هل يستطيع العراق الاستقلال عن الغاز الإيراني بمساعدة أميركا؟
رجل أعمال إيراني يستبعد ذلك ولو بعد سنوات طويلة
رجب عز الدين
ما زالت محاولات العراق للاستقلال عن الغاز الإيراني تثير القلق في محيط الدوائر التجارية والسياسية الإيرانية التي لا تتخيل ابتعاد الجارة التاريخية عنها ولو بعد حين.
ودخل العراق في مباحثات أميركية حديثة تستهدف تمكينه من استغلال ثرواته الطبيعية بعيدًا عن إيران على المدى الطويل؛ ما أثار غضب بعض رجل الأعمال الإيرانيين، وفقًا لمحطة برس تي في التلفزيونية المحلية (press tv).
وأعلن مستشار رئيس الوزراء العراقي عماد العلاق، دخول بلاده في مباحثات جادة مع خبراء أميركيين بهدف المساعدة على استغلال الغاز المصاحب وإنتاج الكهرباء؛ ما قد يمكن بغداد من الاستقلال عن الغاز الإيراني، وكذلك الكهرباء المستوردة من طهران.
6.5 مليار دولار مهدرة
يطمح العراق إلى الاستفادة من الخبرة والمساعدة الأميركية؛ لتجنب إهدار 6.5 مليار دولار من حرق كميات من الغاز المصاحب تصل إلى 18 مليار متر مكعب سنويًا.
وصنف العراق ثاني أسوأ دولة في العالم من حيث حرق الغاز المصاحب بعد روسيا في عام 2020؛ إذ بلغ معدل ما حرقه خلال هذا العام قرابة 17.4 مليار متر مكعب، وفقًا لبيانات صادرة عن البنك الدولي.
ويدرس العراق استثمار الغاز المصاحب منذ عام 2021، عبر خطة خمسية ممتدة حتى عام 2026، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتأمل وزارة النفط العراقية في إضافة 400 مليون قدم مكعبة من هذا الاستثمار إلى إنتاج شركة غاز البصرة خلال عام 2023، كما تأمل في زيادة هذه المعدلات إلى 2.6 مليار قدم مكعبة يوميًا بحلول عام 2026.
وتهتم الولايات المتحدة بهذا الملف لأسباب مركبة سياسية وبيئية، إذ يمكن للعراق توفير قدر من الاستقلال عن إيران عبر استثمار الغاز المصاحب بدلًا من حرقه، كما يمكنه خفض التلوث وانبعاثات القطاع من العملية نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، تطرّقت المباحثات العراقية الأميركية إلى تسريع مشروع الربط الكهربائي الإقليمي مع الأردن والسعودية ودول الخليج؛ ما قد يسهم في خفض اعتماد العراق على الكهرباء من إيران.
حاجة العراق إلى الإمدادات الإيرانية
قال مستشار رئيس الوزراء العراقي عماد العلاق، إن الولايات المتحدة أظهرت جدية عالية لتمكين العراق من تنفيذ حلول إستراتيجية فعّالة في مجال الطاقة ودعم الشبكة الكهربائية واستغلال الثروات على المديين المتوسط والطويل، وفقًا لوكالة الأنباء العراقية.
وأزعجت هذه التصريحات دوائر السلطة والتجارة في إيران التي تنظر إلى العراق بوصفه حديقة خلفية منذ سنوات طويلة، ولا تتخيل استقلاله عنها في مجال الطاقة والكهرباء، فضًلا عن السياسة المحلية والدولية.
وهون رجل الأعمال الإيراني حميد حسيني من التقارير الإعلامية التي تروج لفرص محتملة أمام العراق للاستقلال عن الغاز الإيراني.
وقال حسيني -العضو السابق في غرفة التجارة الإيرانية العراقية المشتركة- إن العراق لا يمكنه الاستقلال عن الغاز الإيراني خلال السنوات المقبلة، بل سيحتاج إلى كميات متزايدة لتلبية الطلب المرتفع على الطاقة في قطاعي المنازل والصناعة.
كما أكد حسيني حاجة العراق الماسّة إلى صادرات الكهرباء الإيرانية، خلال السنوات المقبلة، وفقًا لتصريحات نقلتها وكالة أنباء العمل الإيرانية "إيلنا".
وأشار رجل الأعمال الإيراني إلى أن المساعدات الأميركية لا يمكنها أن تجعل العراق قادرًا على إنتاج كل الكميات الكافية لتلبية الطلب المحلي، لكنها قد تكون قادرة على زيادة إنتاج الغاز بما يلبي جزءًا من طلب محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز.
وتستثني الولايات المتحدة العراق من العقوبات المفروضة على إيران؛ نظرًا إلى اعتمادها على الغاز الإيراني بصورة كبيرة؛ ما قد يهدد الحياة اليومية والصناعية في بلاد تعاني انقسامات سياسية وصراعات مذهبية وتحزبات طائفية منذ عقود.
كما يحتاج العراق إلى إيران في جزء كبير من تلبية الطلب المحلي على الكهرباء، وهو ما يجعل الحسيني مطمئنًا إلى أن قدرة بغداد على مفارقة طهران ما زالت بعيدة.
معضلة المرور
إذا استقل العراق عن إيران في مجال الطاقة؛ فسيجد نفسه مضطرًا للمرور عبر الطرق الإيرانية، لضعف حالة المواني العراقية وضعف قدرتها على الاستجابة للطلب المتزايد على واردات السلع والمنتجات، وفقًا لرجل الأعمال الإيراني.
ويستورد العراق قرابة 20 إلى 25 مليون طن من المنتجات النفطية الإيرانية سنويًا، وإذا حاول الاستيراد والاستغناء عن طهران؛ فسيجد نفسه أمام معضلة المرور من الطرق الإيرانية.
لهذا السبب يستبعد رجل الأعمال الإيراني حميد حسيني، محاولة إنشاء سوق عراقية جديدة بعيدة عن إيران كونها لاعبًا رئيسًا؛ لاستحالة ذلك -على حد تعبيره-.
طهران تفتعل أزمة
يستورد العراق كميات كبيرة من الغاز الإيراني تصل إلى ذروتين؛ إحداهما في فصل الشتاء بمعدل 50 مليون متر مكعب يوميًا، والثانية في فصل الصيف بمعدل 70 مليون متر مكعب يوميًا.
وتعرض العراق، خلال الصيف الماضي، لأزمة كهرباء كبيرة بسبب خفض إيران لإمدادات الغاز اليومية بصورة قياسية وصلت إلى 8.5 مليون متر مكعب؛ بسبب تأخر بغداد في سداد مستحقات الغاز الإيراني عن عام 2020.
وأسهم قرار إيران بخفض الواردات في عجز ضخم في توليد الكهرباء وصل إلى 7.5 ألف ميغاواط؛ ما اضطر وزارة الكهرباء العراقية إلى الإسراع بتسوية المستحقات البالغة 1.6 مليار دولار قبل استئناف التوريد مرة أخرى.
واتفقت الوزارة العراقية مع إيران على مضاعفة إمدادات الغاز اليومية من 10 ملايين متر مكعب في فبراير/شباط الجاري إلى 25 مليون متر مكعب خلال شهر مارس/آذار (2023).
وتأمل الوزارة في عودة معدلات الإمدادات الطبيعية عند 30 مليون متر مكعب يوميًا بعد مارس/آذار 2023، وفقًا لتصريحات متحدث وزارة الكهرباء العراقية أحمد العبادي إلى منصة الطاقة المتخصصة.
مفاوضات مع قطر
قال العبادي -ردًا على سؤال لمنصة الطاقة- إن وزارة النفط العراقية تبحث عن تنويع واردات الغاز عبر دول أخرى منها قطر، والتي يتفاوضون معها في الوقت الحالي.
وأكد العبادي تفويض مجلس الوزراء العراقي لوزارتي النفط والكهرباء في التفاوض مع قطر، وفقًا لقرار صادر في 15 فبراير/شباط 2022.
استنادًا إلى هذا القرار، كُلفت وزارة الكهرباء بمناقشة مقترح مقدم من شركة إكسليريت الأميركية للتعاقد مع شركات الغاز القطرية، بالتنسيق مع وزارة النفط.
وانفردت منصة الطاقة المتخصصة، في فبراير/شباط 2022، بمعلومات حصرية تفيد بأن الحجم المبدئي للصفقة المرتقبة بين قطر والعراق يصل إلى 1.5 مليون طن سنويًا من الغاز المضغوط المسال.
وتفكر الحكومة العراقية بالتوازي في مشروعات مكملة لإنشاء منصات للغاز المسال لتحويله إلى غاز جاف، بالإضافة إلى بناء شبكة أرصفة وأنابيب متخصصة في نقل الغاز إلى محطات الكهرباء.
ويقول العبادي إن هذه المشروعات مهمة للغاية لنجاح أي محاولات تُجريها وزارة النفط في مجال استيراد بدائل الغاز من دول أخرى غير إيران، وفي مقدمتها قطر.
موضوعات متعلقة..
- صدمة جديدة.. العراق يؤخر موعد إنهاء حرق الغاز المصاحب
- العراق يعلن إنجاز 51% من مشروع الغاز المصاحب في حقل الحلفاية
- ارتفاع صادرات الغاز الإيراني إلى العراق.. وأزمة الكهرباء تضرب بغداد
- مصر تتعاون مع إيني الإيطالية في مشروع لاستغلال الغاز المصاحب
اقرأ أيضًا..
- 5 دول تستحوذ على نصف إنتاج الغاز في أفريقيا بحلول 2038.. المغرب وموريتانيا بالقائمة
- الإمارات تستقبل 3 توربينات غاز عملاقة.. هل هي صفقة جزائرية؟
- فورد تعترف بمشكلة احتراق بطارية شاحنة كهربائية وتُوقف الإنتاج مؤقتًا