكبرى (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- الاستثمار المفرط في بناء القدرات الإنتاجية سبب انكماش صناعة البتروكيماويات.
- القدرة الإنتاجية العالمية للإيثيلين قفزت 5 مرات في 7 سنوات فقط.
- الصين تغلق 5 وحدات تكسير وتوقعات بإغلاق مماثل في دول أخرى.
- مصانع البتروكيماويات في الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأكثر قدرة على الصمود.
- انكماش الصناعة فرصة أمام أدنوك وأرامكو للتوسع في الأسواق النامية.
تطورت صناعة البتروكيماويات العالمية، خلال السنوات الأخيرة، بصورة مذهلة من حيث حجم الاستثمارات وبناء القدرات في العديد من دول الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا والولايات المتحدة، لكن المخاوف الاقتصادية والضغوط التضخمية وارتفاع أسعار الفائدة تُشكِّل تحديات أمام القطاع.
ويشهد قطاع البتروكيماويات حالة من الانكماش الدوري الحاد في الوقت الحالي، بسبب الإفراط في بناء القدرات خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه سيظل واحدًا من أفضل الرهانات المستقبلية لشركات النفط والغاز الكبرى، بحسب تحليل حديث اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.
ويمثل نمو الطلب على المواد البلاستيكية عامل جذب لتوسع شركات النفط والغاز في صناعة البتروكيماويات العالمية المسؤولة عن إمداد صناعة البلاستيك بالمواد الأولية اللازمة لإنتاج أغلب مكونات الحياة اليومية.
كما تتميز صناعة البتروكيماويات بانخفاض انبعاثاتها من غازات الدفيئة عبر سلسلة قيمة الصناعة مقارنة بأنواع الوقود القابلة للاحتراق والتي تمثل للمنتجين أكبر عوائد من برميل النفط، وفق تحليل صادر عن شركة أبحاث الطاقة وود ماكنزي.
توقعات الطلب على البتروكيماويات
رغم مرحلة الهبوط الحالي في أداء صناعة البتروكيماويات العالمية؛ فإن التوقعات طويلة الأمد ما زالت طموحة ومتفائلة جدًا بشأن الطلب على المواد الأولية؛ ما يمثل فرصة مناسبة لتعزز شركات النفط دورها في هذا القطاع.
وتتوقع وود ماكنزي زيادة الطلب على النافثا وغاز النفط المسال بنسبة 50% أو بمقدار 7 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2050، بينما يُتوقع وصول الطلب على الوقود القابل للاحتراق إلى ذروته ودخوله في مرحلة الانخفاض خلال السنوات الـ10 المقبلة.
وهذا ما أكده وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، خلال مشاركته في منتدى جيبكا السنوي، مشيرًا إلى أن البتروكيماويات ستظل موجودة، ونمو صناعتها سيعكس زيادة الطلب على الهيدروكربونات بوصفها مواد أولية.
ويستثني من هذه التوقعات -الخاصة بشركة وود ماكنزي- وقود الطائرات الذي تصعب إزالة الكربون منه مقارنة بأنواع وقود النقل الأخرى، إذ يتوقع استمرار الطلب عليه لمدة أطول.
ويرتبط مستقبل الطلب على البتروكيماويات بتطورات صناعة البلاستيك بأشكاله المتنوعة، ولا سيما في الاقتصادات الآسيوية النامية التي تشهد نموًا في الناتج المحلي الإجمالي ودخل الفرد.
أسباب طفرة البتروكيماويات في الصين
لا يمثل الانكماش الحالي في صناعة البتروكيماويات خطرًا عليها؛ لكونه من صنع القطاع نفسه، وليس لأسباب خارجة عنها؛ حيث أفرطت الشركات في الاستثمار لعدة سنوات على أمل في تعزيز مكانتها بالمستقبل الواعد للصناعة.
وأسهمت هذه الاستثمارات في زيادة الإضافات السنوية للقدرة الإنتاجية للإيثيلين على سبيل المثال، بمقدار 5 مرات لتقفز من 2.3 مليون طن سنويًا عام 2015 إلى 10 ملايين طن خلال السنوات من 2020 إلى 2023.
واستحوذت الصين على ثلثي الطاقة الإنتاجية الجديدة للإيثيلين -المادة الرئيسة في إنتاج البلاستيك بأشكاله- كما تخطط لمضاعفة القدرة المحلية في إنتاج البارازيلين، وهو مادة خام رئيسة لإنتاج البوليستر.
وترجع الطفرة الاستثمارية في صناعة البتروكيماويات الصينية إلى عودة منتجي البوليستر من القطاع الخاص للاندماج مرة أخرى مع شركات تكرير النفط للحصول على المواد الخام، ولا سيما البارازيلين، بعدما كانوا يعتمدون بشدة على الواردات في السابق.
كما يرجع انتعاش الصناعة الصينية إلى توجه شركات النفط الوطنية العملاقة مثل سينوبك وبتروتشاينا إلى الاستثمار في الصناعات البتروكيماوية المحلية في إطار خطط إستراتيجية تستهدف تنويع محافظها الاستثمارية بعيدًا عن النفط ومشتقاته.
مظاهر انكماش صناعة البتروكيماويات العالمية
زادت قدرة إنتاج الإيثيلين العالمية بصورة تجاوزت الطلب بنسبة 100% تقريبًا خلال السنوات الـ4 الماضية، ما أدى إلى انخفاض معدل تشغيل الصناعة من 90% عام 2019 إلى 82% عام 2023.
كما تعاني المنتجات البتروكيماوية الأخرى انخفاض معدلات الاستعمال؛ ما أدى إلى تقليص هوامش أرباح المنتجين وتعريض جزء كبير من صناعة البتروكيماويات لضغوط مالية شديدة.
وأدت هذه التطورات إلى توقف الاستثمارات في صناعة البتروكيماويات العالمية خارج الصين بصورة مفاجئة، لكن في الصين نفسها لن تبلغ إضافات القدرات ذروتها حتى عام 2026.
ومن المتوقّع انتعاش الطلب العالمي على البتروكيماويات بداية من 2024 مع تعافي الاقتصاد العالمي، لكن استيعاب الطاقة الفائضة سيستغرق بعض الوقت؛ ما قد يعني تأخر عودة معدلات التشغيل إلى 90% حتى نهاية العقد الحالي، بحسب تقديرات وود ماكنزي.
وتعد وحدات التكسير المعتمدة على الغاز في الشرق الأوسط والولايات المتحدة من أفضل المنشآت القادرة على الصمود في وجه عاصفة انكماش صناعة البتروكيماويات العالمية.
ويرجع ذلك إلى انخفاض تكاليف المواد الأولية وطبيعة مصافي التكرير المتكاملة مع مصانع البتروكيماويات، ما يمنحها خيارات متنوعة في قطاعي إنتاج الوقود أو البتروكيماويات.
لماذا يمثل الانكماش فرصة لشركات النفط؟
تتوقّع وود ماكنزي أن يؤدي انكماش صناعة البتروكيماويات العالمية إلى تسريع عملية توحيد الصناعة عبر صفقات الدمج والاستحواذ، حيث تتعرض الوحدات المستقلة ذات التكلفة الأعلى لمخاطر تداعيات هذا التراجع أكثر من غيرها من الوحدات التابعة لمجموعات أكبر.
وأعلنت الصين بالفعل إغلاق 5 وحدات تكسير بخارية صغيرة؛ ما قد يؤدي إلى إخراج 1.2 مليون طن سنويًا من طاقة الإيثيلين من السوق بحلول عام 2026.
وتتوقّع وود ماكنزي إغلاق مزيد من وحدات التكسير الآسيوية في تايوان واليابان وكوريا الجنوبية خلال المدة المقبلة، كما يتوقع أن تغلق أوروبا 6 مصانع تكسير تبلغ طاقتها الإجمالية 2.5 مليون طن سنويًا من الإيثيلين خلال السنوات القليلة المقبلة.
في المقابل، سيكون صعبًا تخفيض القدرة الإنتاجية لمادة البارازيلين لتكاملها الوثيق مع إنتاج البنزين من مصافي التكرير، بحسب توقعات تفصيلية رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
وتمثل دورة الهبوط والانكماش في الصناعة فرصة للمستثمرين الإستراتيجيين واللاعبين الكبار من شركات النفط والبتروكيماويات المتكاملة، لتعزيز محافظهم الاستثمارية باتجاه التحول من الوقود إلى منتجات البتروكيماويات الواعدة.
استنادًا إلى ذلك، تتوقّع وود ماكنزي أن تظل شركات النفط العالمية في موقع البائع الصافي للمحافظ عالية الجودة والمميزة في الولايات المتحدة والشرق الأوسط وأوروبا، بينما ستتطلع شركات النفط الوطنية في الشرق الأوسط إلى توسيع نطاق وصولها إلى الأسواق النامية.
فرص أدنوك وأرامكو
تنشط شركة أدنوك الإماراتية في هذا المجال بصورة خاصة؛ إذ تقدمت بعطاء للحصول على حصة أقلية في شركة البتروكيماويات البرازيلية براسكيم (Braskem) صاحبة الحضور العالمي الواسع في أسواق البلاستيك.
كما قدّمت الشركة الإماراتية عرضًا آخر لشركة البوليمرات الهندسية عالية الجودة كوفيسترو (Covestro)، وهي شركة مدرجة في بورصة فرانكفورت الألمانية وتتمتع بانتشار عالمي واسع، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويساعد الوضع الحالي لانكماش صناعة البتروكيماويات العالمية، شركات النفط الوطنية الكبرى في الشرق الأوسط، ولا سيما أدنوك وأرامكو، على التوسع في أسواق النمو الآسيوية الرئيسة.
ونجحت شركة أرامكو السعودية العملاقة، خلال العقد الماضي، في بناء أصول كبيرة بمجال الصناعات التحويلية في آسيا بهدف تأمين بيع النفط الخام إليها.
وتعتقد وود ماكنزي أن هذه الأصول والمرافق الآسيوية لديها فرصة للنمو والتكامل مع صناعة البتروكيماويات، ما يرجح دخولها في شراكات جديدة مع القطاع الخاص أو دخولها في سباق صفقات الدمج والاستحواذ مع شركات النفط والغاز الإقليمية والدولية.
موضوعات متعلقة..
- أوابك: صناعة البتروكيماويات تواجه 5 تحولات قد تعيد رسم المشهد
- سوق البتروكيماويات العالمية تتخطى 910 مليارات دولار في 2030 (تقرير)
- أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية تعتزمان التوسع في إنتاج الكيماويات (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- أوبك+ يرفض تغيير سياسة الإنتاج.. و8 دول تعلن تخفيضات طوعية
- استكشاف النفط والغاز في مصر يترقب حفر 4 آبار جديدة بشراكة كندية
- 6 وزراء ومسؤولين يكتبون لـ"الطاقة" بمناسبة قمة المناخ (ملف خاص)
- 10 عوامل لتسريع تحول الطاقة مع انطلاق قمة المناخ كوب 28 (تقرير)