إعادة تدوير النفايات البلاستيكية كيميائيًا.. كم برميلًا من النفط يمكن توفيره؟
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- الطرق التقليدية في إعادة التدوير لا يمكنها معالجة كل النفايات البلاستيكية
- إنتاج العالم من البلاستيك تجاوز 390 مليون طن سنويًا في عام 2021
- كميات ضخمة من النفط تستهلك في صناعة المواد الكيميائية الأولية
- تقنيات إعادة التدوير الكيميائي رهان الخبراء على حل معضلة النفايات
- إعادة التدوير الكيميائي لنفايات البلاستيك يخفض الطلب على النفط
ما زالت مشكلة إعادة تدوير النفايات البلاستيكية تؤرّق الخبراء والمتخصصين في مجال الصناعة والبيئة، مع تزايد الضغوط العالمية لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري من الصناعات كافة، خاصة أن هذا القطاع يُسهِم في 3.4% من الانبعاثات العالمية، إضافة إلى تسبب نفاياته في مخاطر بيئية.
وتواجه نفايات البلاستيك تحديات كبيرة في ضعف قابليتها لإعادة التدوير إلا بنسبة محدودة، بسبب الاعتماد على تقنيات تقليدية في التدوير لا تقوى على استيعاب كل أنواع المخلفات البلاستيكية.
وتؤدي الطرق التقليدية المستعملة في إعادة تدوير النفايات البلاستيكية إلى منتجات أقل جودة، فضلًا عن زيادة حجم المخلفات؛ ما أدى إلى تحول عملية إعادة التدوير نفسها إلى مشكلة، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويراهن خبراء الصناعة على إعادة تدوير النفايات البلاستيكية ببعض الطرق الكيميائية المبتكرة القادرة على صهر جميع النفايات وإعادة تحويلها مرة أخرى إلى مشتقات سائلة تشبه النفط، الذي أنتجت منه بصورة غير مباشرة.
وينتج 90% من البلاستيك في العالم من 14 مادة كيميائية أولية، مثل البولي إيثيلين، والبولي بروبيلين، وهي مواد مستخلصة من النفط عبر مصانع البتروكيماويات المتركّزة في الدول المنتجة للنفط والغاز بصورة أساسية.
وترى شركة الأبحاث وود ماكنزي أن تقنيات إعادة التدوير الكيميائي البديل التقني الأقرب لبناء اقتصاد دائري لنفايات البلاستيك من أجل خفض الانبعاثات وتقليل الطلب على النفط الخام.
إنتاج البلاستيك العالمي 390 مليون طن
تستهلك صناعة البلاستيك قرابة 300 مليون طن من المواد الكيميائية الأولية المستخلصة من النفط سنويًا، ويمكن لتقنيات إعادة تدوير النفايات البلاستيكية بالطرق الكيميائية -ولا سيما تقنية الانحلال الحراري- أن تؤثر بصورة كبيرة في الطلب العالمي على المواد الأولية، وفقًا لتقرير وود ماكنزي.
وارتفع الإنتاج العالمي للبلاستيك إلى 390 مليون طن في عام 2021، بنسبة نمو 4% عن مستواه البالغ 375.5 مليون طن العام السابق له (2020) وفقًا لبيانات مجموعة بلاستكس يوروب المتخصصة ومقرها بلجيكا (plastics europe).
ويتركز أغلب إنتاج البلاستيك في آسيا بنسبة 52%؛ حيث استحوذت الصين وحدها على حصة 32% من إنتاجه عالميًا، في حين تمثل اليابان 3%.
وجاءت أميركا الشمالية في المركز الثاني بعد آسيا بنسبة إنتاج 18%، تليها قارة أوروبا بنسبة 15%، في حين استحوذ الشرق الأوسط وأفريقيا على 8% من إجمالي الإنتاج العالمي للبلاستيك.
وجاءت أميركا اللاتينية في قائمة الأقل إنتاجًا بنسبة 4%، ثم دول الاتحاد السوفيتي سابقًا بنسبة 3%، وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة بلاستكس يوروب أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وغالبًا ما تنتهى منتجات البلاستيك إلى نفايات بعد مدة قصيرة من الزمن حسب الاستعمال، لكن أغلبها لا يصلح لإعادة التدوير؛ ما يمثل مشكلة أمام التخلص منها بطريقة آمنة بيئيًا.
أغلب نفايات البلاستيك غير قابلة للتدوير
لا تتجاوز نسب نفايات البلاستيك المعاد تدويرها في العالم 16%، وتشكل المخلفات التي يجري التخلص منها بطريقة طبيعية 19%، في حين تُحرق 25%.
أما النسبة الكبرى، التى تتجاوز 40%؛ فتذهب إلى مكبات النفايات مختلطة بغيرها من نفايات الطعام والمواد النباتية والحيوانية والصناعية، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وبلغ إجمالي إنتاج البلاستيك خلال المدة من 1950 إلى 2017 قرابة 9.2 مليار طن انتهى مصير نفاياتها البلاستيكية إلى مكبات النفايات بنسبة 76% تعادل 7 مليارات طن، وفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
ويتوقع البرنامج وصول الإنتاج العالمي التراكمي من البلاستيك إلى 34 مليار طن بحلول 2050، وسط مخاوف من ضعف القدرة على التعامل مع النفايات بتقنيات التدوير التقليدية.
وترجع أسباب ضعف نسب إعادة تدوير النفايات البلاستيكية إلى عدة عوامل؛ أبرزها الاعتماد على تقنيات إعادة تدوير تقليدية لا تستطيع معالجة بعض النفايات بسبب ألوانها أو المكونات المصنعة منها؛ ما جعل العلماء يفكّرون في طرق كيميائية أكثر قدرة على المعالجة والتدوير لحل هذه المعضلة نهائيًا.
وتعتمد الطرق التقليدية في إعادة تدوير مخلفات البلاستيك على فرز النفايات وتنظيفها وتقطيعها وصهرها، ثم إعادة تشكيلها لمنتجات جديدة غالبًا ما تكون أضعف جودة من نسختها الأولى، ثم تضعف جودتها مرة أخرى مع تكرار عمليات التدوير.
وتنخفض جودة البلاستيك المعاد تدويره بهذه الطريقة، بسبب تعرض سلاسل البوليمر لانخفاض معدل لزوجتها ومرونتها مع كل عملية صهر يتعرض لها في أثناء التدوير؛ ما يصعب من عملية معالجته.
ولا يمكن إعادة تدوير النفايات البلاستيكية بهذه الطريقة إلا لعدة مرات محدودة؛ حيث تنخفض جودته إلى معدلات متدنية مع التكرار إلى أن تصبح غير صالحة للاستعمال، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
الرهان على تقنيات إعادة التدوير الكيميائي
تعلّق شركة الأبحاث وود ماكنزي آمالًا على تقنيات إعادة تدوير النفايات البلاستيكية كيميائيًا لتجنب المعضلة سالفة الذكر، ولا سيما تقنية الانحلال الحراري، التي تعمل على تكسير سلاسل البوليمر وتحويلها إلى جزيئات بسيطة عبر تعريضها لدرجة حرارة مرتفعة للغاية.
وتنتهي عملية الانحلال الحراري بإعادة تحويل نفايات البلاستيك إلى وقود حيوي، يُسمى زيت الانحلال الحراري (pyrolysis oil) -بصورة أساسية وقود الديزل وزيت الوقود-، ومع التقدم في تقنية الانحلال الحراري، إلى جانب فهم أكبر لنوع المخلفات المستعملة، يُستَعمل هذا الوقود مادة وسيطة لإنتاج الأوليفينات، وهي مجموعة من المواد البتروكيماوية الرئيسة المستعملة في صناعة منتجات البلاستيك والمطاط الاصطناعي.
ويوضح الرسم التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- تطور إنتاج الوقود الحيوي في العالم خلال 31 عامًا:
وتساعد تقنية الانحلال الحراري في الحفاظ على جودة البلاستيك المعاد تدويره نتيجة عدم تأثر سلاسل البوليمر بعمليات الصهر أو التبريد والتكثيف؛ ما يجعلها تحافظ على حالتها الكيميائية دون تغيير، ويبشر بإمكان تحويل 99% من البلاستيك إلى منتجات لا تقل جودتها عن نسختها الأولى وبطريقة آمنة بيئيًا.
ويحتوي زيت الانحلال الحراري الناتج عن هذه العملية على أكثر من 200 مركّب كيميائي، ويمكن إعادة استعماله في إنتاج بدائل البنزين والديزل المستعملة في محركات الاحتراق الداخلي، وكذلك بديلًا في أغراض التدفئة وتوليد الكهرباء، إلى جانب صناعة الأكياس والأغلفة البلاستيكية وغيرها، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ورصدت وود ماكنزي زيادة الاهتمام العالمي بإعادة تدوير النفايات البلاستيكية كيميائيًا مع تطور تقنية الانحلال الحراري ونضوجها، خلال السنوات الماضية، رغم أنها تقنية قديمة؛ حيث تُجري بعض الشركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسبانيا تجارب رائدة في هذا المجال منذ سنوات.
ورغم أن تقنيات إعادة التدوير الكيميائي قديمة؛ فإن الجهات الفاعلة في الصناعة ما زالت تستعملها على نطاق ضيق لتحويل النفايات البلاستيكية إلى وقود الديزل وزيت الوقود.
ولم تسلم تقنية الانحلال الحراري من الانتقادات البيئية إلى جانب الانتقادات الفنية المنصبة على استهلاكها لكميات ضخمة من الكهرباء والحرارة في عملية الصهر والتبريد وغيرها؛ ما يجعل البعض يفضّل البدء في استثمارات جديدة في صناعة المنتجات البلاستيكية أو مصادر الطاقة المتجددة على البقاء في صناعة إعادة تدوير باهظة التكاليف.
مقدار النفط المتوقع توفيره
من المتوقع أن يؤدي نمو الطلب على زيت الانحلال الحراري في إنتاج مجموعة الأوليفينات الرئيسة إلى خفض استهلاك المواد البتروكيماوية الأولية المشتقة من النفط بمرور الزمن.
ومع استهلاك صناعة البلاستيك قرابة 300 مليون طن سنويًا من المواد الكيميائية الأولية القائمة على النفط في الوقت الحالي؛ فإن إنتاج هذه المواد عبر زيت الانحلال الحراري الناتج عن إعادة تدوير النفايات البلاستيكية يمكنه أن يُسهِم في خفض الطلب على الخام.
ويمكن خفض الطلب على النفط في صناعة المواد الأولية بمعدل 370 ألف برميل يوميًا -ما يعادل حجم إنتاج مصفاة عالمية واحدة- في حالة استبدال 5% منه بكميات مماثلة من زيت الانحلال الحراري، وفقًا لتقديرات وود ماكنزي.
ورغم الآمال والرهانات المعلّقة على إعادة تدوير النفايات البلاستيكية بالتقنيات الكيميائية؛ فإن توقعات العرض والطلب ما زالت حذرة، وسط مخاوف من ضعف معروض المواد الأولية عن تلبية أهداف الاتحاد الأوروبي الطموحة للحد الأدنى من المحتوى المعاد تدويره في صناعة التعبئة والتغليف.
كما تُثار تساؤلات حول خريطة أماكن تطوير إمدادات زيت الانحلال الحراري الجديدة حول العالم، وأين سينمو الطلب على المواد الأولية الدائرية خلال السنوات المقبلة مع شدة المنافسة بين آسيا وأوروبا وأميركا.
موضوعات متعلقة..
- تقنيات إعادة تدوير النفايات البلاستيكية مكلِفة وخطرة بيئيًا (دراسة)
- خفض التلوث البلاستيكي العالمي بنسبة 80% ممكن بحلول 2040 (تقرير)
- بالأرقام.. أوابك تكشف عن عدة تحديات تواجه الطلب على البتروكيماويات في الأعوام المقبلة
اقرأ أيضًا..
- "الطاقة" تنشر أسماء الشركات الراغبة بشراء الهيدروجين من الجزائر
- أمين عام أوابك يتحدث لـ"الطاقة" عن قرارات أوبك+ وهل تصل أسعار النفط إلى 100 دولار؟ (حوار)
-
إنتاج الهيدروجين الأخضر في سلطنة عمان.. طريق للريادة العالمية (إنفوغرافيك)