اتفاقية الغاز المسال بين سلطنة عمان وتركيا تعزز أمن الطاقة (مقال)
أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح
- • في العام الماضي أنفقت تركيا نحو 94 مليار دولار على واردات الطاقة.
- • تتمتع تركيا بموقع متميز في البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال.
- • تركيا تواصل جهودها لتصبح مركزًا لتداول الغاز الطبيعي وتحديد سعره.
- • على المدى المتوسط يمكن أن تصبح عُمان مُورِّدًا لجزء من الغاز الطبيعي لأوروبا.
- • يُمكن لسلطنة عُمان أن تؤدي دورًا أكبر في أمن الطاقة في شرق آسيا.
بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، استمدّت استثمارات الغاز المسال زخمًا متناميًا في ظل أزمة الطاقة العالمية المتفاقمة.
في هذا السياق، تأخذ مشروعات البنية التحتية لتصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة زمام المبادرة في استثمار الغاز الطبيعي المسال الذي يقارب 80 مليار دولار المخطط له أو لبدء البناء في السنوات الـ5 المقبلة.
وفي ظلّ تعافي الاقتصادات من تداعيات وباء كوفيد-19، تعمّقت المشكلات في توازن العرض والطلب نتيجة لانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية وتحولت إلى أزمة طاقة عالمية.
وأضاف ردّ فعل روسيا على العقوبات بقطع تدفق الغاز، بُعدًا جديدًا لتجارة الغاز المسال.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يقلل من اعتماده على الغاز الروسي؛ فإنه يزيد تدريجيًا مشترياته من الغاز المسال من مختلف دول العالم، وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركية.
واردات تركيا من النفط والغاز
بصفتها دولة نامية، تستورد تركيا معظم استهلاكها من النفط والغاز من مصادر مختلفة، وأنفقت نحو 94 مليار دولار على واردات الطاقة، في العام الماضي.
وهذا يعني أنه، مقارنةً بعام 2021، زادت تكلفة استيراد الطاقة لهذا البلد أكثر من 100%، واستثمرت تركيا كثيرًا في الطاقة المتجددة خلال السنوات الأخيرة.
في الوقت نفسه، ركّزت تركيا على توسيع البنية التحتية للطاقة في الغاز الطبيعي والغاز المسال.
وكانت زيادة واردات الغاز المسال من الدول العربية والأفريقية على الدوام من أولويات إدارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان؛ تنفيذًا لسياسة تنويع مصادر الطاقة.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا وأذربيجان وإيران كانت تورّد الغاز الطبيعي لتركيا في العقد الماضي.
يأتي ذلك على الرغم من أن انقطاع تدفق الغاز الطبيعي المصدر من إيران، في الأشهر الباردة من العام، أسفر عن العديد من المشكلات في قطاعات الصناعة التركية، وعرّض مستقبل تصدير الغاز الطبيعي الإيراني إلى تركيا لمواجهة تحدٍّ خطير.
على صعيد آخر، يوفر خط النقل الرئيس للغاز الطبيعي بشرق الأناضول ما يصل إلى 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي من إيران إلى السوق التركية سنويًا.
منذ عام 2007، وُضِعَ خط ربط الغاز الطبيعي بين تركيا واليونان، الذي يصل بين شبكات الغاز الطبيعي لتركيا واليونان وتوريد الغاز إلى اليونان عبر تركيا، في الخدمة.
وبهدف نقل اكتشاف 540 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في البحر الأسود إلى مرحلة الإنتاج في الربع الأول من عام 2023، تتميّز تركيا بأهمية بالغة من حيث نقل غاز شرق البحر المتوسط والعراق، الذي من المحتمل عرضه على الأسواق الأوروبية في المستقبل.
تصدير الغاز واستيراده
وفقًا لموقع غلوبال إنرجي مونيتور، يوجد حاليًا أكثر من 300 مشروع لتصدير الغاز المسال واستيراده في مرحلة التخطيط أو البناء حول العالم.
وتركيا، التي تستعد لتصبح مركزًا تجاريًا في مجال الطاقة، تُزوِّد الغاز الطبيعي من روسيا وأذربيجان وإيران بفضل مشروعات خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الدولية، وتُسهِم في تعزيز أمن الطاقة في أوروبا.
وتستعد تركيا لتحقيق هذا الهدف بفضل ميزة امتلاك منشآت للغاز الطبيعي المسال وسوق تداول الغاز الوحيدة في المنطقة.
أما خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول (تاناب)، الذي ينقل الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا عبر تركيا؛ فينقل حاليًا 16 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا؛ منها 6 مليارات متر مكعب متبقية في تركيا و10 مليارات متر مكعب إلى أوروبا.
واتُّخِذَ قرار لزيادة قدرة خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول المصممة لتصل إلى 32 مليار متر مكعب، ومن المتوقع أن يبدأ العمل في هذا الاتجاه.
مرافق التخزين والتغويز تعزز أمن الطاقة
فيما يتعلق بضمان أمن إمدادات الطاقة وتنوع الموارد، تتمتع تركيا بموقع متميز في بنية الغاز المسال التحتية، التي تُفهَم أهميتها بشكل أكثر وضوحًا في أزمة الطاقة العالمية الحالية، وتبلغ السعة الإنتاجية اليومية لأول منشأة عائمة للتخزين وإعادة التغويز في تركيا وتديرها شركة إمباكت بورت مانجمنت في إزمير 20 مليون متر مكعب من الغاز إلى الشبكة.
وتندرج المحطة العائمة للتخزين وإعادة التغويز في مدينة دورتيول، والسفينة أرطغرل غازي، بين أحدث الأمثلة على محطات التخزين وإعادة التغويز العائمة، التي يوجد منها ما يقرب من 40 في العالم.
وتُعَد المحطة العائمة للتخزين وإعادة التغويز أرطغرل غازي سفينة دعم بحري من صنع كوريا الجنوبية ترفع علم تركيا واعتُمِدَت بوصفها وحدة إعادة تغويز الغاز عائمة للغاز الطبيعي المسال.
ويمكن للسفينة أرطغرل غازي إعادة تغويز ما يقرب من 2.5 مليار متر مكعب سنويًا، وتخزين 170 ألف متر مكعب من الغاز المسال.
ويمكنها نقل الغاز الطبيعي المسال، وهو شكل مضغوط من الغاز الطبيعي، في صورة سائلة عن طريق ضغطه نحو 600 مرة.
ويعادل الغاز من الغاز المسال الذي يمكن لسفينة أرطغرل غازي تخزينه نحو 110 ملايين متر مكعب، وتبلغ قدرة إعادة التغويز اليومية القصوى للسفينة 28 مليون متر مكعب.
وتُسهِم محطة "إيجي غاز" للغاز الطبيعي المسال في إزمير في تعزيز البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال في تركيا، من خلال 170 مليون متر مكعب من سعة تخزين الغاز وسعة الشحن اليومية البالغة 40 مليون متر مكعب.
علاوة على ذلك، تؤدي محطة مرمرة إيرغليسي للغاز الطبيعي المسال، التي تديرها شركة بوتاش، دورًا مهمًا في ضمان أمن إمدادات الطاقة بسعة تغويز يومية تبلغ 37 مليون متر مكعب و3 خزانات بسعة 85 ألف متر مكعب لكل منها.
ويستمر بناء منشأة ساروس العائمة للتخزين وإعادة التغويز، التي ستُسهِم بشكل كبير في تأمين الإمدادات في منطقة مرمرة.
يمكن لمنشأة تخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض في سيليفري، وهي أول منشأة لتخزين الغاز الطبيعي في تركيا، تخزين 4.6 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، بينما يمكن لمرفق تخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض "طوز غولو" تخزين 1.2 مليار متر مكعب من الغاز.
ويتواصل العمل لزيادة السعة التخزينية للمنشأة في طوز غولو إلى 5.4 مليار متر مكعب.
عند الانتهاء من هذه الأعمال، من المتوقع تخزين نحو 20% من احتياجات البلاد من الغاز، التي تصل إلى 60 مليار متر مكعب سنويًا، مع سعة تخزين غاز طبيعي تبلغ 10 مليارات متر مكعب سنويًا.
إلى جانب مساهمة تركيا في تأمين إمدادات الطاقة في المنطقة من خلال مشروعات الغاز الطبيعي الدولية؛ فإنها تواصل جهودها لتصبح مركزًا لتداول الغاز الطبيعي وتحديد سعره، وأُعلِنَ وضع خطة تفصيلية للدراسات المعنية بحلول نهاية العام.
وتمتلك تركيا حاليًا بنية تحتية قوية بفضل ما مجموعه 7 خطوط أنابيب دولية للغاز الطبيعي، و4 من منشآت الغاز المسال؛ اثنتان منها عبارة عن وحدات تخزين تغويز عائمة، ومنشآت تخزين غاز طبيعي تحت الأرض.
أحدث موردي الغاز المسال إلى تركيا
وقّعت الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال اتفاقية البنود المُلزِمة مع شركة بوتاش التركية لأنابيب البترول لتوريد مليون طن سنويًا من الغاز الطبيعي المسال، بدءًا من عام 2025، بموجب عقد مدته 10 سنوات.
ووُقِّعَت اتفاقية توريد الغاز المسال، التي تنص على التعاون في مجال الغاز الطبيعي، بين تركيا وسلطنة عمان في الحفل الذي أقيم في 30 يناير/كانون الثاني 2023 تحت رعاية وزير الطاقة والمعادن العماني سالم العوفي.
ووقّع الاتفاقية رئيس مجلس إدارة شركة بوتاش المدير العام برهان أوزجان، نيابة عن تركيا، والرئيس التنفيذي للشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال حمد النعماني، نيابة عن عمان.
بصفتها أحدث دليل لدبلوماسية تركيا الناجحة في مجال الطاقة بهدف زيادة أمن الطاقة وتنويع مصادر التوريد، تأتي اتفاقية توريد الغاز المسال الموقعة مع سلطنة عمان، التي لا تزال تخلق قيمة مضافة.
في هذا السياق، وُقِّعَت اتفاقية تاريخية بين شركة بوتاش التي تزود الغاز من العديد من مناطق العالم المختلفة، وشركة عمان للغاز الطبيعي المسال؛ وذلك تماشيًا مع هدف تنويع مصادر الإمداد التركية.
وبموجب الاتفاقية، سيُوَرَّد مليون طن (1.4 مليار متر مكعب) من الغاز المسال سنويًا من عمان لمدة 10 سنوات.
دور سلطنة عمان المتنامي في سوق الغاز المسال
في ديسمبر/كانون الأول 2022، وُقِّعَت اتفاقية بين اليابان وسلطنة عمان لتوريد 2.35 مليون طن من الغاز المسال سنويًا من عمان إلى اليابان.
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2021 زاد إنتاج الغاز المسال في هذه الدولة بنسبة 4% إلى 10.6 مليون طن، ومن المتوقع أنه بعد الانتهاء من المشروعات قيد الإنشاء، ستصل القدرة الإنتاجية للبلاد من الغاز الطبيعي المسال إلى 11 مليون طن سنويًا.
وتمكّنت سلطنة سلطنة عمان من جني 2.87 مليار دولار من دخل النقد الأجنبي في عام 2021 من خلال تصدير الغاز الطبيعي المسال.
عند بدء تصدير الغاز الطبيعي المسال العماني إلى تركيا، ستصبح شروط تجديد العقد الحالي لتصدير الغاز الطبيعي من إيران إلى تركيا أكثر صعوبة.
ومع زيادة القدرة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في سلطنة عمان، يزداد دور الدولة في أمن الطاقة في المنطقة والعالم، ويمكن لتركيا أيضًا توفير أمنها من خلال استيراد الغاز الطبيعي المسال من عمان مع تنويع مصادر الطاقة لديها.
في المقابل، تؤدي تركيا بشكل تدريجي دورًا أكثر نشاطًا في تجارة العبور والطاقة في المنطقة.
ويمكن أن تصبح سلطنة عمان، على المدى المتوسط، مورِّدًا لجزء من الغاز الطبيعي لأوروبا أو أن تؤدي دورًا أكبر في أمن الطاقة في شرق آسيا، لكن إيران، التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، تواجه نقصًا في الغاز الطبيعي.
وقد أصبحت سلطنة عمان مُصدرةً للغاز الطبيعي المسال تدريجيًا، في العقد الماضي، من خلال الاستثمار بكثافة في قطاع الغاز الطبيعي.
* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصّة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- مصر تزود تركيا بـ 7 شحنات من الغاز المسال.. بعد سنوات من القطيعة
- هل تصبح تركيا مركزًا عالميًا لتجارة الغاز الطبيعي بدعم من روسيا؟ (مقال)
- هل يضمن تخزين الغاز الطبيعي في تركيا تحقيق أمن الطاقة؟ (مقال)
اقرأ أيضًا..
- دولتان خليجيتان تساعدان في وصول صادرات النفط الإيرانية للأسواق
- وزير الطاقة السعودي يحذر من خطر "لا يريد أن يكون مسؤولًا عنه" (فيديو)
- تقرير جديد يكشف مستقبل أسواق النفط وسياسة أوبك+ خلال 2023