أضحت ناقلات النفط الفنزويلية المعيبة والمتهالكة خنجرًا مسمومًا في "قلب" صناعة النفط والصناعات الأخرى المتفرعة عنها في البلد الواقع أقصى شمال أميركا اللاتينية.
وتستوجب تلك المُعضلة تدخلاً فوريًا من السلطات المختصة في فنزويلا المأزومة اقتصاديًا، التي تعوّل على النفط -أساسًا- في جلب العملة الصعبة.
وبهذا الخصوص، أظهرت نتائج تقرير حديث أن ما يربو على نصف أسطول ناقلات النفط الفنزويلية الـ22 متهالك جدًا، بما يستوجب إصلاحه في الحال أو حتى إخراجه من الخدمة، بحسب ما أوردته وطالعته وكالة رويترز.
وذكر التقرير -الذي أعدّته شركة النفط الوطنية الفنزويلية "بدفسا"، ويحمل عنوان "عيوب حرجة ومخاطر في الأسطول البحري لبدفسا"- أن تأخر أعمال الصيانة لسنوات قد أثّر سلبًا في مصداقية الأسطول بالكامل، ووضعه وجهًا لوجه أمام مخاطر حوادث التسرب أو الغرق، أو الحرائق، أو حتى التصادم.
وأوضح التقرير: "السفن تفتقر -حاليًا- إلى التصنيف ذات الصلة بصلاحية الإبحار".
وثائق إدانة
يُعد التقرير الصادر -مؤخرًا- الذي يعود تاريخه إلى شهر مارس/آذار (2023)، من بين 8 وثائق رسمية -لم يسبق الحديث عنها- تصف الحالة المتقادمة لأسطول ناقلات النفط الفنزويلية التابع لشركة النفط الوطنية.
وصدرت تلك الوثائق كلها من مكتب الهيئات أو فرع التجارة والشؤون البحرية التابع للشركة، بالإضافة إلى الهيئة البحرية في فنزويلا.
وتصف الوثائق الـ8 -التي يعود تاريخها إلى يناير/كانون الثاني (2023)- حالة ناقلات النفط في أسطول "بدفسا"، وتكاليف استئجار سفن طرف ثالث، والوضع القانوني للعقود الخاصة ببناء السفن مع الشركات العاملة في كل من الأرجنتين وإيران.
وبسبب تدهور حالة أسطولها، اضطرت "بدفسا" إلى استئجار ناقلات تخدم شحناتها النفطية التي تمثّل الرافد الأساسي للعملة الصعبة في البلد الفقير الذي يعاني تضخمًا قياسيًا في عملته المحلية، وفق ما ورد في التقرير الذي ثبتت منه منصة الطاقة المتخصصة.
مزاعم فساد
يأتي التقرير وسط تحقيقات في مزاعم فساد أمر بفتحها الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في أكتوبر/تشرين الأول (2022)، بعد اكتشاف مليارات الدولارات في مدفوعات مفقودة تختص بصادرات نفطية.
وعلى ذمة التحقيقات المذكورة، ألقت السلطات الفنزويلية القبض على أكثر من 60 شخصًا، ومعهم كل من الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الفنزويلية ووزير النفط الفنزويلي.
وأوصى التقرير الصادر عن شركة "بي دي في مارينا"، الفرع التابع لـ"بدفسا"، بسحب 5 ناقلات من الخدمة، وإرسال 7 أخرى إلى أحواض بناء السفن لإجراء إصلاحات كبيرة عليها، فضلًا عن تركيب أجهزة إرسال واستقبال وأجهزة إطفاء حريق، ومعدات اتصال في ناقلات أخرى.
وفي السياق ذاته، أشار التقرير إلى أن 5 من ناقلات النفطية الفنزويلية التابعة تحديدًا لـ"بدفسا" يصل عمرها إلى 30 سنة على الأقل، أي أنها قد تجاوزت عُمرها الوظيفي الافتراضي، علمًا بأن آخر مرة خضع فيها أسطول ناقلات النفط الفنزويلية للصيانة كانت قبل 5 أعوام، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
تدهور فاق الحد
أوضح التقرير أن "أسطول ناقلات النفط الفنزويلية يُظهر تراجعًا في جودة عملياته، نتيجة تدهور هياكل الناقلات تدهورًا كبيرًا، ما سُيترجَم -قطعيًا- إلى تكاليف صيانة وإصلاحات مرتفعة".
وأردف: "التخطيط لإرسال ناقلات إلى منصات نفطية قد تأثر كثيرًا، نتيجة عدم توافر الأموال التي تُمنح لأحواض بناء السفن، ومزودي الخدمات".
وسبق أن رصدت تقارير إعلامية تزايدًا ملحوظًا في حوادث تصادم الناقلات النفطية، بجانب مخاطر التسرب النفطي، والحرائق في فنزويلا، بحسب رويترز.
يُشار إلى أن "بدفسا" استأجرت 41 سفينة في العام الماضي (2022)، إذ دفعت كاراكاس نحو ضعف السعر السوقي الذي يتراوح بين 14 ألف دولار و36 ألفًا و500 دولار أميركي، إلى ملاك تلك الناقلات الراغبين في العمل مع فنزويلا رغم العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ عام 2019.
تأخُّر السفن
عُلّق وصول 4 ناقلات نفطية على الأقل من أحواض بناء سفن أجنبية، بسبب تأخر في المدفوعات، وزيادة التكاليف، إلى جانب العقوبات، بحسب الوثائق.
بل ومن الممكن أن تقود أعمال التدقيق، التي طالب بها الرئيس التنفيذي الجديد لشركة النفط الوطنية بيدرو تيليشيا، في إطار التحقيقات التي أوصى بها الرئيس الفنزويلي بشأن الفساد، إلى مزيد من تأخيرات السفن، حسبما أوضح مسؤول تنفيذي في الشركة.
وقال المسؤول -الذي تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، خشية الوقوع تحت طائلة القانون-: "جميع العقود جُمدت".
وأضاف أن الإدارة القانونية وأقسام التجارة والإمدادات في شركة النفط الوطنية طالبت "بي دي في مارينا" -جهة صدور التقرير- بوثائق حول العقود، تُثبت صحة ادعاءاتها.
ويوضّح الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- إنتاج النفط الخام في فنزويلا (2019-2021):
مدفوعات متأخرة
دفعت فنزويلا لأحواض بناء السفن في كل من إيران والأرجنتين 300 مليون دولار على الأقل، نظير 6 سفن جديدة كانت قد حجزتها في عام 2005. غير أن كاراكاس لم تتسلم سوى سفينتين منها -حتى الآن- بحسب الوثائق.
ودفعت "بدفسا" نحو 80% من إجمالي المدفوعات المٌستحقة عليها -البالغة قيمتها 160 مليون دولار- نظير ناقلتي نفط من حوض بناء السفن الأرجنتيني ريو سانتياغو، وفقًا للوثائق.
من جهتها، رفضت ريو سانتياغو الإدلاء بأي معلومات أو تفاصيل بشأن هذا العقد الخاص، لعدم اختصاصها قانونيًا بذلك.
ليس هذا فحسب، وإنما دفعت شركة النفط الوطنية الفنزويلية قرابة 157 مليون يورو (173 مليون دولار أميركي)، أو ما يعادل نسبته 63% من العقد البالغة قيمته 248 مليون يورو (نحو 272 مليون دولار أميركي) إلى الشركة الإيرانية للصناعات البحرية (صدرا) نظير 4 ناقلات نفطية، وفق ما ورد في الوثائق.
وسُلّمت 4 من تلك الناقلات بعد تأخر في الدفع، وصعوبات تتعلق بإمدادات قطع الغيار، ومشكلات تختص بالتأمين والشهادات ذات الصلة، بحسب الوثائق.
ومن المعروف أن هذا التأخر في سداد المدفوعات يستلزم فرض غرامات تأخير على الطرف المتسبب فيها، ما ينتج عنه تكاليف إضافية.
موضوعات متعلقة..
- وزير النفط الإيراني: اتفاقيات جديدة مع فنزويلا لتطوير المصافي والتجارة
- وزير النفط الجديد في فنزويلا يبدأ مهامه.. وتهم الفساد تلاحق 20 مسؤولًا
- ناقلات نفط في القائمة السوداء تنقل الوقود من فنزويلا إلى كوبا
اقرأ أيضًا..
- أرامكو السعودية تخفّض أسعار بيع النفط إلى آسيا في يونيو
- وكالة الطاقة الدولية تتوقع استمرار شح إمدادات الغاز الطبيعي في 2023
- قيمة واردات مصر من الغاز الإسرائيلي ترتفع 70% خلال فبراير
- شاريوت البريطانية تبرم اتفاقية جديدة لتطوير حقل غاز أنشوا المغربي