رئيسيةتقارير الغازتقارير النفطغازنفط

وظائف النفط والغاز تشهد عزوفًا رغم ارتفاع الرواتب.. هل الصناعة في خطر؟

هبة مصطفى

تسعى شركات الطاقة بكلّ ما أوتيت من قوة لجذب المزيد من العمال والمهندسين لإنعاش وظائف النفط والغاز بخبرات جديدة، وتنفق في سبيل ذلك استثمارات ضخمة لتمويل برامج تدريب وتطوير الكفاءات.

ولوحظ عزوف الطلاب عن الالتحاق ببرامج هندسة النفط في الجامعات الأميركية والأوروبية، رغم مغريات ارتفاع رواتب وظائف الصناعة والحاجة المُلحّة لضمّ عناصر جديدة تسهم في ضمان أمن الطاقة، وفق تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال (The Wall Street Journal).

ورغم فشل الأرباح القياسية التي تُعلنها الشركات بصورة فصلية في زيادة الإقبال على الوظائف، اتجه المعنيّون بصناعة الوقود الأحفوري إلى إقناع الطلاب بأن الالتحاق بالبرامج الهندسية المؤهلة للتوظيف لا يعني بالضرورة عملهم في قطاع النفط والغاز، بحسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

وأقرّ عدد من مديري مشروعات الطاقة بأن خطط شركاتهم لم تعد قاصرة على زيادة إنتاج الهيدروكربونات، بل امتدّت إلى الاهتمام بالطاقة النظيفة وتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه والهيدروجين وغيرها من الصناعات التي تتطلب دراسة مناهج هندسة النفط في الأساس.

الوظائف وأمن الطاقة

اتجهت شركات الوقود الأحفوري إلى دعم برامج التأهيل لوظائف النفط والغاز، عبر ضخ المخصصات في المنح الدراسية والزمالات والبرامج المُعدّة خصوصًا لتطوير كفاءات الأجيال الجديدة.

وتركز الشركات على جذب خريجي الجامعات بصورة خاصة منذ زمن بعيد، لكن زاد هذا الاتجاه بعدما شكّل أمن الطاقة أولوية قصوى، سواء للحكومات أو الشركات، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، منذ ما يقرب من عام ونصف (في 24 فبراير/شباط 2022).

موقع للنفط والغاز
موقع للنفط والغاز - الصورة من WSJ

واضطرت دول عدّة للعودة إلى الاعتماد على الوقود الأحفوري رغم خطط انتقال الطاقة ومسارات التحول المستهدفة، لتلبية الطلب المحلّي الذي عادةً ما يشكّل أولوية قصوى.

ولعل الموقف الأوروبي وتقلّب أسواق الطاقة، خلال مرحلة ما بعد اندلاع الحرب الأوكرانية خير دليل على ضرورة معالجة مشكلة نقص الكفاءات والعزوف عن الالتحاق بوظائف النفط والغاز.

ويظهر ذلك جليًا في لجوء بعض دول القارة العجوز إلى السوق الفورية لتعويض غياب الغاز الروسي، واضطرار بعضها الآخر إلى العودة لاستعمال الفحم مرة أخرى في توليد الكهرباء.

واقع الجامعات

لم تنجح رواتب وظائف النفط والغاز المرتفعة، أو الأرباح القياسية لشركات الطاقة، خاصة خلال أوقات ارتفاع الأسعار، في جذب الطلاب الجدد للدراسة بالكليات والجامعات المختصة بإعداد هذه الكفاءات.

وفي المقابل، يرى الطلاب أن الأهداف المناخية وافتقار الصناعة إلى عوامل الأمن الوظيفي مستقبلًا أسباب كافية لتجنّبهم دراسة هذه التخصصات، ما أوقع الصناعة في حالة وُصفت بأنها "جفاف وظيفي".

وشهد عدد الطلاب المقبلين على الالتحاق ببرامج هندسة النفط في الكليات والجامعات الأميركية انخفاضًا إلى أقلّ المستويات منذ ما يزيد عن 10 سنوات، قبيل انطلاق طفرة التكسير المائي (الهيدروليكي) والنفط الصخري.

وانخفض عدد خريجي كليات هندسة النفط -من عام 2016 إلى 2021- بما يزيد عن النصف، حسب بيانات وزارة التعليم الأميركية، رغم أن هذه المدة شهدت تضاعفًا في أسعار خام برنت.

وأكد الأستاذ بجامعة تكساس التقنية، لويد هاينز، أن عدد طلاب الجامعات الملتحقين بدراسة هندسة النفط سجل انخفاضًا بنسبة 75%، منذ عام 2014 حتى الآن.

ويتكرر الأمر ذاته بالنسبة للجامعات الأوروبية، إذ يعزف طلابها -أيضًا- عن الانضمام للبرامج المؤهلة لوظائف النفط والغاز، رغم تاريخها المشهود بتخريج كفاءات هندسية عززت مشروعات شركات الطاقة في الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم.

المخاوف والبدائل

لتفسير سبب عزوف الطلاب والكفاءات عن الالتحاق بوظائف النفط والغاز يتعين النظر إلى عاملين رئيسين: الأهداف المناخية ومخاوف التحول.

ويساور القلق الطلاب وأصحاب الكفاءات بشأن تأثير صناعة الوقود الأحفوري في تغير المناخ، بجانب أنها تشكّل وظائف غير مستقرة في المستقبل البعيد؛ نظرًا لإبحار الاقتصاد العالمي تجاه الاستثمار في مصادر طاقة متنوعة.

منضمون لوظائف النفط والغاز في أحد المواقع
عمّال بأحد المواقع النفطية- الصورة من Houston Chronicle

وحاولت شركات الطاقة امتصاص هذه المخاوف واحتواءها، إذ طرحت شركة النفط البريطانية "بي بي" -خلال العام الجاري 2023- برنامجًا دراسيًا بالتعاون مع جامعات أميركية لتعميق معرفة الطلاب بصناعة الطاقة، بحجم استثمارات يصل إلى 4 ملايين دولار.

وكانت الشركة قد أعلنت -العام الماضي 2022- استهدافها تدريب ما يزيد عن 2000 شخص خلال العقد الجاري، للحصول على أفضل الكفاءات.

ولم يقتصر الأمر على الشركات، إذ تدرس جامعة تكساس منح درجة ماجستير جديدة لا تضم كلمة "نفط"، لجذب المزيد من الطلاب والدارسين المتطلعين إلى الالتحاق ببرامج هندسة الطاقة.

واتجهت جامعة "إمبريال كولدج لندن" العام الماضي (2022) إلى إلغاء أحد برامجها المتعلقة بالصناعة، وأطلقت برنامجًا عن جغرافية الطاقة وعلوم البيانات بدلًا عنه.

وظائف الطاقة النظيفة

يشكّل استمرار تدفّق وظائف النفط والغاز وكفاءات صناعة الطاقة ضرورة حيوية، خاصة مع اتجاه عدد من كبريات الشركات إلى تقنيات بديلة، من ضمنها: تغييرات في البنية التحتية لخفض مستويات الانبعاثات، والتوسع في مشروعات الطاقة النظيفة وخفض الكربون.

وأوضح مستشار أعمال مشروع "نورثرن لايتس"، أصلاك هيليستو، أن الحصول على الكفاءات لوظائف النفط والغاز بات أمرًا نادرًا في الآونة الحالية، مشيرًا أن مشروعهم المعني باحتجاز الكربون وتخزينه يعدّ تقنية مميزة لا ينبغي أن يتجه للفشل بسبب نقص العمالة.

واللافت للنظر أن مشروع احتجاز الكربون "نورثرن لايتس" الواقع قبالة السواحل النرويجية يخضع لإدارة عدد من كبريات شركات الطاقة في أوروبا، منها: (إكوينور، وشل، وتوتال إنرجي).

وكان تقرير صادر عن شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي، في مايو/أيار العام الماضي 2022، قد توقّع ارتفاع وظائف النفط والغاز في أميركا خلال السنوات المقبلة، حتى تصل إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا بحلول عام 2027.

وتوقّع التقرير أن ترتفع الوظائف بنسبة 12.5% خلال العام الجاري 2023، لتسجل 971 ألف وظيفة، غير أنه لفت إلى نمو "محدود" لأجور ورواتب الصناعة قد يصل إلى 10% بحلول عام 2024.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق