رئيس ديزرت إنرجي: المغرب ومصر والإمارات سيكون لها دور محوري في تحول الطاقة (حوار)

يرى رئيس مبادرة "دي آي آي-ديزرت إنرجي"، باول فان سون، أن الطاقة المتجددة هي الأكثر موثوقية على وجه الأرض، وأنها قادرة على توفير كميات تفوق احتياجات سكان العالم من الطاقة.

وأشار إلى أن مبادرته تعمل على التوسع في مشروعات الطاقة النظيفة؛ بهدف التخلص من التلوث وتحقيق الحياد الكربوني، ورغم ذلك؛ فإنه لا يعارض أي أنواع الوقود الأحفوري، ما دمنا نستطيع السيطرة على انبعاثاته.

التقت منصة الطاقة المتخصصة، سون، في القاهرة، خلال حضوره اجتماع تأسيس شركة ليبرا للمشروعات منخفضة الانبعاثات، والتي أطلقتها البورصة المصرية بالشراكة مع المصرف الزراعي للتنمية، وأجرت معه الحوار التالي:

هل يمكن أن تلقي الضوء على مبادرة ديزرت إنرجي؟

تأسست مبادرة "ديزرت إنرجي" في ميونخ بألمانيا عام 2009، وتعمل على مساعدة الدول في أفريقيا والشرق الأوسط على التحول إلى الطاقة المتجددة، والوصول إلى الحياد الكربوني على المدى الطويل.

كما نساعد أوروبا في توفير الطاقة من خلال تسهيل عمليات الاستيراد من شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

ونُقِلَ المقر الرئيس من ميونخ إلى دبي عام 2015؛ لأنها من المدن القريبة من مناطق عمل المبادرة، والتي يمكن من خلالها الوصول إلى مدن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومثلها القاهرة في مصر ومراكش في المغرب.

تعمل مبادرة "ديزرت إنرجي" على مساعدة الحكومات وكل الصناعات في المنطقة على التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية والرياح، ونساعد الدول التي لديها مصادر أخرى مثل الطاقة الكهرومائية (التي تعتمد على السدود)، مثل مصر التي تُعد "بطل" المنطقة في هذا المجال.

لكن توليد الطاقة الكهرومائية يشهد تراجعًا في السنوات الأخيرة.. ومحطة السد العالي أبرز مثال.

صحيح، قد يكون توليد الكهرباء من السد العالي في مصر قد تراجع، لكن طاقته الكهرومائية لا تزال مصدرًا مهمًا من مصادر الطاقة المتجددة في مصر.

ومصر بصورة عامة تسعى نحو الطاقة المتجددة من الشمس والرياح، كما أنها نشطة جدًا في مجال صناعة الهيدروجين والأمونيا الخضراء.

هل يؤثر سد النهضة الإثيوبي في توليد الطاقة الكهرومائية في مصر من السد العالي؟

قد يؤثر سد النهضة سلبًا في الطاقة الكهرومائية المُوَلَّدة من السد العالي، وأيضًا في كميات المياه في نهر النيل والزراعة، لكن مصر لديها مصادر طاقة متنوعة، وتستطيع تعويضها من الطاقة المتجددة، خاصة الشمس والرياح.

وماذا عن المياه؟

ليست كل الدول لديها أنهار، ومصر من الدول المحظوظة بنهر النيل في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ إنه الأكبر، ومسألة سد النهضة مشكلة كبيرة، وأعتقد أن حلها يأتي عبر المفاوضات مع إثيوبيا. و"هذا سؤال جيوسياسي.. لكن لا أريديكم في مصر أن تكونوا محبطين بسبب هذه المسألة؛ لأنه في مجال الطاقة يمكن تعويضها من المصادر المتجددة الأخرى، وأزمة المياه في نهر النيل يمكن علاجها –أيضًا- من خلال المفاوضات وبمشاركة السودان للوصول إلى حل يرضي الجميع".

ومصر لديها قدرة على تصدير الأمونيا الخضراء والغاز الطبيعي المسال، بسبب وجود البنية التحتية اللازمة في قطاع الشحن؛ ما يمكّنها من نقلهما إلى أي مكان في العالم.

الحقيقة أن مصر قادرة، خلال العقدين المقبلين، على التحول بالكامل من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.

نحن ليست لدينا مشكلة مع الوقود الأحفوري بكل أنواعه، ولكن ما نريده هو ضمان احتجاز انبعاثاته.

كيف تساعدون دول أفريقيا والشرق الأوسط في مجال الطاقة؟

أولًا: المبادرة ليست مصرفًا، ولكن نساعد في التمويل بطرق غير مباشرة، "نحن فقط أناس جيدون ولدينا شركاء"، ونعمل على جمع كل الأطراف بالسوق معا، من مطورين ومؤسسات التمويل وشركات القطاع الخاص والمستشارين والمواقع التقنية لوضع دليل لأفضل الطرق، التي تجعل سوق الطاقة أقل في مجال الانبعاثات، عبر تأمين إمدادات من الطاقة المتجددة وتوفير وسائل التخزين وقدرة على التصدير.

كما نعمل على ضمان مرونة الطلب؛ لأنه يساعد على تحول الطاقة، وزيادة كهرباء الطاقة المتجددة في الشبكات المحلية؛ لذلك نجري دراسات في "دي آي آي" لوضع الدليل والإرشادات اللازمة التي توضح كيفية تحقيق عوائد أكبر من الطاقة المتجددة، وأفضل المشروعات.

هل تتعاملون مع الحكومات فقط؟

نحن نتعامل مع الحكومات والقطاع الخاص، والمبادرة تضم مجموعة مصنّعين، وهي مبادرة صناعية، أطلقتها 12 شركة في بدايتها؛ منها "سيمنس" و"دويتشه بنك" و"شوب سولار" و"إيون".

هل مبادرتكم تضم شركات ألمانية فقط؟

كان معظمها في بداية الإطلاق ألمانية، مع شركتين إحداهما إسبانيا والأخرى سيفيتال الجزائرية، وتجاوز عدد الشركات الأعضاء في المبادرة حاليا 90؛ منها ريلاينس الهندية، وأكوا باور السعودية، كما تضم أعضاء من الإمارات ومصر والمغرب والأردن وسلطنة عمان.

كيف تصل إليكم الحكومات أو شركات القطاع الخاص التي تحتاج إلى مساعدتكم؟

الحكومات لديها أسئلة واستفسارات عديدة في المؤتمرات، وأحيانًا تصل إلينا من خلال شركائنا.

وعلى سبيل المثال، وصلت إلينا أسئلة عديدة من وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، حول كيفية التوسع في الطاقة المتجددة من خلال شركة أكوا باور.

ونحن بصورة عامة لسنا تكتلًا لجمع الأموال، ولكن نطرح حلولًا لخفض الانبعاثات، وأول هذه الحلول هو ترشيد الاستهلاك؛ لأن هذا يعني أنك لن تحتاج لهذه الكميات الضخمة من إمدادات الطاقة.

وثانيًا: هو أن يتحول الجميع لتوليد الطاقة المتجددة، "دولتك.. منزلك.. مزرعتك.. إلى آخره".

وثالثًا: الاستفادة من مساحات الصحاري الشاسعة في توليد الطاقة المتجددة من شمس ورياح، وتحويلها إلى كهرباء، أو منتجات مثل الهيدروجين الأخضر.

وقد بدأت كل دول المنطقة في فعل ذلك، وهي تسير بخطوات بطيئة نسبيًا، "هذه المنطقة غير سريعة نسبيًا، لكنني آمل في أن تتصدر العالم في مجال الطاقة المتجددة خلال العقد المقبل، ومنطقة الشرق الأوسط تمتلك كل العوامل التي تؤهلها لتكون رقم 1 عالميًا؛ فلديها المساحات الواسعة الفارغة، والشمس والرياح، وأناس جيدون، لديهم تعليم جيد، إضافة إلى التقنيات اللازمة".

أعتقد أننا نفتقر إلى التدريب في منطقتنا، ما رأيك؟

المنطقة لديها كثير من التمويل المحلي، وأيضًا الدولي، وهو ما يمكّن الدول من وضع إستراتيجيات للتعلم والتدريب، والذي يجب أن يقوم على توعية الناس بأن الأعمال مستقبلًا لن تقوم على الأنشطة الملوثة للبيئة، ويجب أن يفهم المواطنون كيف يدرون ربحًا من الطاقة المتجددة.

هل هناك أي شروط تضعها المبادرة للشركة الراغبة في أن تكون عضوًا؟

الشرط الوحيد هو أن يكون جوهر أعمال الشركة يستهدف خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني؛ "بمعنى إذا كانت الشركة لا تهتم بهذه المسألة؛ فلا يمكن أن تكون عضوًا في مبادرتنا، وكل شركة تتبنى هذا المنهج مُرحَّب بها".

هل يمكن أن تذكر بعض نماذج المشروعات التي ساعدتم على تدشينها في منطقة الشرق الأوسط؟

لدينا قاعدة بيانات ضخمة، ونحن لا نقيم المشروعات، ولكن الجهات تطلب استشارات "دي آي آي ديزرت"، ونحن نخبر الجميع بقصص نجاح المشروعات، وإذا كانت هناك مشكلات أو معوقات، نناقش من خلال شركائنا الحلول، وإذا واجه مشروع دراسة جدوى نساعد في إجرائها، "ليست دراسات تجارية ومعقّدة مثل ما تقوم بها ماكينزي مثلًا، ونحن فريق محدود؛ لذلك لا نستطيع فعل أشياء خارقة، ولكن على الأقل نستطيع أن نضعهم على الطريق؛ أي نمهّد الطريق، لكن تفاصيل المشروع هي أمر داخلي.. لا نبني محطة طاقة شمسية مثلًا أو مزرعة رياح، لكن نخبرهم كيف يفعلون ذلك".

لماذا جئتم إلى مصر ومنطقة الشرق الأوسط تحديدًا؟

مصر في وسط أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، ونحن نركز على منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا الدول الأكثر طموحًا في مجال الطاقة المتجددة، وهي الإمارات والمغرب إضافة إلى القاهرة، وإذا ساعدت تلك الدول، يمكن أن يكون لها دور مهم في تحول الطاقة.

كانت سيمنس، من مؤسسي المبادرة ولديها مشروعات ضخمة في مصر، جزءًا من أزمة خط أنابيب الغاز نورد ستريم 1، الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا، ما تعليقك؟

تُعَد سيمنس من الشركات العملاقة في مجالات تقنيات الطاقة، وشبكات الكهرباء، والهيدروجين، ومحطات الطاقة الشمسية، ومزارع الرياح، والغاز، لكن هي ليست مطور مشروعات، وإنما مزود بتقنيات الطاقة، وأزمة أوروبا لم تكن مع سيمنس وإصلاح خط نورد ستريم 1، ولكن في الاعتماد الهائل على واردات الغاز الروسي، ومحاولات الاستغناء عنه بعد غزوها لأوكرانيا.

وهذا "سؤال جيوسياسي آخر.. مشكلة أوروبا حاليًا تشبه مشكلة سد النهضة الإثيوبي في مصر؛ فأنتم مهددون بمياه أقل من جارتكم، ونحن في أوروبا نعاني انخفاض واردات الغاز الروسي، وكما قلت من قبل يجب ألا نُحبط من أحداث الماضي والحاضر، وألا نضيع الوقت في هذا، وأن ننظر للحلول مستقبلًا".

والحقيقة أن أوروبا بدأت في ذلك؛ إذ وضعت حلولًا على المدى القصير، لكن على المدى الطويل ستكون الطاقة المتجددة هي الحل، وترى في جيرانها في شمال أفريقيا، خاصة مصر، فرصة لتأمين احتياجاتها من الطاقة من خلال التعاون والمشاركة.

كثير من الخبراء يعتقدون أن الطاقة المتجددة غير موثوقة بسبب تغيرات الطقس، ما رأيك؟

الكثير من الخبراء وغيرهم يعتقدون ذلك، لكن بكل ثقة أود إخبارك بأن الطاقة المتجددة هي الأكثر موثوقية على الأرض؛ فدائمًا هناك أشعة شمس ليست في منطقتكم فقط، ولكن في أوروبا أيضًا.. ربما لا تكون طوال ساعات اليوم، لكنها تشرق كل يوم.. ربما تبدو في الشتاء مظلمة، وفي الصيف تشرق لمدة 4 ساعات أو 5 ساعات فقط، وإذا استطعنا توليد الكهرباء وتخزينها؛ فإنه يمكن توفيرها طوال العام.

ما أريد قوله إن كهرباء الطاقة المتجددة مضمونة بنسبة 100%، وهذا مختلف عن النفط والغاز؛ فآبارهما ستنضب في وقت ما، في الوقت الذي لا تنفد فيه الشمس والرياح، "هذه ليست وجهة نظري، بل إنها حقيقة علمية".

هل الطاقة المتجددة موثوقة بنسبة 100%؟ ولماذا تنتاب العديد من الدول شكوك في هذا الأمر؟

لم يكن العالم يمتلك قبل آلاف السنين غازًا أو نفطًا أو فحمًا أو طاقة نووية، وكان سكان الكرة الأرضية يعتمدون في توفير الطاقة على الأخشاب والشمس والرياح، ومع الثورة الصناعية بدأ استهلاك الوقود الأحفوري الملوث للبيئة، وتدريجيًا ومع الزيادة السكانية بات الناس يشعرون بأن المصادر الوحيدة للطاقة هي تلك الخامات، واستقر في أذهانهم أنها الأكثر أمانًا أيضًا.

ولا شك في أن الـ8 مليارات نسمة الذين يعيشون على سطح الأرض والذين يستهلكون 1600 تيراواط/ساعة من الطاقة، يستطيعون أن يحصلوا عليها بسهولة من الطاقة المتجددة.

والأنباء الجيدة أن الطاقة المتجددة أرخص من الوقود الأحفوري؛ "لذلك أرى أن اعتقاد الناس بعدم موثوقية الطاقة المتجددة غير موجود إلا في عقولهم فقط، والطبيعة البشرية تخشى التغيير، وإذا أخبرت أحدهم بإمكان تغيير أي شيء اعتاد عليه؛ لن تجد استجابة سريعة؛ لذلك علينا أن نوضح لهم أنه لا خوف من تلك المصادر؛ لأنها المستقبل. وأنا أستطيع منحك ضمانة شخصية أن الشمس والرياح تستطيعان منح البشرية طاقة أكثر من احتياجاتها، خاصة مع توافر قدرات التخزين".

ومصر نموذج جيد جدًا يُثبت أنه يمكن التعامل مع مشروعات الشمس والرياح بصورة سهلة وسلسة.

هل أنت ضد الطاقة النووية؟

أنا لست ضد أي نوع من الطاقة.. إلا أن تجربة الطاقة النووية بها العديد من التحديات بخلاف الطاقة المتجددة؛ لأنه من الصعب التعامل مع النفايات النووية، وتحتاج إلى أشخاص على قدر هائل من المهارة، كما أن تكلفة المحطات مرتفعة، ويستغرق بناء المشروع الواحد سنوات طويلة، قد تصل إلى 15 سنة.

هل تؤيّد قرار الاتحاد الأوروبي توصيف الطاقة النووية باعتبارها طاقة نظيفة؟

قد تكون طاقة نظيفة إذا استطعنا التعامل مع النفايات النووية بطريقة صحيحة، إلا أن هذا الأمر لا يزال يمثل مشكلة، وهناك العديد من المحطات النووية التي تنتظر حلولًا لهذه النفايات.

ألمانيا، موطنكم الأصلي الذي انطلقت منه المبادرة، كانت لديها خطة للتخلص من المفاعلات النووية، لكنها تراجعت عنها في ظل أزمة الطاقة.

لم تتراجع ألمانيا عن خطة التخلص من المفاعلات النووية، وإنما مددت عمل 3 فقط لعدة أشهر، وأريد أن أشدد على أننا لسنا ضد الفحم أو الغاز أو النفط، وما نريد ضمانه هو عدم ضخ الانبعاثات الكربونية.

هل تعتقد أن ارتفاع أسعار الطاقة من الوقود الأحفوري يمكن أن يسهم في تقليل استهلاكه؟

الطاقة المتجددة أرخص وأسهل؛ فيمكن توليد ميغاواط من كهرباء الطاقة الشمسية بتكلفة سنت واحد، وتستطيع أن توفرها كل الدول، وربما يكون الوقود الأحفوري متاحًا لبعض الدول التي تنتجه بسعر جيد، لكن كلما كانت الطاقة الملوثة منخفضة السعر ومتاحة؛ كان هذا أمرًا سيئًا، ويساعد على زيادة استهلاكها، ومن ثم ارتفاع معدلات التلوث.

إن هذا الوقود يدمر كل شيء، ويدمر مستقبل الأجيال القادمة، إذا أردنا أن ندمرهم، علينا في الاستمرار في استهلاكه.

ألا تعتقد أن اللوم في وسيلة القتل تلك يقع على عاتق الحكومات؟

اتّفق معك؛ لأن الحكومات يجب ألا تشجع الأنشطة التي تقتل البيئة؛ لأنها إن فعلت "أريد أن أقولها بطريقة مهذبة.. هي تضر شعوبها".

وعلى الحكومات أن تشجع المواطنين والشركات على بناء محطات طاقة شمسية على الأسطح، بتسهيلات ملائمة، كما يحدث في أوروبا.

موضوعات متعلقة..

• أول شركة في الشرق الأوسط تبني قاطرات بحرية تعمل بالميثانول والهيدروجين

• أكبر شركة كابلات كهرباء في السعودية والشرق الأوسط قريبًا بالبورصة

• أزمة الديزل في أوروبا تدفع لزيادة الواردات من آسيا والشرق الأوسط

اقرأ أيضًا..

• أطول صفقات الغاز المسال.. قطر للطاقة تؤمّن احتياجات سينوبك لمدة 27 عامًا
• 4 اكتشافات للغاز في المغرب باحتياطيات ضخمة خلال 2022
• الصين تكثف وارداتها من النفط الروسي.. والسعودية تحافظ على الصدارة