المقالاتطاقة نوويةمقالات الطاقة النووية

محطة أكويو النووية.. فرس الرهان التركي نحو الطاقة النظيفة (مقال)

أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • • الحكومة التركية وضعت أهدافًا طموحة لزيادة حصة المصادر المتجددة في مزيج الطاقة لديها
  • • حددت الحكومة التركية هدفًا لتوليد 10% من الكهرباء من الطاقة النووية بحلول عام 2030
  • • محطة أكويو للطاقة النووية تُعدّ أحد أهم الاستثمارات التي تقوم بها الحكومة التركية
  • • تركيا أصبحت أكثر اعتمادًا على روسيا لتلبية احتياجاتها من الطاقة
  • • تركيا تتمتع بالقدرة على أن تصبح لاعبًا رئيسًا في التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة

بينما تستورد تركيا الغاز الطبيعي، وتستعمله بصفته وقودها الأحفوري الأكبر لتوليد الكهرباء، تؤدي محطة أكويو النووية دورًا مهمًا في تحولها إلى الطاقة النظيفة.

وتضفي الطبيعة متعددة الأوجه لإستراتيجية الطاقة في تركيا واعتمادها على الطاقة الأجنبية مزيدًا من الأهمية للعلاقات الدولية في هذا المجال.

ويعدّ ضمان تنوع المسار والموارد لتعزيز أمن إمدادات الطاقة أحد الأهداف الرئيسة لإستراتيجية الطاقة في البلاد.

وبدءًا من نهاية عام 2021، بلغت حصة الموارد الأحفورية بتوزيع إجمالي الطاقة المركبة لتوليد الكهرباء في تركيا من حيث مصادر الإمداد 46.7% (26% للغاز الطبيعي، و 10% لفحم الليغنيت، و 9% للفحم المستورد 1.5%).

وبلغت حصة الموارد المتجددة 53.3% (الطاقة الكهرومائية 31.6%، وطاقة الرياح 10.6%، والطاقة الشمسية 7.8%، والطاقة الحرارية الأرضية 1.7%، والكتلة الحيوية 1.7%).

ووضعت الحكومة التركية أهدافًا طموحة لزيادة حصة المصادر المتجددة بمزيج الطاقة في البلاد إلى 30% بحلول عام 2023.

وقد دُعِم ذلك من خلال العديد من السياسات المصممة لدعم نمو طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بما في ذلك تعرفات التغذية والاستثمار في البنية التحتية لشبكة الكهرباء.

وساعد الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة في خلق فرص العمل وتحفيز النمو الاقتصادي، مع تقليل اعتماد تركيا أيضًا على الطاقة المستوردة.

إستراتيجية الطاقة النووية التركية

تسعى تركيا جاهدة إلى تطوير إستراتيجية للطاقة النووية لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، وتهدف الدولة إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري.

وحددت الحكومة التركية هدفًا لتوليد 10% من الكهرباء من الطاقة النووية بحلول عام 2030. واستثمرت تركيا في بناء محطات الطاقة النووية، لتحقيق هذا الهدف.

محطة أكويو النووية
عمليات تطوير محطة أكويو للطاقة النووية في تركيا - الصورة من بلومبرغ

تُبنى المحطة الأولى، وهي محطة أكويو النووية، بالتعاون مع روسيا، ومن المتوقع تشغيلها بحلول نهاية أبريل/نيسان.

بالإضافة إلى بناء محطات جديدة، تستثمر تركيا في البحث والتطوير النووي، إذ أنشأت هيئة الطاقة الذرية التركية (تي إيه إي كيه) للإشراف على برنامج الطاقة النووية لديها وضمان سلامتها وأمنها.

وتُعدّ محطة أكويو النووية أحد أهم الاستثمارات التي تقوم بها الحكومة التركية، بتكلفة إجمالية قدرها 20 مليار دولار.

وتتميز محطة أكويو النووية بالمفاعلات النووية المتقدمة من الجيل الثالث، وهي مصممة لتحتوي على أنظمة الأمان الأكثر تقدمًا.

وتتوافق جميع الإجراءات الأمنية التي اتخذتها المحطة مع معايير وكالة الطاقة الذرية.

في المقابل، تواجه محطة أكويو النووية، بصفتها أول محطة للطاقة النووية في تركيا، التي ستُشَغَّل قريبًا (المرحلة الأولى بسعة 1200 ميغاواط) العديد من التحديات والفرص.

في 27 أبريل/نيسان 2023، من المقرر أن تحصل محطة أكويو النووية على أول تسليم للوقود.

وتُعدّ هذه هي الخطوة الأولى على طريق التشغيل الكامل، التي من المتوقع أن تحدث بحلول عام 2026.

وسيكون لدى محطة أكويو النووية 4 مفاعلات للماء المضغوط من طراز في في إي آر-1200 بتصميم روسي، على الرغم من وجود مخاوف بشأن طول عمر التعاون النووي بين روسيا وتركيا.

وستجلب محطة أكويو النووية المتاعب والمنافع لتركيا، وعلى الرغم من وجود مخاوف تتعلق بالسلامة، كما هو الحال بالنسبة لتكاليف المشروع، فإن إنتاج الكهرباء وخلق فرص العمل ومكانة تركيا في الساحة الدولية تندرج في إطار الفوائد.

وإذا جرى التعامل معها بشكل جيد، يمكن أن تحفّز المنشأة استقلال الطاقة والنمو الاقتصادي لتركيا.

مشكلات تواجه المحطات النووية

على صعيد آخر، يواجه المشروع العديد من التحديات المشتركة التي يجب أن تواجهها جميع المحطات النووية.

محطة أكويو النووية
رفع القُبّة الداخلية لمحطة أكويو للطاقة النووية برافعة ليبهير إل آر 13000 – الصورة من موقع المحطة

ويتمثل التحدي الأول في مسألة السلامة، من حيث احتمال وقوع حوادث في المفاعلات التي يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك الخسائر في الأرواح والتلوث الإشعاعي النووي.

إزاء ذلك، وعدت الحكومة التركية بأن تكون السلامة على رأس أولوياتها، وأن المحطة ستلتزم بمعايير السلامة الدولية.

وقررت تركيا استعمال الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة وتقليل الاعتماد على المصادر الأجنبية والآثار البيئية السلبية، وضمن هذا الإطار، تُبنى حاليًا محطة أكويو النووية.

وواجه مشروع محطة أكويو النووية بعض التأخيرات والتحديات، بما في ذلك العقبات التنظيمية وقضايا التمويل، ومع ذلك، ظلت روسيا وتركيا ملتزمتين بالمشروع، واستمر بناء المحطة على الرغم من الانتكاسات الطارئة.

ويتمثل التحدي الآخر في المخاوف البيئية التي تنشأ من بناء المحطة، إذ ستقام محطة أكويو النووية بالقرب من البحر الأبيض المتوسط، ما يجعل مياه البحر موردًا بالغ الأهمية لنظام التبريد بالمحطة.

ويمكن أن يؤثّر تصريف المياه الساخنة في البحر الأبيض المتوسط بشكل كبير في الحياة البحرية، ويغير درجات حرارة المياه، ويخلّ بالتوازن البيئي للمنطقة.

وقد وعدت الحكومة التركية بتقييم الأثر البيئي واتخاذ تدابير تخفيف مناسبة لأيّ ضرر بيئي ناتج عن عمليات المحطة.

الفرص والمكاسب

على صعيد أمن الطاقة، ستعمل محطة أكويو النووية على تسهيل تحرك البلاد بعيدًا عن إمدادات الطاقة المستوردة، ومن ثم تعزيز أمن الطاقة، وعلى جانب التنمية الاقتصادية، سيؤدي تطوير مثل هذا المرفق الكبير إلى خلق فرص عمل وتعزيز الاقتصاد المحلي.

فيما يتعلق بخفض انبعاثات الكربون، وبصفتها مصدر طاقة منخفض الكربون، ستسمح الطاقة النووية لتركيا بالحدّ من انبعاثات الكربون. وبصفتها مشروعًا مشتركًا، ستسهل محطة أكويو النووية نقل التكنولوجيا القائمة على قطاع الطاقة بين روسيا وتركيا.

وتعدّ إمدادات الوقود الخام ذات أهمية رئيسة، على الرغم من أن التوترات بين روسيا وتركيا في الماضي القريب ألقت بظلال من الشك على موثوقية إمدادات روسيا إلى تركيا.

في نوفمبر/تشرين الأول 2015، اخترقت روسيا الحدود التركية السورية، ما دفع تركيا إلى إسقاط طائرة روسية وإثارة أزمة في العلاقات بين البلدين.

من جانبها، ردّت روسيا من خلال العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية.

محطة أكويو النووية
جانب من حفل تدشين وحدة الطاقة الثالثة لمحطة أكويو للطاقة النووية

ولم تتأثر التجارة في الغاز الطبيعي، لكن مشروع ترك ستريم توقَّف، شأنه شأن مشروع محطة أكويو النووية الذي تمّ الاتفاق عليه قبل 5 سنوات.

بصفتها مستوردًا للغاز يعتمد على خطوط الأنابيب الروسية، أصبحت تركيا أكثر اعتمادًا على روسيا لتلبية احتياجاتها من الطاقة، يشكّل هذا جزءًا من دفع تركيا للانتقال إلى الطاقة النووية والاكتفاء الذاتي من الطاقة.

وعلى الرغم من أن اعتماد تركيا على روسيا في إمداداتها من الطاقة النووية ينطوي على مخاطر، فإنه يمكن للتخطيط الدقيق تجنّب هذه العوائق.

على ضوء ذلك، يجب على تركيا تطوير تعاون وتنظيم أوثق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرّية وتنويع مصادر إمداد الوقود الخام ومصادر المعدّات.

وقد بدأت المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن المفاعلات الصغيرة، ومع كوريا الجنوبية بشأن 4 مفاعلات من شركة كوريا للطاقة الكهربائية.

وكان الجدل بشأن الطاقة النووية إشكاليًا بشكل خاص في تركيا، إذ رأى بعضهم أن دعم الحكومة للطاقة النووية مدفوع بالسياسة أكثر من المخاوف الحقيقية المتعلقة بأمن الطاقة.

وعلى الرغم من الجدل الدائر بشان الطاقة النووية، هناك أمر واحد واضح: وهو أن تحول الطاقة في تركيا مستمر.

وتتمتع تركيا بالقدرة على أن تصبح لاعبًا رئيسًا في التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة، بفضل موقعها الإستراتيجي على مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا.

وسواء تحقق هذا الهدف من خلال مصادر الطاقة المتجددة أو الطاقة النووية أو مزيج من الاثنين، سيكون العقد المقبل حاسمًا لتحديد مستقبل الطاقة في تركيا.

وسيحتاج صانعو السياسة في تركيا إلى اتخاذ مسار حذِر، وإدراك المخاطر والفرص التي تطرحها مصادر الطاقة المختلفة، إذ يوجهون البلاد نحو مستقبل أكثر استدامة.

خلاصة القول، أن تركيا تُعدّ دولة ذات تعداد سكاني سريع النمو ومتعطش للطاقة، وحددت حكومتها أهدافًا طموحة لنمو الطاقة المتجددة، وهناك دلائل على أن هذا التحول يسير على قدم وساق، وفي الوقت نفسه، تبرز دعوات لإدراج الطاقة النووية بمزيج الطاقة في البلاد.

وعلى الرغم من أن إيجابيات وسلبيات الطاقة النووية أصبحت محل نقاش حادّ، فإن ما يبدو واضحًا هو أن مستقبل الطاقة في تركيا سوف يتشكل من خلال مزيج معقّد من المخاوف الاقتصادية والبيئية والأمنية.

ونتيجة لاستمرار البلاد في طريقها نحو أمن الطاقة والنمو المستدام، يبقى شيء واحد واضحًا، وهو أن دور الطاقة النظيفة سيكون حاسمًا في تحديد مستقبل تركيا بصفتها قوة إقليمية وعالمية.

* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصّة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق