التقاريرتقارير منوعةرئيسيةمنوعات

سيطرة الصين على المعادن الأرضية النادرة تهدد استقلال أميركا (تقرير)

مستشار بايدن يحذر من الاعتماد على سلاسل التوريد الحالية

رجب عز الدين

ما زالت سيطرة الصين على المعادن الأرضية النادرة تؤرّق أعلى دوائر هرم السلطة في الولايات المتحدة الأميركية، التي باتت تخشي فقدان استقلالها في مجال شديد الحيوية بالنسبة إلى الأجيال القادمة.

واعترف أحد كبار المستشارين بالبيت الأبيض، بتأخر الولايات المتحدة في اللحاق بركب الصين فيما يتعلق بإنتاج المعادن النادرة المستعملة في تقنيات الطاقة النظيفة، خاصة أن بكين قطعت أشواطًا كبيرة في الاستحواذ على السوق العالمية.

وحذّر المستشار الرئاسي آموس هوكستين من الركون إلى سلاسل توريد المعادن الأرضية النادرة التي تتحكم فيها الصين على مستوى العالم بنسبة تتجاوز 60%، وفقًا لمقابلة مع شبكة سي إن بي سي الأميركية.

وقال هوكستين، إن على الولايات المتحدة ضمان سلسلة توريد مستقلة لهذه النوعية النادرة من المعادن، بعيدًا عن الصين المنافس الطموح الذي يترقب كبوة الحصان الأميركي.

وتشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين توترًا متصاعدًا على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية والإستراتيجية، ولا يتوقع المراقبون هدوء هذه الخلافات بين أكبر اقتصادين في العالم خلال السنوات المقبلة.

لا يمكن الاعتماد على بلد واحد

معادن الطاقة المتجددة
جانب من لقاء مستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين، مع شبكة سي إن بي سي الأميركية

لهذا السبب ينصح آموس وآخرون في أعلى هرم السلطة الأميركي بضرورة الاستثمار في خلق سلاسل توريد عالمية متنوعة لمعادن الطاقة المتجددة، إذ تكون الصين أحد أضلعها لا أضلعها كلها.

وقال آموس: "لا يمكن أن نعتمد على سلسلة توريد مركزة في بلد واحد، بغض النظر عن اسم البلد نفسه.. هذا خطر على أمن الطاقة واستقلالها في بلادنا، وأعتقد أنه مصدر قلق لبقية العالم -أيضًا-".

ويشير منسق الرئيس الأميركي بصورة خاصة إلى قطاعات التعدين والتكرير بوصفها من أهم ركائز صناعة المعادن الأرضية النادرة المستعملة في صناعة البطاريات وتوربينات الرياح وغيرها من التقنيات المعول عليها عالميًا.

ورغم تأكيد آموس -الذي خدم في إدارة أوباما مبعوثًا للطاقة- على تأخر مساعي الولايات المتحدة في هذا المجال بالمقارنة بالصين، فإنه ما زال متأكدًا من قدرة بلاده على اللحاق بالركب عبر قوله "نعم متأخرون، لكننا لم نخرج من الملعب".

الصين تسيطر بنسبة 60%

تسيطر الصين على قرابة 60% من إنتاج المعادن الأرضية النادرة في العالم، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن معهد بيكر لدراسة السياسات العامة في جامعة رايس الأميركية.

ويخص المعهد، في تقريره، سلسلة من المعادن الأرضية النادرة، أبرزها الليثيوم والكوبالت والنيكل والغرافيت والمنغنيز، وعناصر أرضية أخرى ضرورية في الصناعات الحديثة.

وتستعمل هذه المعادن بصورة أساسية في صناعة السيارات الكهربائية والبطاريات وأجهزة الكمبيوتر والسلع المنزلية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ولا تستطيع مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الاستغناء عن بعض هذه المعادن بصورة أساسية، خاصة الليثيوم والنيكل والنحاس، المستعملة في صناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وصولًا إلى صناعة البطاريات الضخمة لتخزين الكهرباء النظيفة.

قلق مشروع

تنشط الصين منذ سنوات طويلة في البحث وراء هذه المعادن الأرضية النادرة في كل دول العالم، بالإضافة إلى تعزيز أنشطة التعدين عبر إقليمها الجغرافي الشاسع الممتد على مساحة 9.6 مليون كيلومتر مربع تقريبًا.

ويقلق استحواذ الصين على سلاسل تعدين هذه المعادن وتوريدها أغلب دول العالم المتنافسة على الصدارة الاقتصادية، لا سيما الولايات المتحدة ودول أوروبا التي تتجه بوتيرة سريعة إلى هجر الوقود الأحفوري مقارنة بدول العالم الأخرى.

وتخطط الولايات المتحدة وأوروبا للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050، في حين تخطط الصين لذلك متأخرة بـ10 سنوات، كما ستتأخر الهند 10 سنوات أخرى لتصل في عام 2070.

وتعتمد مشروعات الطاقة المتجددة على المعادن الأرضية النادرة بصورة رئيسة، ما يقلق الولايات المتحدة وأوروبا والهند -أيضًا- من سيطرة المنافس الآسيوي العملاق لمفاتيح تعدين هذه النوعية من المعادن وتوريدها على مستوى العالم.

معدن المنغنيز نموذجًا

على سبيل المثال، تستحوذ الصين وحدها على 95% من عمليات تكرير خام المنغنيز حول العالم، على الرغم من تعدين 10% أو أقل من إمداداتها العالمية، وهو عنصر كيميائي حيوي في صناعة البطاريات وتصنيع الصلب.

كما تسيطر الصين على معظم سوق معالجة الكوبالت والليثيوم والأتربة النادرة وتكريرها، وفقًا لتقرير صادر عن البيت الأبيض في فبراير/شباط 2022.

ويخشى كبير مستشاري البيت الأبيض المخاطر الأمنية المترتبة على محاولة دولة ضخمة -مثل الصين- فرض همينتها على سوق المعادن الأرضية النادرة في أى وقت من الأوقات.

حرب أوكرانيا كشفت الهشاشة

يضرب آموس هوكستين أمثلة بجائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، بوصفهما نموذجين كاشفين لحجم هشاشة سلاسل التوريد العالمية الحالية للطاقة والمعادن.

ويتخوّف هوكستين من انتهاز بكين فرصة مماثلة لفرض الهيمنة على أسواق الطاقة المستقبلية الصاعدة، ما قد يمثّل تهديدًا لأمن الطاقة في أوروبا وأميركا، إذ تعانيان الأزمة نفسها مع روسيا -حاليًا-، ولكن في مصادر الطاقة الأحفورية التقليدية.

ويقول مستشار بايدن: "علينا أن نتعلّم من التجارب التي مررنا بها في قطاع النفط والغاز ونحن ننتقل إلى سوق طاقة جديدة ما تزال تعتمد على الموارد الطبيعية أيضًا".

ويقصد آموس، أن المعادن المستعملة في صناعة تقنيات الطاقة المتجددة هي معادن طبيعية بحكم الوصف، لاستخراجها من الجبال والصحاري والمناجم والرمال والشواطئ والبحار وغيرها.

وبهذا المعنى لا تختلف هذه المعادن عن مصادر الوقود الأحفوري من حيث الوصف، إلا أنها تختلف من حيث الندرة، ما يجعل سباق الاستحواذ عليها أمرًا شديد الخطورة خلافًا للنفط والغاز المتوافرين بكثرة في العالم.

ضعف الاستثمار السبب الرئيس

معادن الطاقة المتجددة
الرئيس الأميركي جو بايدن - الصورة من موقع nbc news

ترجع أسباب التأخر الأميركي في هذا السباق إلى ضعف الاستثمارات المرصودة لهذا القطاع على مدار العقدين الماضيين، وهو ما حاول الرئيس بايدن تداركه عبر إصدار قانون خفض التضخم في أغسطس/آب 2022.

ويستهدف هذا القانون تمديد الإعفاءات الضريبية الحالية، وتشجيع الاستثمار بمشروعات الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة بصورة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

وتتوقع شركة أبحاث الطاقة "ريستاد إنرجي" أن يسهم هذا القانون في زيادة مشروعات الطاقة المتجددة بنسبة 40%، بحلول 2030، عبر تركيب 155 غيغاواط إضافية مقارنة بالأرقام الحالية.

كما تتوقع مؤسسة الأبحاث النرويجية جذب مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية استثمارات ضخمة تزيد على 270 مليار دولار خلال السنوات الـ8 المقبلة، للاستفادة من الإعفاءات والتيسيرات الضريبية الضخمة التي أقرها القانون.

360 مليار دولار تترقب المبادرين

تُعد مشكلة ضعف الاستثمارات السابقة والحالية أبرز العقبات التي أكدها مستشار بايدن في لقائه مع شبكة سي إن بي سي الأميركية.

ويقول آموس: "علينا أن ندرك أننا لم نستثمر بعد بصورة جادة في هذه المجالات، ولم يعد كافيًا التحدث بالأسلوب القديم نفسه حول إقامة الشراكات والتعاون المثمر مع الآخرين.. وإنما علينا أن نجلس إلى طاولة الحلفاء في مجموعة الـ7، ونجمع الموارد ونتأكد من رصد الأموال ومن الحوافز الضريبية والتجارية السخية".

وأشاد آموس بقانون خفض التضخم، متوقعًا أن يُسهم بصورة كبيرة وفعالة في توريد المعادن الحيوية والوصول إليها في الدول الحليفة، عبر حزمة تمويل وإعفاءات ضريبية تصل في تقديره إلى 369 مليار دولار، لتعزيز تقنيات الطاقة المتجددة وإنتاج المعادن الأرضية النادرة اللازمة لها.

موضوعات مرتبطة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق