تقارير السياراترئيسيةسيارات

هل انطفأت ثورة السيارات الكهربائية في أميركا.. أم هي استراحة محارب؟

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • فقدت السيارات الكهربائية في أميركا الزخم الذي اكتسبته في السنوات الماضية
  • حالة عدم يقين تغلّف مستقبل السيارات الكهربائية في أميركا
  • الأميركيون أصبحوا مترددين في شراء السيارات الكهربائية
  • التحدي الأكبر الذي قد يقوّض انتشار السيارات الكهربائية في أميركا هو الأسعار
  • سوق السيارات الكهربائية في أميركا مسيّسة إلى حد كبير

ما تزال سوق السيارات الكهربائية في أميركا تتحسّس طريقها نحو الخروج من كبوة عميقة تعانيها في أعقاب طفرة دامت سنوات شهدتها تلك التقنية التي يُنظر إليها على أنها ركيزة رئيسة لجهود الحياد الكربوني.

وتغلّف الصناعة منخفضة الكربون في أميركا حالة من عدم اليقين بدافع تشاؤم المستهلكين المترددين في شراء تلك المركبات، نتيجة معضلة الأسعار التي فشلت الشركات في حلها -حتى الآن- بسبب الحجم والوزن الزائدين في تلك السيارات، من بين عوامل أخرى، وفق تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وفي إطار هذا السيناريو أظهرت نتائج دراسة مسحية نشرها مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) -مركز أبحاث أميركي غير حزبي ومقره واشنطن العاصمة- في يوليو/تموز (2023)، أن أقل من خُمسي الأميركيين يفكرون في اقتناء سيارة كهربائية، بحسب ما أوردته مجلة ذي إيكونوميست (The Economist) البريطانية.

ورغم وجود شبكات شحن تشهد توسعًا مستمرًا، وتزايد أعداد طرازات السيارات الكهربائية بأكثر من أي وقت مضى، تُعد تلك نسبة أقل قليلًا من نظيرتها المرصودة في العام السابق (2022).

الغلبة للصين

خلال الربع الثالث من العام الحالي (2023)، مثّلت السيارات الكهربائية في أميركا ما نسبته 8% من جميع مبيعات السيارات بوجه عام.

ومنذ بداية العام الحالي 2023 حتى الآن سجل عدد السيارات الكهربائية (دون احتساب السيارات الهجينة) المبيعة في أميركا أقل من مليون وحدة، ما يزيد قليلًا على نصف العدد في أوروبا.

لكن مبيعات السيارات الكهربائية في الصين ارتفعت عن نظيرتها في الولايات المتحدة بواقع 4 مرات، وفق معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وخلال المدة بين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول (2023)، باعت عملاقة صناعة السيارات الأميركية جنرال موتورز (General Motors ) 20 ألف سيارة في السوق المحلية، مقارنةً بأكثر من 600 ألف من مركبات الوقود الأحفوري.

وخارج ولايات كاليفورنيا وفلوريدا وتكساس التي تمثّل مجتمعةَ أكثر من نصف مبيعات السيارات الكهربائية في أميركا، ما تزال تلك المركبات منخفضة الكربون مثار جدل.

سيارة كهربائية صينية في أحد المعارض
سيارة كهربائية صينية في أحد المعارض - الصورة من رويترز

خطط استثمارية لم تكتمل

يدفع الطلب المنخفض على السيارات الكهربائية في أميركا -حاليًا- مصنعي السيارات إلى إعادة تقييم بعض خطط كهربة أساطيلهم من المركبات، وفق معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

ففي أكتوبر/تشرين الأول (2023) قالت رائدة صناعة السيارات الأميركية فورد (Ford)، إنها سترجئ خططًا استثمارية بقيمة 12 مليار دولار.

وفي الشهر ذاته، أرجأت جنرال موتورز خطة استثمارية بقيمة 4 مليارات دولار لمدة عام، لتحويل مصنع قائم إلى آخر لإنتاج شاحنات البيك أب الكهربائية.

كما تراجعت جنرال موتورز عن مستهدفات طموحة لرفع إنتاج السيارات الكهربائية، من بينها بيع 100 ألف سيارة كهربائية في النصف الثاني من العام الحالي (2023)، دون أن تحدد مستهدفات جديدة.

وأبدت شركات تصنيع البطاريات التي تعاونت مع مصنعي السيارات لبناء مصانع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في أميركا، تحوّطها هي الأخرى.

تسريحات عمالة جماعية

في سبتمبر/أيلول (2023)، سرّحت شركة إس كيه باتري (sk Battery)، الرائدة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في أميركا، ما يزيد على 100 موظف، كما خفضت حجم الإنتاج في مصنعها الكائن في ولاية جورجيا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني (2023)، أعلنت شركة إل جي إنرجي (LG Energy) الكورية الجنوبية المتخصصة في حلول الطاقة تسريحها 170 ألف عامل في مصنعها بولاية ميشيغان.

وتعكس تلك التطورات مسارًا وعرًا تمضي فيه صناعة السيارات الكهربائية في أميركا، التي يعول عليها في تسريع تحول الطاقة.

ونظرًا إلى أن سيارات الركاب تُسهم بخُمس إجمالي الانبعاثات الكربونية في الولايات المتحدة الأميركية، سيكون لصناعة السيارات الكهربائية في أميركا تأثير ملحوظ في جهود إزالة الكربون.

معضلة الأسعار

لعل التحدي الأكبر الذي قد يقوّض انتشار السيارات الكهربائية في أميركا هو الأسعار، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

ويلامس متوسط سعر السيارة الكهربائية 52 ألف دولار، وفق تقديرات صادرة عن شركة كوكس أوتوموتيف (Cox Automotive) الاستشارية.

ولا يزيد هذا السعر كثيرًا على نظيره الخاص بسيارة الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة الأميركية، الذي يبلغ 48 ألف دولار، غير أن إجمالي تكاليف الملكية التي تشتمل على سعر البيع للسيارة وتكاليف تشغيلها لمدة 5 أعوام، يتفاوت كثيرًا.

ويُظهر الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- مدى استعداد المستهلك لاقتناء سيارة كهربائية أو هجين:

السيارات الكهربائية في أميركا

وعند سعر 65 ألف دولار، يزيد سعر اقتناء سيارة كهربائية بواقع 9 آلاف دولار، مقارنة بسيارة وقود تقليدي، ما يُعزى إلى عوامل عدة مثل الحاجة إلى تركيب جهاز شاحن منزلي مرتفع التكلفة، والتأمين الأعلى سعرًا، إلى جانب البنزين رخيص التكلفة مقارنة بكل من أوروبا والصين على الأقل.

وتعوّض الائتمانات الضريبية الجديدة، البالغ قيمتها 7 آلاف و500 دولار الخاصة بشراء سيارة كهربائية، بعضًا من تلك العيوب ذات الصلة بالتكلفة.

غير أن تلك الائتمانات الضريبية لا تنطبق سوى على السيارات العاملة بالبطاريات المصنعة مكوناتها أو حتى المجمعة في أميركا الشمالية، أو حتى تلك التي تحتوي مكوناتها على الحد الأدنى من المعادن الحيوية من بلدان ترتبط معها أميركا باتفاقيات تجارة حرة.

وعلاوة على ذلك، يحتاج المشترون إلى تقديم نموذج مع إقرار عائدات ضريبة الدخل الفيدرالي الخاص بهم.

في غضون ذلك، فإن تباطؤ معدل اقتناء السيارات الكهربائية في أميركا، بالإضافة إلى حداثتها النسبية وتقنيتها المتطورة بسرعة، يجعل من الصعب جدًا على المشترين معرفة السرعة التي يفقدون بها قيمة تلك المركبات النظيفة، وهو ما قد يدفعهم إلى إرجاء خطط الشراء.

عيوب تقنية

قد لا يتشجع العديد من الأميركيين على شراء سيارات كهربائية، نتيجة عيوب الجودة التي تظهر عليها بين الحين والآخر.

فعلى مدار الأعوام القليلة الماضية استدعى العديد من شركات صناعة السيارات الكهربائية في أميركا بعض طرازاتها نتيجة عيوب تقنية في البطاريات.

ومن بين كل 10 طرازات تواجه المشكلات الأساسية الأكثر شيوعًا، مثل مقابض الأبواب، تبرز 7 سيارات كهربائية، وفق نتائج مسح الجودة الذي أعدته شركة جيه. دي. باور (J.D. Power) المتخصصة في الأبحاث.

وتميل السيارات الكهربائية الرخيصة إلى تقديم قيمة أفضل مقابل المال، بعكس ما هو عليه الحال في الولايات المتحدة الأميركية التي من الصعب العثور فيها على سيارات كهربائية يقل سعرها عن 30 ألف دولار.

شحن سيارة كهربائية في محطة تابعة لشركة تيسلا
شحن سيارة كهربائية في محطة تابعة لشركة تيسلا - الصورة من rubbernews

تيسلا نموذج يُحتذى به

حذت شركات صناعة السيارات الأمريكية حذو تيسلا (Tesla) في التركيز أولًا على الطرازات المتميزة ذات هامش الربح الأعلى بدلًا من السيارات الكهربائية المخصصة للجمهور.

وفي هذا السياق تخلّت جنرال موتورز ونظيرتها اليابانية الرائدة هوندا -مؤخرًا- عن خطتهما المشتركة البالغة قيمتها 5 مليارات دولار لبناء سيارة كهربائية بأسعار ميسورة.

وقد حوّلت السيارات الكهربائية الصينية رخيصة التكلفة وعالية الجودة من شركات مثل بي واي دي ( byd) الصين إلى أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، وهي تغمر أوروبا الآن.

ومع ذلك، تظل السيارات الكهربائية الصينية مستبعدة من السوق الأميركية الضخمة، بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة وغيرها من الحواجز التجارية الأخرى.

وتُسهم جميع تلك العوامل في نسف الآمال المعقودة على صناعة السيارات الكهربائية في أميركا.

كما أن انعدام رغبة المستهلكين في الإنفاق على السيارات الكهربائية باهظة الثمن يجبر شركات صناعة السيارات على تقديم خصومات كبيرة لبيع مخزوناتها المتراكمة من تلك المركبات.

تخفيضات الأسعار سلاح ذو حدين

خفّضت تيسلا أسعار سياراتها عدة مرات في العام الماضي (2022)، علمًا بأن شركات صناعة السيارات تتيح حسومات متوسطة تصل إلى نحو 10% على سياراتها الكهربائية، أي أعلى من ضعف ما تتيحه سيارات الوقود الأحفوري.

ولكن هذا يجعل من الصعب على الشركات كسب الأموال من سياراتها الكهربائية، وهو ما تشهده شركة فورد التي تخسر وحدتها المصنعة للسيارات الكهربائية قرابة 62 ألف دولار لكل سيارة تبيعها، بعكس تحقيق الشركة صافي أرباح قيمته 2500 دولار لكل سيارة تعمل بالبنزين.

ويقود استمرار تلك الخسائر إلى إضعاف شهية شركات السيارات، لضخ استثمارات في إتاحة عروض أسعار لسياراتها الكهربائية قد تجذب المشترين.

ورغم كل تلك الضبابية، ما تزال شركات صناعة السيارات الكهربائية في أميركا تأمل في الهروب من هذه الحلقة المفرغة، ما يظهر في قراراتها التي تميل إلى إرجاء استثماراتها ذات الصلة بدلًا من إلغائها بالكلية.

سوق مسيسة

إلى جانب التحديات التي تعصف بها، تعاني صناعة المركبات الكهربائية في أميركا غموضًا في منهجية حسابات النمو والمبيعات، بحسب تقرير بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس (Bloomberg New Energy Finance).

كما أصبحت السيارات الكهربائية في أميركا موضوعًا مسيّسًا بصورة متزايدة، ما يظهر بوضوح في تركز الغالبية العظمى من المبيعات حتى الآن في الولايات التي لدى سكانها ميول إلى الحزب الديمقراطي.

وتشير هذه المفارقة إلى وجود علاقة وثيقة بين شراء السيارات الكهربائية في أميركا وأنماط التصويت في الانتخابات الرئاسية، وربما تتطوّر هذه العلاقة وتقوى بمرور الوقت، وفق تحليل رئيس قسم النقل المتقدم في بلومبرغ كولن ماكراشر.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق