طاقة متجددةالتقاريرتقارير الطاقة المتجددةتقارير دوريةرئيسيةوحدة أبحاث الطاقة

دعم سلاسل توريد الطاقة المتجددة في أميركا يصطدم بثغرات قانون خفض التضخم (تقرير)

طاقة الرياح البرية الأكثر استفادة من حوافز بايدن

وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين

اقرأ في هذا المقال

  • وكالة الضرائب الأميركية تصدر دليلًا لشروط استحقاق حوافز قانون خفض التضخم
  • شرط المكون المحلي في الصناعة يُعجز مطوري الطاقة الشمسية
  • مطورو مشروعات الرياح الأكثر استعدادًا للاستفادة من قانون خفض التضخم
  • بايدن يعفي واردات الطاقة الشمسية من الجمارك والجمهوريون يعترضون
  • أوروبا تعترض على قانون خفض التضخم خشية هجرة الشركات الأوروبية

تثير سيطرة الصين على سلاسل توريد الطاقة المتجددة قلق المخططين الأميركيين المراهنين على قانون خفض التضخم، الذي أقرّه الرئيس جو بايدن العام الماضي (2022)، وتضمن أكبر حزمة إعفاءات ضريبية في تاريخ الولايات المتحدة لجذب الشركات المصنّعة على القدوم إلى واشنطن وتركيز مشروعاتها في التقنيات النظيفة للاستفادة من الحوافز السخية حتى عام 2030.

وتهيمن الصين على منابع الطاقة المتجددة ومَصابِّها منذ سنوات طويلة، إذ تتحكم في سلاسل توريد المعادن الأرضية النادرة بنسبة تتجاوز 60%، لا سيما الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنغنيز؛ ما يمثّل تهديدًا مستقبليًا للولايات المتحدة، وفقًا لتقديرات معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس الأميركية.

كما تتمتع بكين بهيمنة واسعة على عمليات تكرير المعادن في العالم، رغم مساهمتها المتواضعة في إنتاج هذه المعادن محليًا؛ فعلى سبيل المثال، تبلغ سيطرتها على تكرير خام المنغنيز أكثر من 95% رغم إنتاجها 10% أو أقلّ من الإمدادات العالمية.

وتُستعمل المعادن الأرضية النادرة -بصورة أساسية- في صناعة البطاريات و السيارات الكهربائية، كما لا تستطيع مشروعات الطاقة المتجددة الاستغناء عنها لدخولها في صناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وغيرها، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

ويراهن خبراء التحليل في شركات الأبحاث وود ماكنزي على قانون خفض التضخم في تغيير قواعد اللعبة وجذب الشركات المصنّعة لتقنيات الطاقة المتجددة إلى الولايات المتحدة، في حالة التغلب على بعض التحديات.

سيطرة الصين تقلق أوروبا وأميركا

زاد استشعار الولايات المتحدة وأوروبا بخطر هيمنة الصين على سلاسل توريد الطاقة المتجددة خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، التي خلّفت واحدة من أكبر أزمات الطاقة العالمية خلال العقدين الماضيين على الأقلّ.

وانحصرت أوروبا وأميركا خلال العام الماضي بين مطرقة روسيا النافذة في أسواق النفط والغاز العالمية، وسندان الصين المتحكمة في سلاسل توريد الطاقة المتجددة البديلة، إذ ارتفعت أسعار الليثيوم في الصين -على سبيل المثال- إلى 70 ألف دولار للطن، ما أحدث صدمة لمصنّعي البطاريات والسيارات الكهربائية.

وألقت الولايات المتحدة حجرًا ضخمًا في مياه سلاسل توريد الطاقة المتجددة على أمل خلق سلسلة خاصة متحررة من قبضة الصين بحلول 2030، وذلك عبر قانون خفض التضخم، الذي أقرّه الرئيس جو بايدن أغسطس/آب 2022.

الرهان على قانون خفض التضخم

ترى وود ماكنزي أن قانون خفض التضخم سيسهم في تعزيز سلاسل توريد الطاقة المتجددة، والانعتاق من هيمنة الصين، لكنها لا ترجّح ظهور آثاره قبل سنوات تختلف على حسب كل قطاع.

ويتيح قانون خفض التضخم فرصًا هائلة للمصنّعين داخل الولايات المتحدة وخارجها للاستفادة من حزمة تسهيلات وإعفاءات ضريبية (370 مليار دولار) مخصصة للمبادرين إلى الاستثمار في التقنيات منخفضة الكربون حتى عام 2030.

ويستهدف القانون بناء سلاسل توريد الطاقة المتجددة محليًا، بدلًا من التي تسيطر عليها الصين، ما يضمن استقلال أمن الطاقة الأميركي للأجيال المقبلة عن بكين، التي تترقب أيّ فرصة لاختطاف قيادة العالم من الولايات المتحدة خلال العقد الحالي.

وتخطط الولايات المتحدة لزيادة سعة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وقدرة تخزين الكهرباء إلى 438 غيغاواط بحلول 2030، ما يمثّل فرصة هائلة أمام الشركات المبادرة إلى دخول البلاد خلال السنوات المقبلة.

صناعة الرياح البرية الأكثر استفادة

أصدرت وكالة الضرائب الأميركية " دائرة الإيرادات الداخلية"، في 12 مايو/أيار 2023، دليلًا إرشاديًا حول كيفية حصول مطوّري مشروعات الطاقة المتجددة على الائتمانات الضريبية وشروط الوصول إلى عتبة المكوّن المحلي في الصناعة.

وأجرى محلّلو وود ماكنزي تحليلًا للدليل الصادر من وكالة الضرائب الأميركية، ورجّحوا استفادة صناعة الرياح البرية بأكبر مزايا الائتمان الضريبي، لوضعها المستقر نسبيًا مقارنة بصناعات أخرى.

ويوضح الرسم التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- سعة طاقة الرياح البرية والبحرية حسب المنطقة حتى 2022:

سعة طاقة الرياح البرية والبحرية حسب المنطقة

وتمتلك الولايات المتحدة قدرات تقنية في تصنيع مكونات عديدة بصناعة الرياح البرية، لا سيما التوربينات التي تشتهر بصناعتها شركة جنرال إلكتريك الأميركية، وهي واحدة من أكبر الشركات المصنّعة للتوربينات في العالم.

ويمكن لهذا الوضع أن يساعد المطورين على تلبية شروط الائتمان الضريبي ومتطلبات سقف المكون المحلي في الصناعة، خلافًا للطاقة الشمسية، التي يُتوقع أن تواجه صعوبات أكبر، وربما تظل معتمدة على المكونات المستوردة من الصين لسنوات أطول.

الطاقة الشمسية ستتأخر لسنوات

تنص إرشادات وكالة الضرائب الأميركية على إلزام مطوّري مشروعات الطاقة الشمسية بشراء وحدات خلايا شمسية محلية الصنع، إلّا أن حجم الاستثمار الحالي بتصنيع الخلايا الشمسية في الولايات المتحدة لن يكون كافيًا لتلبية الطلب المحلي، ما يرجّح استمرار الاعتماد على الخلايا المستوردة خلال السنوات المقبلة.

وتَنبَّهَ الرئيس الأميركي جو بايدن لهذه الثغرة منذ العام الماضي؛ ما دفعه لإصدار قرار بإعفاء مكونات وحدات الخلايا الشمسية الآسيوية المستوردة من الرسوم الجمركية لمدة عامين، وسط معارضة من نواب الكونغرس الأميركي، لا سيما من الجمهوريين.

وتستورد الولايات المتحدة وحدات الطاقة الشمسية من 4 أسواق آسيوية تسيطر عليها الصين بصورة غير مباشرة، وهي: ماليزيا وتايلاند وفيتنام وكمبوديا، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وتسهم الولايات المتحدة في سوق تصنيع وحدات الطاقة الشمسية عالميًا بنسبة 2%، في حين تستحوذ الصين على 70% من قدرات تصنيعها؛ ما يعني أن حلم الوصول إلى التصنيع المحلي الأميركي لهذه الوحدات ربما يستغرق سنوات أطول قد تتخطى عام 2030، وفقًا لتقديرات سابقة لشركة وود ماكنزي.

ويعنى ضعف توافر خلايا شمسية محلية الصنع في الولايات المتحدة أنّ مطوّري المشروعات الجديدة سيواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى عتبة المكون المحلي، الذي تشترطه وكالة الضرائب الأميركية.

لهذا السبب يعتقد فريق التحليل في وود ماكنزي أن صناعة الطاقة الشمسية ربما تستغرق من 2 إلى 3 سنوات لبناء المنشآت وزيادة الإنتاج، كما ستحتاج إلى سنوات أطول حتى تصبح مؤهلة للحصول على الإعفاءات الضريبية.

الحوافز الضريبية لا تغطي كل النفقات الرأسمالية

ثمة مشكلة أخرى تعترض طريق المتقدمين إلى الائتمان الضريبي السخي في الولايات المتحدة، ومفادها أن الفوائد الاقتصادية للائتمان ما زالت أقلّ من التكاليف المرتفعة لاستعمال المعدّات المصنّعة محليًا.

ويرجع خبراء وود ماكنزي ارتفاع التكلفة الرأسمالية لتقنيات الطاقة المتجددة -التي ستلبي عتبة المكوّن المحلي- بنسب تتراوح بين 5% و12%، في حين لا تغطي الإعفاءات الضريبية إلّا جزءًا صغيرًا من تكاليف النفقات الرأسمالية الإجمالية للشركات المضطرة لاستعمال معدّات أميركية الصنع باهظة الثمن.

كما تبدو مدة الحوافز الضريبية المتاحة غير واضحة حسب المعلن من وكالة الضرائب الأميركية، ما قد يمثّل عائقًا أمام الاستثمار بصورة أو بأخرى، ومن ثم عرقلة بناء سلاسل توريد الطاقة المتجددة محليًا، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وعادة ما تكون المنتجات محلية الصنع باهظة الثمن في بداية مسارها الصناعي بأيّ بلد في العالم، وهو ما تحاول الدول حمايته عبر سياسات التحفيز والإعفاءات الضريبية وفرض رسوم جمركية على السلع والمنتجات المنافسة وغيرها.

وينطبق الأمر على حالة الولايات المتحدة، التي ما زالت تسعى لبناء سلاسل توريد الطاقة المتجددة بصورة شبه مستقلة عن الصين، ما يجعلها تواجه تحديات ارتفاع تكلفة المنتج المحلي البديل في الوقت الحالي.

تداعيات قضايا الإيغور والتحايل التجاري

يتطلع مطوّرو مشروعات الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة إلى بناء سلسلة توريد احتياطية في الولايات المتحدة للتحوط من مخاطر تعطّل أو اضطراب سلاسل التوريد العالمية، كما حدث خلال العام الماضي.

وألقت بعض قضايا السياسة التجارية الجدلية بظلالها على سلسلة توريد الطاقة الشمسية إلى الولايات المتحدة خلال العامين الماضيين، خاصة بعد إصدار قانون حظر استيراد منتجات الطاقة الشمسية المصنّعة في مناطق أقلية الإيغور المضطهدة في الصين؛ ما أدى إلى اختناق سلسلة التوريد الأميركية.

ويرصد الرسم التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، تطوّر إيرادات الصين من تصدير مكونات الطاقة الشمسية حتى 2022:

إيرادات صادرات الصين من الطاقة الشمسية

كما أدى تحقيق وزارة التجارة الأميركية مع بعض الشركات الآسيوية المورّدة إلى زيادة المخاوف من تفاقم اضطراب سلاسل توريد الطاقة المتجددة إلى واشنطن.

وفي مارس/آذار 2022، اتهم تحقيق لوزارة التجارة الأميركية 4 شركات آسيوية مورّدة لوحدات الطاقة الشمسية -من أصل 8 شركات- بالتحايل على قوانين مكافحة الإغراق الأميركية عبر استعمال رقائق البولي سيليكون الصينية بصورة غير مباشرة.

ورغم ارتفاع تكلفة المعدّات الأميركية محلية الصنع، فإنها توفر خيارات أسهل في تتبُّعها والتحقق من مصادرها؛ ما سيساعد المطورين في التعامل مع هذه النوعية من القضايا التجارية الجدلية في المستقبل.

أوروبا وسياسة العصا والجزرة

من المتوقع أن تؤدي مبادرات الولايات المتحدة لإنشاء سلاسل توريد الطاقة المتجددة محليًا إلى تشجيع الدول الأوروبية الراغبة في خفض اعتمادها على الصين خلال السنوات المقبلة.

وتواجه الدول الأوروبية تحديًا ضخمًا بعد قانون خفض التضخم الذي أحدث ضجة على مستوى الاتحاد، بعد إعلان كبرى الشركات الأوروبية المصنّعة -على مدار أشهر قليلة- التوجّه الولايات المتحدة للاستفادة من حوافز بايدن السخية.

ورغم اعتراض بعض قادة الاتحاد الأوروبي على حوافز بايدن بوصفها نوعًا من الحماية المخالفة لقواعد السوق الحرة والمنافسة المتكافئة- على حدّ تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون- فإن أوروبا ما زالت تحتاج إلى مواجهة التحدي الأميركي بطريقة أخرى.

وتنصح وود ماكنزي قادةَ الاتحاد الأوروبي بضرورة تغيير النهج المعتمد على العصا (العقوبات والإجراءات المضادة) ليتحول إلى الجزرة (تقديم حوافز) -على تعبيرهم-، كما فعلت الولايات المتحدة التي دفعت التحدي إلى أعلاه بأكبر حوافز ضريبية في تاريخها.

إذ يمكن لسياسة الحوافز السخية أن تضمن بقاء الشركات الأوروبية المصنّعة في أوروبا إلى جانب قدرتها على جذب استثمارات أكبر في صناعة الطاقة المتجددة الأوروبية؛ ما سيقلل من مخاطر الهجرة غربًا عبر المحيط الأطلسي بحثًا عن أموال واشنطن.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق