تجارة الطاقة بين روسيا والصين.. علاقة "شغف" تعمّقها التوترات (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- في سبتمبر وحده بلغت مشتريات الصين من الغاز المسال من روسيا 746 ألف طن
- روسيا تُعدّ حاليًا ثالث أكبر مصدِّر للغاز المسال إلى الصين بعد أستراليا وقطر
- في سوق الغاز عبر خطوط الأنابيب تحتل روسيا ثاني أكبر موقع مصدر إلى الصين
- تداول اليوان على الجانب الروسي ليس معلَّقًا وإنما يجري استثماره بطريقة نشطة
- روسيا منفتحة على التداول باليوان مع الصين ودول أخرى مثل الهند
تشهد تجارة الطاقة بين روسيا والصين تقدّمًا مطردًا، فقد ارتفعت صادرات الغاز المسال من روسيا إلى الصين بنسبة 47%، في المدة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول، لتصل إلى 6.2 مليون طن.
في المقابل، ازدادت صادرات النفط بنسبة 24.4% إلى إجمالي 79.9 مليون طن، وفقًا لبيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية، ورغم هذه الزيادة في الكميات، انخفضت قيمة صادرات الغاز المسال خلال هذه المدة بنسبة 6% على أساس سنوي، لتصل إلى 4 مليارات دولار.
وفي سبتمبر/أيلول وحده، بلغت مشتريات الصين من الغاز المسال من روسيا 746 ألف طن، وهو ما يمثّل انخفاضًا بنسبة 25% عن أرقام أغسطس/آب، وتُعدّ روسيا، حاليًا، ثالث أكبر مصدِّر للغاز المسال إلى الصين، بعد أستراليا وقطر.
وشهدت صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا إلى الصين زيادة بنسبة 60% على أساس سنوي، بقيمة 4.98 مليار دولار، وما يزال الحجم المحدد لخط الأنابيب الذي زوّدته روسيا بالغاز في عام 2022 غير معلن.
وفي سوق الغاز عبر خطوط الأنابيب، تحتل روسيا مرتبة ثاني أكبر مصدر للصين، وتأتي تركمانستان في المقدمة.
وبالنسبة إلى النفط، وعلى الرغم من ارتفاع الحمولة، انخفضت قيمة صادرات النفط إلى الصين بنسبة 2.3% على أساس سنوي، لتستقر عند 43.6 مليار دولار. وتهيمن روسيا بصفتها المورد الرئيس للنفط للصين، تليها المملكة العربية السعودية والعراق. وشهد شهر سبتمبر/أيلول استيراد الصين 8.7 مليون طن من النفط الروسي، وهو أقل بنسبة 17% عن أرقام الشهر السابق.
ويُظهر الجدول التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات النفط والغاز الروسية إلى الصين خلال يناير - سبتمبر 2023:
طريق الشرق الأقصى إلى الصين
ضمن تطوير سبل تجارة الطاقة بين روسيا والصين، أُعلِن الموعد النهائي الرسمي لبدء إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى الصين عبر طريق الشرق الأقصى، ومن المقرر أن يتم البدء في موعد لا يتجاوز عام 2027.
ونشر هذه المعلومات موقع "برايم"، نقلًا عن الرئيس التنفيذي لغازبروم، شركة الطاقة الروسية الرائدة، أليكسي ميلر، الذي توقّع أن تبلغ سعة خط الأنابيب الجديد الممتد إلى الصين نحو 10 مليارات متر مكعب.
بعد إنجاز المشروع، من المتوقع أن تصل إمدادات الغاز السنوية الروسية إلى الصين إلى نحو 48 مليار متر مكعب.
وعند وضع هذا في الاعتبار، من المتوقع أن يصل خط أنابيب باور أوف سيبيريا، وهو قناة رئيسة إضافية لنقل الغاز الروسي إلى الصين، إلى قدرته التصميمية البالغة 38 مليار متر مكعب بحلول عام 2025.
وأوضح ميلر: "لقد أبرمنا اتفاقية جديدة، سارية المفعول الآن، لبناء خط أنابيب للغاز من أقصى شرق روسيا إلى الصين، والتزمنا بموعد نهائي هو عام 2027 لبدء الإمدادات عبر خط أنابيب الشرق الأقصى هذا".
وأضاف أن الصين أعربت عن نيتها زيادة حجم وارداتها من الغاز الروسي عبر خط أنابيب باور أوف سيبيريا بمجرد وصوله إلى قدرته التصميمية الكاملة.
وعلى الرغم من أن هذه الزيادة المحتملة في الإمدادات لم يجرِ إضفاء الطابع الرسمي عليها بعد من خلال اتفاق، فإن ميلر لم يستبعد إمكان حدوث مثل هذا التطور في المستقبل القريب.
من جهتها، منحت الحكومة الروسية موافقتها على مخطط مشروع طريق الشرق الأقصى في أواخر يناير/كانون الثاني 2023.
وبموجب الشروط الرئيسة للمشروع، ستعبر إمدادات الغاز الطبيعي الجزء العابر للحدود من خط الأنابيب الذي يمتد على طول نهر أوسوري، ويربط مدينة دالنيريتشينسك الروسية بمدينة هولين الصينية.
خط أنابيب باور أوف سيبيريا
في 19 أكتوبر/تشرين الأول، شهدت تجارة الطاقة بين روسيا والصين توقيع إدارة شركة غازبروم الروسية عقدًا مع شركة النفط الوطنية الصينية (سي إن بي سي CNPC)، لتعزيز إمدادات الغاز الروسي إلى الصين عبر خط أنابيب باور أوف سيبيريا.
وبموجب الشروط الأساسية لهذا الاتفاق، تلتزم شركة غازبروم بإرسال 600 مليون متر مكعب إضافية من الوقود إلى الصين بحلول نهاية عام 2023.
وقد استلزمت هذه الزيادة متطلبات الصين اليومية من الغاز التي تجاوزت الكميات المنصوص عليها مبدئيًا في العقد الحالي، حسبما أشار الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم الروسية، أليكسي ميلر.
ومن المتوقع أن يسهل الخط الفرعي الجديد على روسيا زيادة إمداداتها من الوقود إلى الصين بما يقرب من ربع القدرة التصميمية القصوى لخط أنابيب باور أوف سيبيريا.
وأوضح ميلر، أن هذه الخطوة الإستراتيجية من جانب شركة غازبروم تُعدّ استجابة للزيادة الكبيرة في متطلبات الصين من الوقود، إذ يُطلق على الدولة لقب سوق الغاز الأسرع توسعًا في العالم.
وأضاف ميلر أنه "على طول طريق إمدادات الغاز الحالي، خط أنابيب باور أوف سيبيريا، كان شركاؤنا الصينيون يقدمون باستمرار طلبات يومية تتجاوز الكميات المنصوص عليها في العقد".
وأردف: "على سبيل المثال، بينما زدنا إمدادات الغاز بمقدار 400 مليون متر مكعب إضافية في عامي 2021 و2022، نتوقع أن يصل العرض الإضافي هذا العام إلى نحو 600 مليون متر مكعب".
وأشار إلى أن التوسع الجغرافي لإمدادات الوقود إلى الصين من شأنه أن يضع شركة غازبروم بصفتها موردًا رئيسًا للغاز إلى الدولة الآسيوية، بالتوازي مع الكميات التي أُرسلت تاريخيًا إلى دول أوروبا الغربية.
ولم يكشف ميلر عن تفاصيل تحقيق هذا التقدم الملحوظ في تجارة المواد الخام مع الصين.
ومن المقرر أن يشهد عام 2023 ضخ ما مجموعه 22 مليار متر مكعب عبر خط أنابيب "باور أوف سيبيريا"، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى 30 مليارًا في عام 2024.
ويُعدّ تطوير خط أنابيب باور أوف سيبيريا -2، وهو مشروع محوري آخر في محفظة علاقات الطاقة الروسية الصينية، جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجية روسيا لإعادة توجيه إمدادات الوقود إلى آسيا.
ويأتي ذلك وسط توقف معظم شحنات الوقود إلى أوروبا الغربية بعد فرض العقوبات الدولية ضد موسكو وتخريب أجزاء من شبكة خطوط أنابيب نورد ستريم.
ومن المتوقع أن تبلغ القدرة التصميمية السنوية لخط أنابيب "باور أوف سيبيريا-2" 50 مليار متر مكعب من الغاز.
على صعيد آخر، فإن الجولة الأخيرة من المفاوضات بين ميلر ورئيس مجلس إدارة شركة البترول الوطنية الصينية، داي هولين، لم تسفر عن تقدم كبير.
وعلى الرغم من أن المكتب الصحفي لشركة غازبروم لم يُعلّق على هذه التطورات، فقد أطلع ميللر الشريك الصيني على أعمال التصميم الجارية المتعلقة بمشروع خط أنابيب الغاز سويوز فوستوك في منغوليا، الذي يُتوقّع أن يكون أحد مكونات المسار المرتقب.
وكان الرد الفاتر إلى حد ما من الجانب الصيني على مشروع "باور أوف سيبيريا-2" واضحًا في أعقاب المحادثات التي جرت في موسكو خلال شهر مارس/آذار بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ.
قبل الاجتماع، أشاد بوتين بخط الأنابيب ووصفه بأنه "مشروع القرن"، لكن البيان المشترك بعد المناقشة أشار فقط إلى الجهود المبذولة لتعزيز المشروع، مع عدم وجود إشارة محددة إلى المسار من قبل شي جين بينغ.
وفي هذا السياق، كان مراقبو الصناعة يتوقعون حدوث انفراجة خلال زيارة الوفد الروسي للصين لحضور منتدى "حزام واحد، طريق واحد". ومع ذلك، فشل الاجتماع اللاحق في الحصول على أي تعليقات ملموسة من المفاوضين التجاريين الصينيين فيما يتعلق بالمسار المستقبلي للمسار.
تجارة الطاقة بين روسيا والصين
تنخرط الصين بشغف في التجارة مع روسيا، وتستوعب هذه الأحجام بسهولة، والأهم من ذلك، أن كلا البلدين قد أنشأ بصورة تعاونية آلية دفع مقبولة للطرفين: استعمال اليوان الصيني.
ونظرًا إلى المشتريات الروسية الكبيرة من الصين، فإن تداول اليوان على الجانب الروسي ليس معلَّقًا، وإنما يجري استثماره بطريقة نشطة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا منفتحة على التداول باليوان ليس فقط مع الصين، ولكن مع الدول الأخرى (مثل الهند).
ويُعدّ غياب مشكلات العملة علامة إيجابية مع استمرار السوق في التوسع، إذ يؤدي الاقتصاد الصيني دورًا محوريًا.
وعلى الرغم من أن تركيز الطرفين انصبّ، تاريخيًا، على مستويات تراكم المخزون، تحول الاهتمام الآن إلى نمو الاقتصاد الصيني، الذي مثل هذا العام ما يقرب من 70% من طلب الصين على النفط والمنتجات النفطية.
ولا يمكن إنكار أن مثل هذه السوق المزدهرة، إلى جانب الدعم السياسي القوي من كلا البلدين، مغرية. ومع ارتفاع المعدلات وغياب عوائق واضحة، يُظهِر هذا المسار التجاري بصفته واعدًا كبيرًا.
ولا يقدّم خط أنابيب "باور أوف سيبيريا-2"، على الرغم من الاتفاقيات الأولية المحتملة، حلًا فوريًا لقضايا إمدادات الغاز الملحة التي تواجهها شركة غازبروم، ويتطلب إنشاء مثل هذا الطريق المعقد عقدًا من الزمن على الأقل.
وعلى الرغم من أن التقديرات الرسمية لخط الأنابيب تبلغ 55 مليار دولار، فإنه عند الأخذ في الاعتبار تطوير حقلين، وبناء مصنع لمعالجة الغاز في منطقة أمور، والعديد من محطات الضغط، فإن التكلفة يمكن أن ترتفع إلى ما يقرب من 100 مليار دولار.
وتشير توقعات شركة غازبروم إلى أن الاستثمار سوف يصل إلى نقطة التعادل بحلول عام 2048، وتتحمل الشركة تكاليف البناء بالكامل بصورة مستقلة.
وبالنظر إلى أن تسعير الغاز في هذا المشروع يرتبط بأسعار النفط، فإن ربحيته تتوقف على أسعار النفط التي تتراوح بين 60 و90 دولارًا للبرميل.
الآفاق
من مصلحة شركة غازبروم أن التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة، فقد شهدت صادرات الغاز إلى أوروبا انخفاضًا حادًا، إذ انخفضت من 201 مليار متر مكعب في عام 2021 إلى ما يُقدر بـ26-27 مليار متر مكعب في عام 2023، وفقًا لتحليلات الخبراء.
بالإضافة إلى ذلك، تشهد صادرات غازبروم من الغاز إلى تركيا، التي يرتبط تسعيرها بأسعار النفط، أحجامًا متقلبة، وفي حال ارتفعت أسعار النفط، تتضاءل كميات التصدير.
وبدءًا من شهر مايو/أيار من هذا العام، كان هناك انخفاض بنسبة 25%، وتشير التوقعات إلى انخفاض آخر بنسبة 7.5% بحلول نهاية العام.
وبحلول نهاية عام 2023، من المتوقع أن يصل إجمالي صادرات غازبروم من الغاز إلى 80 مليار متر مكعب، وهو ما يمثّل انخفاضًا كبيرًا بنحو 2.5 مرة مقارنة بمستويات ما قبل الحرب في أوكرانيا في عام 2021.
ويكشف الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات الغاز الروسية منذ 2021 والتوقعات حتى 2030:
ويبدو أن روسيا تنجذب حتمًا إلى الصين بصفتها شريكتها الأساسية في مجال الطاقة في آسيا.
وفي الوقت الحالي، أعرب نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، عن اهتمام روسيا بمتابعة مشروعات التعاون مع الصين.
وتُعدّ تجربة خط أنابيب باور أوف سيبيريا بمثابة قصة تحذيرية، ويمثل عدم استثمار الصين أي يوان فيه خطرًا كامنًا يتجسد في استفادتها من شركة غازبروم للحصول على أسعار أفضل، ومن الأفضل التعاون مع شريك عادل بدلًا من إدارة عميل متقلب.
ويفسر مراقبو الصناعة تعليقات نوفاك على أنها أكثر من مجرد مجاملات دبلوماسية؛ ومن الناحية الجيوسياسية، تُعدّ الصين حاليا الحليف الأمثل لروسيا. ومع ذلك، فمن السذاجة أن نعتقد أن الصين لن تتوصل إلى صفقة صعبة.
ويتمثل التحدي الأساسي في أن روسيا، وشركة غازبروم على وجه الخصوص، لا تتمتع بقوة تفاوضية كبيرة في هذه المضمار.
* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- مدير وحدة أبحاث الطاقة: تخزين الكهرباء قد ينقذ مصر في المستقبل
- خبير: مصر تعاني بعد وقف الغاز الإسرائيلي.. وهذه تقديرات "شرق المتوسط"
- إنتاج الوقود من الطحالب الخضراء يبشر بمستقبل طاقة مستدام (مقال)