الفحم الروسي يُقيِّد نفوذ الدولار الأميركي في الهند.. ويمهد الطريق لليورو والدرهم الإماراتي
بيانات السفن خلال الشهرين الماضيين أظهرت استخدام 4 عملات بديلة
هبة مصطفى
اتجهت أنظار الهند، خلال الأشهر الأخيرة، إلى الفحم الروسي بصفته فرصة ذهبية لرفع مستوى مخزوناتها بوتيرة سريعة، لتجنُّب تكرار انقطاعات الكهرباء، غير أن ذلك التوجه شكّل تهديدًا على نيودلهي بالوقوع تحت طائلة العقوبات المفروضة على موسكو.
ولتجنُّب تلك العقوبات، اتبعت الهند حيلة تقتضي عدم الدفع مقابل تلك الشحنات بالعملة الأميركية (الدولار)، ولجأت إلى العملات الآسيوية واليورو بصفتها بديلًا آمنًا نسبيًا يجنّبها مخاطر العقوبات الأميركية والغربية، وفق تحليل أجرته "رويترز" ونُشر اليوم الأربعاء 10 أغسطس/آب.
ودعّم انخفاض أسعار إمدادات الطاقة الروسية بعد عزوف عدد لا بأس به من المشترين عن تداولها تجنبًا للعقوبات من زيادة وتيرة معدل الشراء الهندي لإمدادات موسكو، ولاقت أسعار الشحنات المنخفضة دعمًا إضافيًا من زيادة الطلب الهندي على الكهرباء، بحسب ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
إمدادات جاذبة للهند
جاء معدل شراء النفط والفحم الروسي المرتفع عقب الغزو الروسي لأوكرانيا بمنافع مزدوجة، فمن جهة أسهم ذلك في خفض تأثير العقوبات المفروضة على موسكو وعدم إنهاك اقتصادها، ومن جهة أخرى استفادت الهند من أسعار الشحنات المنخفضة لتأمين الإمدادات.
وفي ظل أزمة كهرباء ضربت ولايات هندية عدة منذ أبريل/نيسان الماضي وانخفاض أسعار الشحنات الروسية، احتل الفحم الروسي المرتبة الثالثة لأكبر موردي نيودلهي في شهر يوليو/تموز الماضي.
وبلغ معدل واردات الوقود الملوِّث من روسيا، الشهر الماضي، 2.06 مليون طن بما يزيد على خُمس واردات شهر يونيو/حزيران السابق له.
وخلال المدة من 27 مايو/أيار الماضي حتى 15 يونيو/حزيران زادت واردات الفحم من روسيا إلى الهند بنحو 6 أضعاف معدلها المعتاد، بحسب بيانات حكومية هندية نشرتها منصة الطاقة المتخصصة في وقت سابق.
وبصورة إجمالية، اقتنصت الهند موقع ثاني أكبر الدول المستهلكة للفحم في العالم عقب الصين للعام الماضي (2021)، وفق بيانات شركة النفط البريطانية بي بي، إذ تعتمد عليه في توليد الكهرباء بنسبة 70%.
عملات بديلة للدولار
يبدو أن الفحم الروسي يزيح الدولار الأميركي تدريجيًا من المشهد بصفته عملة للدفع مقابل الشحنات، وعلى الجانب الآخر لجأت الهند إلى عملات آسيوية واليورو لتجنُّب العقوبات الأميركية وتعزيز مشترياتها بكثافة في الوقت ذاته.
وكشفت بيانات جمركية عن أن الهند تتجنّب اعتماد الدولار الأميركي بصفته عملة تداول مقابل الشحنات الروسية، وأن العملات الآسيوية حلّت محله بصورة كبيرة حتى إن عدم التعامل به بات أمرًا واسع النطاق.
وخلال شهر يونيو/حزيران وحده، دفعت الهند مقابل 44% من شحناتها من موسكو بعملات أخرى غير الدولار الأميركي، طبقًا لبيانات جمركية اطلعت عليها رويترز.
وتفصيليًا، تجنّبت الهند الدفع بالدولار مقابل 742 ألف طن من الوقود الروسي الملوِّث من أصل 1.7 مليون طن هي إجمالي واردات نيودلهي من موسكو خلال الشهر المذكور.
وشهدت بعض الصفقات كبيرة الحجم استخدام الهند اليوان الصيني، وقُسّمت مدفوعات شهر يونيو/حزيران مقابل إمدادات الوقود الملوث من روسيا إلى 31% لصالح اليوان، و28% لصالح دولار هونغ كونغ، وأقل من ربع المدفوعات لصالح اليورو، وسدسها اقتنصه الدرهم الإماراتي.
بيانات السفن وواردات الشركات
أظهرت بيانات السفن والبيانات الجمركية أن شهر يونيو/حزيران شهد سداد ثمن حمولات 4 ناقلات من أصل 11 ناقلة، من شحنات الفحم الروسي إلى الهند، بعملات: "اليوان الصيني، واليورو، والدرهم الإماراتي".
وبالإضافة إلى ذلك، دفعت شركات هندية مقابل شحنات 3 ناقلات أخرى مقابل دولار هونغ كونغ واليوان، واستوردت شركة جيندال ستيل أند باور المعنية بصناعة الصلب 79 ألفًا و721 طنًا من أحد أنواع الفحم المسحوق باستخدام اليوان الصيني بصفته عملة دفع، حسبما نقلت رويترز عن مصادر.
(اليوان الصيني = 0.15 دولارًا أميركيًا)
(دولار هونغ كونغ = 0.13 دولارًا أميركيًا)
ومن زاوية أخرى، اتجهت شركة آرسيلوميتال نيبون ستيل المنافسة لها إلى الدفع باليورو (عملة الاتحاد الأوروبي) مقابل 35 ألف طن من الفحم الروسي، منتصف يونيو/حزيران.
واستمرت واردات شهر يوليو/تموز على الوتيرة نفسها، وفي 20 من الشهر ذاته اشترت شركة "جيه كيه لاكشمي" لصناعة الأسمنت 10 آلاف طن من الفحم الحراري مقابل 14.62 مليون درهم إماراتي.
(الدرهم الإماراتي = 0.27 دولارًا أميركيًا)
واشترت شركة شيتيناد لوجيستيكس 25 ألف طن من الفحم الروسي الحراري باستخدام دولار هونغ كونغ بصفته عملة دفع.
اعتماد الروبية الهندية
في محاولة من الهند لإنقاذ نفسها من مأزق الوقوع بين مطرقة العقوبات وسندان خفض وارداتها الروسية من الفحم، أقر بنك الاحتياطي الهندي -في وقت سابق- إمكان الدفع مقابل السلع باستخدام العملة المحلية "الروبية".
ومن شأن تلك الخطوة تعزيز التبادل التجاري بين الهند وروسيا، بعدما تخلت الهند عن الدولار الأميركي بوصفه عملة رئيسة لواردات السلع.
وقد يلجأ المشترون الهنود إلى تبادل الدولار الأميركي بالعملات الأخرى المستخدمة في عمليات شراء الفحم الروسي، عبر إجراء تسويات في فروع بنوك دول تلك العملات.
ورغم أن شراء الشركات الهندية للوقود الروسي الملوث مقابل الدولار الأميركي لا يزال قانونيًا، غير أن التوقعات تتجه إلى زيادة معدل الدفع غير الدولاري لتوفير أقصى حماية بعيدًا عن العقوبات في حالة اتساع نطاقها.
ولأن تسوية الهند مدفوعات واردات الفحم من روسيا قريبة الصلة نسبيًا بطرق الدفع مقابل واردات النفط من موسكو أيضًا، رأى خبير اقتصادات الطاقة، مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، الدكتور أنس الحجي، أن تغيير عملة الدفع يعود إلى أسباب تتعلق بـ"الثقة".
وقال الحجي إن مطالبة روسيا نيودلهي بالدفع بعملة الدرهم الإماراتي مقابل النفط الروسي، تعود إلى موقف الهند الذي اتخذته بالموافقة على اتجاه مجموعة الدول الـ7 لتحديد سقف لسعر النفط الروسي.
اقرأ أيضًا..
- إنتاج أوبك+ يسجل أعلى زيادة شهرية في 5 أشهر بقيادة السعودية وقازاخستان
- أداء قطاع النفط والغاز في عمان خلال 6 أشهر (إنفوغرافيك)
- أرباح صناعة طاقة الرياح تواجه ضغوطًا كبيرة مع ارتفاع التكاليف (تقرير)
- أسعار السيارات الكهربائية على صفيح ساخن.. فورد ترفع أسعارها بأكثر من 8 آلاف دولار
- السيارات الكهربائية سلاح دول غرب أفريقيا لمواجهة أزمة الوقود
