تقارير الكهرباءرئيسيةكهرباء

خبراء: نقص الكهرباء في ألمانيا يُخضع اقتصادها لعملية "قلب مفتوح"

بعد غلق آخر محطاتها النووية

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • ألمانيا تعاني أزمة حادة في الكهرباء
  • أزمة الكهرباء تهدد الصناعات وتقتل الوظائف
  • الاقتصاد الألماني وقع في بئر الركود
  • غلق آخر محطات ألمانيا النووية تسبّب في أزمة نقص الكهرباء
  • الحكومة تقلل من المخاوف بشأن مستقبل الطاقة المتجددة في ألمانيا

تضع مُعضلة نقص الكهرباء في ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في عموم أوروبا، هذا البلد الكائن وسط أوروبا، وجهًا لوجه أمام كارثة صناعية توشك أن تفتك بمئات الصناعات التي ستضطر في النهاية إلى التخارج منه، وما يترتب على ذلك من انهيار آلاف الوظائف في شتى القطاعات.

وخرجت أزمة الكهرباء تلك إلى العلن في أعقاب القرار الذي اتخذته حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس بغلق آخر محطات البلاد النووية في 14 أبريل/نيسان (2023)، والاستعاضة عنها بالمصادر المتجددة التي تشهد تحديات في الوقت الراهن.

وفي هذا السياق، حذّر رؤساء شركات طاقة من مغبة أزمة نقص الكهرباء في ألمانيا، ما سيقود -على الأرجح- إلى هروب الصناعات المهمة من البلاد، في أعقاب قرار برلين غلق آخر 3 محطاتها النووية، لتودع معها حقبة التقنية المحفوفة بالمخاطر التي ظلت تعوّل عليها برلين في توليد الكهرباء طيلة 6 عقود كاملة، وفق ما أوردته صحيفة ديلي ميل البريطانية.

هروب الصناعات

أبدى رئيس مرفق الكهرباء الألماني "آر دبليو إي"، ماركوس كريبر، تخوفه من أن بلاده تواجه شُحًا في الكهرباء، ما من شأنه أن يقود إلى صعود الأسعار في أكبر اقتصاد في أوروبا، وفق تصريحات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وحذّر كريبر من أن هذا يُهدد قدرة ألمانيا التنافسية، بوصفها مركزًا صناعيًا، ما يعني أن الشركات ستضطر إلى الهروب الجماعي من البلاد، وما يترتب على ذلك من إلغاء آلاف الوظائف في الاقتصاد المأزوم في الأصل.

وقال كريبر: "الرفاهية في ألمانيا مبنية على صناعة قوية"، بحسب تصريحات أدلى بها لصحيفة "بيلد" الألمانية.

وأضاف كريبر: "يقود نقص الكهرباء في ألمانيا إلى ارتفاع الأسعار، ما يقوّض بدوره القدرة التنافسية لألمانيا كونها قلعة صناعية رائدة، ونحن نشهد العلامات الأولى على انهيار الصناعة".

رئيس مرفق الكهرباء الألماني "آر دبليو إي" ماركوس كريبر
رئيس مرفق الكهرباء الألماني "آر دبليو إي"، ماركوس كريبر - الصورة من موقع آر دبليو إي

كارثة الطاقة الخضراء

يأتي هذا التحذير في أعقاب تداول أنباء صادمة، مفادها بأن ألمانيا قد انزلقت في بئر الركود، بخلاف الاقتصاد البريطاني الذي من المتوقع أن يُسجل نموًا بنسبة 0.4% في العام الجاري (2203)، ليتفادى بذلك ركودًا مماثلًا.

ويُلقي رؤساء شركات الطاقة الألمانية باللائمة في آفاق النمو الاقتصادي الضعيف لبرلين على "كارثة" الطاقة الخضراء التي تسبّبت فيها الحكومة والتي نجمت عن إغلاق آخر محطات طاقة نووية في البلاد، ليبدأ التركيز الآن على توليد الكهرباء من طاقتي الشمس والرياح.

إلا أن الطبيعة المتقطعة لمصادر الكهرباء النظيفة، التي تجعلها عُرضة في أحيان كثيرة للتوقفات المفاجئة خلال الأجواء الملبدة بالغيوم أو حتى الأوقات التي تنعدم فيها الرياح، تعني أن أنظمة الطاقة ما تزال عُرضة لنقص الكهرباء في ألمانيا، وما ينتج عنها من تقلبات الأسعار.

على صعيد متصل، حذّر كريبر من أن هذا قد تكون له تداعيات كارثية على الصناعات في ألمانيا التي تحاول -دون جدوى- منح دفعة للاقتصاد الوطني المترنح.

أزمة في صالح المتطرفين

قال رئيس مرفق الكهرباء الألماني "آر دبليو إي"، ماركوس كريبر: "هذه الفجوة الناجمة عن نقص الكهرباء في ألمانيا تؤدي إلى فورة في الأسعار، ما يُشعل مخاوف مبررة إزاء القدرة التنافسية".

وتابع: "بوصفنا موقعًا صناعيًا، تواجه ألمانيا مُعضلة خطيرة؛ ليست لدينا كمية كبيرة من الطاقة تلبي احتياجاتنا".

ويصب هذا كله في مصلحة الأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانيا، مع ارتفاع شعبية حزب "البديل من أجل ألمانيا" في معظم استطلاعات الرأي، بفضل انتقاداته المتواصلة لأجندة الطاقة الخضراء الحكومية التي يقول إنها باهظة التكلفة.

واستغل "البديل من أجل ألمانيا" -الذي يعارض الرأي القائل إن النشاط البشري هو سبب التغيرات المناخية- تلك المخاوف المتنامية بين بعض الناخبين بخصوص كلفة التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري.

وقال زعيم حزب "البديل من أجل ألمانيا" تينو تشروبالا، إن مزيدًا من الناخبين قد فطنوا إلى حقيقة مؤداها أن السياسات التي يتبناها حزب الخضر، الشريك بالائتلاف الحاكم في ألمانيا بقيادة المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي يرغب في التحول سريعًا عن مصادر الوقود الأحفوري، قد أشعلت "حربًا اقتصادية وتضخًما صاروخيًا، وانهيار الصناعة".

سياسة طاقة كارثية

من جهته، انضم الرئيس التنفيذي لشركة "إيفونيك" المتخصصة في إنتاج المواد الكيميائية كريستيان كولمان، إلى كريبر في رأيه المنتقد لما وصفه "كارثة سياسة الطاقة" الحكومية، محذرًا في الوقت ذاته من آثارها المرعبة في الصناعات الألمانية.

وأضاف كولمان: "في ألمانيا ندفع أعلى الأسعار للكهرباء والطاقة في العالم، وكل صناعة وكل اقتصاد يروق له أن يعتمد على إمدادات كهرباء متاحة وميسورة التكلفة".

وتابع: "من المحتمل أن نودع تلك الصناعات هنا في المستقبل القريب، ولن يكون هذا خلال وقت طويل على الإطلاق".

محطة طاقة شمسية في ألمانيا
محطة طاقة شمسية في ألمانيا - الصورة من سولار فيدر

عملية قلب مفتوح

قال الرئيس التنفيذي السابق لمرفق الكهرباء الألماني "آر دبليو إي"، رولاند فارنونغ: "سياسة الكهرباء التي تنتهجها الحكومة الفيدرالية هي بمنزلة عملية قلب مفتوح لمجتمع يعاني مخاطر كبيرة بالنسبة إلى الشركات، والوظائف المتمركزة هنا".

ومن أجل مواجهة مخاطر نقص الكهرباء في ألمانيا، قال رئيس مرفق الكهرباء الألماني "آر دبليو إي"، ماركوس كريبر، إنه يتعيّن ضخ استثمارات ضخمة في الطاقات الخضراء.

وحتى مع تلك الاستثمارات، يتعيّن على منتجي الكهرباء في ألمانيا مواصلة إعادة تأهيل منظومة الطاقة في البلاد بأكملها خلال وقت قياسي.

وفي هذا الشأن، قال كريبر: "الإرادة والمال موجودان لضخ استثمارات في الطاقات الخضراء، ومن أجل ضخ تلك الاستثمارات على الأرض، تحتاج برلين إلى إطار موثوق به على المدى الطويل، ما يخلق حوافز بدلًا من وضع العراقيل".

عودة اضطرارية إلى النووي

يرى بعض الخبراء أن ألمانيا ستضطر إلى العودة للطاقة النووية في نهاية المطاف إذا ما أرادات التخلص من الوقود الأحفوري، وتحقيق هدفها في تحقيق الحياد الكربوني في جميع القطاعات لديها بحلول عام 2045، في ظل عدم قدرة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على سد الطلب المتنامي.

وفي هذا الإطار، قال رئيس جمعية نوكليريا غير الهادفة للربح -المؤيدة للطاقة النووية- راينر كلوت، إنه ومن خلال التخلص من الطاقة النووية تلتزم برلين باستعمال الفحم والغاز، لانعدام ضمانة وجود كميات كافية من الرياح، أو حتى السطوع الشمسي.

طمأنة حكومية

قلّلت الحكومة الألمانية من أهمية تلك المخاوف، قائلة إنه وبفضل شبكة الكهرباء المتكاملة في أوروبا، تستطيع برلين استيراد الكهرباء عند الحاجة، مع بقائها بلدًا مصدرًا لتلك السلعة الحيوية بصورة كاملة.

ومع ذلك، ما يزال رؤساء شركات الكهرباء يحذرون من نقص الكهرباء في ألمانيا، وما له من تداعيات جسيمة على الشركات، والاقتصاد الوطني بوجه عام.

فخ الركود

في مايو/أيار (2023)، أشارت تقارير إلى وقوع الاقتصاد الألماني في فخ الركود، بعدما عانت برلين هبوطًا غير متوقع في معدلات النمو خلال الربع الأول من عام 2023.

ووفقًا لأحدث التقديرات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الفيدرالي الألماني، هبط الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بنسبة 0.3% خلال المدة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار (2203).

وتمثل تلك الأرقام ضربة موجعة للحكومة الألمانية التي ضاعفت توقعاتها للنمو هذا العام (2023) في أعقاب أزمة طاقة مخيفة لم تتبلور على الأرض.

في غضون ذلك، توقعت الحكومة الألمانية أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4%، بزيادة من نسبة 0.2% المتوقعة في أواخر يناير/كانون الثاني (2023).

ووفقًا لتقديرات نشرتها صحيفة "بيلد"، انهار الاقتصاد الألماني بنسبة 0.5% خلال شتاء العام الماضي (2022).

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق