شح إمدادات الديزل العالمية يُنذر بشتاء صعب.. وهذا دور الصين والسعودية
أسماء السعداوي
يقترب فصل الشتاء من نصف الكرة الشمالي، وتزداد معه الحاجة لتأمين إمدادات الديزل العالمية لاستخدامه في أغراض التدفئة فضلًا عن النقل وتوليد الكهرباء.
يرتبط الديزل ومدى توفره بأسعار النفط الخام صعودًا وهبوطًا؛ إذ يُحصَل على وقود الديزل عبر تسخين النفط الخام إلى درجات حرارة تتراوح بين 200 و350 درجة مئوية، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وفي هذا الصدد، تشهد سوق إمدادات الديزل العالمية تقلبات قوية في ضوء ارتفاع أسعار النفط وشُح الإمدادت بسبب السعودية، واتجاه مصافي التكرير الصينية إلى تقليص حجم الصادرات، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.
ولذلك، يحمل انخفاض مخزونات النفط تحولات خطيرة في معادلة العرض والطلب، ما يُنذر بارتفاع أسعار الديزل في نهاية المطاف.
سوق الديزل العالمية
يحمل الديزل أهمية بالغة لسلاسل التوريد العالمية، وربما يؤدي شح المعروض وارتفاع الأسعار إلى آثار سلبية على الحكومات والصناعات.
وأدى ارتفاع أسعار الديزل في آسيا خلال العام الماضي (2022) إلى إضراب سائقي الشاحنات وهو ما فرض ضغوطًا على الحكومات هناك التي تجاهد لتخفيف عبء واردات الطاقة.
وفي أميركا أكبر اقتصاد في العالم، تضرر المزارعون وشركات النقل، بسبب حاجة الشاحنات لكميات متزايدة من الديزل المكلف.
ولم تشهد إمدادات الديزل العالمية أزمة في العام الماضي 2022 رغم الأزمة الروسية الأوكرانية وما تلاها من اضطراب سلاسل توريد النفط الخام، بفضل درجات الحرارة المعتدلة وتراجع الأسعار.
إلا أن ضعف مخزونات النفط حاليًا، ربما تعني أن العالم لن يتمكن هذه المرة من مواجهة مفاجآت ارتفاع الأسعار أو فرض قيود على الإمدادات أو ارتفاع الطلب، وهو ما قد يُنذر بشتاء أكثر برودة.
ولذلك، يدعو مدير قطاع المنتجات النفطية المُكررة في شركة "إف جي إي" المتخصصة في تقديم استشارات الطاقة، يوجين ليندل، إلى زيادة مخزونات النفط تجنبًا لحدوث أزمة في الشتاء المقبل.
وأضاف: "علينا بناء المخزونات لأن السحب يبدأ عادة في شهر سبتمبر/أيلول من كل عام"، مشيرًا إلى مخاوف حقيقية من أن تحول الأوضاع الحالية دون بناء مخزونات كافية قبل حلول شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل 2023، ليبدأ بعدها السحب من مخزونات متدنية بالأساس.
تراجع المعروض وارتفاع الأسعار
ارتفعت أسعار النفط الخام، بنسبة 1% في نهاية تعاملات الجمعة الماضية (18 أغسطس/آب 2023)، للجلسة الـ2 على التوالي.
وحققت أسعار النفط مكاسب متتالية على مدار الـ7 أسابيع الماضية، لكنها تحولت إلى الخسارة بفعل المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني، واحتمالات رفع أسعار الفائدة الأميركية.
وبدعم من ارتفاع الأسعار، حققت مصافي التكرير هوامش أرباح ضخمة في الأسابيع الأخيرة، إلا أنها اتجهت تلك إلى فرض قيود على صادرات الوقود المكرر.
يأتي ذلك في الوقت الذي قررت فيه السعودية -أكبر مصدر للنفط في العالم- خفض إنتاجها من الخام.
يُشار هنا إلى السعودية و8 دول أخرى قررت الخفض الطوعي لإنتاجها من النفط، في شهر مايو/أيار 2023، بإجمالي 1.66 مليون برميل يوميًا، ثم تمديده حتى نهاية عام 2024 المقبل.
ثم تقرر خفض إنتاج النفط السعودي طواعية بمقدار مليون برميل يوميًا، بدءًا من شهر يوليو/تموز (2023).
أوروبا
تبرز أهمية إمدادات الديزل العالمية على نحو خاص في كلٍ من أوروبا والساحل الأميركي المطل على المحيط الأطلنطي، بحسب الباحث يوجين ليندل.
وفي هذا الصدد، تتوقع شركة استشارات الطاقة "وود ماكنزي"، تراجع مخزونات الديزل في شمال غرب أوروبا خلال الأشهر المقبلة.
وما يثير المخاوف هو أنه على الرغم من مخزونات الديزل هناك تفوق العام الماضي (2022)، إلا أنها أقل من المستويات التاريخية، بحسب "وود ماكنزي".
تقول محللة أسواق التكرير والمشتقات النفطية في "وود ماكنزي" إيما هاوشام، إن التوقعات الحالية بشأن المعروض من الديزل والبنزين في أوروبا محدودة بسبب تراجع أرباح مصافي التكرير من إنتاج الديزل والبنزين من الخام الخفيف، والاتجاه لإنتاج وقود الطائرات، فضلًا عن توقف مصافي عن العمل على نحو غير مخطط له.
يُشار هنا إلى قرب توقف مصفاة إيرفينج وهي أكبر مصافي التكرير في كندا، بسبب أعمال الصيانة لمدة 7 أسابيع ستبدأ في شهر سبتمبر/أيلول المقبل 2023، وهو ما يضع البلاد والمنطقة تحت رحمة شحنات الديزل المستوردة من الخارج.
كما أشارت الباحثة إلى توقعات بزيادة الطلب على الديزل في أوروبا على أساس شهري حتى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل 2023.
وفي الولايات المتحدة، ارتفعت أسعار بيع التجزئة للديزل منذ أواخر شهر يوليو/تموز المنصرم 2023.
كما فشلت مصافي التكرير الأميركية في بناء مخزونات خلال صيف هذا العام (2023)، والذي عادة ما يكون مثاليًا لزيادة المخزونات قبل حلول الشتاء.
صادرات الديزل الصينية
في خضم أزمة شح إمدادات الديزل العالمية، تعلق الأسواق أنظارها على الصين؛ إذ تستعد المصافي هناك لجولة جديدة من الصادرات وهو ما قد يساعد في تخفيف حدة أزمة شح المعروض حاليًا وتهدئة المخاوف ولو قليلًا.
ورغم أن الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، إلا أنها صاحبة ثاني أكبر سعة تكريرية في العالم بعد الولايات المتحدة بـ17.26 مليون برميل يوميًا.
وتؤثر بيانات إنتاج الوقود في الصين في الأسعار العالمية؛ لذا تخضع للمراقبة من قِبل المحللين للتعرف على أداء ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
من جانبه، لا يتوقع محلل شؤون النفط في شركة "إنرجي أسبكتس" (Energy Aspects) جيانان سون، حدوث زيادة في شحنات الديزل الصينية.
وبدأ إجمالي صادرات الوقود الصينية في التراجع بدءًا من عام 2020 بسبب تفشي فيروس كورونا، ثم بدأت البلد الأسيوية تعديل سياسات تصدير الوقود بداية من أواخر عام 2021، وتقلصت حصص التصدير بنسبة 40% -تقريبًا- حتى أغسطس/آب من عام 2022 المنصرم.
وأوضح سون أن الطلب المحلي على الديزل في الصين، ارتفع على نحو مفاجيء، ونتيجة لذلك لم تنجح محاولات بناء المخزونات حتى خلال فترات تراجع الطلب.
موضوعات متعلقة..
- لمواجهة انقطاع الكهرباء في مصر.. أيهما أفضل: مولدات الديزل أم الطاقة الشمسية؟
- أهداف مزج الوقود الحيوي في أميركا تهدد صناعة الديزل المتجدد (تقرير)
- الديزل الروسي يواصل التدفق إلى المغرب وتركيا.. ومفاجأة سعودية
اقرأ أيضًا..
- 6 مشاهد مؤثرة في أسواق الطاقة العالمية.. منها تزايد نفوذ أوبك+ (تقرير)
- أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية تعتزمان التوسع في إنتاج الكيماويات (تقرير)
- خبراء: قطاع النفط والغاز في لبنان ينتظر انفراجة قريبة.. وهذه أبرز التحديات