3 تساؤلات حول تحديات تحول الطاقة في الأميركتين (تقرير)

ما زالت خطط تحول الطاقة في دول أميركا الشمالية والجنوبية تواجه تحديات متنوعة على مستوى القدرة والإمكانات المختلفة من بلد إلى آخر، إذ تتباين قدرة اقتصادات الولايات المتحدة وكندا عن المكسيك ودول أميركا اللاتينية، إلى جانب معضلات تقنية تواجه الجميع في مجال خفض الانبعاثات وإزالة الكربون من الصناعات وغيرها من القطاعات المختلفة.

وشهدت الأميركتان زيادة ملحوظة في النشاط الموجّه نحو الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري على مدار الشهور الـ12 الماضية ضمن إطار الهدف الطموح المشترك للوصول إلى الحياد الكربوني في أغلب دول الشمال والجنوب بحلول 2050، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

ورغم اختلاف خطط تحول الطاقة في الأميركتين على حسب ظروف كل دولة، فإن أغلب دول الشمال والجنوب مازالت تواجه معضلة إزالة الكربون؛ ما دفع شركة وود ماكنزي للأبحاث لطرح 3 أسئلة مفتاحية لاستشراف مستقبل التحول في القارتين.

وركّزت أسئلة الشركة المتخصصة في استشارات وأبحاث الطاقة على تحديات تحول الطاقة في الولايات المتحدة وكندا وكولومبيا بوصفها نماذج معبّرة عن اقتصادات دول القارتين الشمالية والجنوبية.

هل تستطيع كاليفورنيا تشديد سوق ائتمان الكربون؟

بدأت وود ماكنزي في تحليل تحديات تحول الطاقة في الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في أميركا الشمالية والعالم، مركزةً على جهود ولاية كاليفورنيا في تشجيع مبادرات الوقود منخفض الكربون خلال 13 عامًا.

وأطلق مكتب موارد الهواء في ولاية كاليفورنيا معيار الوقود منخفض الكربون (LCFS) في عام 2011، إلى جانب إنشاء نظام ائتمان لتشجيع الاستثمار في حلول النقل منخفض الكربون.

وتضمَّن معيار الوقود الصادر من الولاية تحديد معايير كثافة الكربون لأكثر من 600 نوع من الوقود وتقنيات خفض الكربون، مع ربطها بالائتمانات بحسب ما إذا كانت كثافة الكربون في الوقود أعلى أو أقلّ من المعيار القياسي السنوي.

وأسهم ارتفاع الطلب بين عامي 2015 و2020 في زيادة أسعار ائتمان الكربون من 25 إلى 200 دولار للطن، ما أدّى إلى نمو الاستثمار في الوقود الحيوي والبنية التحتية للمركبات الكهربائية في الولاية.

ورغم هذه الطفرة، فإن أسعار الائتمان عادت إلى الانخفاض لأدنى مستوياتها في 5 سنوات أوائل عام 2023، مع بدء تشغيل المشروعات الجديدة وزيادة المعروض.

وتهدد أسعار ائتمان الكربون المنخفضة جدوى مشروعات الهيدروجين منخفض الكربون واحتجاز الكربون وتخزينه واستعماله، كما يمكن أن تحدّ من تأثير قانون خفض التضخم وخطط تحول الطاقة في الولايات المتحدة، وفقًا لتقديرات وود ماكنزي.

وتحتاج كاليفورنيا إلى معالجة هذه المعضلة في الإرشادات الدورية الجديدة المتوقع إصدارها خلال الربع الثالث من 2023، لتشديد معايير سوق ائتمان الكربون وخطط تحول الطاقة في الولاية.

هل يمكن لكندا أن تصبح موردًا رئيسًا للمعادن الحيوية؟

تمتد تحديات تحوّل الطاقة من الولايات المتحدة إلى كندا، ثاني أكبر اقتصاد في القارة الشمالية، وسط رهانات على ما تتمتع به من ثروات معدنية تؤهلها لأداء دور رئيس في سلاسل توريد المعادن الأرضية النادرة المستعملة في تقنيات الطاقة المتجددة بفروعها المختلفة.

وأسهمت جائحة كورونا والحرب الأوكرانية في زيادة حساسية العالم نحو تنويع سلاسل التوريد العالمية لضمان أمن الطاقة في المستقبل، حتى أصبحت هذه القضية على رأس أولويات الحكومات والشركات.

وألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على سوق المواد الخام والمعادن الأرضية النادرة المستعملة في صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية، كما أثّرت في سوق الوقود النووي، باتجاه الابتعاد عن الصين وروسيا، خاصة في أوروبا وأميركا الشمالية.

ويوضح الرسم التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- خريطة احتياطيات الليثيوم العالمية، التي تحتلّ بها كندا المركز الـ9:

وتراهن وود ماكنزي على استفادة كندا من رغبة الأسواق الغربية في الابتعاد الصين وروسيا، لا سيما في أسواق المعادن الحيوية بوصفها خامس أكبر مورّد للغرافيت والنيكل في العالم، وأحد المورّدين الأساسيين لليورانيوم.

وأطلقت كندا أواخر عام 2022 خريطة طريق لتشجيع الاستثمار في قطاع المعادن الحيوية والأرضية النادرة لزيادة قدرتها التنافسية العالمية في هذا المجال الحيوي بالنسبة لصناعات الطاقة المتجددة بأسرها.

وتضمنت هذه الإستراتيجية خصومات ضريبية تصل إلى 30% بالنسبة لمشروعات التنقيب عن المعادن الحيوية والأرضية النادرة مثل النحاس والنيكل والكوبالت والغرافيت والليثيوم والفاناديوم واليورانيوم، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وعززت كندا خطط تحول الطاقة وإستراتيجية المعادن في الموازنة العامة لعام 2023، عبر تضمينها حوافز ضريبية على استثمارات صناعة التقنيات النظيفة بنسبة 30%.

وتشير هذه الحوافز إلى جدّية كندا في توسيع نطاق سلسلة توريد المعادن الحيوية والنادرة، لكن هذه الطموحات لا يمكن تحقيقها بصورة سلسة دون الشراكة مع شركات التعدين الكبيرة و الحوار مع مجموعات السكان الأصليين، وفقًا لتوصيات وود ماكنزي.

هل يمكن لكولومبيا الموازنة بين النفط والحياد الكربوني ؟

تمتد تحديات تحول الطاقة من أميركا الشمالية إلى جارتها الجنوبية، وسط رهانات طموحة على كولومبيا، أحد الاقتصادات اللاتينية المرشحة للانتقال بعيدًا عن النفط إلى مصادر الطاقة المتجددة خلال العقود المقبلة.

وتشهد كولومبيا تحولات ملحوظة منذ صعود الرئيس الحالي غوستافو بيترو إلى سدّة الحكم، ومحاولاته لتحويل أولويات البلاد من إنتاج النفط واستكشافه إلى البحث في استغلال إمكانات الطاقة منخفضة الكربون.

ورغم طموحات الرئيس الكولومبي، فإن وصول بلاده إلى الحياد الكربوني لن يكون سهلًا، بل يحتاج إلى موازنة دقيقة بين صناعة النفط والتكرير ومصادر الطاقة المتجددة، وفقًا لتقديرات وود ماكنزي.

وتعمل 80% من المركبات في كولومبيا في الوقت الحالي بوقود البنزين، ويعدّ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها واحدًا من أقلّ المعدلات في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي؛ ما يعني احتمال استمرار الاعتماد على النفط لتوفير الوقود والإيرادات.

ويواجه الاستثمار بالمركبات الكهربائية في كولومبيا عقبات ارتفاع أسعار الفائدة وضعف الإنفاق على البنية التحتية للشبكة؛ ما يمثّل حواجز أمام إزالة الكربون من صناعة النقل.

كما تواجه كولومبيا معضلة تنويع مصادر العملات الأجنبية لاعتمادها على عائدات تصدير النفط إلى الولايات المتحدة بصورة كبيرة وصلت إلى 18 مليار دولار في عام 2022، ما يمثّل 34% من إجمالي عائدات الصادرات المشروعة، وفقًا لموقع أويل برايس المتخصص (oil price).

وترى شركة وود ماكنزي الوقود الاصطناعي المشتق من الهيدروجين الأخضر بوصفه عنصرًا حاسمًا في تحقيق خطط تحول الطاقة وإزالة الكربون في كولومبيا.

كما تراهن على إمكانات البلاد الطبيعية التي تساعدها على جذب استثمارات ضخمة في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ما قد يسهم في زيادة قدرتها على إنتاج الهيدروجين الأخضر والمنافسة الإقليمية مع تشيلي في تصديره للخارج.

ومن المتوقع أن تصل قدرة الطاقة الشمسية التراكمية في كولومبيا إلى 5 غيغاواط بحلول 2030، في حين يُتوقع أن تصل قدرة الرياح إلى 3 غيغاواط، وفقًا لتقديرات وود ماكنزي.

وتعتقد وود ماكنزي أن كولومبيا يمكنها إحداث التوازن بين إنتاج النفط والغاز ومصادر الوقود والطاقة المتجددة، لا سيما في تعزيز صناعة الوقود الاصطناعي، ما قد يؤهلها لقيادة أميركا اللاتينية في خطط تحول الطاقة.

وتضم مدينة قرطاجنة أو (كارتاخينا) أكبر المشروعات الرائدة في إنتاج الوقود الاصطناعي في كولومبيا، ما يرجّح تحوّلها لقاعدة جذب استثمار إقليمية واسعة في بدائل الوقود النظيف خلال السنوات المقبلة، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

موضوعات متعلقة..

• حوافز الطاقة النظيفة في كندا قد تجعلها ثاني أكثر الدول جذبًا للاستثمارات الخضراء (تقرير)
• إمكانات الطاقة المتجددة في كولومبيا رهان آمن لإنقاذها من معضلة الدولة النفطية (تقرير)

• تحول الطاقة في الأرجنتين يشهد خطة دعم موسعة

• دعم سلاسل توريد الطاقة المتجددة في أميركا يصطدم بثغرات قانون خفض التضخم (تقرير)

اقرأ أيضًا..

• قطاع النفط المصري قد يفقد شركة بريطانية.. ما علاقة المغرب؟
• أفضل بطاريات الطاقة الشمسية في اليمن.. الأنواع والأسعار (تقرير)
• الجزائر تكشف أسباب انسحاب "توتال" من مشروع البتروكيماويات الضخم