استثمارات الطاقة النظيفة في أوروبا تواجه خطرًا بسبب أميركا
أسماء السعداوي
يبدو أن مخاوف المسؤولين عن الطاقة النظيفة في أوروبا كانت حقيقية بعد صدور قانون خفض التضخم الأميركي في العام الماضي (2022).
ويمنح القانون الأميركي -أجرأ حزمة مناخية حتى الآن- دعمًا غير مسبوق، وإعفاءات ضريبية لاستثمارات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية بقيمة 390 مليون دولار؛ بهدف تحقيق أمن الطاقة ومكافحة تغير المناخ، بحسب ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ورغم تسارع وتيرة الاستثمارات وبرامج المناخ في أوروبا وأستراليا واليابان للّحاق بالركب، فقد نجحت أميركا في تحقيق السبق على حساب القارة العجوز.
وكشف بحث جديد أن شركات الطاقة النظيفة الناشئة في أوروبا اجتذبت أقلّ من نصف الاستثمارات في نظيرتها الأميركية، منذ صدور قانون خفض التضخم الأميركي، بحسب تقرير نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وسلّط التقرير الضوء على أبرز التحديات التي فرضها القانون الأميركي على أوروبا، فضلًا عن تقييم خطوات دعم الطاقة النظيفة في أوروبا.
قانون خفض التضخم الأميركي
يُحسب لقانون خفض التضخم أنه أطلق صافرة البدء لسباق استثمارات وتشريعات خفض الانبعاثات وإزالة الكربون، ليس في أميركا فحسب، بل في أوروبا أيضًا.
وكشفت مبادرة "كلين تك فور يوروب" (Cleantech for Europe) أن حجم الاستثمارات الأوروبية في الطاقة النظيفة في مراحلها الأولى يقلّ كثيرًا عن نظيره في الولايات المتحدة.
وأنفق الاتحاد الأوروبي 8.7 مليار دولار في مشروعات ناشئة بمجالات تخزين الكهرباء والسيارات الكهربائية والطاقة النظيفة، على مدار عام، منذ صدور قانون خفض التضخم.
في المقابل، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 21.7 مليار دولار في مشروعات مماثلة.
ويمثّل ذلك تفوقًا لصالح أميركا، رغم أن الاتحاد الأوروبي أحرز تقدمًا في استثمارات الطاقة والنقل خلال الربع الثاني من هذا العام 2023.
ويتجلى التباين بين الجانبين في استثمارات الهيدروجين النظيف، فقد بلغ حجم استثمارات رأس المال المخاطر في مشروعات الهيدروجين النظيف 343 مليون يورو (373.6 مليون دولار) خلال الربع الأول من عام 2022 الماضي، بما يعادل 3 أضعاف نظيرتها في أميركا خلال تلك المدة.
لكن المفارقة هنا هي أن استثمارات الهيدروجين الأخضر الأميركية فاقت نظيرتها الأوروبية منذ تلك المدة حتى الآن، إذ استثمرت واشنطن 1.2 مليار يورو (1.3 مليار دولار).
ورأس المال المخاطر هو أحد أشكال التمويل للشركات الناشئة، وتلك التي ما زالت في مراحلها الأولى، وتتمتع بإمكانات نمو عالية، أو أظهرت نموًا مرتفعًا.
ومما يدلل بقوة على الميزات الضخمة التي يمنحها قانون خفض التضخم في أميركا، في هذا الصدد، هو أنه يقدّم إعفاءات ضريبية تصل إلى 3 دولارات لكل كيلوغرام من الهيدروجين الأخضر، بناءً على الإنتاج بأقلّ نسبة كربون.
استثمارات الطاقة النظيفة في أوروبا
أدركت المفوضية الأوروبية الخطر المحدق باستثمارات الطاقة النظيفة في أوروبا، وأسرعت بإعلان قانون "نت زيرو إندستري"، الذي يحدد أهدافًا واضحة لزيادة قدرات التصنيع المحلية لمصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وتخزين البطاريات.
كما خففت بروكسل القيود المفروضة على المساعدات الحكومية، ووعدت بتمويل الاتحاد الأوربي لاستثمارات الصناعات الحاسمة للتحول الأخضر.
وكانت فرنسا أولى دول الاتحاد الأوروبي التي تقدّم إعفاءات ضريبية بقيمة 20 مليار يورو، في شهر مايو/أيار الماضي 2022.
وبحسب تقديرات المحللين في مؤسسة بروغل للأبحاث، كان إجمالي التمويل في الاتحاد الأوروبي مقاربًا لأميركا، لكن قانون خفض التضخم الأميركي كان "أبسط" وركّز على النشر الشامل للطاقة الخضراء، وليس الابتكار فيها، كما في حالة الاتحاد الأوروبي.
يوضح الإنفوغرافيك أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- طموحات الطاقة المتجددة في أميركا بحلول عام 2050:
انتقادات للقانون الأوروبي
تقول كبيرة المتخصصين في سياسات المناخ والطاقة الأوروبية في مبادرة "كلين تك يوورب"، سوزانا كارب، إن برنامج التمويل الأوروبي يفتقر إلى الإعفاءات الضريبية التي أقرّها قانون خفض التضخم الأميركي.
ودعت إلى التأكد من منح مشروعات الطاقة النظيفة في أوروبا القدر نفسه من الدعم الذي تحصل عليه نظيرتها في أميركا.
بدوره، انتقد كبير محللي شؤون أوروبا وسياسات المناخ في وحدة "إيكونوميست إنتيليغنس" ماثيو أوكسنفورد، قانون "نت زيرو إندستري"، الذي أقرّه الاتحاد الأوروبي، ردًا على قانون خفض التضخم الأميركي، واصفًا إياه بـ"المعقّد" بسبب حالة عدم اليقين التي تعرضت لها سياسة الطاقة الأوروبية، بعد ارتفاع أسعار الغاز في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.
من جانبه، يقول الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الألمانية "آر دبليو إي" (RWE)، ماركوس كريبر، إن الولايات المتحدة تبذل الكثير من الجهود لبناء سلاسل قيمة متكاملة، مؤكدًا أن أوروبا قادرة على مضاعفة جهودها في هذا الصدد.
ورغم استحواذ شركته على أحد مشروعات الطاقة النظيفة في أميركا -وهي شركة كون إديسون، ومقرّها نيويورك- مقابل 7 مليارات دولار مطلع هذا العام، يقول كريبر، إنه لا ينبغي النظر لاستثمارات الطاقة النظيفة على جانبي المحيط الهادي بصفتها "سباقًا".
موضوعات متعلقة..
- قانون خفض التضخم الأميركي.. هل تتأثر حوافز الطاقة النظيفة بالانتخابات الرئاسية؟
- هل يدعم قانون خفض التضخم أهداف احتجاز الكربون في أميركا؟ (دراسة)
- الوقود الحيوي في كندا يدخل مواجهة شرسة مع قانون خفض التضخم الأميركي
اقرأ أيضًا..
- خبير أوابك: 3 مخاطر تهدد سوق الغاز الأوروبية
- وزير الطاقة الأردني: اتفقنا على رفع إمدادات الكهرباء من مصر.. وهذه خطتنا لإنتاج الهيدروجين (حوار)
- أنبوب الغاز الجزائري النيجيري.. هل يتبخر الحلم بعد انقلاب النيجر؟