دفع ثمن النفط الروسي باليوان الصيني يضع الهند في ورطة (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- ممثلو الحكومة الهندية أخّروا المدفوعات باليوان لـ7 شحنات على الأقل من النفط الروسي
- السلطات الهندية رفضت طلبات مورّدِي النفط الروسي باستعمال اليوان عملة للدفع
- الهند واحدة من المستفيدين دون قصد من الصراع المستمر بين روسيا والغرب
- عدد متزايد من الدول يتجه إلى النفط الروسي، ما يؤدي إلى انخفاض الحسومات
- منتجو النفط الروس تكيّفوا ببراعة مع العقوبات الغربية، وقاموا بتنويع أسواقهم
تواجه الهند مأزقًا صعبًا بسبب احتمال دفع ثمن النفط الروسي باليوان الصيني، وهو العملة التي كانت البلاد مترددة في تبنّيها، ما يعكس الديناميكيات المتطورة في سوق النفط العالمية والمشهد الجيوسياسي الأوسع، إذ تنطوي كل خطوة على تداعيات كبيرة.
وأصبحت سوق النفط، إلى حدّ كبير، أشبه بسوق شعبية صاخبة، يسعى كل طرف إلى تأمين أفضل صفقة والحصول على منافع إضافية، وهكذا، وجدت الهند نفسها أمام ضغوط كبيرة بسبب اعتمادها على روسيا في تأمين احتياجاتها من النفط.
وأفادت الأنباء أن السلطات الهندية رفضت طلبات مورّدي النفط الروسي باستعمال اليوان عملة للدفع، مشيرة إلى توتر العلاقات بين نيودلهي وبكين.
في المقابل، فإن الحكومة الهندية، التي تمتلك ما يقرب من 70% من مصافي النفط في البلاد، ليست على استعداد للامتثال لمطالب روسيا.
في وقت سابق، أُعلِن أن ممثلي الحكومة الهندية أخّروا المدفوعات باليوان لـ7 شحنات على الأقلّ من النفط الروسي كانت مخصصة لمصافي التكرير المحلية.
ونتيجة لذلك، تنتظر المصافي الهندية الآن شحناتها من النفط الروسي، التي كان من المتوقع أن تصل بحلول نهاية سبتمبر/أيلول 2023.
وقد دفعت شركة نفط هندية واحدة مملوكة للدولة ثمن مشترياتها باليوان الصيني، في حين دفعت شركة بهارات بتروليوم وشركة هندوستان بتروليوم ثمن مشترياتها باليوان؛ ولم يتحول النفط بعد إلى العملة الصينية، على الرغم من أن المورّدين الروس المباشرين طلبوا ذلك.
وفي وقت سابق، قامت الهند بزيادة التخفيضات على النفط الروسي بمقدار 8 إلى 10 دولارات للبرميل، ما أدى إلى زيادة كبيرة في وارداتها من هذا الوقود.
وفي المدة بين إبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول، زادت واردات الهند من النفط الخام من روسيا بأكثر من الضعف، إذ ارتفعت من 780 ألف برميل يوميًا في المدة نفسها من العام السابق إلى 1.76 مليون برميل يوميًا.
الصراع بين روسيا والغرب
برزت الهند واحدة من المستفيدين دون قصد من الصراع المستمر بين روسيا والغرب، في أعقاب اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا والعقوبات اللاحقة التي فرضها الغرب.
ويتجلى هذا بوضوح في الفائض الكبير بالتجارة الخارجية الذي تحتفظ به روسيا مع الهند، ويتحول فعليًا إلى شكل من أشكال الإقراض المجاني.
وتشير التقديرات إلى أن الشركات الروسية تمتلك ما يقرب من 30 مليار دولار بالروبية الهندية، وهي عملة يصعب تحويلها إلى أشكال أخرى من العملات.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد نقص في السلع الهندية لموازنة هذا الفائض التجاري، وقد أشرنا إلى هذا الأمر في مقال نشرته منصة الطاقة المتخصصة في أغسطس/آب الماضي.
ومن ثم، ليس من المستغرب أن تسعى روسيا إلى تصدير منتجاتها للهند والحصول على عملة مختلفة، ويُفضَّل ألّا تكون الروبية الهندية.
على الرغم من عدم وجود حظر رسمي على المدفوعات باليوان إذا كانت مقيّدة في حسابات الشركات الهندية، فإن السلطات الهندية قد تضع عقبات في عملية الدفع.
وأعربت الحكومة الهندية عن استيائها من قرار الشركات استعمال اليوان الصيني للدفع في معاملاتها النفطية الروسية، وفي السابق، حاولت موسكو ونيودلهي إجراء هذه المعاملات بالروبية الهندية، لكنهما اضطرتا إلى التخلي عن الفكرة بسبب الخلل التجاري الكبير.
وأدى هذا التطور إلى تأخير سداد ثمن 7 شحنات من الوقود على الأقل، حسبما نقلت إحدى وكالات الأنباء عن مسؤولين في المصفاة، وما يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الهندية قد حظرت رسميًا تسوية المدفوعات باليوان.
وأوضح مسؤول بوزارة المالية موقف الحكومة بالقول: "إنها ليست محظورة، وإذا كانت شركة خاصة تستعمل اليوان للتسوية التجارية، فإن الحكومة لن تتدخل، ومع ذلك، فإنها لن تشجع أو تسهّل مثل هذه المعاملات".
ولم تؤدِّ هذه التأخيرات في السداد إلى تعطيل تدفّق الإمدادات بعد، إذ تسعى شركات التكرير الهندية، التي تسيطر عليها الدولة، جاهدة إلى استكشاف طرق دفع بديلة.
على سبيل المثال، عرض التجّار سداد مدفوعات إمدادات النفط الروسي بالدرهم الإماراتي، لكن الجانب الروسي أعرب عن تفضيله لليوان، وفقًا لمصادر داخل قطاع التكرير التي أوردتها وكالة الأنباء.
وأشارت المصادر إلى أن التسويات باليوان تؤدي إلى زيادة التكاليف، إذ يجب أولًا تحويل الروبية إلى دولار هونغ كونغ، ثم إلى اليوان، ما يؤدي إلى تكبّد نفقات إضافية بنسبة 2-3% مقارنة بالمعاملات التي تجري تسويتها بالدرهم.
على صعيد آخر، يوجد تصوّر سائد في الهند مفاده أن آلية الدفع هذه تعود بالنفع على الصين بصورة غير متكافئة.
وينبع هذا الشعور من التوترات المستمرة بين نيودلهي وبكين، خصوصًا منذ الاشتباك الحدودي في عام 2020، الذي أسفر عن سقوط ضحايا من الجانبين، ووقعت مناوشات مماثلة في ديسمبر/كانون الأول على طول خط السيطرة الفعلية في المناطق الحدودية المتنازع عليها جنوب التِّبت.
تاريخيًا، كانت العملة الأساسية المستعملة في التسويات بين روسيا والهند هي الدولار الأميركي، وبسبب العقوبات الدولية، تحولت موسكو بصورة متزايدة إلى العملات البديلة، بما في ذلك الروبل والروبية والدرهم.
بدأ هذا التحول يكتسب زخمًا في يوليو/تموز، عندما بدأت مصافي التكرير الهندية في استعمال هذه العملات المختلفة لدفع ثمن إمدادات الوقود الروسية.
وجرت تغطية هذا التطور بشكل موسّع في مقالتنا على منصة الطاقة المتخصصة.
وعلّقت موسكو ونيودلهي العمل على تحويل التجارة الثنائية إلى روبية بسبب الخلل التجاري ناقص 51 مليار دولار من الواردات إلى الهند مقابل 10.6 مليار دولار لروسيا.
وسجلت شحنات النفط الروسية إلى الهند رقمًا قياسيًا جديدًا بلغ 2.2 مليون برميل يوميًا في يونيو/حزيران، وكان هذا نحو نصف إجمالي واردات الهند من النفط، وبلغت حصة النفط الروسي في الهند 16.5%، قبل عام.
ديناميكيات التجارة بين روسيا والهند والصين
تزيد الديناميكيات التجارية المعقّدة بين الهند والصين من تعقيد الوضع، وفي عام 2022، بلغ حجم التجارة بين البلدين مبلغًا مذهلًا قدره 136 مليار دولار، وتجد الهند نفسها تعاني من عجز تجاري كبير مع كل من الصين وروسيا، ما يؤكد حاجتها إلى اليوان لتصحيح هذه الاختلالات.
ويمكن أن يُعزى الطلب الروسي المتزايد على العملة الصينية إلى زيادة حجم التجارة بين البلدين.
وفي النصف الأول من عام 2023، ارتفع حجم التجارة بين الصين وروسيا بنسبة 40.6% مقارنة بالمدة نفسها من عام 2022، ليصل إلى 114.54 مليار دولار، وفقًا لبيانات الإدارة العامة للجمارك لجمهورية الصين الشعبية.
وزادت الصادرات الصينية إلى روسيا بنسبة 78.1% إلى 52.284 مليار دولار، بينما نمت الصادرات الروسية إلى الصين بنسبة 19.4% إلى 62.263 مليار دولار.
وفي ظل العقوبات الغربية واستبعاد روسيا من نظام الدفع المصرفي سويفت، تخلّت الشركات الروسية إلى حدّ كبير عن التسويات بالدولار واليورو.
وفي الوقت نفسه، حققت روسيا فائضًا كبيرًا في الروبية الهندية بسبب توسّع التجارة بين البلدين، واستمر هذا الاتجاه حتى عام 2023، مع استمرار نمو الفائض التجاري الروسي مع الهند.
وفي الربع الأول من عام 2023، بلغت الشحنات الروسية إلى الهند 14.9 مليار دولار، في حين بلغت الشحنات من الهند أقل من مليار دولار.
وتكمن المشكلة الأساسية التي تواجهها الهند في العجز الضخم المستمر في تجارتها الخارجية، وهي المشكلة التي استمرت طيلة عقدين من الزمن.
وفي العام السابق، تجاوز العجز التجاري الهندي 300 مليار دولار، على الرغم من أنها تتباهى بواحد من أعلى معدلات النمو الاقتصادي على مستوى العالم، ويُدعَم هذا النمو إلى حدّ كبير من خلال القيود المفروضة على استعمال الروبية، ما يسمح للعالم فعليًا بدعم اقتصاد الهند.
الجدول التالي يُظهر أكبر مستوردي الوقود الروسي منذ بداية الحرب الأوكرانية:
الجدول التالي يُظهر الهند بصفتها ثاني أكبر مستوردي الوقود الروسي في 2023:
رد روسيا
بالنسبة لروسيا، فإن الوضع لا يخلو من الأمل، إذ يتجه عدد متزايد من الدول إلى شراء النفط الروسي، ما يؤدي إلى انخفاض الخصومات.
تجدر الإشارة إلى أن باكستان اشترت مؤخرًا 100 ألف طن من النفط الروسي، مدفوعة باليوان، وربما أثارت هذه الخطوة غضب الهند، التي تجد نفسها ،حاليًا، تتمتع بنفوذ محدود على مورّدي النفط الروس.
وقد تكيَّف منتجو النفط الروس ببراعة مع العقوبات الغربية، وقاموا بتنويع أسواقهم، وقد حصلت الصين وحدها على ما يقرب من 80 مليون طن من النفط الروسي في عام 2023، وهو ما يمثّل 15% من إجمالي إنتاج روسيا من النفط، ويتيح هذا التنويع لروسيا المرونة في اختيار عملتها المفضلة لمعاملات النفط.
وبالنظر إلى وجود فائض في المعروض من الروبية الهندية، التي لا يمكن استعمالها بشكل فعال في السوق الهندية، يوجد طلب متزايد على اليوان الصيني بين شركات النفط الروسية.
وفي هذا السياق، يبرز اليوان بصفته خيارًا جذابًا لروسيا، ويمكن استعمال العملة الصينية لشراء مجموعة واسعة من السلع الصينية، ما يعكس سيولته وجاذبيته.
وتُظهر الاتجاهات الأخيرة، مثل الارتفاع الكبير في مبيعات السيارات الصينية في روسيا، الأهمية المتزايدة لليوان.
وعلى الرغم من هذه المطالب، فإن الحكومة الهندية، بوصفها المالك الأكبر لمصافي ثالث أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، قاومت التحول إلى الدفع باليوان، وقد تسبَّب هذا النزاع بشأن العملة في تأخير بعض شحنات النفط الخام من روسيا إلى الهند، حسبما أبلغت مصادر في مصافي النفط وكالة بلومبرغ.
الجدول التالي يستعرض قيمة تدفقات الوقود الأحفوري الروسي:
خاتمة
تجد الهند نفسها في مواجهة مجموعة التحديات بسبب محدودية البدائل باستثناء دفع ثمن النفط الروسي باليوان، أو ربما بالروبل، وكما يقول المثل: "لا شيء شخصي، إنه مجرد عمل".
ويُبرِز هذا تعقيدات التجارة العالمية وأهمية ديناميكيات العملة في تشكيل العلاقات الجيوسياسية، وسوف توضع براعة الهند الدبلوماسية والاقتصادية على المحك، بسبب مشاركتها في مشهد الطاقة المعقّد هذا.
* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- الهيدروجين الأخضر حل مميز لتخزين الكهرباء والتغلب على تقطع الطاقة المتجددة (تقرير)
- 4 من عمالقة الطاقة في الخليج يوسعون استثماراتهم بقطاع الغاز
- وكالة الطاقة الدولية ترفع توقعاتها للطاقة المتجددة.. وهجوم جديد على النفط والغاز