هيدروجينتقارير الهيدروجينرئيسية

خبراء يوصون قطاع الشحن البحري العالمي بتقنيات الهيدروجين رغم معضلاته الناشئة (تقرير)

إزالة الكربون من الصناعة عملية معقّدة وليست سهلة

عمرو عز الدين

تتزايد توصيات الخبراء في قطاع الشحن البحري العالمي بضرورة الاستثمار في تقنيات الهيدروجين ذات الأثر الهائل في إزالة الكربون من القطاع، رغم التحديات التي تواجهها الصناعة.

وترجّح تقديرات الخبراء أن يؤدي الهيدروجين دورًا حيويًا في تحول الصناعات البحرية نحو الطاقة النظيفة بحلول عام 2050، وفقًا لموقع هيدروجين فيول نيوز المتخصص (hydrogen fuel news).

ويُعَد قطاع الشحن البحري العالمي من أكثر قطاعات النقل كثافة في استخدام الطاقة بمعدلات تصل إلى 5 أضعاف وسائل النقل الأخرى المستخدمة في نقل البضائع، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

كما يعتمد هذا القطاع على الوقود الأحفوري بصورة شبه كاملة؛ ما يجعله محط أنظار المنظمات البيئة العالمية ونشطاء المناخ حول العالم رغم مساهمته المتوسطة في حجم الانبعاثات العالمية.

انبعاثات بنسبة 3%

يُسهِم قطاع الشحن البحري العالمي، في الوقت الحالي، بنسبة 3% من إجمالي الانبعاثات العالمية، وسط توقعات بارتفاع هذه النسبة إلى 10% بحلول 2050، إذا ظلت الصناعة على وضعها دون تحول.

وتشير بيانات نقل البضائع عالميًا إلى استحواذ النقل البحري على 90% من حركة النقل العالمية للبضائع، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وتتزايد توصيات الخبراء بزيادة الاعتماد على تطوير تقنيات الهيدروجين؛ لأسباب عديدة؛ أبرزها قدرته على تشغيل السفن وتناغمه مع الخطط الموازية لإزالة الكربون من أنشطة المواني ذات الثقل في مجال الصناعات البحرية.

ويُنظر إلى المواني بوصفها محور التقاء النقل البحري والبري؛ ما يجعلها نقطة تجمع كثيفة لانبعاثات المجالين؛ الأمر الذي يدفع كثيرًا من البلدان إلى إدراج قطاعات المواني ضمن خططها الوطنية في خفض الانبعاثات بالصناعات البحرية.

وترتكز إستراتيجية المملكة المتحدة على الهيدروجين بصورة كبيرة في إطار خططها لإزالة الكربون من الصناعات البحرية الوطنية والعالمية.

الهيدروجين قابل للنقل والتخزين

يشترك الهيدروجين مع الوقود الأحفوري في قابليته للتخزين والنقل عبر صهاريج؛ ما يجعله مؤهّلًا لأداء مهامه في قطاع الشحن البحري على المدى المتوسط والطويل.

كما تتميز بعض تقنيات الهيدروجين (تقنية خلايا الوقود) بالقابلية للتجدد تلقائيًا دون الحاجة إلى إعادة شحن؛ ما يمكن السفن الأكبر حجمًا من قطع مسافات طويلة دون الحاجة إلى التزود بالوقود من حين لآخر.

وتختلف هذه التقنية نوعيًا عن البطاريات الكهربائية التي تنفد وتحتاج إلى إعادة الشحن أو التزود بالوقود بصورة متكررة وسريعة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

تحديات فنية ومالية

رغم هذه المميزات الحصرية للهيدروجين؛ فإن خطط الاعتماد عليه في قطاع الشحن البحري العالمي ما زالت تصطدم بعدة تحديات فنية ومالية وسياسية، وفقًا لتقديرات شركة برامبل إنرجي البريطانية المتخصصة في صناعة خلايا الوقود المتجدد.

وأشار رئيس القطاع التجاري بالشركة، فيدال بهاراث، إلى ضعف جاهزية البنية التحتية التي ما زالت تألف الوقود الأحفوري المستخدم منذ عقود طويلة في قطاع الشحن البحري العالمي.

كما رصد فيدال ضعف أحجام الاستثمار الخاص والحكومي في تقنيات الهيدروجين البحرية، إضافة إلى افتقار الخبرات الفنية المؤهلة في القطاع، وصولًا إلى ضعف السياسات الحكومية الجادة في هذا المجال.

ويقول بهاراث إن اجتماع هذه التحديات مع بعضها بعضًا، يقف حجر عثرة أمام الانتشار السريع لتقنيات الهيدروجين في قطاع الصناعات البحرية حول العالم.

مخاطر الصحة والسلامة

ما زالت تكلفة اللجوء إلى الهيدروجين باهظة الثمن، مقارنة بأنواع الوقود الأحفوري الأخرى؛ بسبب ضعف وحداثة الاستثمار في تقنيات النقل والتخزين لهذا النوع من الوقود النظيف.

ويحتاج تخزين الهيدروجين إلى مساحات أكبر ودرجات حرارة شديدة البرودة؛ ما يرفع من مخاطر الصحة والسلامة خلال عمليات نقله التي لا تسلم من احتمالات الانفجار والاشتعال.

إضافة إلى ذلك ثمة تحدٍّ آخر يتمثل في ضرورة إنتاج الهيدروجين النظيف عبر طريقة التحليل الكهربائي باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي ما زالت في مراحل التطوير هي الأخرى.

ويثير هذا التحدي تساؤلات محيرة أمام الخبراء والمختصين حول أولوية تطوير تقنيات ناشئة باهظة التكاليف، معتمدة على بعضها بصورة أساسية؛ بحيث يمثل غياب أحدها، امتناع الآخر عن العمل، كما في حالة الهيدروجين المعتمد على الطاقة الشمسية والرياح.

أحجية البيضة والدجاجة

قطاع الشحن البحري العالمي
رئيس القطاع التجاري في شركة برامبل إنرجي فيدال بهاراث، على يمين الصورة بجوار الرئيس التنفيذي توم ماسون - الصورة من موقع الشركة

وصف رئيس القطاع التجاري بشركة برامبل إنرجي، فيدال بهاراث، هذه الحالة بأحجية الدجاجة والبيضة أيهما أولًا، في إشارة إلى تساؤل أيهما نطور أولًا: تقنيات السفن أم تقنيات الوقود؟

ويتعجب بهاراث قائلًا: "كيف يمكن الاعتماد على تقنيات الهيدروجين في إزالة الكربون من الصناعات البحرية والبدائل النظيفة التي يعتمد عليها قابلة للتطوير؟".

كما تحتاج صناعة الهيدروجين إلى سد عدد من الثغرات المستقبلية؛ لعل من أبرزها سلاسل التوريد التي تحتاج إلى موردين محترفين في مجال ضغط الهيدروجين وتخزينه على نطاق واسع، إضافة إلى مصنعي الأنابيب الأكفاء المؤهلين للتعامل مع هذه المادة الناشئة في الاستخدام العالمي.

كما تحتاج الصناعة إلى حالة تنسيق متناغمة بين قطاعات الشحن البحري والبري وصناعات التدفئة لتطوير شبكات سلاسل التوريد بمعايير موحدة لأنظمة السلامة والأمان؛ ما يمهد الطريق لانتشار الهيدروجين بصورة أسرع وبتكاليف أقل مع مرور الزمن.

لكل هذه التحديات لا يعتقد بهاراث وجود إجابة واحدة عن مسألة إزالة الكربون من قطاع الشحن البحري العالمي؛ فالحل من وجهة نظره هو استخدام كل مصدر نظيف قابل للتطبيق دون التوقف عند تقنيات الهيدروجين وحده، رغم اعترافه بأهميتها القصوى في هذا المجال.

ويطلق قطاع الشحن البحري العالمي قرابة مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، ما يعادل ربع إجمالي الانبعاثات الصادرة عن قطاع النقل العالمي، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وتخطط المنظمة البحرية الدولية "آي إم أو" لخفض انبعاثات القطاع بنسبة 50% بحلول عام 2050، مقارنة بمستويات عام 2008.

إدراج قطاع الشحن في سوق الكربون

تعهّد الاتحاد الأوروبي بضم قطاع النقل البري والشحن البحري إلى سوق تداول الكربون النشطة في أوروبا، وفقًا لاتفاق توصل إليه قادة الاتحاد في 18 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وتقوم فكرة أسواق الكربون المبتكرة في أوروبا منذ 17 عامًا على فرض حد أقصى إلزامي لحجم الانبعاثات المسموح بخروجها من الشركات الملوثة مع تناقصه سنويًا؛ ما قد يزيد من تكلفة التلويث على الشركات بمرور الزمن.

ووفق هذه الفكرة سيتعين على الشركات العاملة بمجال النقل البري والبحري خفض انبعاثاتها إلى حد معين لا يمكنها تجاوزه إلا بشراء تصاريح شركات أخرى عبر أسواق تداول تشبه أسواق الأسهم وتخضع للعرض والطلب.

استنادًا إلى ذلك ستضطر الشركات الأكثر تلويثًا في قطاع الشحن البحري العالمي لزيادة إنفاقها على شراء تصاريح نظيرتها الأكثر التزامًا؛ ما يجعلها تفكر في منطق الفرصة البديلة للاستثمار في الطاقة المتجددة على المدى المتوسط والطويل، بدلًا من هدر الأموال في شراء تصاريح خاضعة للعرض والطلب في أسواق التداول.

خطط ميرسك الدنماركية

قطاع الشحن البحري العالمي
إحدى حاويات شركة ميرسك الدنماركية - الصورة من بلومبرغ

بادرت أكبر شركة للنقل البحري في العالم "ميرسك سيلاند الدنماركية" بإعلان خططها في عام 2018 لخفض الانبعاثات الكربونية بنحو 60% بحلول 2030، تمهيدًا لتصفير الكربون من عملياتها بحلول عام 2050.

وتتجه أنظار الخبراء إلى الهيدروجين الأخضر السائل؛ بوصفه أنسب وقود بديل في قطاع الشحن البحري العالمي؛ لسهولة تأقلمه مع أنظمة تشغيل أغلب السفن الحالية مع بعض التعديلات الفنية الطفيفة، إضافة إلى سهولة تخزينه بكميات كبيرة لمدد طويلة تلائم رحلات الحاويات العملاقة عبر البحر.

وتشير دراسة فنية حديثة إلى أن الهيدروجين الأخضر يمكنه أن يحل محل الوقود الأحفوري في تسيير 43% من الرحلات البحرية بين الولايات المتحدة والصين دون أي تغييرات فنية على محركات السفن الحالية.

كما يمكن للهيدروجين أن يعمل على تسيير رحلات بحرية أخرى بشرط إحداث تغييرات طفيفة في سعة الوقود وأنظمة تشغيل بعض السفن، وفقًا لدراسة أجراها المنتدى البحري العالمي، في مارس/آذار 2021.

الأنظار متجهة إلى كربون آسيا

تتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" أن يسهم الاعتماد على الهيدروجين الأخضر في إزالة الكربون من قطاع الشحن البحري العالمي بنسبة 80% بحلول عام 2050.

وتدور خطط إزالة الكربون من القطاع حول عدة مقترحات رئيسة؛ أبرزها كهربة القطاع عبر الهيدروجين الأخضر أو الوقود الحيوي، أو تحسين كفاءة أنظمة تشغيل محركات السفن الحالية؛ بما يسمح بخفض الانبعاثات الصادرة منها.

ويحتل قطاع الشحن البحري المركز السابع عالميًا في حجم الانبعاثات، وغالبًا ما تنصب الأنظار المناهضة للقطاع على قارة آسيا لثقلها الصناعي في العالم وريادتها في صناعات الشحن البحري، ولا سيما في سنغافورة والصين واليابان وكوريا الجنوبية.

وتخطط الولايات المتحدة وأوروبا للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050، بينما تتأخر خطط الصين إلى 2060، أما الهند فستتأخر 20 عامًا أخرى، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق