المقالاترئيسيةمقالات النفطنفط

ندرة الوقود في إيران تخلق أزمة خطيرة لحكومة طهران (مقال)

أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • مشكلة ندرة الوقود تسببت بقلق واضطراب واسع النطاق في جميع أنحاء البلاد
  • ما تزال هناك تحديات في تحقيق التوازن بين الإنتاج المحلي والطلب
  • إمدادات البنزين الإيرانية ما تزال غير كافية لمواكبة الطلب المتزايد في البلاد
  • إيران اضطرت إلى استعمال مخزوناتها الإستراتيجية وشراء البنزين، لأول مرة منذ سنوات
  • ندرة البنزين توضح مدى تداخل المتغيرات الاقتصادية والعلاقات الإقليمية والطلبات المحلية
  • أزمة النفط تمثّل نموذجًا مصغّرًا للمشكلات الجيوسياسية الأكبر التي تواجهها إيران

تحوّلت أزمة ندرة الوقود في إيران المتواصلة للعام الجاري 2023 إلى مشكلة خطِرة، لها جوانب عديدة وآثار بعيدة المدى، وتسبّبت هذه المشكلة -التي برزت من خلال فجوة كبيرة بين إنتاج البنزين المحلي والطلب عليه- بقلق واضطراب واسع النطاق في جميع أنحاء البلاد.

وتتجلى نتائج ندرة الوقود هذه في الطوابير الطويلة للسيارات أمام محطات الوقود، وهلع الشراء، وزيادة الاستياء العام.

وعلى الرغم من الإنكار الرسمي للحكومة والوعود بتوفير إمدادات كافية، فقد نشأت المناقشات بشأن الأسباب الجذرية والعلاجات المحتملة لهذه المشكلة المعقّدة من الآثار الواقعية على الحياة اليومية.

وكشف نائب وزير النفط الإيراني، جليل سلاري، في مارس/ آذار الماضي، أن إنتاج البنزين اليومي تجاوز 115 مليون لتر في إيران.،على الرغم من هذه الزيادة، كان هناك نمو بنسبة 11% في استهلاك البنزين مقارنة بالعام السابق.

ويشير هذا الارتفاع إلى تغيير أنماط الاستهلاك وزيادة الطلب، وبينما بُذلت جهود لتلبية الاحتياجات المتزايدة، ما تزال هناك تحديات في تحقيق التوازن بين الإنتاج المحلي والطلب، ما يؤكد أهمية إستراتيجيات الطاقة المستدامة التي تراعي العوامل البيئية والاقتصادية.

إجراءات حكومية

اتخذت الحكومة خطوات لمعالجة اختلال التوازن في البنزين، إذ يتجاوز الطلب العرض، بما في ذلك الجمع بين السلع البتروكيماوية والبنزين المنتج في المصافي وإزالة نحو 440 مليون لتر من الاحتياطيات الإستراتيجية.

تجدر الإشارة إلى أن نحو ثلث المخزون الإستراتيجي من الوقود في إيران يُستعمَل في هذه العملية، ويمكن لهذه المخزونات، التي سمحت لإيران ذات مرة بالنجاة من الأزمات أو إغلاق مصافيها لأكثر من أسبوعين، أن تستمر الآن لمدة 10 أيام فقط بسبب استمرار الأزمة.

إحدى محطات الوقود في إيران
إحدى محطات الوقود في إيران – الصورة من مجلة فوربس

وتعدّ ذروة الاستهلاك اليومي للوقود التي لم يسمع بها أحد، والتي حدثت في 21 مارس/آذار خلال إجازة عيد النوروز لهذا العام، وبلغت 142 مليون لتر، بمثابة تذكير قاسٍ بالتناقضات.

إضافة إلى ذلك، يُعدّ إدخال أكثر من مليون سيارة مصنوعة محليًا ذات استهلاك مرتفع للوقود وكفاءة منخفضة في السوق المساهم الأساسي في هذه الفجوة الصارخة.

وصرّحت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا" أن قطاع السيارات المحلية نما بشكل ملحوظ، إذ ارتفع تصنيع السيارات بنسبة 39% في العام الماضي فقط.

رغم ذلك، فإن إمدادات البنزين ما تزال غير كافية لمواكبة الطلب المتزايد على الوقود في إيران، ما يسلّط الضوء على التحدي المستمر الذي يمثّله النقص المتزايد في البنزين.

وشهدت الأيام الأخيرة من العام السابق زيادة مذهلة في استعمال البنزين، وفقًا للمتحدث باسم المنظمة الإيرانية لأصحاب محطات الوقود، رضا نافاز.

استهلاك الوقود في إيران

تحتلّ إيران المرتبة السابعة من حيث استهلاك البنزين في العالم، بسبب الارتفاع الحادّ في الاستهلاك الذي بلغ قرنًا من الزمان.

ويُعدّ عدم إنشاء مصافي تكرير جديدة، والأسطول القديم من المركبات عالية الاستهلاك للوقود، والاستهلاك السنوي لمليون سيارة منتجة محليًا، من الأسباب الرئيسة لاختلال توازن البنزين.

قي سياق متصل، تتحدث صحيفة فايننشال تايمز عن تأثيرات سياسة إيران بدعم الوقود والتأثيرات المحتملة لتغيرات الأسعار.

وتُعدّ تكاليف الوقود في إيران أقلّ بكثير مما هي عليه في الدول الغربية، وحتى الدول الغنية بالنفط، بسبب الدعم الضخم للبنزين، الذي أدى إلى زيادة الطلب وقيّد قدرة التكرير.

واضطرت إيران، بسبب هذا التباين، إلى استعمال مخزوناتها الإستراتيجية وشراء البنزين، لأول مرة منذ سنوات.

وزادت ذكرى وفاة محسا أميني من مخاوف الحكومة بشأن ردود الفعل الشعبية وسط الصعوبات الاقتصادية التي فرضتها العقوبات الأميركية، إذ أثار موتها المفجع مظاهرات حاشدة، ما زاد من المخاطر على سياسات الحكومة، ولا سيما في صناعة الطاقة.

اضطراب الصادرات الروسية

اتخذت المشكلة بعدًا جديدًا بسبب حظر تصدير البنزين الروسي، وكان لقرار روسيا بتقييد الإمدادات تأثير كبير بكلّ من نقص البنزين قصير المدى في إيران والتداعيات الجيوسياسية.

ويعرقل اعتماد إيران على مصدر الطاقة الأساسي هذا بسبب توقّف شحنات البنزين الروسي إلى البلاد، ألغيت خطة إيران لاستيراد 10 ملايين غالون من البنزين يوميًا من روسيا لسدّ فجوة الإنتاج والاستهلاك، ما يفاقم النقص الحالي بالوقود في البلاد.

وينطوي هذا التوقف غير المتوقع على تداعيات مهمة، لأن الكمية المتوقعة من روسيا كانت ستشكّل نحو 10% من استهلاك إيران اليومي للبنزين في عام 2022، ويوضح الانقطاع تعقيد الديناميكيات الجيوسياسية وهشاشة إيران في سلسلة إمدادات الطاقة لديها.

ويوضح الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم الصادرات الروسية من النفط الخام والمشتقات، خلال العام الماضي 2022 والجاري 2023:

صادرات روسيا من النفط

ويُعدّ تنويع مصادر الطاقة وتعزيز إنتاج الوقود في إيران أمرًا بالغ الأهمية، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد النقص المستمر في الوقود والمصاعب الاقتصادية الناجمة عن العقوبات.

لذلك، يجب التحقيق في الدوافع وراء التحرك الروسي. ويتمثل أحد المبررات التي يمكن تصوُّرها في نية موسكو زيادة تكلفة وقودها.

وتواجه روسيا، بسبب غزوها أوكرانيا، صعوبات اقتصادية ومالية كبيرة، ومن المحتمل أنها تستعمل مواردها النفطية سلاحًا تكتيكيًا. وظهر الخيار الذي اتخذته روسيا جليًا من خلال الانخفاض الكبير في قيمة الروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي.

القرار الروسي ومأزق إيران

يحمل القرار الروسي تداعيات أوسع، إذ يتقاطع مع تطورات أخرى في سلسلة إمداد الطاقة الإيرانية، وبعد أن خفضت الدول الغربية وارداتها من الطاقة الروسية، مثّلَ قرار موسكو بتصدير البنزين والديزل إلى إيران تحولًا في قاعدة عملائها التقليديين.

مع ذلك، فإن هذا الترتيب قصير الأمد قد زاد من نقص البنزين الذي طال أمده في إيران.

وتضطر إيران إلى استعمال كمية كبيرة من إمدادات الوقود الإستراتيجية بسبب الصراع الطويل ضد نقص البنزين، الذي بدأ في صيف عام 2022.

وتسعى الشركة الوطنية لتكرير وتوزيع النفط لسدّ الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب على الوقود في إيران، فقد طُرِح نحو 900 مليون لتر من هذه الاحتياطيات بعناية في السوق.

بالتوازي مع ذلك، زادت إيران تحسّبها بشأن تسليم البنزين، وفرضت قيودًا على تعبئة السيارات بالوقود بصفتها إستراتيجية لمقاومة مشكلة تهريب الوقود المستمرة التي تفاقم الأزمة.

ويكشف هذا الوضع بوضوح مأزق الطاقة المعقّد في إيران بما يتعلق بالتعقيدات الجيوسياسية الأوسع، إذ تعاني البلاد من مشكلة معقّدة بصفتها دولة تتعامل مع نقص الوقود المحلي والقيود الاقتصادية الخارجية التي فرضتها العقوبات.

لذلك، فإن من المطلوب وضع إستراتيجية شاملة ومدروسة لتحقيق توازن دقيق بين تلبية متطلبات المستهلك المنزلي وإدارة التوترات السياسية الدولية.

وقد نتجت إعادة تقييم الإجراءات قصيرة الأجل والإستراتيجيات طويلة الأجل لتحسين الناتج المحلي وتقليل الاعتماد المفرط على المصادر الخارجية عن جهود إيران لتأمين مرونة واستقرار الطاقة على الرغم من هذه التحديات.

محطة تزود بالوقود في إيران
محطة تزوّد بالوقود في إيران - الصورة من NBC News

نقص البنزين

تسلّط التداعيات الجيوسياسية الواسعة لأزمة الوقود في إيران المستمرة الضوء على شبكة معقّدة من الصعوبات التي تواجهها البلاد ضمن نطاق عالمي.

وتتطلب سياسة إيران الخارجية عملية توازن معقّدة بسبب مسؤوليتها المزدوجة بصفتها حليفًا عسكريًا لروسيا وهدفًا للعقوبات الغربية. وتوضح الصورة المصغرة للقضايا الجيوسياسية الكبرى، وندرة البنزين، مدى تداخل المتغيرات الاقتصادية والعلاقات الإقليمية والطلبات المحلية.

وقد أثبتت إيران مهارتها في الدبلوماسية واتخاذ القرارات الإستراتيجية، من خلال إدارة قضية الطاقة، مع الحفاظ على شراكتها مع روسيا وتقليل آثار العقوبات الغربية.

بالإضافة إلى ذلك، يُعاد تقييم موقف إيران الجيوسياسي وعلاقاتها نتيجة لأزمة الوقود، التي تُعدّ بمثابة تذكير حادّ بضعف الاقتصاد الإيراني، ويوضح تقاطع السياسة والاقتصاد والطاقة الشبكة المعقّدة لديناميات القوة العالمية.

وسوف تتشكّل مكانة إيران المستقبلية في العالم بشكل كبير من خلال قدرتها على تطوير حلول جديدة لمشاكلات الطاقة لديها خلال التنقل في المشهد المعقّد للسياسات الدولية والضغوط الاقتصادية.

وتؤكد قضية البنزين المستمرة، بتداعياتها الجيوسياسية المعقّدة، ضرورة قيام إيران بتطوير خطط دقيقة توازن بين احتياجاتها من الطاقة وأهدافها الجيوسياسية الأكبر.

سياسات الطاقة

تفاقمَ نقص الوقود الخطير في البلاد نتيجة قرار روسيا وقف تصدير البنزين إلى إيران، ما خلق صورة معقّدة لنقاط الضعف المتعلقة بالطاقة والتعقيدات الجيوسياسية. وتُبرِز هذه المشكلة مدى إلحاح إيران في مراجعة سياستها بمجال الطاقة، وتنويع إمداداتها من الطاقة، وتحسين قدرتها على التكرير محليًا.

ويُعدّ تعليق عمليات التسليم الروسية تذكيرًا صارخًا بمدى تشابك أمن الطاقة الإيراني بشكل معقّد مع السياسات العالمية والقيود الاقتصادية والعوامل الإقليمية، إذ يتعين على إيران التعامل مع النقص الحادّ في الوقود مع إدارة توقعات السكان المعتادين على تلقّي دعم للبنزين في هذا الوضع المعقّد.

مواطنون مصطفون أمام إحدى محطات الوقود في إيران
مواطنون مصطفّون أمام إحدى محطات الوقود في إيران - الصورة من National Council Of Resistance of Iran

ولتفادي حدوث اضطرابات مجتمعية إضافية، يجب أن تكون الحكومة قادرة على التوصل إلى حلّ وسط بين هذه المطالب. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد تعليق الشحنات الروسية أهمية إنشاء شبكات إمدادات طاقة قوية تكون أقلّ عرضة للتحولات في السياسة العالمية.

من ناحية ثانية، يسلّط هذا الوضع الضوء على التعقيد الأعمق للبيئة الجيوسياسية لإيران، وبالرغم من أنه كان يُنظر إليها سابقًا على أنها قوة إستراتيجية، فإن ارتباط البلاد بروسيا اليوم يكشف نقاط الضعف، إذ يكافح كلا البلدين مع العقوبات الغربية والصعوبات الاقتصادية.

وتمثّل أزمة النفط نموذجًا مصغّرًا للمشكلات الجيوسياسية الأكبر التي تواجهها إيران، ما يستلزم دراسة متأنية خلال إقامة العلاقات مع الدول الأخرى، والتأكد من أن هذه التحالفات تناسب مصالح البلاد على المدى الطويل. في ضوء ذلك، يجب أن تتبنى إيران إستراتيجية شاملة تتضمن زيادة الإنتاج المحلي، وتدابير ذكية لاستهلاك الطاقة، وجهودًا دبلوماسية لإقامة تحالفات طاقة جديرة بالثقة في مواجهة نقص الوقود المتفاقم.

وتُبرِز الدروس المستفادة من تعليق الصادرات الروسية ضرورة وجود سياسة طاقة قوية ومتنوعة لحماية أمن الطاقة في البلاد ضمن بيئة عالمية متغيرة بشكل لا يمكن التنبؤ به.

ويمكن خفض المخاطر الناجمة عن نقص الوقود في إيران من خلال تعزيز مكانتها على المسرح العالمي، عبر معالجة هذه القضايا وجهًا لوجه، وتنفيذ إستراتيجية طاقة متوازنة ومستدامة.

* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق