تحول الطاقة في تركيا واستقلالها هدف أساس خلال الأعوام الـ30 المقبلة (مقال)
أومود شوكري – ترجمة: نوار صبح
- تركيا تسعى إلى بناء مستقبل طاقة مستدام ومرن لشعبها واقتصادها
- الغاز الطبيعي والفحم من المكونات المهمة لمزيج الطاقة في تركيا على مرّ التاريخ
- استعمال موارد الطاقة الإقليمية وتطويرها عنصر حاسم في إستراتيجية الطاقة التركية
- تركيا تواجه تحديات استثمارية هائلة من أجل تحقيق أهدافها في تحول الطاقة
- الحكومة التركية تتوقع أن قطاع الطاقة يحتاج إلى استثمار 200 مليار دولار
- تركيا تتمتع بفرصة كبيرة لزيادة أمن الطاقة وتقليل اعتمادها على المصادر الأجنبية
يُعدّ تحول الطاقة في تركيا ركيزة أساسية بإستراتيجية الطاقة لدى الدولة التي تتميز بنموّ سكاني سريع واقتصاد مزدهر.
وتعمل تركيا على تحقيق الاستقلالية والمضي في ثورة كبيرة في مجال الطاقة خلال الأعوام الـ30 المقبلة، إذ تسعى البلاد إلى تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة المستوردة، واعتماد نظام طاقة أكثر تنوعًا وتجددًا وفاعلية.
وتدرك الدولة تمامًا أهمية أمن الطاقة واستدامتها. ويستعرض هذا المقال وضع الطاقة الحالي في تركيا، جنبًا إلى جنب مع الأساليب والمشروعات المستعملة لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة والعديد من الإصلاحات التي تجري على صناعة الطاقة في البلاد.
وتسعى تركيا إلى بناء مستقبل طاقة مستدام ومرن لشعبها واقتصادها من خلال اعتماد الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة، وتعزيز التصنيع والبنية التحتية المحلية.
ونظرًا لأن الغاز الطبيعي والفحم كانا من المكونات المهمة لمزيج الطاقة في تركيا على مر التاريخ، تدرك تركيا الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة والتأثير البيئي المرتبط باستعمالها.
وتُعدّ إمكانات الطاقة المتجددة في تركيا، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة الحرارية الأرضية، هائلة، ويندرج استعمال هذه الإمكانات ودمج الطاقة المتجددة في البنية التحتية للطاقة الحالية ضمن إطار التحديات.
ازدياد احتياجات الطاقة
تجدر الإشارة إلى أن احتياجات الطاقة في تركيا تتزايد دائمًا، لذلك، فإن ضمان أمن الإمدادات بطريقة مستدامة يمثّل محور اهتمامها الأول، لأن تركيا تعتمد على مورّدي الطاقة الأجانب.
وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي الجديد، ألب أرسلان بيرقدار، لرؤساء مكاتب وسائل الإعلام في أنقرة: "بدءًا من الآن، نستورد أكثر من 70% مما نشير إليه بمصادر الطاقة الأولية، واليوم، تعتمد تركيا بنسبة 92% على واردات النفط الخام"، وتابع أن "الغاز مستورد".
وأكد الوزير بيرقدار مدى أهمية المكتشفات في منطقة جبل جبار وعمليات البحث الأخرى نتيجة لذلك، وأن ذلك يجب أن يجري بأكثر الطرق تنافسًا، مع تسليط الضوء على استعمال الموارد المحلية.
وأضاف: "نحن بحاجة إلى تلبية الطلب المتزايد، ونحتاج إلى تقليل الاعتماد على المصادر الخارجية".
وجدّد الوزير تأكيد أن الهدف الآخر هو أن تصبح تركيا محايدة كربونيًا بحلول عام 2053، وذكّر بأن أنقرة وقّعت اتفاقية باريس للمناخ، وهي أول اتفاقية شاملة بشأن تغير المناخ، وتدعو الدول إلى التصديق عليها من أجل الحفاظ على مستوى الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
استعمال موارد الطاقة المحلية
يُعدّ استعمال موارد الطاقة الإقليمية وتطويرها عنصرًا حاسمًا في إستراتيجية الطاقة في تركيا، التي تمتلك مكامن كبيرة من الفحم والغاز، وتعتزم الحكومة إنفاق الأموال على أحدث التقنيات لاستخراج هذه الموارد واستعمالها بشكل فعال.
ستعزز هذه الإستراتيجية النمو الاقتصادي، وتفتح فرص العمل، وتساعد البلاد على أن تصبح مستقلة في مجال الطاقة. وتواجه تركيا تحديات استثمارية هائلة من أجل تحقيق أهدافها السامية في تحول الطاقة.
على مدى السنوات الـ30 المقبلة، تتوقع الحكومة التركية أن يحتاج قطاع الطاقة إلى استثمار 200 مليار دولار، ويوجد العديد من التحديات التي ينطوي عليها جمع مثل هذه الكمية الكبيرة من المال، التي يجب التغلب عليها.
ويعدّ جذب التمويل الكافي لمشروعات الطاقة إحدى القضايا الرئيسة، وستحتاج الحكومة إلى العمل مع المنظمات المالية المحلية والأجنبية، للحصول على أموال استثمارية لمشروعات البنية التحتية الكبيرة ومنشآت الطاقة المتجددة.
الإطار التنظيمي
من أجل جذب استثمارات القطاع الخاص، يجب وضع إطار تنظيمي واضح وموثوق، ويجب على تركيا تسهيل القواعد التي تحكم قطاع الطاقة من خلال وضع سياسات صديقة للمستثمر، وإزالة عقبات الإجراءات الإدارية، وتقديم عقود وحوافز طويلة الأجل، لتشجيع الاستثمارات.
نقل التكنولوجيا
يُعدّ بناء المعرفة والمهارات التكنولوجية المحلية أمرًا ضروريًا لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، ويجب على تركيا إنشاء علاقات تعاون مع مزوّدي التكنولوجيا وتعزيز نقل المعرفة، لزيادة فعالية استخراج الطاقة وإنتاجها واستعمالها.
القضايا البيئية
مع سعي تركيا لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، أصبحت القضايا البيئية مهمة، ومن الأهمية بمكان تحقيق التوازن بين الحاجة إلى النمو الاقتصادي وأهداف الاستدامة.
لتقليل التأثير البيئي لإنتاج الطاقة، يجب إعطاء الأولوية للاستثمارات في التكنولوجيا النظيفة والاستعمال الفعال للطاقة ومصادرها المتجددة.
الديناميكيات الجيوسياسية
تؤثّر الديناميكيات الجيوسياسية على أمن الطاقة في تركيا، المعرّضة للتهديدات الجيوسياسية وتقلّب الأسعار بسبب موقعها في منطقة ذات علاقات معقدة في مجال الطاقة، ويمكن تذليل هذه الصعوبات من خلال توسيع التعاون الإقليمي وتنويع مصادر إمدادات الطاقة.
وتتمتع تركيا بفرصة كبيرة لزيادة أمن الطاقة وتقليل اعتمادها على المصادر الأجنبية وتعزيز النمو الاقتصادي، بفضل خطّتها لاستقلالية الطاقة والتحول على مدى الـ30 عامًا المقبلة.
إزاء ذلك، يمكن لتركيا أن تخلق مزيجًا واسعًا وقويًا من الطاقة، من خلال الاستعمال الفعال لموارد الطاقة المحلية مثل الفحم والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة والطاقة النووية، ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف لن يخلو من الصعوبات.
التحديات
يمثّل الاستثمار والقيود القانونية ونقل التكنولوجيا والقضايا البيئية والمخاطر الجيوسياسية بعض التحديات الرئيسة التي يجب التغلب عليها، وسيكون تأمين استثمارات كافية أحد أكبر الصعوبات التي تواجه تركيا في قطاع الطاقة على مدى العقود الـ3 المقبلة.
ويتطلب قطاع الطاقة القوي والمستدام موارد مالية كبيرة، قد يكون من الصعب الحصول عليها في ضوء الطبيعة المتغيرة لبيئة الاستثمار العالمية.
ولإغراء القطاع الخاص بالمشاركة في مشروعات الطاقة، ستحتاج تركيا إلى جذب كل من الاستثمار المحلي والأجنبي، وإنشاء أطر تنظيمية ميسّرة، وتقديم الحوافز.
على صعيد آخر، تمثّل القيود القانونية والعوائق التنظيمية عقبة كبيرة أخرى لتشجيع التوسع في قطاع الطاقة، ستحتاج تركيا إلى تبسيط نظامها القانوني وتعزيز جوّ ترحيبي للمستثمرين.
ولتشجيع الاستثمار وتعزيز الابتكار في قطاع الطاقة، سيكون من الضروري تسهيل الإجراءات البيروقراطية، وضمان الشفافية، وتوفير الاستقرار على المدى الطويل في التشريعات.
من الصعوبات الأخرى التي يجب على تركيا التغلب عليها لتحقيق طموحاتها في مجال الطاقة، نقل التكنولوجيا، وستحتاج تركيا إلى العمل مع شركاء أجانب وإنشاء هياكل لتبادل المعرفة من أجل الاستعمال الكامل لمواردها من الطاقة، وإحراز تقدّم في التطور التكنولوجي.
ويمكن لتركيا حلّ هذا التحدي من خلال بناء شراكات مع الدول الماهرة في إنتاج الطاقة والتكنولوجيا، وتعزيز البحث والتطوير، وتشجيع نقل المعرفة.
الاعتبارات البيئية
ستتأثر سياسات الطاقة التركية بشدّة بالاعتبارات البيئية، ويجب على تركيا أن توازن بين تطوير طاقتها والحفاظ على البيئة مع تزايد اهتمام العالم بالاستدامة وتغير المناخ.
يجب على تركيا التركيز على إنشاء مصادر الطاقة المتجددة وإجراء استثمارات في التكنولوجيا التي تقلل من البصمة الكربونية لقطاع الطاقة.
ويجب أن تتبنى تركيا قوانين بيئية صارمة وسياسات طاقة نظيفة لتحقيق أهدافها المتعلقة بالطاقة، مع تقليل الآثار البيئية السلبية.
وستؤثّر عوامل الضبابية الجيوسياسية بأهداف الطاقة في تركيا، التي تواجه صعوبات من حيث طرق إمداد الطاقة والأمن، بسبب موقعها الجغرافي وقربها من المناطق المضطربة سياسيًا.
لذلك، يجب أن تتعامل تركيا مع القضايا الجيوسياسية بعناية لبناء علاقات دبلوماسية وضمان الوصول الثابت إلى موارد الطاقة. سيُعزَّز أمن الطاقة في تركيا من خلال توسيع التعاون الإقليمي بمجال الطاقة، وتنويع إمدادات الطاقة، والاستثمار في البنية التحتية المرنة.
ختامًا، تقدّم خطة تركيا لاستقلالية وتحوّل الطاقة الكثير من الإمكانات، لكن البلاد تواجه أيضًا العديد من العقبات في تحقيق أهدافها على مدار الـ30 عامًا المقبلة.
وسيكون من الأهمية بمكان بالنسبة لتركيا أن تتصدى لتحديات الاستثمار والقيود التشريعية ونقل التكنولوجيا والقضايا البيئية والمخاطر الجيوسياسية، إذا كان لها أن تنشئ قطاع طاقة مستقلًا وقابلًا للحياة.
ويمكن لتركيا تحسين أمن الطاقة، وتقليل اعتمادها على المصادر الأجنبية، وتعزيز النمو الاقتصادي، والمساعدة في خلق بيئة أنظف وأكثر استدامة، من خلال التغلب على هذه التحديات.
* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- ما أسباب التغيير الشهري في الخفض الطوعي لإنتاج النفط؟ أنس الحجي يجيب (صوت)
- صفقة الجزائر وتوتال الفرنسية تثير الجدل.. 5 خبراء يكشفون الأسباب
- انهيار عائدات صادرات الوقود الأحفوري الروسي.. السعودية و5 دول عربية أبرز المستوردين