تقارير الطاقة المتجددةرئيسيةطاقة متجددة

قطاع الشحن البحري العالمي يتجه إلى توديع الوقود الأحفوري.. هل ينجح؟

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • قطاع الشحن البحري العالمي يتجه إلى استعمال الوقود النظيف
  • لا يُعد الهيدروجين خيارًا سحريًا لقطاع الشحن العالمي
  • الشحن البحري يمثل ما نسبته 3% من إجمالي الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة
  • يمثّل قطاع الشحن العالمي 681 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا
  • تنبعث عن محركات الوقود التقليدي أيضًا جسيمات تلوث الهواء والمياه

يمثّل قطاع الشحن البحري العالمي 90% من البضائع المنقولة في جميع أنحاء الكوكب، وهو أيضًا الوسيلة الأكثر كفاءة في استعمال الطاقة لنقل البضائع والسلع العالمية، لكن صناعة الشحن تبقى مصدرًا لانبعاثات غازات الدفيئة المسببة الرئيسة للاحترار العالمي.

وغالبًا ما يُنظر إلى الخيارات البديلة لاستعمال الطاقة في هذا القطاع على أنها باهظة التكلفة في سوق شديدة التنافسية، وهو ما يجعل التغيير بطيئًا للغاية في أغلب الأحيان.

وبينما يسعى العالم إلى تحقيق أهداف الحياد الكربوني، قد لا يجد قطاع الشحن البحري العالمي، ممثلًا في شركاته الضخمة، خيارات سوى استعمال تلك البدائل المكلفة، مثل السفن الكهربائية والهيدروجين وطريقة التزييت بالهواء، بل وحتى طاقة الرياح، حسبما أوردت صحيفة "غارديان" البريطانية.

والتزييت بالهواء هي تقنية ابتكرتها شركة ميتسوبيشي لصناعة السفن، وهي تساعد على تعزيز كفاءة السفن وخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.

وتعتمد أنظمة التزييت بالهواء على تفكيك كمية الزيت المقاس حجمًا عبر تدفق الهواء المستمر في أنبوب، إذ يُحمل على طول جدار الأنبوب في اتجاه تدفق الهواء المضغوط.

ويساعد التزييت على تقليل الاحتكاك بين الأسطح المنزلقة، ما يُسهم في تحسين الكفاءة وزيادة سرعة دوران أحد المكونات، بل ويقلل من التآكل أيضًا، ما يعني في النهاية عمرًا أطول للمكونات وصيانة أقل.

مثال عملي

حينما تبحر عبّارة الركاب "إم في سي تشينج" خلال شهر أغسطس/آب (2023) في رحلتها الأولى التجريبية عبر خليج سان فرانسيسكو، لن يلاحظ ركابها صوت محركها المعتاد خلال سيرها شمالًا إلى فياليجو بولاية كاليفورنيا الأميركية، بل ربما يلاحظ هؤلاء الركاب، البالغ عددهم 75 شخصًا، محركًا ذا صوت هادئ في تلك المرة، حسبما أوردت صحيفة "غارديان" البريطانية.

ويُعزى هذا إلى أن "إم في سي تشينج" هي أول عبّارة ركاب تعمل بخلايا وقود الهيدروجين التجارية في العالم بصورة كاملة، كما أن انبعاثاتها الوحيدة هي المياه النقية، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

و"إم في سي تشينج" هي مشروع تجريبي يأتي في إطار المهمة التي تضطلع بها هيئة نقل الطوارئ المائية في خليج سان فرانسيسكو، والتي تستهدف التخلص نهائيًا من عبارات الركاب العاملة بمحركات الديزل بحلول أواسط العقد المقبل (2035).

وقال المدير التنفيذي للهيئة سيموس مورفي: "نرغب في أن نكون عاملًا محفزًا لتطوير تلك التقنية".

عبارة الركاب "إم في سي تشينج" تستعد للإبحار
عبارة الركاب "إم في سي تشينج" تستعد للإبحار - الصورة من غارديان

الشحن النظيف

بدأت عمليات الشحن البحري منخفضة الكربون تكتسب زخمًا في قطاع النقل البحري العالمي في السنوات القليلة الماضية.

فعلى سبيل المثال، دشنت شركة فيوتشر بروف شيبنغ Future Proof Shipping، في مايو/أيار (2023)، سفينة حاويات داخلية تعمل بالهيدروجين لنقل الشحنات بين هولندا وبلجيكا مرات عدة في الأسبوع.

ووفق تقديرات الشركة، سيُسهم هذا في خفض ألفي طن سنويًا من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون التي تنطلق من المحركات العاملة بوقود الديزل، وهو ما يساعد قطاع الشحن البحري على تحقيق أهدافه في هذا الخصوص.

ويُسهم قطاع الشحن البحري العالمي بـ681 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وفق تقديرات نشرها موقع "آي إن جي".

وبينما يشهد القطاع تحسنًا مستمرًا من حيث كفاءة الطاقة، من المرجح أن تظل الانبعاثات عند نحو 600 ميغا طن، إذ من المتوقع أن تنمو التجارة المنقولة بحراً بنسبة 15% بحلول نهاية العقد الجاري (2030).

* (ميغا طن = مليون طن)

وتظهر الفوائد المؤكدة للشحن منخفض الكربون بوضوح بالنسبة إلى المحيطات وحالات الطوارئ المناخية.

فالشحن البحري يمثّل ما نسبته 3% من إجمالي الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة، وفق نتائج دراسة نشرتها المنظمة البحرية الدولية في عام 2020.

وتنبعث عن محركات الوقود التقليدي -أيضًا- جسيمات تلوث الهواء والمياه، في حين تتسبب الضوضاء الناتجة عن الشحن في حصول اضطرابات في الحياة البحرية، من بينها التوتر المزمن للحيتان الليلية التي تعيش في شمال المحيط الأطلسي.

خفض استهلاك الوقود

يحاول قطاع الشحن البحري العالمي خفض استهلاك الوقود، وإن كان بطرق متواضعة جدًا.

فأكثر من 20% من سفن الشحن التجارية تستعمل طاقة الرياح لخفض استعمال الوقود.

لكن تُعد تلك نسبة ضئيلة مقارنة بأكثر من 50 ألف سفينة تجارية تشق طريقها عبر بحار العالم، كما أن ظروف الطقس تكون غير متوقعة وغير مواتية بما لا يتيح استعمال طاقة الرياح في تسيير السفن بصورة كاملة.

وتستعمل بعض السفن العاملة بمحركات الديزل تقنية التزييت بالهواء لخفض الاحتكاك بين البحر وبدن السفينة، عبر إيجاد فقاعات صغيرة فوق قاعدة السفينة؛ ما ينتج عنه خفض طفيف في استهلاك الوقود وانبعاثات غازات الدفيئة.

سفينة تعمل بالوقود النظيف
سفينة تعمل بالوقود النظيف - الصورة من غارديان

الهيدروجين وقود واعد

يُعد الهيدروجين أحد أكثر أنواع الوقود البديل التي تبشّر بمستقبل واعد في إزالة الكربون من قطاع الشحن، نظرًا إلى كونه خفيف الوزن، كما يمكن للمركبات السفر لمسافات طويلة دون الحاجة إلى إعادة التزود بالوقود، بحسب ما قاله مدير الشحن المستدام في منظمة النقل والبيئة ومقرها العاصمة البلجيكية بروكسل جاكوب أرمسترونغ.

ومن الممكن أن يُستعمل الهيدروجين في تسيير قرابة 43% من الرحلات البحرية التي تمر عبر محور الشحن الأطول بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، دون إضافة أي سعة وقود أو حتى التوقف لمرات إضافية من أجل إعادة التزود بالوقود، بحسب تقديرات صادرة عن المجلس الدولي للنقل النظيف "آي سي سي تي".

كما يمكن استعمال الهيدروجين في تسيير 99% من الرحلات التي تمر عبر المحور ذاته عبر إضافة بعض التعديلات، إما من خلال استبدال مزيد من وقود الهيدروجين بـ5% من مساحة الشحن قدر المستطاع، وإما عبر التوقف في المواني لإعادة التزود بالوقود في أثناء الإبحار.

حل غير سحري

رغم مزاياه العديدة بصفته وقودًا فإن الهيدروجين لا يُعد خيارًا سحريًا لقطاع الشحن البحري العالمي في مساره الصعب الذي يمضي فيه نحو التخلص التدريجي من مصادر الوقود الأحفوري، والاستعاضة عنها بالمصادر النظيفة المستدامة.

فرغم عدم إنتاجها انبعاثات كربونية ضارة فإن عملية إنتاج الهيدروجين تستهلك كميات كثيفة جدًا من الكهرباء يجري توليدها باستعمال الوقود الأحفوري.

وهناك بدائل أكثر نظافة، مثل الهيدروجين الأخضر الذي يُنتَج عبر استعمال المحلل الكهربائي الذي يفكك جزيء الماء إلى أكسجين وهيدروجين باستعمال مصدر للكهرباء المتجددة.

لكن تلك الطريقة لم تُستعمل بعد على نطاق واسع.

تحديات الهيدروجين

تمتد التحديات التي تواجه التوسع في استعمال الهيدروجين في قطاع الشحن العالمي، لتشمل طريقة تخزينه.

فهناك حاجة إلى استعمال الحاويات ذات الضغط العالي لتخزين الهيدروجين في شكل غاز.

وفي حال الرغبة في تخزينه في صورة سائلة، يتطلب الهيدروجين درجات حرارة منخفضة للغاية (مبردة)، نظرًا إلى أن نقطة غليانه تستقر عند 252.8 درجة مئوية (423 درجة فهرنهايت).

وتبني شركتا هابوينت وغلوير-تيلور لابوراتوريز في الولايات المتحدة الأميركية -حاليًا- خزانًا قويًا خفيف الوزن، تمهيدًا لاستعماله في مجالي الطيران والشحن.

وعلاوة على ذلك، تصمم شركة مارين سيرفيس نوورد النرويجية أنابيب مزدوجة الجدران، يمكن استعمالها في أنظمة تخزين الهيدروجين المضغوط.

وبالنسبة إلى المسافات القصيرة، يمكن أن تصبح الكهرباء أكثر استعمالًا من الهيدروجين، لا سيما في الوقت الذي تصبح فيه البطاريات أصغر حجمًا وأقل ثمنًا.

العبّارات الكهربائية

قال كبير المحاضرين في أكاديمية مارستال البحرية في الدنمارك هنريك هاجبارث ميكلسن: "في نطاق الشحن قصير المدى، أعتقد أن العبّارات العاملة بالبطاريات ستكون لها السيطرة في غضون المدة من 5-10 أعوام مقبلة".

وفي أوروبا -وحدها- تعمل 696 عبارة في مياه البحر المفتوح على طرق تقل مسافاتها عن 22 ميلًا بحريًا (41 كيلومترًا)، ويمكن أن تحل محلها سفن كهربائية، بحسب ميكلسن.

ودشنت مشغّلة العبارات النرويجية نورلد أول سفينة ركاب تعمل ببطارية في عام 2015، وهي -الآن- تشغل قرابة 80 عبارة كهربائية.

وقال مدير الشحن المستدام في منظمة النقل والبيئة، ومقرها العاصمة البلجيكية بروكسل، جاكوب أرمسترونغ: "النرويج لديها مشهد سياسي ممتاز (لاستعمال السفن الكهربائية)، وهي في طريقها إلى إزالة الكربون من غالبية أسطول العبارات لديها خلال العقد المقبل".

سفينة فايكنغ كروزيس
سفينة فايكنغ كروزيس - الصورة من أوفشور إنرجي

السفن الهيدروجينية

بدءًا من عام 2026، يتعيّن على جميع السفن التي تزور المضايق النرويجية المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، أن تكون حيادية الكربون، بحسب أرمسترونغ.

وقال أرمسترونغ: "ولذا فإن شركات الرحلات البحرية استثمرت في تقنية البطاريات والهيدروجين، وهكذا يمكن أن يحدث التغيير".

فعلى سبيل المثال، تُصمم شركة الرحلات السياحية البحرية فايكنغ كروزيس، سفنًا عاملة بالهيدروجين، في حين تحولت شركة هورتيغروتين إلى استعمال تقنية هجينة مع البطاريات.

وفي جنوب الدنمارك، تنقل عبارة كهربائية يُطلق عليها "إلين" الركاب والمركبات في رحلة تبلغ مسافتها 22 ميلًا بحريًا، بين جزيرتي أيرو وألس.

ونجحت تلك العبّارة الكهربائية في قطع مسافة 52 ميلًا بحريًا بشحنة واحدة.

وفي هذا الصدد، قال رئيس شركة دانفوس باور سوليوشنز، إريك ألستروم، الذي شاركت مؤسسته في تصنيع بعض مكونات العبارة إلين: "إلين تعمل بتكلفة أقل بنسبة 24%، مقارنة بعبارة جديدة تعمل بوقود الديزل، لأن الحلول الكهربائية أخف وأكثر فاعلية بكثير من حيث استهلاك الطاقة، قياسًا بأنظمة الديزل التقليدية".

وأوضح ألستروم : "نعلم -تمامًا- كمية الكهرباء المطلوبة في هذا الخصوص، ولذا يمكنك حساب المدة الزمنية التي تحتاج إليها لشحن العبارة، ويمكن إدراج هذا في الجدول".

دعم حكومي

أشار ألستروم إلى أن هذا يحتاج إلى استثمارات في البنية التحتية المحلية للشحن، التي تستغل مصادر الكهرباء المتجددة، وهذا "يحظى بدعم من الحكومة المحلية".

ويُعد الحصول على المواد الخام لتصنيع البطاريات الكهربائية عاملًا مهمًا في نجاح التقنية الخضراء.

على صعيد متصل، قال مدير الشحن المستدام في منظمة النقل والبيئة جاكوب أرمسترونغ، إن التشريع الأوروبي يبدو جيدًا من حيث تعزيز العناية الواجبة عبر سلسلة الإمدادات، لا سيما بشأن التعدين الخاص بمعدني الليثيوم من تشيلي والنيكل من إندونيسيا.

ولفت أرمسترونغ إلى أن مستهدف الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050 "واقعي تمامًا" لتحقيق الشحن النظيف عالميًا، مؤكدًا أن أوروبا تقود هذا التحول.

وتابع: "ما إن يتقدم الاتحاد الأوروبي في هذا الخصوص، سنرى كوريا الجنوبية، وأميركا، واليابان تحذو حذوه، وسيكون هناك ما يُطلق عليه تأثير الدومينو".

ويشير "تأثير الدومينو" إلى تفاعل تسلسلي يحدث عندما يقود تغيير صغير إلى حصول تغيير مماثل معه، الذي بدوره سيُحدث تغييرًا مماثلًا، وهكذا.

ولفت أرمسترونغ إلى أن الحلول قريبة الأجل ستنتج عنها مجموعات مختلفة من التقنيات، على سبيل المثال: مزيج الديزل والهيدروجين للسفن متوسطة الحجم.

لكن المكاسب المحتملة هائلة، إذ إن التحول إلى أشكال الوقود النظيف "ستكون له فائدة واضحة ومحددة على صحتنا وصحة النظام البيئي للمحيطات بوجه عام".

ويوضح التصميم أدناه -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- معلومات عن إزالة الكربون من قطاع الشحن البحري العالمي:

إزالة الكربون - الشحن البحري

خطط إزالة الكربون

من المتوقع أن يُسهم الاعتماد على الهيدروجين الأخضر في إزالة الكربون من قطاع الشحن البحري العالمي بنسبة 80% بحلول أواسط القرن الحالي (2050)، وفق تقديرات صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا".

وترتكز خطط إزالة الكربون من القطاع على مقترحات رئيسة عدة، أهمها كهربة القطاع عبر الهيدروجين الأخضر أو الوقود الحيوي، أو تعزيز كفاءة أنظمة تشغيل محركات السفن الحالية، بما يسمح بتقليص الانبعاثات الصادرة منها.

ويحل قطاع الشحن البحري العالمي سابعًا في التصنيف العالمي من حيث حجم الانبعاثات، وغالبًا ما تتجه الأنظار المناهضة للقطاع نحو قارة آسيا لريادتها الصناعية في العالم وتفوقها في أنشطة الشحن البحري، لا سيما في سنغافورة والصين واليابان وكوريا الجنوبية.

وتستهدف الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050، في حين تؤخر الصين خططها إلى عام 2060، أما الهند فستتأخر خططها 20 عامًا أخرى، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

 

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق