تأجيل خطط الحياد الكربوني في المملكة المتحدة.. دعم للشعب أم لعبة سياسية؟ (تقرير)
أثار قرار تأجيل بعض خطط الحياد الكربوني في المملكة المتحدة صدمة بين أوساط المدافعين عن البيئة؛ فالبلاد كانت من أوائل المتعهدين بتحقيق الهدف الطموح بحلول عام 2050.
وألمحت تقارير لاتجاه رئيس الوزراء ريشي سوناك إلى تأجيل بعض سياسات التحول الأخضر، وعلى رأسها تأجيل حظر بيع سيارات البنزين والديزل الجديدة إلى 2035، واستبدال الغاز في الغلايات الكهربائية بالمضخات الحرارية، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ثم خرج سوناك في بيان ليؤكد الأنباء، قائلًا، إنه يستعد لطرح ما أسماه بنهج "أكثر ملاءمة" لتحقيق هدف الحياد الكربوني في المملكة المتحدة.
وبينما أرجع سوناك الخطوة بالرغبة في تخفيف العبء عن كاهل المواطنين اللذين يرزحون تحت وطأة أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة الناجمة عن الركود والتضخم، يشير آخرون إلى أن الهدف واضح، وهو استمالة الناخبين في الانتخابات المقرر عقدها في العام المقبل (2024) على حساب مصالح أخرى.
وفي هذا الصدد، انتقد مقال للكاتب أمبرز إيفانز بيتشارد الخطوة، قائلًا، إنها تمثّل تراجعًا صريحًا عن وعود سابقة بشأن المكاسب الهائلة للتحول الأخضر وفوائده التي لا تُحصى للاقتصاد والشعب، بحسب ما نشرته صحيفة "تلغراف" (Telegraph) البريطانية تحت عنوان "ريشي سوناك يخون اقتصاد التقنيات النظيفة في بريطانيا من أجل صحن حساء".
كما لفت إلى أن الغاية من ورائه سياسية بحتة، لكسب أصوات المؤيدين لحزب المحافظين الحاكم في الانتخابات المقررة في العام المقبل (2024).
سياسات الحياد الكربوني في المملكة المتحدة
اتّهم مقال صحيفة تلغراف خطط رئيس الوزراء ريشي سوناك بشأن الحياد الكربوني في المملكة المتحدة بإحباط خطط التحول إلى السيارات الكهربائية التي تشهد نموًا مطّردًا مؤخرًا.
وكان هناك أكثر من 1.1 مليون سيارة كهربائية على الطرق بالمملكة حتى شهر أبريل/نيسان 2023، وهو أكثر من الضعف مقارنة بعام 2022 الماضي عندما شكّلت السيارات الكهربائية واحدة من كل 32 سيارة.
وتقول جمعية مصنّعي وتجّار السيارات، إن ثُلثي السائقين يرغبون في التحول إلى السيارات الكهربائية، إلّا أن ما يعوقهم هو ارتفاع التكاليف وشح بنية الشحن الأساسية.
وبحسب الجمعية، كل 9 من بين 10 بريطانيين تحوّلوا إلى السيارات الكهربائية قالوا إنهم لن يعودوا لسيارات البنزين.
يأتي القرار في وقت حرج، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط نتيجة لقرار السعودية تمديد الخفض الطوعي للإنتاج بمقدار مليون برميل يوميًا حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول من هذا العام 2023، وكذلك قرار روسيا خفض صادراتها بمقدار 300 ألف برميل يوميًا حتى نهاية العام أيضًا.
كما سجل احتياطي النفط الإستراتيجي الأميركي أدنى مستوى له في 40 عامًا، بحسب بيانات وزارة الطاقة الصادرة في أبريل/نيسان 2023.
ورغم ذلك، يتوقع التقرير ألّا يؤثّر تراجع المملكة المتحدة عن موعد حظر سيارات البنزين والديزل الجديدة، كثيرًا في سوق السيارات الكهربائية التي ستغمر السوق في غضون عامين.
يؤكد ذلك رئيس الوزراء سوناك نفسه بقوله: "أتوقع أنه بحلول عام 2030، ستكون الغالبية العظمى من السيارات المبيعة كهربائية. لماذا؟ لأن التكاليف في تراجع والنطاق في تحسّن وبنية الشحن الأساسية تنمو".
كما يشير التقرير إلى أن القوة الملزمة لقانون تغير المناخ تعني أن المحكمة العليا ستجبر الحكومة على العودة للأهداف السابقة، حتى مع إعادة انتخاب حزب المحافظين الذي يمثّله سوناك.
انعكاسات القرار
يحمل التراجع عن سياسات الحياد الكربوني في المملكة المتحدة في طياته تأثيرًا مهمًا، فقد أعلنت البلاد قبل مؤتمر المناخ "كوب 26" تقديم موعد حظر بيع السيارات العاملة بالبنزين والديزل إلى 2030.
وعرضت الحكومة البريطانية إستراتيجية الحياد الكربوني على مجلس العموم قبل انطلاق قمة كوب 26 التي استضافتها مدينة غلاسكو بإسكتلندا.
وتعهدت الحكومة حينها بتقديم منح للسيارات الكهربائية ومحطات الشحن بقيمة 620 مليون جنيه إسترليني (758.8 مليون دولار)، بالإضافة إلى 350 مليون جنيه إسترليني (428.3 مليون دولار) للمساعدة في التحول بعيدًا عن سيارات البنزين.
كما تضمنت تعهدات الحكومة لتحقيق الحياد الكربوني تقديم منح تصل إلى 5 آلاف جنيه إسترليني (6.11 آلاف دولارًا) لأصحاب المنازل لتركيب مضخات حرارية منخفضة انبعاثات الكربون، و120 مليون جنيه إسترليني (146.8مليون دولار) لتطوير مفاعلات نووية صغيرة.
وشملت الالتزامات أيضًا 625 مليون جنيه إسترليني (764.9 مليون دولار) لزراعة الأشجار، مع استثمارات مالية لتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه.
(الجنيه الإسترليني= 1.22 دولارًا أميركيًا)
تعليقًا على الخطوة الأخيرة، يقول ممثل المملكة المتحدة في المفاوضات بشأن اتفاق باريس للمناخ سابقًا، وأستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة شيفلد حاليًا، مايكل جيكوبس: "ما يراه العالم في تراجع سوناك عن الحياد الكربوني هو الافتقار إلى الجدّية".
وأضاف أن سياسة المناخ في بريطانيا كانت محلّ حسد بسبب التوافق الكبير، فقد صوّت 5 فقط من نواب المحافظين في عام 2008 ضد قانون المناخ، لكن الآن ثمة شعور بأن بريطانيا لم تعد قادرة على الحكم بصورة صحيحة، وهذا يبثّ الرعب.
السيارات الكهربائية
كان حظر بيع سيارات البنزين والديزل الجديد بحلول 2030 بمثابة عقد ضمني مع مستثمري صناعة السيارات الكهربائية وتقنيات الطاقة النظيفة بصورة أشمل، لكن هذا التراجع يمثّل انتهاكًا لهذا الاتفاق.
يقول الكاتب، إنه لا يوجد مبرر لتراجع سوناك عن أهداف سياسة الحياد الكربوني في المملكة المتحدة، كما أن صنّاع السيارات الكهربائية يرغبون في استمرار حظر بيع سيارات البنزين والديزل في 2030 وليس 2035، بعد استثمارهم بقوة في تقنيات السيارات الكهربائية.
وتقول شركة فورد (Ford)، إنها أنفقت 430 مليون جنيه إسترليني (532 مليون دولار) لصالح تطوير وتصنيع السيارات الكهربائية، كما من المتوقع أن تخصص تمويلًا إضافيًا ضمن هدف عام 2030.
وانتقدت مديرة شركة فورد بالمملكة المتحدة، ليزا برانكين، الخطوة، قائلة: "تحتاج مشروعاتنا إلى 3 أشياء من الحكومة البريطانية، وهي الطموح والالتزام والاتّساق، لكن تأجيل موعد 2030 سيقوّض الأشياء الـ3".
كما اختصرت شركة السيارات ستيلانتيس (Stellantis) مطالبها من الحكومة البريطانية بقولها: "كل المطلوب هو الوضوح".
ويشير تحليل أجراه في معهد روكي ماونتن الأميركي (Rocky Mountain Institute (RMI)) إلى أن مبيعات السيارات الكهربائية ستتزايد فور وصولها إلى 10% من إجمالي المبيعات.
يقول المعهد: "يستغرق الأمر نحو 6 سنوات لتشكّل السيارات الكهربائية من 1% إلى 10% من مبيعات السيارات الجديدة، وستكون المرحلة المقبلة أسرع وفي الدول الرائدة يستغرق الأمر 6 سنوات أخرى للوصول إلى نسبة 80% من المبيعات.
كما يتوقع المعهد الأميركي أن تشكل السيارات الأميركية 50% من إجمالي مبيعات السيارات عالميًا بحلول عام 2026، كما سيرفع الجيل الجديد من بطاريات السيارات الكهربائية نطاق القيادة إلى ألف ميل بتكلفة أقلّ.
ورغم كل ذلك المستقبل الواعد، تخلّت الحكومة عن التزامها بشأن حظر سيارات البنزين والديزل، والذي كانت على بُعد 7 سنوات منه فقط.
يقول المقال، إنه لا يوجد سبب منطقي لذلك، ولكن الحكومة تسعى لاستغلال القضية المثيرة للجدل لصالحها في الانتخابات المقبلة.
ويعتقد حزب العمال المعارض أن رئيس الوزراء سوناك سمح لمعارضي التحول الأخضر في حزب المحافظين، بجرّه إلى الفخ.
كما تصدَّر رئيس حزب العمال السير كير ستارمر الواجهة في كل القضايا للحفاظ على تصدُّره لاستطلاعات الرأي، ولكن ليس فيما يتعلق بسياسة المناخ.
يقول الأستاذ بجامعة شيفلد مايكل جيكوبس: "تلك بالضبط هي الساحة التي يريدون التنافس عليها في الانتخابات".
موضوعات متعلقة..
- وزيرة بريطانية: لن ننقذ كوكب الأرض بإفلاس الشعب.. سنؤجل التحول الأخضر
- خطط تحول الطاقة في أوروبا تتراجع أمام الضغوط الاقتصادية.. هل تفشل تمامًا؟
- بطاريات السيارات الكهربائية "المتوقفة" تضيء 1.3 مليون منزل في المملكة المتحدة (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- هل تتأثر قناة السويس بالطريق البديل لعبور السفن؟.. حل قديم قد ينقذ مصر
- سلطنة عمان تستكشف الهيدروجين تحت الأرض.. أول دولة عربية (صور)
- أكبر الدول الأفريقية المنتجة للنفط في أوبك خلال 2023 (رسوم بيانية)