أنسيات الطاقةالتقاريرتقارير النفطرئيسية

كيف دفعت أسعار النفط أميركا إلى تبني "نظام شيوعي"؟ أنس الحجي يجيب (صوت)

إدارة نيكسون لجأت إلى تسعير النفط جبريًا

أحمد بدر

قال مستشار تحرير منصة الطاقة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن أسعار النفط دفعت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى تبني نظام شيوعي بحت، لتجنب خسارة الانتخابات الرئاسية.

وأوضح الحجي -في حلقة من برنامج "أنسيّات الطاقة"، قدّمها على موقع "إكس" بعنوان "مآسي الدعم الحكومي لمصادر الطاقة والسيارات الكهربائية"-، أن حكومة نيكسون كانت جمهورية، أي أنها تؤيّد قوى السوق، وليست ديمقراطية لتؤيّد التدخل الحكومي.

ولكن -وفق الحجي- عندما ارتفعت أسعار النفط أو بدأت ترتفع منذ عام 1971 في الولايات المتحدة، وبدأ التضخم يضرب أطنابه في كل مكان، خافت إدارة نيكسون من زيادة معدلات التضخم، ومن ثم عدم الفوز في الانتخابات الرئاسية.

وأضاف: "تبنّت حكومة نيكسون نظامًا شيوعيًا بحتًا، وهو تسعير كل شيء، فكان سعر البنزين محددًا، وكذلك سعر الغاز، وسعر الديزل وأسعار النفط الخام أيضًا محددة من جانب الحكومة، ولكن هذا أدى إلى مشكلات كبيرة، لأن الولايات المتحدة منتجة للنفط، وهناك ولايات جنوبية منتجة للنفط وولايات شمالية لا تنتجه وتستورده، ومصافي الجنوب تأخذ النفط من الجنوب، ومصافي الشمال تأخذ النفط السعودي والخليجي".

أزمة الطاقة في أميركا

قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إن الحكومة الأميركية فرضت تسعير النفط الأميركي، لأنه كان أقل من 3 دولارات عندما ارتفعت أسعار النفط بصورة كبيرة في نهاية عام 1973.

وأضاف: "أسعار النفط لم ترتفع بسبب الحظر الذي فرضته بعض الدول العربية على الولايات المتحدة، فأزمة الطاقة موجودة في أميركا مسبقًا، وحذّر الرئيس نيكسون ووزير التجارة وغيرهما من ارتفاع شديد في الأسعار قبلها بعامين، إذ كان هناك عجز كبير ليس فقط في النفط وإنما بكل المجالات".

أسعار النفط

وأوضح الدكتور أنس الحجي، أن المشكلة الرئيسة أن أزمة الطاقة كانت موجودة في أميركا على كل الحالات، وكانت الأسعار ستنفجر، إذ رفعت دول أوبك أسعار النفط المعلنة بنسبة 70% قبل الحظر، لذلك هناك أمران، أولهما تصرف أوبك، والثاني هو الحظر في أعقاب حرب 1973، وهما أمران منفصلان.

ولفت إلى أنه مع قفزة الأسعار، رأت الحكومة الأميركية أن ارتفاعها من 2.5 دولارًا إلى 4 دولارات ثم 7، وبعدها 12، إلى 14 دولارًا، فإن المنتجين الذين لديهم آبار محفورة سابقًا ليس لهم الحق في الأرباح الإضافية، لأن تكاليفهم لم تزد، فأصدرت قرارًا بأن كل إنسان عنده بئر نفطية محفورة قبل تاريخ معين، ويُنتج منها قبل هذا التاريخ، لا يمكنه بيع النفط بأكثر من 3 دولارات للبرميل.

وتابع: "حدث هذا وأسعار النفط العالمية في حدود 7 دولارات، وتواصل الارتفاع حتى أصبحت 12 دولارًا، وهو ما تسبب في مشكلة، لأن المصافي في الجنوب أصبحت تشتري النفط بـ3 دولارات، ولكن المصافي في الشمال تستورده من السعودية والكويت وأماكن أخرى بـ12 دولارًا".

وتسبب ذلك -وفق الحجي- في أزمة، إذ انزعج أعضاء مجلس الشيوخ من الولايات الشمالية فأنشؤوا نظامًا جديدًا يقضي بأن تتساوى الأسعار في كل مكان، لذلك فإن تدخل الحكومة الأميركية كان خطأ وتسبب في كارثة، أدت إلى الترقيع لاحقًا، وكلما وجدوا مشكلة يحاولون ترقيعها حتى انهار النظام بالكامل في أواخر السبعينيات.

نظام توازن الأسعار الأميركي

قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن النظام الجديد الذي أنشأه الأميركيون لتحقيق توازن الأسعار، ألزم المصافي الأميركية بعدم شراء النفط إلا بتصريح حكومي، وهو ما جعل الدولة التي تُعد أم الرأسمالية في العالم تتصرف مجددًا مثل الشيوعيين.

وأضاف: "لا تستطيع أي مصفاة في الولايات المتحدة أن تشتري النفط إلا بتصريح حكومي، يعطيها صلاحية بأنها إذا اشترت بأسعار النفط القديمة البالغة 3 دولارات، فإنها تدفع ضرائب للحكومة الأميركية بنحو 4.5 دولارًا، ليصبح إجمالي ما تدفعه 7.5 دولارًا".

أسعار النفط
مصفاة نفط أميركية - الصورة من "بلومبرغ"

وبعدها -بحسب الدكتور أنس الحجي- تأخذ الحكومة هذه الـ4.5 دولارًا التي حصلت عليها من المصافي في الجنوب، وتعطيها للمصافي في الشمال التي استوردت النفط من الخليج بـ12 دولارًا، ليكون المتوسط في حدود 7.5 دولارًا، وهو ما يبرز مجددًا مآسي التدخل الحكومي في التسعير.

وتابع: "الآن انتهت المقاطعة، وتبيّن عدم وجود عجز في إمدادات النفط، وأن كل التقارير التي كانت تقول إن أسعار النفط ستصل إلى 100 دولار خاطئة، وأن التقارير التي قالت إن عصر النفط انتهى أو سينتهي خلال عام أو عامين خاطئة، فكانت هناك وفرة -في عام 1975 تقريبًا- في الإنتاج، وليس هناك أي عجز".

ولفت إلى أن المشكلة أنه بسبب توقع ارتفاع الأسعار المستمر ووصولها إلى 100 دولار، خزنت الشركات والأشخاص كميات ضخمة من النفط، خاصة النفط القديم الذي كان يُباع بـ3 دولارات، وهناك أزمة أن القانون ينص على أن النفط القديم لا يُباع إلا بـ3 دولارات، في حين الشركات اشترته وخزنته 6 أشهر ودفعت تكاليف تخزين وعمال وغيرها، والآن هناك تكاليف شحنه إلى السوق، ما ينذر بحدوث خسارة.

لذلك -وفق الحجي- لجأت الشركات والتجار إلى الكونغرس الأميركي، الذي قرر السماح لمنتجي النفط أو مالكيه ببيع النفط القديم بربح 50 سنتًا للبرميل، أي بيعه بسعر 3.5 دولارًا، لذلك توصل بعض المحامين في الجنوب، وتحديدًا في ولاية لويزيانا، إلى ثغرة في القانون.

أرباح ضخمة بثغرات القانون

قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي: "وضع المحامون إعلانات في الصحف عن وظائف برواتب عالية دون أي شروط، فجمعوا عددًا كبيرًا من الشبان والفتيات في قاعة، وقالوا لهم ستوقعون على أوراق تجعل كلًا منكم رئيس شركة، ونعطيكم مبالغ معينة، وخلال نصف ساعة -وهذه الأرقام افتراضية- يكون هناك 30 شخصًا، أي 30 شركة و30 رئيس شركة".

وأشار إلى أن المحامين جاؤوا بعقود نفط بكميات كبيرة، وجعلوا كل رئيس شركة يوقع على شراء النفط في العقد بسعر يزيد على 50 سنتًا، فكان أحدهم يوقع على الشراء بسعر 3.5 دولارًا، وبعده يوقع شخص آخر على الشراء منه بسعر 4 دولارات، والتالي يشتريه بسعر 4.5 دولارًا، حتى أصبحت أسعار النفط بنحو 14 دولارًا، فحققوا أرباحًا خيالية أزعجت الحكومة، التي قررت محاكمة كل من اشترك في هذه العقود.

أسعار النفط

وبنهاية عام 1976 -وفق أنس الحجي- خسرت الحكومة الأميركية كل القضايا بأكثر من ملياري دولار تكاليف محاماة، لأن القضاة الذين دخلوا على الخط في الموضوع وذهبت إليهم هذه القضايا قالوا إن الكونغرس سمح ببيع هذا النفط بربح 50 سنتًا، ولم يقل بربح 50 سنتًا لمرة واحدة.

وتابع: "الحكومة الأميركية كانت تقصد الربح لمرة واحدة، ولكنها لم تكتب هذا في القانون، لذلك فإنها خسرت مبالغ ضخمة، واستفاد المحامون ومن عمل منهم، وذلك كله بسبب التسعير الحكومي، الذي عادة ما يؤدي إلى أزمات كبيرة".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق