تقارير الغازرئيسيةغاز

الصين تمنح خط نقل الغاز التركماني أولوية.. وتجاهل متعمد لروسيا

أسماء السعداوي

يحظى أحدث مشروعات نقل الغاز التركماني إلى الصين بأهمية بالغة لدى بكين، لتعويض تأخيرات دامت نحو 10 سنوات، فضلًا عن زيادة مخزوناتها وتلبية الطلب المحلي.

وبالرغم من التحديات المالية والفنية التي تواجه مشروع الغاز التركماني، تبذل روسيا -في المقابل- جهودًا ضخمة لا تخطئها عين لنقل الغاز الروسي إلى بكين عبر خط "باور أوف سيبيريا 2".

فمن جهة، ترى موسكو أن الصين قد تصبح بديلًا لأوروبا التي كانت قبل غزو أوكرانيا- المشتري الرئيس للغاز، لكن بكين لديها حساباتها الخاصة.

بالنظر إلى مصالحها الجيوسياسية، تحظى إقامة "الخط د" ضمن خطوط أنابيب نقل الغاز التركماني إلى الصين بأولوية خاصة، تمنحها بكين لدول آسيا الوسطى، سعيًا للتوسع التجاري والاقتصادي عبر مبادرة الحزام والطريق، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

يشار إلى أن مبادرة الحزام والطريق هي مشروع ضخم أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، لإقامة روابط بنى أساسية مع 60 دولة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، لخدمة اقتصاد بلاده.

نقل الغاز التركماني إلى الصين

دعا الرئيس الصيني، يوم الجمعة 19 مايو/أيار 2023، دول آسيا الوسطى لإقامة شراكة تنموية بمجال الطاقة وتوسيع نطاق التعاون، بحسب تصريحات نقلتها شبكة تلفاز الصين الدولية.

وخلال قمة غير مسبوقة، دعا شي الجانبين إلى تسريع بناء "الخط د"، رابع مشروعات التطوير في خط أنابيب الغاز بين بلاده وآسيا الوسطى، بالإضافة إلى زيادة التجارة في النفط والغاز، ومواصلة التعاون عبر سلاسل صناعة الطاقة، وتعزيز التعاون في الطاقة الجديدة، والاستعمال السلمي للطاقة النووية.

يضم مشروع نقل الغاز التركماني إلى الصين عبر دول آسيا الوسطى 3 خطوط أنابيب دخلت نطاق الخدمة، وهي "إيه" و"بي" و"سي"، وتمرّ عبر تركمانستان وأوزباكسان وقازاخستان.

وحتى يونيو/ حزيران 2022، نقلت الخطوط الـ3 أكثر من 400 مليار متر مكعب من الغاز على مدار 12 عامًا، بحسب شركة بايب شاينا الصينية، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

ويعدّ المشروع الضخم أول خط أنابيب غاز عابر للحدود مع الصين، ويبدأ من تركمانستان وأوزباكستان ويمر عبر أوزباكستان وقازاخستان، وينتهي عند خط أنابيب الغاز الصيني "ويست - إيست" في هورغوس بمنطقة شينجيانغ لقومية الإيغور ذاتية الحكم في شمال غرب الصين.

يُشار إلى أن حجم تجارة الصين ودول آسيا الوسطى الـ5، بلغ 70 مليار دولار في العام الماضي (2022)، كما ارتفع بنسبة 22% في الربع الأول من هذا العام (2023)، وذلك على أساس سنوي.

"الخط د"

ما زال "الخط د" قيد التطوير، وهذه أبرز المعلومات عنه:

  • يأتي مصدر الغاز المنقول عبر الخط د من حقل فوشينغ للغاز في تركمانستان.
  • يمرّ الخط عبر أوزباكستان وطاجكستان وقرغيستان.
  • ينتهي عند المحطة النهائية في ووتشيا في منطقة شينجيانغ بالصين.
  • يبلغ طول الخط ألف كيلومتر، في حين يبلغ طول القطاع خارج الصين 840 كيلومترًا.
  • من المتوقع وصول حجم إنتاجه السنوي 30 مليار متر مكعب.
  • يعدّ "الخط د" أكثر خطوط الغاز تحديًا في العالم، بسبب طبيعة التضاريس الصعبة والمناطق الجبلية الوعرة الأكثر عرضة للزلازل.
  • هو أول خط أنابيب للغاز التركماني إلى الصين، ويمرّ بطاجيكستان وقرغيستان.
  • بلغت تكلفة الخط في 2024 6.7 مليار دولار.

- يستعرض الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- تصدُّر الصين قائمة البلدان الأكثر تطويرًا لخطوط أنابيب الغاز:

الصين

اهتمام خاص رغم التحديات

يقول مسؤولون حكوميون بقطاع النفط الصيني، إن بكين حريصة على تعزيز العلاقات مع دول آسيا الوسطى، وخاصة في "الخط د" الذي انطلق قبل 10 سنوات، وتعثّر بسبب المحادثات المعقدة المتعلقة بالأسعار، وعراقيل فنية أخرى تتعلق بمدّ الخط عبر 3 دول أخرى في وسط آسيا.

ويوضح أحد المسؤولين الحكوميين المطّلعين على الإستراتيجية العالمية لشركة النفط الوطنية الصينية (سي إن بي سي): "تُعدّ خطوط أنابيب الغاز بين الصين وآسيا الوسطى استثمارًا فارقًا بقطاع الطاقة والمجال الجيوسياسي في بكين، إنها قناة إمداد ذات قيمة إستراتيجية تبدد المخاوف التجارية".

وأكد المسؤولون أن بكين تعُدّ آسيا الوسطى بابًا لتوسيع التجارة وتأمين إمدادات الطاقة والحفاظ على الاستقرار، وبخاصة في منطقة شينجيانغ التي شهدت اضطرابات سابقة.

كانت الصين قد استوردت، خلال عام 2022 المنصرم، 35 مليار متر مكعب من الغاز عبر الخطوط الثلاثة الموجودة منذ عام 2009، بقيمة 10.3 مليار، مقارنة بنحو 4 مليارات دولارات عبر خط أنابيب وحيد مع روسيا.

استعدادات على قدم وساق

أطلقت "سي إن بي سي" الصينية الأسبوع الماضي دراسة جدوى بشأن القطاع الداخلي من "الخط د" بطول 200 كيلومتر، والذي يربط الحدود مع قرغيستان ومدينة ووتشيا.

وقال مصدر بارز في تقييم المشروع: "هذا يعني أن "الخط د" في طور الاستعداد"، مضيفًا أن البناء في المحطة المحلية في شينغيانغ، قد يبدأ العام المقبل 2024.

كان مسؤول في شركة "سي إن بي سي" الصينية قد قال الأسبوع الماضي، إن فرق الشركة التجارية "مستعدة"، بانتظار تكليف لإحراز تقدّم في المشروع، وفق ما نقلت عنه رويترز.

وأضاف المسؤول أن الشركة الصينية أقامت جزءًا من النفق الأول في دوشنابي عاصمة طاجكستان ذات الطبيعة الجبلية، حيث يبدأ الخط د، وذلك رغم عدم إبرام عقد نهائي بخصوص إمدادات الغاز.

وتتوقع شركتا الاستشارات سيا إنرجي وريستاد إنرجي، المتخصصتان في أبحاث الطاقة، أن يبدأ تشغيل "الخط د" في عام 2028.

ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب، في عامي 2021 و2022:

الصين

باور أوف سيبيريا 2

تعكس الأولوية التي تمنحها بكين بخط أنابيب الغاز التركماني إلى الصين اهتمامًا أقلّ بخطّ أنابيب "باور أوف سيبيريا 2" الذي تبنيه روسيا، وسينقل الغاز من غرب جزيرة سيبيريا إلى شنغهاي الصينية.

من المتوقع أن ينقل الخط 50 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز، بحسب معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتعوِّل موسكو كثيرًا على خط "باور أوف سيبيريا 2"، لتعويض تراجع مبيعات الغاز إلى أوروبا بعد الحرب على أوكرانيا، وخاصة بعد انقطاع إمدادات خط نورد ستريم، بحسب مسرولين في قطاع النفط الصيني ومستشارين بالصناعة.

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قال في مقالة نشرتها صحيفة الشعب الصينية في مارس/آذار المنصرم، إن خط أنابيب غاز "باور أوف سيبيريا" أصبح "صفقة القرن" من حيث السعة والحجم.

وفي إشارة إلى زيادة إمدادات النفط والفحم الروسي إلى الصين بشكل كبير، قال بوتين: "تشارك الشركات الصينية بنشاط في مشاريع الغاز الطبيعي المسال، والتعاون الصناعي والزراعي ينمو بشكل أقوى.. معًا نستكشف الفضاء الخارجي، ونطور تقنيات جديدة".

وحاليًا، يزوّد الغاز الروسي الصين عبر خط أنابيب باور أوف سيبيريا، والذي يُتوقع أن تصل طاقته السنوية الكاملة 38 مليار متر مكعب بحلول عام 2025.

خط أنابيب الغاز الروسي "قوة سيبيريا"
خط أنابيب الغاز الروسي "باور أوف سيبيريا" - الصورة من وكالة رويترز

الصين أمام خيارين

يمثّل الخطان التركماني والروسي معًا عقودًا بعشرات المليارات، ومن المتوقع أن يلبّيا 20% من الطلب على الغاز في الصين حاليًا.

كما يمثّل الخطان مفتاحًا في يد بكين لتحقيق هدف بكين في استعمال الغاز بصفته نقطة تحول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060، بالإضافة إلى الاستغناء عن سوق الغاز المسال المتقلبة.

وبحسب المصادر، فبالرغم من تفضيل الصين للغاز القادم من تركمانستان، فمن المحتمل أن تُبرم بكين في نهاية المطاف كلا العقدين لتلبية احتياجات الغاز الضخمة طويلة المدى.

مفاضلة بين الغاز التركماني والروسي

يُكبّد الغاز التركماني إلى الصين المنقول عبر الخطوط الـ3، بكين زيادة قدرها 30% مقارنة بالغاز الروسي الذي بدأ تدفّقه من شرق سيبيريا في أواخر عام 2019، بحسب بيانات الجمارك الصينية.

وتواجه شركة "سي إن بي سي" الصينية خسائر ضخمة استمرت سنوات بسبب تكاليف الاستيراد، ولذلك دخلت عدّة جولات من المحادثات لتخفيض سعر الغاز التركماني، إلّا أنها فشلت، وذلك بحسب مصدر بالصناعة مطّلع على الأمر.

من جانبها، ترغب تركمانستان بالدفع "وفق آلية التسعير العالمية"، بحسب مسؤول حكومي محلي مطّلع على المحادثات، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

ومن المحتمل أن تستمر مفاوضات الأسعار المعقدة، لأن الصين تمتلك خيارات إمداد متعددة، مثل الإنتاج المحلي وعقود الغاز المسال طويلة المدى المبرمة مع قطر والولايات المتحدة، حسبما يقول جيسون فير رئيس قسم معلومات الأعمال في شركة الوساطة والاستشارات المتخصصة بالطاقة والنقل البحري "بوتِن آند بارتنرز".

وأضاف فير: "يجب أن تكون الأسعار مرتفعة لتعويض نفقات بناء خط الأنابيب المكلف، وفي الوقت ذاته يجب أن تكون منخفضة بما يكفي لتكون تنافسية".

وربما يقلل مشروع "باور أوف سيبريا 2" ومقترح قازاخستان لتزويد بكين بالغاز، من شهية الصين للاستثمرار في "الخط د"، بحسب مسؤول في سي إن بي سي الصينية ومصدر بالصناعة.

وكانت قازاخستان قد أعلنت التوصل إلى اتفاق مبدئي لنقل الغاز الروسي عبر إقامة خط أنابيب جديد، وذلك بحسب تقرير نقلته منصة "وورلد بايبلاينز" (World Pipelines) في مايو/أيار الجاري.

ويقول المصدر: "قد تستعمل "سي إن بي سي" المقترحات الروسية، ورقة ضغط للتفاوض على سعر أفضل للغاز القادم عبر الخط د".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق