مقالات الغازالمقالاترئيسيةغاز

ظاهرة النينو تؤثر في استهلاك الكهرباء وإنتاج الغاز بأميركا (مقال)

أومود شوكري* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • صناعة الطاقة تمرّ بتحول دقيق خلال فاعليات النينو ما يستلزم إجراء تحليل شامل لآثارها
  • درجات الحرارة المرتفعة المرتبطة بظاهرة النينو تنطوي على تأثير مستمر في ديناميكيات الطاقة
  • في أثناء حدوث ظاهرة النينو القوية ينخفض الطلب على الغاز الطبيعي لأغراض التدفئة بصورة ملحوظة
  • انخفاض الطلب على الكهرباء خلال فصول الشتاء الدافئة يؤثر في إنتاج الكهرباء

يؤثّر التذبذب الجنوبي لظاهرة النينو (إي إن إس أو)، بصورة كبيرة، في استهلاك الكهرباء وإنتاج الغاز الطبيعي وتصديره بالولايات المتحدة، إذ يتأثر النظام المناخي وقطاع الطاقة بهذه الظاهرة المناخية، ويَبرز تأثيرها من خلال التفاعل المعقد للعناصر المناخية وتداعياتها.

ويُظهر احتمال ارتفاع درجات الحرارة فوق المعدل الطبيعي في الولايات المتحدة، من خلال الانتقال من ظاهرة لا نينا "النينا" إلى حالة محايدة وظروف النينو المتوقعة، ما قد يقلل من المخاطر المرتبطة بالحرارة الشديدة.

وتمر صناعة الطاقة بتحول دقيق في أثناء فاعليات ظاهرة النينو، ما يستلزم إجراء تحليل شامل لآثارها، إذ تسبب هذه الظاهرة، التي تتميز بارتفاع درجات حرارة سطح البحر في المحيط الهادئ، اختلالًا في تدفق الهواء، ما يؤثر على أنماط الطقس العالمية.

الطلب على الطاقة

يَبرز تأثير ظاهرة النينو في الطلب على الطاقة وأسعارها من خلال التفاعل المعقد للعناصر المناخية وتأثيرها في استعمال الطاقة، وتنطوي درجات الحرارة المرتفعة المرتبطة بهذه الظاهرة على تأثير مستمر في ديناميكيات الطاقة.

من ناحيتها، تستعمل القطاعات السكنية والتجارية طاقة أقل للتدفئة بسبب انخفاض الحاجة إليها، ويزيد الاستعمال واسع النطاق لأنظمة التدفئة التي تعمل بالغاز الطبيعي من حدة هذا الاتجاه، ويسبب الطقس الأكثر دفئا تغيرات في أنماط استعمال الطاقة، ما يقلل من الحاجة إلى الغاز الطبيعي.

منطقة لإنتاج النفط والغاز الطبيعي في حوض برميان بولاية نيو مكسيكو الأميركية
منطقة لإنتاج النفط والغاز الطبيعي في حوض برميان بولاية نيو مكسيكو الأميركية - الصورة من رويترز

تُعدّ العتبة المنخفضة لدرجات التدفئة اليومية مؤشرًا على حدوث ظاهرة النينو القوية، التي تتميز بدرجات حرارة أعلى بكثير، ويُعدّ هذا المعيار، الذي يقيس الطلب على التدفئة، أقل بصورة ملحوظة مما كان عليه في السنوات التي لم تشهد ظاهرة النينو.

على صعيد آخر، يؤدي تراجُع الطلب على التدفئة إلى انخفاض استعمال الطاقة، ما قد يؤثر في أسعار الغاز الطبيعي.

وقد تجبر ارتفاعات درجات الحرارة الناجمة عن ظاهرة النينو شركات الغاز الطبيعي على مراجعة إستراتيجيات التسعير لديها لمراعاة التغيرات في سلوك المستهلك.

ويتجلى التفاعل المعقد بين التغيرات المناخية وديناميكيات الطاقة خلال فاعليات ظاهرة النينو من خلال الارتباط بين اتجاهات درجات الحرارة واستعمال الطاقة وأسعار الغاز الطبيعي.

إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره

تظهر العواقب المعقدة لظاهرة النينو على البنية المعقدة لصادرات الغاز الأميركية من خلال العديد من الحقائق المثيرة للاهتمام.

وتوضح الإحصائيات كيف أن هذه التغيرات في درجات الحرارة تقلل من الحاجة إلى التدفئة، وتظهر البيانات التاريخية بوضوح انخفاضًا حادًا في درجات التدفئة اليومية خلال أوقات النينو، ما يؤكد انخفاضًا ملحوظا في الحاجة إلى الطاقة لأغراض التدفئة.

وعند مقارنتها بالسنوات التي لم تَشهد ظاهرة النينو، تظهر المتوسطات التاريخية لدرجات التدفئة اليومية في الولايات المتحدة انخفاضًا كبيرًا يبلغ نحو 7%، وهو ما يمكن ملاحظته بصورة خاصة خلال فاعليات النينو الشديدة.

وتتأثر أنماط الاستهلاك، في القطاعيْن السكني والتجاري، بصورة كبيرة، بالتفاعل بين التغيرات في درجات الحرارة والطلب على الطاقة. وتؤكد الإحصائيات أنه في أثناء حدوث ظاهرة النينو القوية ينخفض الطلب على الغاز الطبيعي لأغراض التدفئة بصفة ملحوظة، ما يعكس تراجع الحاجة إليها.

علاوة على ذلك، يُظهر التحليل انخفاض الطلب على الغاز الطبيعي خلال أوقات ظاهرة النينو القوية، مع عدم وجود اختلاف كبير في درجات التدفئة اليومية.

نتيجة لهذا فإن مستقبل أنماط الاستهلاك وأسعار الغاز والكهرباء وزيت التدفئة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى قوة ظاهرة النينو الحالية.

وعلى الرغم من استمرار حالة الضبابية، يوجد ارتباط قوي بين درجات حرارة سطح البحر في أغسطس/آب وتلك السائدة بعد ذلك بين ديسمبر/كانون الأول وفبراير/شباط، ما يزيد من قدرة الإحصائيات على التنبؤ بالمستقبل.

ويمتد التأثير العام إلى مجال تكاليف الكهرباء والطلب عليها. وتشير الإحصاءات إلى أن انخفاض استهلاك الكهرباء، وتوليدها، يرتبط بفصول الشتاء الأكثر اعتدالًا الناجمة عن ظاهرة النينو.

ونظرًا إلى إسهاماتها الكبيرة في إنتاج الكهرباء، فإن هذه التطورات محسوسة بقوة في صناعة الغاز الطبيعي، إذ من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه عندما ينخفض الطلب على الكهرباء، يجري تعديل تقنيات التداول تحسبًا لهذا الانخفاض، ما قد يسبب تغيرات في أسواق الغاز الطبيعي.

وتؤيد ذلك الإحصائيات التي توضح تغيرات الأسعار في سوق الغاز الطبيعي خلال الأوقات التي تأثرت فيها ظاهرة النينو.

صعوبة التنبؤ بأسعار الغاز

تتأثر انعكاسات ظاهرة النينو على أسعار الغاز الطبيعي بعوامل السوق الكبرى، وقد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة في أثناء ظاهرة النينو إلى تقليل الحاجة إلى التدفئة، لكن عناصر أخرى، مثل الاضطرابات الجيوسياسية وانقطاع الإمدادات، قد تسبب عدم استقرار الأسعار.

وفقًا للتقييم الأولي، من المحتمل أن تكون الاضطرابات في قطاع الطاقة الناجمة عن الأزمة في أوكرانيا قد أسهمت في زيادة تكاليف الطاقة في عام 2022. وقد تطغى هذه المتغيرات الخارجية على التأثير غير المباشر لظاهرة النينو في أسعار الغاز الطبيعي.

وتمتد تأثيرات ظاهرة النينو المنتشرة إلى العالم المعقد للطلب على الطاقة وشبكات الأسعار، ما يؤثر في إنتاج الغاز الطبيعي وصادراته.

بالإضافة إلى ذلك، يتراجع الطلب على الغاز الطبيعي بصفته وقودًا لتوليد الكهرباء بصورة متزامنة، بسبب انخفاض متطلبات توليد الكهرباء خلال مواسم الشتاء الأكثر دفئًا في ظاهرة النينو.

وامتدت تداعيات هذا التأثير المضاعف في سوق الطاقة، ما أجبر تجار الطاقة على مراجعة توقعاتهم وإستراتيجيات التداول لديهم.

وقد يؤدي تأثير ظاهرة النينو إلى زعزعة أسواق الغاز الطبيعي، خصوصًا عندما يقترن بتوقعات ضعف الطلب، إذ تتأثر نماذج الإنتاج والتصدير للغاز الطبيعي في حين يعمل المتداولون في سوق تتسم بتوقعات متقلبة وتقلبات في الأسعار.

لذلك، ترتبط التغيرات في أنماط الطقس والطلب على الطاقة وديناميكيات السوق بقوة بطريقة تأثير ظاهرة النينو في إنتاج الغاز الطبيعي وصادراته بالولايات المتحدة.

ومن المرجح أن يؤدي الانتقال من فاعليات النينا إلى حالة النينو المحايدة والمتوقعة إلى درجات حرارة أعلى من المعتاد تهيمن على أنماط الطقس في أميركا الشمالية، وفقًا للبحث الأولي.

مصفاة نفط في أميركا
مصفاة نفط في أميركا - أرشيفية

الطلب على التدفئة

من المتوقع أن تتسبب درجات الحرارة المرتفعة هذه في انخفاض الطلب على التدفئة، ما قد يؤدي مؤقتًا إلى استهلاك كميات أقل من الغاز الطبيعي للتدفئة.

وبالتالي، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليل استعمال الغاز الطبيعي في القطاعين المنزلي والتجاري. وعندما يحدث تأثير كبير لظاهرة النينو، تكون درجات الحرارة في فصل الشتاء في الولايات المتحدة أكثر دفئًا.

وأصبحت درجات التدفئة اليومية أقل في الماضي بسبب هذه الظاهرة، ما يشير إلى انخفاض الحاجة إلى الطاقة للتدفئة. نتيجة لذلك، قد تقل الحاجة إلى الغاز الطبيعي للتدفئة، ما قد يؤثر في إنتاجه.

وعلى الرغم من أن ظاهرة النينو قد يكون لها تأثير في الطلب، فمن المهم أن نأخذ في الاعتبار أن متغيرات السوق الأخرى والتطورات الجيوسياسية يمكن أن تؤثر بصورة كبيرة في أسعار الغاز الطبيعي وإنتاجه.

وتُظهر التفاعلات بين ظاهرة النينو والطلب على الكهرباء وصادرات الغاز الطبيعي مدى تعقيد قطاع الطاقة. ويؤثر انخفاض الطلب على الكهرباء خلال فصول الشتاء الدافئة في إنتاج الكهرباء، ما يؤثر بدوره في كمية الغاز الطبيعي المستعملة.

وبالتالي، قد يؤثر ذلك في صادرات الغاز الطبيعي بسبب الانخفاض المتوقع في الطلب، ما يؤدي إلى تغيير السوق وزيادة تقلبات الأسعار.

على ضوء ذلك، فإن مجموعة متنوعة من العوامل المرتبطة بالطاقة الأكثر انتشارًا تؤثّر في طريقة انعكاس ظاهرة النينو على صادرات الغاز الطبيعي وإنتاجه.

من جهتها، تؤثر التغيرات في درجات الحرارة والطلب على الكهرباء وديناميكيات السوق في تداعيات ظاهرة النينو على صادرات الغاز الطبيعي وإنتاجه في الولايات المتحدة.

ويؤدي التحوّل من مناخ النينا المعتدل إلى الظروف المحايدة أو ظروف النينو إلى ارتفاع درجات الحرارة، ما يؤثر في الطلب على التدفئة واستعمال الغاز الطبيعي.

وترتبط درجات التدفئة اليومية الأقل، عادةً، بظاهرة النينو القوية، التي لها تأثير في متطلبات الطاقة. وحتى لو كانت هذه التأثيرات تتأثر بعوامل السوق، فإنها تمثل تذكيرًا بالحاجة إلى فهم تأثيرات النينو العديدة لاتخاذ قرارات مستنيرة في قطاع الطاقة.

وتُعدّ تأثيرات ظاهرة النينو على إنتاج الغاز الطبيعي وصادراته في الولايات المتحدة معقدة وترتبط بعدة عوامل، بما في ذلك أنماط الطقس، والطلب على الكهرباء، والأسعار، وديناميكيات السوق الأوسع.

وقد تتسبب حالة النينو الآخذة في التطور ودرجات الحرارة الأعلى من المتوسط المتوقعة في انخفاض الطلب على التدفئة، ما قد يقلل من استعمال الغاز الطبيعي للتدفئة، وقد يؤثر ذلك بصورة غير مباشرة على إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره، خصوصًا في سياق توليد الكهرباء.

من ناحية ثانية، يتبدل تأثير ظاهرة النينو من مدة إلى أخرى، ويعتمد التأثير الإجمالي في صناعة الطاقة على طريقة دمج مجموعة متنوعة من العوامل.

بدورها، تشهد صناعة الطاقة تغيرات باستمرار وتتكيف مع أنماط المناخ المتغيرة والديناميكيات التجارية التي تميز بيئتها الديناميكية.

ومن الأهمية بمكان أن نفهم العلاقات المعقدة بين ظاهرة النينو وقطاعات إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره عندما تحدث هذه التغيرات. ويجب على أصحاب المصلحة والمشرعين ورجال الأعمال الاطلاع على هذه الشبكة المعقدة من الترابطات.

وفي أثناء هذه التحولات، يصبح من الضروري مراقبة العديد من المتغيرات بعناية، إذ تنطوي اتجاهات درجات الحرارة التي تنبأت بها ظاهرة النينو على تأثير كبير في استهلاك الكهرباء وإمداداتها وتكلفتها.

وتُعدّ التطورات مهمة لفهم السياق العام الذي يتم فيه إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره. بالإضافة إلى ذلك، من المهم إجراء بحث شامل حول التسعير.

من جهة ثانية، تضمن مراقبة ديناميكيات العرض فهمًا شاملًا لطريقة استجابة بيئة الطاقة لتأثير النينو، ويُعدّ التحليل المتعمق لطريقة تقلب مستويات الإنتاج، واستجابة الصادرات للطلب المتقلب، وطريقة تفاعل هذه الخيوط المعقدة، مفيدًا لتطوير إستراتيجيات استباقية.

وبهذا يصبح أصحاب المصلحة والمشرعون ومديرو الأعمال مستعدين بصفة أفضل لاتخاذ القرارات التي تأخذ في الاعتبار التأثيرات المعقدة لظاهرة النينو بفضل هذا الفهم الشامل.

وبناء على هذه المراقبة اليقظة والتكيف المتعمد، قد تتمكن صناعة الطاقة في نهاية المطاف من تسخير قوة المعلومات لمواجهة تعقيدات البيئة المتغيرة باستمرار.

* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق