لوبي الهيدروجين يُفنّد 5 آراء للمفوضية الأوروبية تشكك في مستقبل الصناعة
محمد عبد السند
خرج لوبي الهيدروجين الأوروبي عن صمته، ليدافع باستماتة عن الانتقادات التي طالت تلك الصناعة الحيوية مؤخرًا من قبل المفوضية الأوروبية التي تقلل من جدوى هذا الوقود في مزيج الطاقة المتجددة في المستقبل.
وتتسارع وتيرة نمو صناعة الهيدروجين في أوروبا في السنوات الأخيرة، مع اعتماد العديد من حكومات القارة العجوز عليه في تحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050، في إطار خطة باريس للمناخ 2015.
وفي هذا الإطار، فتح لوبي الهيدروجين "هيدروجين يوروب" النار على نائبة رئيس المفوضية الأوروبية -الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- مارغريت فيستاغر، في أعقاب تصريحاتها المهاجمة للدور المستقبلي للسلعة الحيوية، حسبما أورد موقع "أوراكتيف" EURACTIV.
ويُعوّل على الهيدروجين كثيرًا بصفته وسيلة رئيسة في إزالة الكربون في أوروبا، إذ يثمّن أنصاره الدور التكميلي الذي يؤديه في المستقبل القائم على الطاقة المتجددة، مع وفرة استعمالاته وأغراضه، من بينها صناعة الصلب، وبصفته مادة وسيطة في الصناعات الكيميائية -أيضًا-.
أجهزة التحليل الكهربائي
تحتل صناعة معدات الهيدروجين الأوروبية -التي تصنع أجهزة التحليل الكهربائي والمنتجات ذات الصلة- أولوية أساسية في بلدان الاتحاد الأوروبي، ما حفّز على استحداث مبادرات مثل إستراتيجية الهيدروجين الأوروبية، وبنك الهيدروجين، إلى جانب تضمينه في السياسة الصناعية الخضراء.
في 25 من أبريل/نيسان (2023)، قالت فيستاغر إنها لن تعطي الضوء الأخضر إلى الدول لمنح مساعدات لصناعة الهيدروجين، في تصريحات أدلت بها لمجلة "فينانس" السويدية.
وأضافت فيستاغر: "الهيدروجين ليس جزءًا من الخٌطة، نظرًا إلى أن كُلفة نقله باهظة".
نقل الهيدروجين
يُمثّل نقل الهيدروجين تحديًا كبيرًا نتيجة كثافة الطاقة المنخفضة نسبيًا الخاصة به، ومن ثم، تقل مخاطر نقل منتجي الهيدروجين إلى الولايات المتحدة الأميركية التي تتوافر فيها ائتمانات ضريبية مواتية جدًا، حسبما ذكرت فيستاغر.
ويعني الائتمان الضريبي منح حوافز تشجع على تقليل الضرائب التي تفرضها الحكومة مباشرة، من أجل التحفيز على سلوك أو صناعات محددة.
وتابعت: "إذا ما كنت ترغب في أن توجد في السوق الأوروبية، فإن مخاطر نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة ليست كبيرة جدًا".
لكن تصريحات المسؤولة السويدية قد أثارت -على ما يبدو- حفيظة بروكسل، التي يوجد فيها لوبي الهيدروجين.
وفي هذا السياق، حذّر الرئيس التنفيذي لشركة "هيدروجين يوروب"، خورغو تشاتزيماركاكيس، من أن فيستاغر "توشك أن تتسبّب في دمار كبير لقطاع الهيدروجين الأوروبي"، في رسالة وجهها مباشرة إلى مكتبها، طالعها موقع "أوراكتيف".
وأضافت الرسالة: "الأمور تبدو سلبية للغاية" حال ما إذا كانت رئيسة المساعدات الحكومية في الاتحاد الأوروبي "تقوض تقنية نظيفة دخلت في نطاق مسؤوليتها السياسية".
ورصد تشاتزيماركاكيس -الذي قال إن تصريحات فيستاغر تتناقض مع "سياسة الاتحاد الأوروبي الراهنة"- في خطابه عددًا من المغالطات الفنية لفيستاغر.
وأشار إلى أن 3 من تلك المغالطات تغلب عليها الصبغة الفنية، في حين تبرز مغالطتان تأخذان طابعًا سياسيًا.
خلافات فنية
في معرض رده فنّد تشاتزيماركاكيس رأي فيستاغر كالتالي:
أولًا: قالت فيستاغر إن "تكلفة نقل الهيدروجين باهظة"، في حين قال تشاتزيماركاكيس إن نقل سعة غيغاواط/ساعة من الهيدروجين أرخص بواقع يتراوح بين 8 و16 مرة، عبر خط أنابيب، مقارنة بنقل السعة نفسها من الكهرباء.
غير أن تفسير تشاتزيماركاكيس لم يأخذ في الحسبان تكاليف الاستثمار، بالنظر إلى أن خطوط أنابيب الهيدروجين أكثر كُلفة من حيث الإنتاج والتركيب من خطوط الكهرباء، لكن خبراء يوافقون على أن نقل الهيدروجين عبر خطوط الأنابيب هو الخيار الأرخص في هذا الخصوص.
ثانيًا: قالت فيستاغر إن "نقل الأمونيا (مُنتج مُشتق من الهيدروجين) ليس سهلًا"، مشيرة إلى أنه بالنظر إلى التحديات المتضمنة في نقل الأمونيا، يُتوقع أن يلجأ المنتجون الراغبون في خدمة السوق الأوروبية إلى الإنتاج في المواقع المُستهلكة للسلعة.
وفي هذا الصدد ذكر خطاب تشاتزيماركاكيس: "العكس بالعكس بكل المقاييس: عدد كبير من السفن تنقل الأمونيا -الآن- بأسعار منخفضة".
ثالثُا: قالت فيستاغر "إنك تفقد سعة كبيرة خلال عملية تحويل طاقتي الشمس والرياح إلى هيدروجين ثم إلى أمونيا".
وربما تبدو حُجة نائبة رئيس المفوضية الأوروبية في هذه المرة سليمة، عند مقارنة الهيدروجين والأمونيا بالطرق المباشرة في استعمال الكهرباء، مثل تلك المتضمنة في استعمال المضخات الحرارية لتدفئة المنازل.
وتشهد كل خُطوة تحويل فقدان معين للكهرباء.
إلا أن تشاتزيماركاكيس رأى أن الكهرباء الخضراء التي تتوافر في مناطق معينة، كما هو الحال في الشرق الأوسط، لا يمكن تصديرها إلى أماكن أخرى حال لم يكن هناك إمكان لتحويلها إلى هيدروجين.
وواصل: "فلماذا إذن لا تُستعمل (الكهرباء النظيفة) المولدة -حتى ولو بكفاءة منخفضة- لتوفير الانبعاثات الكربونية".
مغالطات سياسية
صدمت فيستاغر صناعة الهيدروجين الأوروبية برأييْن ثقيليْن أثارا غضب المسؤولين.
أول هذين الرأيين تمثّل في إعلان مسؤولة المفوضية الأوروبية عن عدم السماح للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التوافق مع خطط دعم إنتاج الهيدروجين السخية في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي هذا الصدد قالت فيستاغر: "لن أسمح لأي دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي بالتوافق مع خط دعم إنتاج الهيدروجين الأخضر والوقود السائل المُستدام في أميركا"، في تصريحات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتُعد تلك ضربة موجعة لمنتجي الهيدروجين الذين يمثلهم تشاتزيماركاكيس، وزملاؤه في الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا، ممن يراهنون على الوقود السائل المستدام (الوقود الاصطناعي) لإزالة الكربون من قطاع النقل.
يُشار إلى أن رئيس لوبي الهيدروجين كان نائبًا عن الحزب الديمقراطي الحر في البرلمان الأوروبي لمدتين، من عام 2004 وحتى عام 2014.
ورد تشاتزيماركاكيس على حجة فيستاغر تلك بقوله: "تصريحاتكم العامة تُروّع المستثمرين المحتملين، عبر حرمان صناعة الهيدروجين من الدعم".
وتابع: "ما جدوى تلك التصريحات الجريئة التي لا تعكس حتى قراراتكم المُتخذة -حاليًا- لصالح بعض مشروعات الهيدروجين من النوع نفسه؟".
وأخيرًا، قالت فيستاغر إن الهيدروجين "ليس جزءًا من الخُطة" التي تخفّف قواعد الحصول على المساعدات الحكومية في الاتحاد الأوروبي عبر إطار الأزمة المؤقتة والتحول "تي سي تي إف".
لكن رد تشاتزيماركاكيس عليها كان: "إنتاج الهيدروجين متضمن في تلك الخُطة، فيما يتعلق بإنتاج أجهزة التحليل الكهربائي".
وأردف: "السبب الوحيد في وجود المحلل الكهربائي هو إنتاج الهيدروجين الأخضر، فتلك الأجهزة لن تُستعمل لأي شيء آخر".
ويوضح الإنفوغرافيك أدناه -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- مشروعات الهيدروجين حول العالم حتى النصف الثاني من 2021:
مشروعات الهيدروجين في أوروبا
من المتوقع أن يتجاوز إجمالي السعة المُركبة لمشروعات الهيدروجين في أوروبا 1 غيغاواط من الكهرباء للمرة الأولى خلال العام الجاري (2023)، مع بدء تشغيل نحو 2 غيغاواط من المشروعات الجاري تنفيذها في هذا المجال، حسبما ذكر تقرير حديث أفرجت عنه شركة الأبحاث والاستشارات "إل سي بي دلتا".
وتعتزم دول القارة العجوز تقليص مستوى انبعاثات غازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحترار العالمي، بحلول نهاية العقد الجاري (2030)، بنسبة لا تقلّ عن 55%.
وبناءَ عليه، تخطط البلدان الأوروبية تعزيز اعتمادها على الهيدروجين، لتغطية 14% من الطلب على الطاقة بحلول أواسط القرن الجاري (2050)، وفق تقرير تثبتت منه منصة الطاقة المتخصصة.
ونحو إدراك هذا المُستهدف الطموح، أماطت المفوضية الأوروبية في فبراير/شباط (2023) اللثام عن برنامج دعم لإنتاج الهيدروجين من مصادر الطاقة المتجددة.
موضوعات متعلقة..
- قدرات مشروعات الهيدروجين في أوروبا تنتظر قفزة في 2023.. ودور مهم لشمال أفريقيا
- مشروعات الهيدروجين في أوروبا.. عام 2022 يؤسس لانطلاقة واعدة
- بـ2.3 مليار دولار.. إينيوس تتوسع بمشروعات الهيدروجين في أوروبا
اقرأ أيضًا..
- تقرير يتوقع انخفاضًا كبيرًا بأسعار الهيدروجين في أوروبا
- نتائج أعمال أرامكو تتفوق على كبرى شركات النفط العالمية (4 رسومات بيانية)
- أسعار النفط الخام تتراجع.. وبرنت قرب 76 دولارًا