الموقف الإيراني من حقل الدرة والمفاوضات مع السعودية والكويت (مقال)
بقلم: أومود شوكري – ترجمة: هبة مصطفى
تطور النزاع بين الكويت والسعودية وإيران حول حقل الدرة في الأيام الأخيرة؛ إذ تتمسك إيران بحقها في جزء من الحقل، والذي تسمية آراش، بينما تصر السعودية والكويت على حقهما الحصري في الحقل.
وقد تنمو الاحتياطيات المتوقعة للغاز في الكويت بنسبة قدرها 30%، بفضل احتياطيات الحقل المشترك -محل النزاع- المحتملة.
ومؤخرًا، أعلنت الأطراف المعنية موقفها من حقوق الملكية والاستغلال بعدما فشلت مشاورات حل النزاع حتى الآن.
ويُشكِّل الحقل مقياسًا لجاهزية السعودية وإيران للتعامل مع النزاعات في العلاقات الدبلوماسية؛ إذ يُحدد قدرة الرياض على التأثير في طهران والكويت بهدف التوصل إلى أرضية مشتركة.
وفي حين ذلك، ما زالت الكويت محاصرة بين أهمية الحقوق الحصرية والاعتبارات الأخرى.
أهمية حقل الدرة
يكتسب حقل الدرة أهمية "محدودة نسبيًا" بالنسبة إلى سوق الغاز الطبيعي العالمية؛ إذ يغذي إنتاجه بصورة رئيسة قطاعا الكهرباء والطاقة المحليان، في كل من: الكويت، السعودية، إيران.
وفي حين يُشكِّل الحقل قيمة إستراتيجية للبلدان الـ3؛ نظرًا إلى المطالبات الإقليمية المتشابكة وكذا العلاقات الإقليمية؛ فإن تأثيره في سوق الغاز الدولية غير ذي أهمية، لكن التركيز عليه يأتي بدافع تلبية الطلب المحلي على الغاز الآخذ في الارتفاع بهذه الدول.
ورغم ذلك؛ فما زالت مساهمة الحقل في إمدادات الغاز والغاز المسال العالمية "محدودة"، مقارنة بإنتاج الغاز في المناطق الرئيسة الأخرى.
وفي يومي 3 و4 يوليو/تموز من العام الجاري (2023)، أعلنت الكويت والسعودية رفضهما ادعاءات إيران ومواقفها بشأن حقل الدرة، مشددين على حقوقهما السيادية في حقل النفط والغاز المشترك، بعدما دفعتهما نوايا طهران لاستغلال الحقل نحو هذا التحرك.
حق السعودية والكويت
بعيدًا عن موقف الكويت وهل ستقرر التعاون أم لا؛ فإن إيران ما زالت متمسكة بالتأكيد على حقوقها في حقل الدرة المتنازع عليه في الخليج العربي، وبحسب تصريحات وزير النفط لدى طهران "جواد أوجي" لا يبدو أنها ستتخلى عن حصتها في الموارد الطبيعية بالمنطقة المشتركة.
وتؤكد السعودية والكويت حقهما المنفرد في موارد حقل الدرة، خاصة أنه يقع جزئيًا في المياه البحرية الكويتية بالإضافة إلى وقوع جزء منه في حصة الكويت من المنطقة البحرية المحايدة المشتركة مع السعودية.
ويُثار الخلاف حول الحدود البحرية، خاصة أن إيران -أيضًا- تطالب بأجزاء من المنطقة، غير أنه من المقرر إخضاع المسؤول عن المنطقة للمراقبة والنظر وفق إطار الاتفاقيات الدبلوماسية الموقّعة مؤخرًا بين السعودية وإيران.
ويُعَد الحقل -الذي يضم احتياطيات غاز كبيرة- حيويًا لأمن الطاقة في الكويت ولقدرة البلاد على التكيف مع الحاجة المُلحّة والعاجلة لإمدادات الغاز محليًا، ورغم طرح مناطق التطوير التعاوني حلًا للتسوية؛ فإن موافقة الكويت ومشاركتها ما زالت مهمة لأي تقدم وتطور.
تداعيات استمرار النزاع
- التداعيات على الأسواق:
قد تؤدي التوترات المتزايدة بين إيران والكويت والسعودية إلى تعرض المناطق الرئيسة المنتجة للطاقة إلى تعطل الإمدادات وتقلب الأسعار، وربما يمتد الأمر إلى إحداث تقلبات في سوق الطاقة إثر حالة عدم اليقين في التعامل مع الاضطرابات والفوضى العالمية.
ومن المرجّح أن تدفع انقطاعات المعروض من الإمدادات مستقبلًا نحو رفع المستثمرين للأسعار عبر علاوات المخاطر، وقد تتأثر أسواق العملات وتكلفة استيراد وتصدير سلع الطاقة وأسعار الطاقة العالمية -أيضًا- بالحروب الإقليمية.
وربما تؤثر الخلافات الإقليمية في أسعار الطاقة على المدى القصير، غير أنه يجب الوضع في الحسبان (الإمداد العالمي وحجم الطلب، وحالة الاقتصاد، والتنظيمات البيئية).
ومن الضروري توضيح المصادر المالية وسوق الطاقة لبيانات الآونة الحالية، لرصد معلومات أكثر دقة حول علاقة تكلفة الطاقة بالتوترات في المنطقة.
- التداعيات الإقليمية:
يتمتع الخليج العربي بخصائص وميزات فريدة تميزه عن بقية أنحاء العالم وفق خبير القانون الدولي "مرتضى نجفي أصفهاد"، ويزيد خليج مضيق هرمز -الذي يفتقر إلى نظام قانوني محدد- من تميز منطقة الخليج العربي.
وتحوز إيران صلاحيات غالبية أجزاء المضيق وفق المنظمة البحرية الدولية، وبجانب ذلك يُشكِّل الخليج العربي بالكامل جرفًا قاريًا يضم احتياطيات نفط وغاز وفيرة؛ ما يعزز أهميته من الناحية القانونية.
ويوضح نجفي أن التفاوض الدبلوماسي بين كل من السعودية والكويت وإيران أفضل مسارات حل النزاع حول حقل الدرة، مقترحًا تشكيل لجنة تضم خبراء القانون الدولي تتولى مهمة "التحكيم الإقليمي" إذا ما اقتضت الضرورة ذلك.
ويمكن الاستعانة باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بدلًا من اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، بوصفها أكثر ملاءمة لإيران.
النزاع في ميزان القانون الدولي
يقول الممثل السابق لإيران لدى منظمة الدول المُصدّرة للنفط "أوبك" محمد علي خطيبي، إن إدارة الكويت والسعودية للنزاع حول حقل الدرة قد لا تتفق مع القانون الدولي، مشيرًا إلى أن قرار الكويت ببدء الحفر دون قيود حدودية واضحة قد يوفر لطهران سندًا قانونيًا.
ويرى خطيبي أن الاستغلال المشترك للمنطقة -محل النزاع- أفضل المسارات لتلافي الضرر المحتمل، داعيًا كلًا من إيران والسعودية والكويت للتوصل إلى اتفاق ثلاثي لتجنب تداعيات النزاع حول حقل الدرة.
ويوضح عضو معهد دراسات وأبحاث الطاقة مرتضى بهروزي فر، أنه لا يوجد قانون مُحدد ينظم حصد وجمع الإمدادات من الحقول المشتركة، لكن يُعَد الطرف الفائز هو من يجني إمدادات الحقل بصورة أسرع وأكثر.
ويُرجع "بهروزي فر" ذلك إلى أن تدفقات النفط والغاز تنتقل من الحقول المشتركة إلى البلدان التي تملك إمكانات التطوير، وبمعنى أوضح ستحصل السعودية والكويت على احتياطيات المنطقة الحدودية المملوكة لإيران؛ نظرًا إلى أن الأخيرة أهملت تطوير حقل الدرة.
ترسيم الحدود
يقول المتحدث باسم اتحاد مُصدّري النفط والغاز والبتروكيماويات لدى إيران "سيد حامد حسيني"، إن إيران كثيرًا ما كانت تتعامل بحساسية تجاه ما يتعلق بحقل الدرة، وبذلت جهودًا لترسيم حدودها وتحديد مصالحها.
ويضيف أنه لم يجرِ ترسيم الخطوط الحدودية الفاصلة بين إيران والكويت في منطقة حقل الدرة، ومنذ عام 1970 لم تُبدِ الكويت استعدادها لإجراء مفاوضات مع طهران.
ويرصد الإنفوغرافيك أدناه، الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة، أبرز المعلومات حول حقل الدرة المشترك منذ اكتشافه:
ويشير حسيني إلى أن إيران بدأت عمليات الحفر الأولية لحقل الدرة ودخلت مرحلة الاستكشاف رغم معارضة الكويت والسعودية، وعقب ذلك أجّلت طهران المفاوضات حول ترسيم الحدود لإنجاز أنشطة الاستكشاف وخطة تطوير المنطقة، وتواصلت هذه الجهود حتى عام 2010.
ورغم هذه الصعوبات، يمكن لإيران تجاوز الأمر عبر اختيار الأنشطة التي توفر أعلى إنتاج، وأقصى استفادة من مواردها.
ويمكن أن تلجأ طهران إلى طريقة أخرى للالتفاف على قيود العقوبات، عبر التركيز على الشراكات مع الشركاء الأجانب، للاستفادة من التطويرات التقنية التي توصل إليها الحلفاء.
إيران وصناعة الطاقة
تؤدي إيران دورًا رئيسًا في صناعة الطاقة العالمية بالنظر إلى احتياطياتها الهائلة وثروة إمكاناتها، ومن الممكن أن تحافظ على مكانتها والتنافس بفاعلية مع كبريات الدول المُنتجة للنفط، عبر التخطيط الإستراتيجي والتحالفات والتطور التقني.
وتشكل العوائق المالية عقبة خطيرة أمام مشاركة إيران في المشروعات المتطورة والمتقدمة؛ ما يجعلها في وضع غير جيد مقارنة بدول تعاونت بنجاح مع كبريات شركات النفط العالمية وطوّرت من صناعتها، مثل السعودية وقطر والعراق.
ويقتضي ذلك ضرورة اختيار طهران للمشروعات التي توفر لها إنتاجية عالية وكفاءة في استعمال الموارد، للحصول على أقصى استفادة من التمويل المحدود.
وتُزيد العقوبات من صعوبة دخول إيران في منافسة عالمية بإعاقة التعاون مع الشركاء الدوليين، وعرقلة الوصول إلى التقنيات المتطورة، ورغم ذلك؛ فقد تتمكن طهران من الالتفاف على هذه القيود عبر التحالفات الإستراتيجية والاستفادة مما حققه الحلفاء من إنجازات، بما يحفظ تنافسيتها في قطاع الطاقة.
هل المفاوضات حل؟
دفعت استنادات الكويت والسعودية إلى أن الحدود البحرية لحقل الدرة مع إيران لا تمر عبر الجزيرة، بل تقع داخل حدود الدولتين الخليجيتين، نحو الإحجام عن التعاون مع طهران.
ورغم طرح الكويت للمسألة خلال اللقاءات؛ فلم تُبدِ طهران رغبتها في حل الأمر، وتعد أسباب إقدام الكويت على اتخاذ الإجراءات الحالية حيال حقل الدرة غير واضحة، لكن لحل الخلاف يتعين على إيران بدء مفاوضات مع الكويت لترسيم الحدود البحرية، والتركيز على أولوية حماية الموارد في القطاع عبر اتفاق شامل بين الأطراف الـ3.
وتُعَد النسبة الفعلية من الحقل المشترك داخل الأراضي الإيرانية غير مهمة، بالنظر إلى أن الحقول المشتركة تسمح للدول بالاستفادة قدر الإمكان من مواردها المالية والتقنية.
وتُعَد الحلول المبتكرة وكفاءة تخصيص وتوزيع الموارد أمورًا ضرورية بالنسبة إلى إيران، حتى تتمكن من تجاوز العقبات المالية والتحديات المتعلقة بالعقوبات والوصول لأقصى قدر من إنتاج مشروعات الطاقة؛ ما يحفظ مكانتها في الصناعة.
ويُعَد التخطيط الإستراتيجي والتقنيات الحديثة ضروريان للتنافس الفعال مع الدول الرئيسة المنتجة للنفط.
* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- أكثر الدول توليدًا للكهرباء من الطاقة النووية في 2022 (إنفوغرافيك)
- قطاع الطاقة في الأردن.. قصة بداية صناعة النفط والغاز وإنجازات الكهرباء المتجددة (تقرير)
- خبير أوابك: الاستثمار في مصافي التكرير ضرورة.. و2050 ليس نهاية النفط والغاز
- محطة نور ميدلت 2 للطاقة الشمسية.. بوابة المغرب لتخزين الكهرباء (إنفوغرافيك)