أمن الطاقة يحدد مصير أردوغان في الانتخابات التركية 2023 (مقال)
أومود شوكري – ترجمة: أمل نبيل
- تستورد تركيا 92% من احتياجاتها من النفط، و99% من الغاز الطبيعي.
- تستورد تركيا 52% من احتياجاتها من الكهرباء من الخارج.
- تركيا تتوقع تلبية 30% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من استكشافاتها في البحر الأسود.
- فواتير الغاز والكهرباء تمثّل 20% من إجمالي دخل الأسر التركية.
- استهلكت تركيا 59.6 مليار متر مكعب من الغاز العام الماضي.
- تبلغ احتياطيات تركيا المبدئية من الغاز الطبيعي في البحر الأسود 10 ملايين متر مكعب يوميًا.
أمن الطاقة في تركيا من الملفات المهمة؛ ففي السنوات الـ20 الماضية، تضاعف استهلاك الدولة من النفط والغاز 3 مرات تقريبًا مع تنامي الاقتصاد المحلي، وبلغ متوسط فاتورة واردات الطاقة السنوية بين عامي 2010 و2020 نحو 43.5 مليار دولار.
وتستورد تركيا 92% من احتياجاتها من النفط، و99% من الغاز الطبيعي؛ وهكذا دأبت أنقرة على اتخاذ خطوات جادة لتغيير هذه الصورة في السنوات الأخيرة.
على سبيل المثال، انخرطت تركيا مؤخرًا في أنشطة حفر مكثّفة لاستكشاف موارد النفط والغاز في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط؛ ما أدى إلى حدوث توترات وردود فعل من اليونان وقبرص (عضوي الاتحاد الأوروبي) اللتين تعدان مناطق الحفر جزءًا من أراضيهما، وتتهمان أنقرة بانتهاك حقوقهما.
أهمية الغاز الطبيعي لأمن الطاقة في تركيا
تعتمد تركيا على الغاز الطبيعي في إنتاج 27% من احتياجاتها من الكهرباء، وتستورد 99.1% من الغاز؛ وتكمن المعضلة الكبرى في اعتمادها على دول أخرى في تلبية احتياجاتها من الطاقة إلى حد كبير.
تشير الإحصاءات إلى أن تركيا تلبي 71% من استهلاكها للطاقة و52% من احتياجاتها من الكهرباء، من الخارج، ويُفقد هذا الاعتماد الكبير على واردات الطاقة من الخارج، أنقرة قيمة اقتصادية كبيرة.
ويجب التأكيد على أن قطاع الغاز الطبيعي الذي له أهمية إستراتيجية للمصالح الوطنية التركية، شهد بعض عمليات الخصخصة.
على سبيل المثال، نقلت شركة بوتاش (BOTAŞ) بعض العقود في خط أنابيب تورك ستريم (TurkStream) إلى عدد قليل من الشركات -الموالية للحكومة- غير الملائمة ماليًا، ولم يتم الوفاء بالالتزامات المستحقة لشركة غازبروم المملوكة للحكومة الروسية العام الماضي (2021).
في يونيو/حزيران (2022)، قال وزير الطاقة التركي، فاتح دونماز: "سنلبي 25-30% من احتياجاتنا من الغاز الطبيعي في عام 2026، من الحقل الواقع في البحر الأسود".
وفي السياق نفسه، قال الرئيس رجب طيب أردوغان: إننا "سننقل 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي، سيجري إنتاجها في المرحلة الأولى خلال الربع الأول من عام 2023 إلى نظام النقل الوطني لدينا".
ووفقًا للعديد من خبراء الطاقة، ستبلغ احتياطيات تركيا المبدئية من الغاز الطبيعي في البحر الأسود 10 ملايين متر مكعب يوميًا، و4.5 مليار متر مكعب سنويًا؛ يقترب هذا من 8% من احتياجات الدولة سنويًا من الغاز الطبيعي، لكن عندما يصل الحقل إلى طاقته الإنتاجية الكاملة، ستكون الكمية المُنتجة أكثر من كميات الغاز الطبيعي التي تشتريها تركيا من أذربيجان وإيران معًا، وتقترب من الكميات المستوردة من روسيا.
وعندما يتم التخلص من 25 إلى 30% من هذه النفقات الهائلة، ستذهب هذه الأموال إلى خزائن تركيا لمدة 30 عامًا.
مع إنتاج 10 إلى 15 مليار متر مكعب سنويًا، ستكون تركيا قادرة على تغطية استهلاكها من الغاز الطبيعي لمدة 30 عامًا حتى عام 2053.
استغلال اكتشافات الغاز سياسيًا
ارتفعت أسعار الطاقة في أوروبا مع اندلاع شرارة الحرب الروسية على أوكرانيا في 28 فبراير/شباط 2022، وأصبحت لدينا مشكلة تتعلق بأمن الإمدادات، وأخرى تتعلق بارتفاع الأسعار؛ وعلى الرغم من أننا بدأنا في استخدام الغاز الطبيعي الخاص بنا؛ فإن تأثيره في الأسعار سيبدأ في الظهور في عام 2023، وسيظهر التأثير الفعلي بشكل جدي بعد 5 سنوات.
تُشكّك بعض وسائل الإعلام في المنطقة، في تأثير إمكانات موارد غاز البحر الأسود التي اكتشفتها تركيا في أمن الطاقة بالبلاد.
كما ذكرت هذه الوسائل الإعلامية أنه بالنسبة لدولة تنفق ما لا يقل عن 50 مليار دولار سنويًا على واردات الطاقة؛ فإن العثور على حقل غاز يُعَد أمرًا ذا قيمة؛ لأنه بالنسبة لملايين الأسر التركية، تمثل فواتير الغاز والكهرباء الآن ما لا يقل عن 20% من إجمالي دخل الأسرة، وربما تُسهِم اكتشافات الغاز الطبيعي في خفض الفواتير إلى حد ما.
بعض وسائل الإعلام في المنطقة استغلت وعود وزير الطاقة التركي -بتوصيل الغاز الطبيعي المكتشف في البحر الأسود إلى الشبكة الوطنية في عام 2023، وتزويده ما يصل إلى 30% من استهلاك تركيا للغاز في عام 2026- باعتباره دعاية لحزب العدالة والتنمية، قبل بضعة أشهر من الانتخابات الوطنية.
ومن المثير للاهتمام، أنه ستُشَغَّل بالصدفة الوحدة الأولى من 4 وحدات من محطة الطاقة النووية (أكويو)، التي شيدتها روسيا، قبل مدة وجيزة من الانتخابات، وستُطلَق السيارة الكهربائية التركية في اليوم نفسه!
يعتقد محللون سياسيون أن أردوغان كونه سياسيًا مخضرمًا ومتمرسًا، يستخدم أداتين مهمتين في أي وقت يكون فيه في مأزق ما يسمى باختصار: أولًا، هجمات التدخل العسكري في العراق وسوريا وليبيا والتعاون مع جمهورية أذربيجان في القوقاز. ثانيًا، إعلان أخبار سارة عن اكتشاف حقول الغاز في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط.
وأدى اعتماد تركيا على مصادر الطاقة الأجنبية وإنفاق الميزانيات الضخمة على واردات الطاقة، إلى تحول قضية التنقيب عن الغاز واستخراجه إلى قضية اقتصادية مهمة لحكومة البلاد؛ ومع ذلك، تُظهر الأدلة أن هذه القضية بالإضافة إلى أبعادها الاقتصادية المهمة، اتخذت منحى حزبيًا وسياسيًا.
وفي وقت تضغط فيه الأسعار القياسية للكهرباء والغاز على ملايين الأسر التركية، يحاول أردوغان استخدام الأداة المهمة للتنقيب عن الغاز؛ لمواصلة بقائه في السلطة والحفاظ على قوة حزب العدالة والتنمية.
وتتسم تصريحات أردوغان وقراراته في هذا المجال بالرمزية وتعدد الأغراض، كما يسعى إلى جذب انتباه وسائل الإعلام على أعلى مستوى ممكن.
الغاز الإيراني
من غير المعروف إذا كانت تركيا تعتزم تمديد عقد الغاز الذي تبلغ مدته 25 عامًا مع إيران، بعد أن تصل الطاقة الإنتاجية السنوية لحقل الغاز في البحر الأسود إلى 14 مليار متر مكعب في عام 2026.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يزداد عجز الغاز الإيراني بشكل حاد في السنوات المقبلة، كما أن قدرة طهران على تصدير الغاز موضع شك؛ حيث واجهت إيران في الشتاء الماضي عجزًا يوميًا قدره 250 مليون متر مكعب من الغاز، وهو ما يعادل إجمالي استهلاك تركيا المحلي.
واستهلكت تركيا 59.6 مليار متر مكعب من الغاز خلال العام الماضي (2021)، مثّل الإنتاج المحلي 1.5% والباقي جرى استيراده في العام نفسه، واستحوذت إيران على 16% من واردات الغاز التركية على الرغم من توقف توصيل إمدادات الغاز في الشتاء أكثر من أسبوع بسبب عجز الإنتاج المحلي في إيران، وزادت جمهورية أذربيجان على الفور صادرات الغاز إلى أنقرة لمساعدة البلاد في تجنب أزمة طاقة في منتصف الشتاء.
في الوقت ذاته، تسعى أنقرة إلى استكمال المرحلة الأولى من محطة أكويو للطاقة النووية، كما ستنطلق أول سيارات كهربائية تركية محلية الصنع على الطرق قريبًا، على الرغم من الحاجة إلى ضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية للمركبات الكهربائية (محطات الشحن... إلخ).
وفي العامين الماضيين، كانت أولويات تركيا تتمركز حول توصيل الغاز الطبيعي المكتشف في البحر الأسود إلى الشبكة الوطنية، ويبدو أن الطاقة ستؤدي دورًا مهمًا في انتخابات العام المقبل (2023) بسبب المشكلات العديدة التي تواجه أردوغان.
وإذا تمكنت حكومة أردوغان من إنهاء مشروعات الطاقة المهمة قبل الانتخابات، يمكنها أن تأمل في أن يكون لهذه المشروعات تأثير إيجابي في أصوات بعض أبناء الشعب التركي.
* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
اقرأ أيضًا..
- صادرات الرقائق الإلكترونية من كوريا الجنوبية للصين تتضاعف أكثر من 12 مرة
- الشركات الأوروبية الناشطة في مجال تغير المناخ تتسابق لاستغلال النفط الأفريقي (تقرير)
- سادس محطات الفحم الأميركية تؤجل إغلاقها خوفًا من نقص الإمدادات