هل يستفيد الهيدروجين الأخضر من ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري؟
نوار صبح
- عدد المشروعات وحجمها، التي تستخدم الهيدروجين وتصنّعه، يتزايد بسرعة.
- صناعة الهيدروجين تطلق كميات من ثاني أكسيد الكربون أكثر من بريطانيا وفرنسا مجتمعتين.
- حرق الهيدروجين يتسبب في انطلاق أكاسيد النيتروجين وملوثات الهواء المرتبطة بأمراض الجهاز التنفسي.
- الحكومة البريطانية ستمنح أكثر من 100 رخصة للتنقيب عن النفط والغاز.
يأمل دعاة حماية البيئة وبعض المستثمرين المعنيين في أن ينعكس الجانب الإيجابي لارتفاع أسعار الغاز في جعل الهيدروجين الأخضر، الناتج عن مصادر الطاقة المتجددة، بديلًا تنافسيًا من حيث التكلفة للوقود الملوِّث.
ويبدو جليًا أن عدد المشروعات وحجمها، التي تستعمل الهيدروجين وتصنّعه (وهو غاز يطلق الطاقة عند حرقه دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون)، يتزايد بسرعة، بحسب ما نشرته منصة ذا كونفرسيشن (The Conversation).
ويتوقع المراقبون أن خط أنابيب تحت البحر، بقيمة 2.71 مليار دولار، سينقل الهيدروجين الأخضر من إسبانيا إلى فرنسا بدءًا من عام 2030، إذا سارت عملية البناء كما هو مخطط لها، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتُحَدَّث بعض محطات الكهرباء في الولايات المتحدة؛ للسماح بخلط الهيدروجين مع الغاز، بينما تتعاون شركة النفط النرويجية إكوينور مع شركة ثيرمال إس إس البريطانية لبناء محطة كهرباء تعمل بالهيدروجين الأزرق بقدرة 1800 ميغاواط في بريطانيا.
في الوقت نفسه، كشفت الصين عن خطة في مارس/آذار 2022، تتضمن نشر 50 ألف مركبة تعمل بالهيدروجين بحلول عام 2025، وشهدت البلاد، أوائل ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم، إنتاج أول جرارات ورافعات شوكية تعمل بالوقود الهيدروجيني من خط التجميع في مصنع جديد بمقاطعة غوانغدونغ.
طرق إنتاج الهيدروجين
يجري إنتاج الهيدروجين بطرق متعددة، ويُستَعمل طيفًا لونيًا لتبسيط الإنتاج.
ويأتي الهيدروجين "الرمادي" و"البني/الأسود" من الغاز الأحفوري (الميثان) والفحم (الفحم البني أو الأسود) على التوالي، وهي عملية تطلق مقابل كل طن من الهيدروجين ما بين 10 و12 طنًا من ثاني أكسيد الكربون للهيدروجين الرمادي و18 إلى 20 طنًا للبني.
ويُنتج الهيدروجين الأزرق بالعملية نفسها باستثناء أنه من المفترض احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه تحت الأرض.
ويُعرَف الهيدروجين الأخضر تقليديًا بأنه يتولّد من فصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين باستعمال الكهرباء المولَّدة من مصادر الطاقة المتجددة.
ويمثّل الهيدروجين الأخضر 0.04% فقط من الإنتاج، والهيدروجين الأزرق أقل من 1%، أما الباقي فهو رمادي أو بني ويُستَعمل معظمه في مصافي النفط وتصنيع الأمونيا والميثانول، وتطلق صناعة الهيدروجين كميات من ثاني أكسيد الكربون أكثر من بريطانيا وفرنسا مجتمعتين.
ومن المأمول على نطاق واسع أن يتجسّد الجانب الإيجابي لأسعار الغاز المرتفعة -حاليًا- في أن يصبح الهيدروجين الأخضر بديلًا تنافسيًا من حيث التكلفة للوقود الملوث في الغلايات وناقلات الشحن وأفران صناعة الصلب.
ويرى المحللون احتمال ضياع هذه الفرصة دون إصلاح سوق تداول الكهرباء.
وبالنظر إلى الاهتمام الملحوظ باقتصاد الهيدروجين؛ فإن نظرة فاحصة تشير إلى أن الوقود لا يُعَد أساسيًا للانتقال الأخضر، وهو أكثر تعرضّا للدعاية الخادعة من جانب شركات النفط، بحسب تقرير نشرته مؤخرًا منصة "ذا كونفرسيشن" (The Conversation).
ألوان الهيدروجين الحقيقية
يُعَد الهيدروجين الأخضر ضروريًا لإزالة الكربون، وبديلًا للوقود الأحفوري في صناعة الصلب، والأمونيا لإنتاج الأسمدة وربما قطاع الشحن، وهي عمليات يصعب تشغيلها بالكهرباء.
وبما أن بعض الهيدروجين الأخضر متقاطع مع درجات ألوان أكثر تلويثًا؛ فإن الأمر لا يتعلق بإهدار الكثير من الطاقة خلال عملية الإنتاج، والتحول المزدوج من الكهرباء إلى الغاز ثم الوقود.
في المقابل، يتسبب حرق الهيدروجين في انطلاق أكاسيد النيتروجين وملوثات الهواء المرتبطة بأمراض الجهاز التنفسي والأمطار الحمضية.
في حالة رفع مستوى إنتاج الهيدروجين الأخضر ليؤدي دورًا اقتصاديًا مهمًا بحلول عام 2050؛ فسوف يتجاوز الطلب على المياه العذبة ربع الاستهلاك السنوي العالمي اليوم؛ ما يفاقم ندرة المياه في بعض المناطق.
ويصبح الهيدروجين صديقًا للبيئة -فقط- إذا كانت الطاقة المتجددة التي تولّده لا يمكن إرسالها إلى الشبكة لاستبدال الكهرباء الناتجة من محطات الغاز أو الفحم.
علاوة على ذلك، يعتمد الهيدروجين الأزرق على خدعة مماثلة لكنها أكثر ضررًا، ولكي يكون الهيدروجين أزرق حقيقيًا يجب احتجاز الانبعاثات وتخزينها بشكل آمن.
من الناحية النظرية، يُعَد احتجاز الكربون وتخزينه مفيدًا، ولكن جميع المحطات تقريبًا تستعمل الكربون المحتجز لضخ المزيد من النفط، وقد أُغلِقَ العديد منها بسبب فشلها في ذلك.
وتُخَزَّن كمية قليلة فقط من الكربون إلى أجل غير مسمى، رغم أنها تستهلك الكثير من الطاقة وتلتقط فقط بعضًا من ثاني أكسيد الكربون، الذي يمكن أن يتسرب.
إن المصدر الرئيس للهيدروجين الأزرق هو الميثان، أحد غازات الدفيئة القوية ويشتهر بتسربه من حفر الآبار وخطوط الأنابيب.
وتشير الأبحاث إلى أن هذه المشكلات تجعل الهيدروجين الأزرق أكثر ضررًا بالنسبة للمناخ من الغاز الأحفوري.
ويوضح الرسم أدناه -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- مصادر إنتاج الهيدروجين المختلفة، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة:
تسعير الكهرباء
في الاتحاد الأوروبي، كما هو الحال في العديد من الاقتصادات، يعتمد تسعير الكهرباء على مبدأ التكاليف الهامشية؛ ما يعني أن أغلى مصدر (عادة الغاز الأحفوري) يحدد سعر الكهرباء بالجملة. خلال أوقات الطقس المشمس أو العاصف، يمكن أن تؤدي وفرة توليد الطاقة المتجددة إلى خفض أسعار الكهرباء وتحريرها من قبضة أسعار الغاز الطبيعي لبضع ساعات في المرة الواحدة.
وهذا لا يكفي في كثير من الأحيان لتبرير الاستثمارات في المحلل الكهربائي التي تنتج الهيدروجين الأخضر، ولن يكتسب الهيدروجين الأخضر الميزة السعرية الضرورية على الهيدروجين الأزرق والغاز الأحفوري حتى تُعاد هيكلة أسواق الكهرباء.
على صعيد آخر، أدى ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى زيادة توسع صناعة الهيدروجين، وتحث حكومة الولايات المتحدة شركات النفط على تشجيع عمليات الحفر والتنقيب.
وستمنح الحكومة البريطانية أكثر من 100 رخصة للتنقيب عن النفط والغاز، كما أُعلِنَت استثمارات ضخمة في الوقود الأحفوري في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويلخص الرسم التالي -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- أنواع الهيدروجين وألوانه وفق طريقة الإنتاج:
أسعار النفط والغاز
في غضون بضع سنوات عندما تبدأ هذه المصادر الجديدة، وخصوصًا إذا استمر النمو الاقتصادي في التباطؤ وانخفض الطلب على الطاقة، ستنخفض أسعار الغاز والنفط مجددًا، حتى يدعم الارتفاع التالي في الأسعار جولات جديدة من الاستثمار.
وسيكافح مالكو الآبار وخطوط الأنابيب والمحطات المشيدة حديثًا للدفاع عن تلك الأصول ووقف إزالة الكربون.
وتعيد شركات الوقود الأحفوري، حاليًا، تسمية نفسها وكلاءً لـ"إدارة الكربون". والهدف من ذلك هو منع تعثر أصولها من خلال إعادة توظيفها، وتقديم مادة خيالية إلى حد كبير، واعتبار الهيدروجين الأزرق وقودًا انتقاليًا منخفض الكربون لمستقبل أخضر غير محدد.
ويقول المحاضر البارز في جامعة أبردين البريطانية، المهندس توم باكستر، إن مشغلي شبكات الغاز ومصنعي الغلايات يرون بقاءهم في هذه الحيلة. وبالمثل، تحرص المرافق على ذلك؛ لأن عدم كفاءة الهيدروجين يسمح لها ببيع المزيد من الكهرباء.
وتتطلب معالجة عملية المماطلة هذه سياسة عامة، وستحتاج الحكومات إلى تنظيم أو فرض ضرائب على الكربون خارج السوق مع تكثيف مصادر الطاقة المتجددة في الوقت نفسه، بحسب ما نشرته منصة "ذا كونفرسيشن".
الطاقة النظيفة
ينبغي تغيير نهج تسعير الكهرباء لفصل أسعار الكهرباء المولّدة من مصادر الطاقة المتجددة والغاز الأحفوري.
من جانبه، يفيد نظام التسعير الهامشي أصحاب المشروعات المتجددة بشكل كبير؛ لأنهم يستفيدون من ارتفاع أسعار الكهرباء وتكاليف المدخلات الضئيلة بشكل فعال.
وسيحدد هيكل السوق البديل مكافآت لمحطات التوليد وفقًا لمتوسط تكاليفها بالإضافة إلى فائض طفيف يمكن إعادة استثماره في نشر المزيد من مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات الخضراء الأخرى؛ ما يوفر للمستهلكين كهرباء رخيصة.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال سوق منظمة جيدًا، أو من خلال تأميم شركات الطاقة وتحديد الأسعار والإنتاج.
وستمنح هذه التدخلات الهيدروجين الأخضر ميزة تنافسية على النوعيْن الأزرق أو الرمادي، وهي ميزة يمكن تعزيزها بإعانات أخرى، مثل الإعفاءات الضريبية على نموذج قانون خفض التضخم الأميركي، ويجب تقليل الطلب على الطاقة لتخفيف الضغط التصاعدي على السعر.
اقرأ أيضًا..
- الإمارات وقطر: الغاز الطبيعي سيظل أولوية.. والعالم يحتاج إلى استثمارات
- هل تتجاوز أسعار النفط حاجز الـ100 دولار في 2023؟ أنس الحجي يجيب
- حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2022.. أسواق الطاقة في 365 يومًا
- بعد انهيار الجنيه المصري.. شركات نفطية تطلب مستحقاتها بالدولار