التقاريرالنشرة الاسبوعيةتقارير الهيدروجينتقارير دوريةسلايدر الرئيسيةعاجلهيدروجينوحدة أبحاث الطاقة

الهيدروجين في مزيج الطاقة.. 10 تساؤلات عن أنواعه واستخداماته وأهميته

استخدام طاقة الرياح المبددة يجعل الهيدروجين الأخضر مجديًا

وحدة أبحاث الطاقة

هناك العديد من الأسباب الاقتصادية والبيئية والسياسية وراء الاهتمام بالهيدروجين باعتباره مصدرًا للطاقة، إلا أن قضية التغير المناخي -كونه وقودًا صديقًا للبيئة- هي السبب الرئيس لتبنيه في الوقت الحالي، خاصةً مع وفرة الطاقة المتجددة التي يمكن استغلالها لتوليد الكهرباء، ومن ثم استخدامها في إنتاج الهيدروجين.

واستخدام الهيدروجين في وسائل النقل ليس جديدًا؛ إذ شاع استخدامه في مناطيد الهيدروجين بصفته غاز رفع وذلك قبل اختراع الطائرات النفاثة، لكن توقف استخدامه بعد الحريق المروّع في المنطاد الألماني، هندنبرغ (Hindenburg)، المملوء بغاز الهيدروجين في مدينة ليكهرست في ولاية نيوجيرسي الأمريكية عام 1937؛ حيث لقي آنذاك 35 شخصًا حتفهم.

كما أن سفن الفضاء، في فترة الستينيات من القرن الماضي، استخدمت الهيدروجين بصفته وقودًا، مع تأسيس وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) عام 1958، وكان من أبرز عناوين الصحف وقتها: تسرب الهيدروجين من خلايا الوقود في مركبة أبولو13.

ما الهيدروجين؟ وما أنواعه؟

الهيدروجين هو غاز عديم اللون والرائحة وغير سام وكثافتة تقل عن كثافة الهواء بنحو 14 مرة، كما أنه العنصر الكيميائي الأخف والأبسط والأكثر وفرة في الطبيعة؛ حيث تشير التقديرات إلى أنه يُشكل نحو 75% من الحجم الكلي للكون، كما أن 90% من الذرات كافة عبارة عن ذرات هيدروجين، وفق المعلومات التي اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.

والمشكلة أن الهيدروجين لا يوجد حرًا في الطبيعة إلا في حالات نادرة للغاية؛ إذ يكون -في الغالب- مرتبطًا بجزيئات أخرى، سواء مع الغاز الطبيعي في حالته الغازية أو مع الماء والنفط في حالته السائلة؛ لهذا فإن الحصول عليه يتطلب فصله عن العناصر الأخرى.

ويعود اكتشاف الهيدروجين إلى عام 1671 على يد العالم البريطاني، روبرت بويل، عندما وجد أن وضع قطعة من المعدن داخل حمض يؤدي لحدوث تفاعل وتنتج عنه فقاعات غازية، وسجل "بويل" هذه المشاهدات قبل أكثر من 350 عامًا دون تعريف لسبب هذه الفقاعات أو نوع الغاز الناتج، إلا أن التجارب استكملها العالم البريطاني، هنري كافنديش، بعد قرابة 100 عام وتحديدًا عام 1766.

واتبع "كافنديش" التفاعل نفسه، لكن هذه المرة مع جمع الفقاعات الناجمة عن تآكل قطعة معدنية في حامض واستخدامها في الاشتعال؛ فكانت النتيجة تكثيف بخار الماء؛ فأطلق عليه وقتها "هيدروجين"، وتعريفه: أنه مادة تتسبب نتيجة الاشتغال في تكوين بخار الماء، وهذا التعريف وفق التجارب المعملية منذ أكثر من 350 عامًا.

وبالنسبة لأنواع الهيدروجين، جرى العُرف على تقسيم الهيدروجين إلى ألوان مختلفة حسب طرق إنتاجه، والمثير في الأمر أن المنتج الأخير -أي الهيدروجين- لا لون له، لكنها رموز تُستخدَم في الصناعة للتمييز بين أنواع الهيدروجين.

وإذا كان الهيدروجين صافيًا؛ فإن لهبه لا لون له، أما إذا كان لهبه يميل إلى الزُرقة؛ فهذا يدل على وجود الكبريت، وإذا كان يميل إلى الاصفرار؛ فهذا يدل على وجود شوائب مختلفة.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك خلافًا حول الألوان وحول مدى جدواها، وقد تتغير تعريفات الألوان هذه بمرور الوقت وحتى بين البلدان، كما أن هناك تصنيفًا جديدًا من الأمم المتحدة يعتمد على الانبعاثات ويتجاهل الألوان أعلاه.

الهيدروجين في مزيج الطاقة

ورغم أن هناك 3 أنواع شهيرة من الهيدروجين، يُرمز لها بألوان الرمادي والأزرق والأخضر؛ فإن هناك تقسيمات بمزيد من الألوان حسب طرق استخلاصه، فيما يمكن أن يطلق عليه قوس قزح الهيدروجين، على حد وصف صحيفة فاينانشال تايمز.

1- الهيدروجين الأسود أو البني: يُستخرج من الفحم، عبر تحويل هذا الوقود الأحفوري إلى غاز -أو العملية المعروفة باسم تغويز الفحم- عبر تسخينه في درجات حرارة مرتفعة، وهي أقدم طريقة لاستخراج الهيدروجين وأكثرها تلويثًا للبيئة.

ووصف هذا النوع من الهيدروجين بأنه بني أو أسود اعتمادًا على نوع الفحم المستخدم في عملية إنتاج الهيدروجين، والأسود أكثر تلويثًا للبيئة من البني.

2- الهيدروجين الرمادي: يُستخرج من الغاز الطبيعي عن طريق فصل الهيدروجين عن الكربون عبر عملية إصلاح الميثان بالبخار، وهي الطريقة الأكثر شيوعًا والأقل تكلفة.

ومع ذلك، لا تُعَد هذه النسخة مرغوبة في ظل الظروف الحالية؛ بسبب انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون جراء عملية الاستخراج؛ إذ إن كمية الكربون الناتجة عن العملية تساوي 9 أمثال كمية الهيدروجين المنتجة.

3- الهيدروجين الأزرق: يكون الفحم أو الغاز الطبيعي هو المادة الخام المستخدمة لإنتاج الهيدروجين، لكن ما يفرق هذه الطريقة عن الطريقتين السابقتين أنها تكون مصحوبة بعملية تخزين ثاني أكسيد الكربون لاستخدامات أخرى أو احتجازه في باطن الأرض في مغاور ملحية أو في آبار النفط والغاز القديمة.

وهناك تركيز على الهيدروجين الأزرق حاليًا؛ لأنه سهل الاستخراج، وتقنية الاحتجاز والتخزين موجودة أيضًا، وهو بذلك قد يفي بالمتطلبات الاقتصادية والبيئية في الوقت نفسه.

4- الهيدروجين الأخضر: ينتج عن طريق فصل جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين عبر التحليل الكهربائي للماء المعتمد على الطاقة المتجددة، ورغم أن هذه الطريقة لا تنتج أي انبعاثات ضارة بالبيئة؛ فإن كمية الطاقة المستخدمة لفصل جزيئات الماء والحصول على الهيدروجين أكبر من كمية الطاقة في الهيدروجين؛ لذلك فإنها طريقة غير مجدية اقتصاديًا.

وأمام ذلك؛ فإن الأمور بدأت تختلف في الأوقات الأخيرة؛ بسبب انتشار طاقة الرياح والطاقة الشمسية بكثرة، خاصةً في الدول الصناعية، والتي تنتج الكهرباء في أوقات يكون فيها الطلب ضعيفًا، ومن ثم يمكن استخدام هذه الطاقة المبددة في الحصول على الهيدروجين.

وبعبارة أخرى، هبوب الرياح ليلًا والناس نيام يعني وجود طاقة مبددة لا قيمة لها، خاصةً أنه لا يمكن تخزينها في بطاريات، وفي هذه الحالة يمكن استخدام هذه الطاقة الفائضة بتكلفة منخفضة للغاية لتحليل الماء، وإنتاج الهيدروجين، ليصبح بمثابة البطارية التي خزّنت طاقة الرياح، ولكن المشكلة أن تقلب الرياح قد يحد من كميات الهيدروجين المنتجة.

5- الهيدروجين الأصفر: يُطلق على الهيدروجين المنتج بالتحليل الكهربائي للماء عبر استخدام الكهرباء المنتجة من محطات الطاقة النووية بدلًا من الطاقة المتجددة، وهي كذلك طريقة صديقة للبيئة؛ إذ لا تطلق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وفي حين أن مصدر الطاقة في عملية إنتاج الهيدروجين الأسود والرمادي والأزرق هو الطاقة الحرارية؛ فإن الطاقة المتجددة تكون مصدر الطاقة في حالة الهيدروجين الأخضر، بينما يعتمد الهيدروجين الأصفر على الطاقة النووية.

6- الهيدروجين التركوازي أو الفيروزي: يُستخرج الهيدروجين عن طريق التحلل الحراري للكتلة الحيوية؛ إذ يُنتج تفكيكها الهيدروجين والكربون الصلب بصفته منتجًا ثانويًا، وفائدة هذه العملية انعدام انبعاثات الكربون؛ لكنها تطلق الكربون الصلب، وهي مادة لها استخدامات صناعية متعددة؛ كإطارات السيارات.

إذن؛ يكمن الفرق بين الهيدروجين الأزرق والهيدروجين التركزاوي في أن الكربون يُحتجز في الأول، بينما يكون صلبًا في الثاني، مع واقع أن الأخير (الهيدروجين التركوازي) يعاني مشكلتين -قد تُحَل الأولى مستقبلًا، لكن لا يمكن حل المشكلة الثانية- الأولى أن عملية إنتاجه ما زالت قيد التجربة، ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كان يمكن تطبيقها في مشروعات كبرى، أما الثانية فهي احتمال تسرب الميثان، وهو من أكثر غازات الاحتباس الحراري خطرًا على البيئة.

الهيدروجين في مزيج الطاقة

وهنا تجدر الإشارة إلى أن تكلفة الهيدروجين المُنتج عبر الكهرباء المتجددة وصلت إلى التعادل مع النسخة المنتجة عبر استخدام الوقود الأحفوري في المناطق التي تشهد حاليًا ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وسط أزمة الطاقة العالمية، وفق تقرير حديث صادر عن مجلس الطاقة العالمي.

كما أن استخدام طاقة الرياح المبددة، من شأنه أن يجعل الهيدروجين الأخضر مجديًا اقتصاديًا، ولكن تقلب الرياح قد يحد من الكميات المنتجة.

ويوجد كذلك الهيدروجين الأبيض، وهو الهيدروجين الموجود بشكل حر في طبقات الأرض ويتطلب الحفر تمامًا مثل عمليات حفر آبار النفط والتكسير المائي؛ للوصول إليه.

ورغم وفرته فإنه ليست هناك أي مشروعات في الوقت الحالي لاستخراجه، خاصةً أن عملية الاستخراج تتطلب طاقة، وهذه الطاقة ستُخلِّف بالطبع انبعاثات كربونية، وبعبارة أخرى؛ فإنه يفتقر في الوقت الحالي لمشروعات استخراج تفي بالمتطلبات البيئية.

وحتى الآن؛ فإن تصنيف الهيدروجين يجري على أساس معيارين؛ الأول هو معيار الألوان -كما ذكرنا أعلاه- أما المعيار الآخر فهو التصنيف حسب المادة المستخدمة في الإنتاج: متجدد أم غير متجدد؟

ويُسمى الهيدروجين المُنتج عبر الغاز الطبيعي أو الفحم بالهيدروجين غير المتجدد، أما المُنتج باستخدام الماء المعتمدة على الطاقة المتجددة فيُطلق عليه الهيدروجين المتجدد.

ويمكن وصف الهيدروجين بأنه عالي الكربون حال إنتاجه من الوقود الأحفوري، بينما عند إنتاجه من الوقود الأحفوري مع احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه؛ فحينذاك يصبح الهيدروجين منخفض الكربون، أما إذا أُنتج من الماء فيكون الهيدروجين خاليًا من الكربون، وهذه مسميات جديدة بدأت تظهر مؤخرًا على الساحة الدولية.

وتحاول لجنة خبراء الأمم المتحدة إرساء تصنيف جديد وموحّد لتعريف الهيدروجين -في الغالب يتعلق بسياسات المناخ- بحيث يكون معبر بصورة أكبر، وأن تكون هذه المصطلحات متفقًا عليها دوليًا، بعيدًا عن التصنيف بالألوان.

وعلى صعيد آخر، شهدت السنوات القليلة الماضية، استخدام تقنيات مختلفة لإنتاج الهيدروجين النظيف من النفايات البلاستيكية -تبلغ كثافة الهيدروجين فيها 14% تقريبًا- وهو الأمر الذي من شأنه المساعدة في معالجة المناخ والمساهمة في التخلص من الكربون في الصناعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري.

وفي حين تُشكل النفايات البلاستيكية مشكلة عالمية ضخمة، إذ تبلغ حاليًا 4.9 مليار طن وقد تصل لـ12 مليار طن بحلول عام 2050 بحسب دليل سجل توماس، لكن ربما يكون للهيدروجين دور في معالجة إحدى مشكلات المناخ وتقليل تداعيات هذه النفايات عبر استغلالها في إنتاج الهيدروجين النظيف.

وفي العموم، يوجد عالميًا أكثر من 17 تقنية مستخدمة في إنتاج الهيدروجين، لكن البعض منها مستخدم على نطاق تجاري، كما يوضح خبير الهيدروجين والصناعات الغازية لدى منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، وائل حامد عبدالمعطي.

ما استخدامات الهيدروجين؟

يُستَخدم الهيدروجين بكميات ضخمة منذ عقود -قرابة 350 عامًا- لكن بداية التعامل التجاري جاءت في مطلع القرن العشرين باعتباره غاز رفع؛ بالنظر لكونه مادة خفيفة للغاية، ومع ذلك لم يُستخدم حينذاك بصفته وقودًا أو مادة خامًا.

ويظل دور الهيدروجين الرئيس حاليًا مقصورًا -في الغالب- على استخدامه مادة خامًا في العديد من الصناعات، وإن كان أمامه مستقبل مشرق كونه مكونًا أساسيًا في اقتصاد عالمي خالٍ من الكربون.

وفي حين يُستَخدم الهيدروجين على نطاق محدود باعتباره مصدرًا للوقود مباشرة أو حاملًا للطاقة عبر تطبيقات خلايا الوقود؛ فإنه أيضًا يُستَخدم بصفته مادة خامًا في بعض الصناعات؛ مثل صناعة السماد والمواد الكيميائية والتكرير، أو لتوفير الحرارة في الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، مثل صناعة الصلب.

ويستحوذ قطاع تكرير النفط وصناعة الأمونيا على الهيدروجين النقي بحصة تبلغ 33% و27% على التوالي من إجمالي الطلب العالمي على الهيدروجين، بينما تشمل التطبيقات الأخرى التي تستهلك الهيدروجين النقي؛ قطاع النقل وبعض الصناعات مثل صناعة الزجاج والإلكترونيات وغيرها؛ لتشكل مجتمعة ما مجموعه 4% من إجمالي الطلب العالمي، وفقًا لأحدث بيانات صادرة عام 2018 ونقلتها وحدة أبحاث الطاقة.

وقبل اختراع الطائرات النفاثة، شاع استخدام الهيدروجين في المناطيد وسفن الهواء في الولايات المتحدة؛ لارتفاع تكلفة الهيليوم في ذلك الوقت مقابل انخفاض تكلفة الهيدروجين فضلًا عن توافر الأخير بكميات كبيرة، لكن حادث التسرب الشهير بأحد المناطيد وانفجاره في ولاية نيوجيرسي الأميركية تسبب في حظره بصفته مادة صالحة للاستخدام.

وترصد وحدة أبحاث الطاقة فيما يلي أبرز استخدامات الهيدروجين منذ القدم بصفته وقودًا، بدايةً من سفن الفضاء، ومرورًا بالسيارات والقطارات حتى الطائرات، فضلًا عن استخدامه وقودًا في محطات توليد الكهرباء.

وقود لسفن الفضاء: في عام 1958، كانت بداية استخدام الهيدروجين، وذلك بالتزامن مع تأسيس وكالة الفضاء الأميركية (ناسا أو NASA)؛ حيث اعتمدت الوكالة على الهيدروجين السائل لدعم البعثات المرسلة للفضاء.

وكانت الرحلة الواحدة حينذاك تستهلك نحو 500 ألف غالون من الهيدروجين السائل في عملية الاحتراق، بالإضافة إلى استهلاك 239 ألف غالون أخرى؛ نتيجة الفقد والتبخير في أثناء عمليات النقل والتخزين، نقلًا عن بيانات رصدتها أوابك.

وبما أن الوزن مهم بالنسبة للبعثات الفضائية؛ فكان الهيدروجين -الهيدروجين السائل- أحد حلول معضلة الوزن؛ لكونه أخف عنصر في الطبيعة؛ إذ إن وزنه يكون في الغالب 3:1 من وزن أي وقود مكافئ على القيمة الحرارية.

وقود للسيارات: يتبع عدد المركبات العاملة باستخدام خلايا وقود الهيدروجين مسارًا صعوديًا بشكل مطرد؛ إذ شهد عام 2019 طفرة غير مسبوقة بعدما تضاعف الأسطول العالمي لأكثر من 25 ألف سيارة مقارنة بـ13 ألف مركبة تقريبًا في عام 2018.

وتتصدر الولايات المتحدة دول العالم في الاعتماد على الهيدروجين بصفته وقودًا للمركبات، بأسطول يضم 8039 مركبة، تليها الصين (6180 مركبة) وكوريا الجنوبية (5083 مركبة) واليابان (3633 مركبة)، بينما على الصعيد العربي تأتي السعودية والإمارات في الصدارة (الإجمالي في البلدين يبلغ 9 مركبات)، حسب المعلومات التي نقلتها وحدة أبحاث الطاقة عن تقرير منظمة أوابك.

وقود للقطارات: شهد عام 2019 تشغيل قطارين يعملان بخلايا الوقود في ألمانيا، بالإضافة للخطط الرامية لتشغيل 14 قطارًا آخر في الدولة نفسها، وتخطط كندا لتطوير أول قطار يعمل بالهيدروجين في أميركا الشمالية، كما أعلنت كل من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة خططًا لإدخال الهيدروجين في قطاع السكك الحديدية.

وقود للطائرات: رغم عدم وصول الهيدروجين لمرحلة التطبيق التجاري على نطاق واسع بصفته وقودًا في قطاع النقل الجوي؛ فإن العديد من الشركات -مثل شركة بوينغ الأميركية- أبدت اهتمامًا بتنفيذ مشروعات تجريبية من أجل استخدامه وقودًا للطائرات؛ بهدف القضاء على الانبعاثات تمامًا في هذا القطاع بحلول عام 2050.

وأبرمت مؤخرًا شركة كونكت آيرلاينز الأميركية اتفاقية لشراء 75 طائرة تستخدم الهيدروجين الأخضر وقودًا بدلًا من الكيروسين، في مسعى لتسيير رحلات جوية خالية من الانبعاثات الكربونية.

وبموجب الاتفاقية الموقّعة بين آيرلاينز وشركة يونيفرسال هيدروجين؛ فمن المقرر أن تبدأ عمليات التسليم في 2025، مع وجود بند آخر لشراء 25 طائرة إضافية.

وقود لتوليد الكهرباء: يمكن استخدام الهيدروجين وقودًا للتوربينات مباشرة -وهي عملية متاحة في الوقت الحالي تجاريًا، لكنها تعتمد على استخدام خليط الهيدروجين مع الغاز الطبيعي- كما يمكن استخدام الأمونيا المنتجة من الهيدروجين في عمليات توليد الكهرباء المشتركة عبر المحطات العاملة بالفحم.

وبينما بدأت الشركات المصنعة للتوربينات في تطوير توربينات للعمل على الهيدروجين النقي -أي 100% هيدروجين- فإنه يُتوقع أن تدخل هذه العملية التطبيق التجاري بحلول عام 2030.

ومن ضمن تعريفات الهيدروجين أنه حامل أو مخزن للطاقة، ومن ثَم فإنه يحل معضلة كبيرة في قطاع الكهرباء، من خلال تخزينه بجوار محطات توليد الطاقة المتجددة عند وجود فائض، على أن يُعَاد استخدامه مرة أخرى في توليد الكهرباء عند انخفاض إنتاج الطاقة النظيفة، فيما يطلق عليه محطة ذات التوليد المشترك.

وخلاصة القول: إن الهيدروجين يمكن استخدامه بصفته وقودًا بشكل مباشر في محركات الاحتراق الداخلي أو في توليد الكهرباء أو في خلايا الوقود باعتباره مادة تتفاعل مع الأكسجين، وهو التطبيق الأكثر نجاحًا حتى هذه اللحظة بل الأكثر شيوعًا كذلك.

ما سبب الاهتمام العالمي بالهيدروجين؟

ظهرت فكرة الهيدروجين في الأساس للمساهمة في التوسع بقطاع الطاقة المتجددة؛ إذ تُعَد الطاقة النظيفة -سواء كانت طاقة شمسية أو طاقة رياح- ذات طبيعة متقطعة، ومن ثَم كانت هناك رغبة في إيجاد حل جذري لهذه المعضلة.

وبما أن الشبكات الأوروبية قد قطعت شوطًا كبيرًا في الطاقة المتجددة؛ فكانت أول من عانت مشكلة إنتاج الطاقة من مصادر نظيفة بوتيرة تفوق احتياجات الطلب المحلي، بالإضافة إلى مشكلة العجز حال انقطاعها؛ ما دفع المؤسسات البحثية الأوروبية للبحث عن كيفية استغلال هذا الفائض وتخزينه لحين الحاجة، ورغم أن البطاريات هي الخيار الأول للتخزين؛ فإنها بطبيعة الحال مكلفة، كما أن قدرتها على التخزين محدودة، وهنا ظهر الهيدروجين خيارًا مناسبًا.

ومن ثم، بدأ استغلال فائض الطاقة المتجددة في عملية التحليل الكهربائي للماء المتوافر في محطات الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين وتخزينه، وحال انقطاع الطاقة المتجددة يمكن استخدام الهيدروجين في توليد الكهرباء، وهكذا.

وباختصار، فإن ظهور الهيدروجين كان هدفه مساعدة الشبكات الأوروبية، إلا أنه أعقب ذلك تنفيذ مشروعات عديدة للهيدروجين باعتبارها مشروعات استرشادية للتأكد من إمكانية استغلال الهيدروجين بصفته حاملًا للطاقة وحلًا لطبيعة الطاقة المتجددة المتقطعة، لكن الحديث فجأة تحوّل لأن يكون للهيدروجين نفسه دور كبير في منظومة الطاقة.

ورغم أن الهيدروجين ليس وليد اللحظة؛ لكن يمكن القول إن هناك 3 عناصر أساسية تمثل مجتمعة سر الاهتمام بهذا العنصر المتوافر بكثرة في الكون.

الأول: من شأن التوسع في استخدام الهيدروجين أن يُسهّل عملية اختراق الطاقة المتجددة في العديد من القطاعات؛ كونه يوفر حلًا لأزمة الطبيعة المتقطعة للطاقة النظيفة، كما يسهم في التوسع بإنتاج الطاقة المتجددة واستغلال الفائض وتعويضه في أوقات الانقطاعات.

الثاني: الهيدروجين نفسه يمكن استخدامه وقودًا أو بصفته مادة خامًا بشكل مباشر؛ حيث إن مشكلة الكهربة -أي إحلال الكهرباء محل أنواع الوقود الأخرى- تكمن في وجود بعض القطاعات صعبة التخلص من البصمة الكربونية التي لا يمكن الاعتماد فيها بالكامل على الكهرباء والاستغناء عن بعض أنواع الوقود؛ مثل القطاع الصناعي، وهنا يمكن تقديم الهيدروجين باعتباره مصدرًا للوقود أو مادة خامًا.

الثالث: تقديم الهيدروجين بصفته وافدًا جديدًا في أسرة الطاقة، بمعنى تنويع مزيج الطاقة في مختلف المناطق حول أنحاء العالم كافة، ليكون جنبًا إلى جنب مع الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة، ومن ثَم تعزيز أمن الطاقة في العديد من الأسواق.

ورغم أننا لا نزال في مرحلة مبكرة للغاية لتقديم الهيدروجين بصفته عضوًا في مزيج الطاقة؛ فإنه مع ذلك هناك بعض الدول التي أبدت اهتمامها بالهيدروجين؛ إذ أعلنت 40 دولة حول العالم خططًا وإستراتيجيات بشأن الهيدروجين حتى نهاية الربع الأول من عام 2022، وفق آخر تحديث للسوق العالمية من منظمة أوابك.

وهناك عدة مراحل يجب أن تمر بها الدول أولًا حتى تستفيد من الطفرة المرتقبة للهيدروجين، سواء لتوفير إمدادات الهيدروجين أو لاستخدامه في بعض التطبيقات محليًا أو حتى لاستغلال فرص الاستثمار في هذا العنصر من خلال التصدير للأسواق المحتملة.

وينبغي أن تمر الدول بعدة مراحل من أجل الوصول لما يُطلق عليه الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين، وهي المرحلة الأخيرة في سلسلة متكاملة الخطوات تسبقها مراحل أخرى، وتعني هذه المرحلة الأخيرة أن الدولة تعلن رسميًا سياسة وإستراتيجية واضحة المعالم بأهداف محددة وبأطر زمنية محددة بشأن الهيدروجين.

وتكمن المرحلة الأولى في البحث والتطوير لبناء القاعدة المعرفية، تليها مرحلة وثيقة الرؤية، أو تصور الدول تجاه الهيدروجين سواء على صعيد السوق المحلية أو التصدير، ثم تليها مرحلة خريطة الطريق، وتكون هذه المرحلة التي تبدي فيها الدولة اهتمامًا متزايدًا عن طريق وضع أهداف أولية لاستغلال الهيدروجين؛ من حيث تحديد مستهدف الإنتاج أو هدف الوجود في السوق الدولية أو حصة الهيدروجين في مزيج الطاقة المحلي.

وأخيرًا، تعلن الدولة رسميًا الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين، وعلى المستوى الدولي توجد 18 دولة أعلنت هذه الإستراتيجية حتى نهاية مارس/آذار 2022، مع العلم أن أغلب هذه الدول أوروبية، في حين أن هناك 8 دول عربية في المراحل ما بين إعداد خريطة الطريق وإعداد الإستراتيجية.

وفي المجمل، تعكف حاليًا 9 دول على إعداد الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين، من بينها 4 دول عربية؛ وهي: مصر وعمان والمغرب والجزائر، وفق التقرير الفصلي الأخير الصادر عن منظمة أوابك بنهاية الربع الأول من 2022؛ إذ إن مصر والجزائر بصدد إصدار الإستراتيجية، كما أن عمان قطعت شوطًا طويلًا في الإستراتيجية، أما المغرب فانتهى من خريطة الطريق ويعمل حاليًا على إعداد الإستراتيجية.

وفي حين أعدت 10 دول على الصعيد الدولي خريطة الطريق للهيدروجين؛ فإن هناك 3 دول أخرى -الأردن والسعودية ونيوزيلندا- لا تزال في مرحلة إعداد خريطة الطريق، وفق تقرير أوابك الذي اطلعت على تفاصيله وحدة أبحاث الطاقة.

ويشار إلى أن الإمارات هي أول دولة عربية أعلنت خريطة الطريق للهيدروجين في قمة المناخ المنعقدة العام الماضي (2021) في غلاسكو.

الهيدروجين في مزيج الطاقة

وفي سياق الخطط المحتملة، تقدر مجموعة أوراسيا أن الدول التي تمثل نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي لديها الآن إستراتيجيات هيدروجين موثوقة، وسط توقعات بارتفاع هذا الرقم إلى 70% بمجرد أن تنتهي الولايات المتحدة وكندا وروسيا من إعداد خططها.

ما العقبات الفنية والاقتصادية أمام تصنيع الهيدروجين؟

لطالما وُصِف الهيدروجين بأنه وقود المستقبل باعتباره بديلًا للمشتقات النفطية عبر ما يُعرف باسم خلايا الوقود، فضلًا عن الدور الذي يمكن أن يؤديه في عملية تحول الطاقة، إلا أن الأمر قد يستغرق مدة زمنية طويلة حتى يتحقق؛ بالنظر إلى التكاليف وغيرها من العقبات الفنية والاقتصادية.

أولًا: مشكلات فنية

يُعَد توفير الهيدروجين للشركات الصناعية الآن من المهام الرئيسة حول العالم؛ إذ إن الطلب -الذي نما أكثر من 3 أمثال منذ عام 1975- آخذ في الارتفاع، وذلك مع إبداء العديد من الدول اهتمامًا بالهيدروجين، لكن يجب أولًا تجاوز مجموعة من التحديات للتوسع في استخدامه بصفته مصدرًا للطاقة في المستقبل.

ويتمثل الخطر الأكبر في القابلية للاشتعال بسهولة في الهواء عند تركيزات مختلفة؛ ما يسبب وهجًا تصعب رؤيته في ضوء النهار؛ الأمر الذي يُشَكِّل تحديًا كبيرًا لقواعد الأمن والسلامة فيما يندرج تحت مسمى صعوبة رصد حرائق الهيدروجين.

وينبغي توافر 3 أمور حتى تكون أيّ مادة سريعة الاشتعال، وهي: مادة قابلة للاشتعال والأكسجين المتوافر في الهواء ومصدر اشتعال، ومشكلة الهيدروجين أن له مدى اشتعال كبيرًا للغاية؛ إذ يتراوح تركيزه في الهواء بين 4 و74%، عكس الغاز الطبيعي الذي يتراوح مدى اشتعاله بين 6 و16%؛ ما يعني الافتقار لأحد اعتبارات الأمن والسلامة؛ لأن مدى الاشتعال عند التسرب أكبر بنحو 6 مرات تقريبًا مقارنة مع الغاز الطبيعي.

والمشكلة الأخرى، أن الهيدروجين له قدرة تفجيرية تصل إلى 2.5 ضعف القدرة التفجيرية لأي وقود أحفوري، ومن ثَم يحتاج الهيدروجين لمعايير أكثر صرامة من جانب الأمن والسلامة.

وفي تحدٍ آخر؛ فإن عملية احتجاز الكربون وتخزينه -وهي العملية المطلوبة من أجل إنتاج الهيدروجين الأزرق- لا تزال في مراحلها الأولى، في إشارة للجهود الحثيثة المطلوب بذلها في هذا الشأن.

وتبلغ سعة احتجاز الكربون وتخزينه عالميًا 45 مليون طن سنويًا في الوقت الحالي، لكن مساعي إزالة الكربون من الغلاف الجوي قد تدفع هذه السعة للنمو أكثر من 10 مرات بحلول عام 2030 لتصل إلى أكثر من 550 مليون طن سنويًا، وفق تقديرات شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي.

ومن المتوقع -بحسب ريستاد إنرجي- تزايد عدد مشروعات احتجاز الكربون وتخزينه، خاصةً وسط تسارع الدول لتحقيق أهداف الحياد الكربوني؛ إذ ارتفع عدد المشروعات المقترحة لما يزيد على 200 مشروع، أو تقريبًا 3 أمثال المحطات قيد التشغيل حول العالم في الوقت الراهن.

ويقصد بالحياد الكربوني أن يكون صافي الانبعاثات صفرًا أو أن أي انبعاثات ناجمة عن حرق الوقود الأحفوري تقابلها إجراءات مثل زراعة الأشجار التي تمتصّ ثاني أكسيد الكربون.

وبحسب تقرير المعهد العالمي لالتقاط الكربون وتخزينه، الذي اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة؛ فإن إجمالي مشروعات احتجاز الكربون وتخزينه بلغت 135 مشروعًا حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2021، من بينها 27 مشروعًا قيد التشغيل و4 مشروعات قيد الإنشاء و102 مشروع قيد التطوير ومشروعان معلقان.

ومن بين العقبات أيضًا، الأطر التنظيمية والتشريعية، كون القطاع لا يزال في مرحلة مبكرة للغاية وبحاجة لسن العديد من التشريعات والإجراءات التنظيمية لتنسيق العمل في مشروعات إنتاج الهيدروجين وتطبيقات استخدامه.

ثانيًا: مشكلات اقتصادية

على جانب التكلفة، يجري إنتاج الهيدروجين -في الأغلب- عبر الوقود الأحفوري؛ بسبب عامل التكلفة المنخفضة وذلك بفارق ملحوظ مقارنة بالطريقة الأخرى (عبر مصادر الطاقة المتجددة)، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية الصادرة منتصف عام 2020.

ويُعَد إنتاج الهيدروجين من الفحم الأقل تكلفة؛ إذ تتراوح تكلفته بين 1.2 و2.2 دولارًا لكل كيلوغرام، بينما تصل في حالة الغاز الطبيعي إلى ما بين 0.9 و3.2 دولارًا لكل كيلوغرام، أما في حالة استخدام الطاقة المتجددة لتحليل الماء، فتصل لما يتراوح بين 3 و7.5 دولارًا لكل كيلوغرام، بحسب تقرير صادر عن منظمة أوابك قبل اندلاع أزمة الطاقة العالمية.

ويعني ذلك أن الهيدروجين الأخضر، الذي يُنتج باستخدام الطاقة المتجددة لفصل المياه، يكون ذا تكلفة أعلى عدة مرات مقارنة بالنسخة التقليدية المنتجة بالوقود الأحفوري -الفحم أو الغاز الطبيعي- وتكون في الغالب غير صديقة للبيئة ما لم يجر احتجاز الكربون وتخزينه لاستخدامات أخرى.

وخلال المدة من عام 2014 حتى عام 2019، تراجعت تكلفة التحليل الكهربائي لفصل مكونات الماء بنسبة 40% بالنسبة لعمليات استخراج الهيدروجين التي تجري في أمريكا الشمالية وأوروبا، وفقًا لوكالة بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس.

ومع مرور السنوات، وتحديدًا تشير بوصلة التوقعات صوب عام 2040؛ فمن المرجّح حدوث المزيد من الانخفاض في تكاليف إنتاج الهيدروجين بطريقة صديقة للبيئة؛ لتعادل تكلفة الهيدروجين المُنتج عبر استخدام الوقود الأحفوري، وإن كانت شركة الاستشارات والأبحاث "وود ماكنزي" تتوقع تحقيق خفض التكاليف ذلك في بعض الدول؛ مثل ألمانيا، في وقت مبكر، وربما بحلول عام 2030.

وبالتزامن مع هبوط تكاليف الطاقة المتجددة؛ فإن تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر تراجعت بنحو 40% منذ عام 2015، كما تشير مؤسسة الأبحاث "آي إتش إس ماركت" مع توقعات بانخفاض هذه التكلفة 40% أخرى حتى حلول عام 2025.

وإذا انخفضت تكلفة الهيدروجين الأخضر بنسبة تصل لنحو 90% مقارنة بالمستويات الحالية التي تتراوح بين 3 و8 دولارات لكل كيلوغرام؛ فمن شأن ذلك أن يكون بمثابة فرصة جيدة للتنافس مع الهيدروجين الرمادي، الذي تقل تكلفته عن دولار واحد.

ووفق تقديرات مؤسسة ماركت؛ فمن المحتمل أن تتراجع تكاليف الهيدروجين الأخضر أدنى دولارين لكل كيلوغرام بحلول عام 2030، ليكون بمقدوره التنافس مع الهيدروجين الذي يُنتج عبر الغاز الطبيعي مع استخدام تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، والذي يعرف أيضًا بالهيدروجين الأزرق.

وعلى النقيض، سترتفع تكاليف الهيدروجين الرمادي عالميًا (باستثناء الصين) -الأقل تكلفة حاليًا- بنحو 82% بحلول عام 2040، وهو ما سيرجع في الأساس إلى الزيادة المتوقعة في أسعار الغاز الطبيعي، والتي بدأت بالفعل تشهد زيادات حادة منذ العام الماضي (2021) وسط أزمة الطاقة العالمية.

كما من المتوقع زيادة تكاليف الهيدروجين الأزرق بنحو 59% بعد نحو 20 عامًا، ومجددًا ستكون أسعار الغاز الطبيعي كلمة السر في ارتفاع التكلفة.

وكما يشير تقرير صادر عن مجلس الطاقة العالمي في مايو/أيار 2022؛ فمن المرجّح تراجع متوسط تكلفة الهيدروجين منخفض الكربون -المُنتج عبر الكهرباء المتجددة- لأقل من دولارين لكل كيلوغرام بدايةً من عام 2040 مقابل 3.5 دولارًا حال إنتاج الهيدروجين من الغاز الطبيعي مع التقاط الكربون.

وتُعَد عمليات نقل الهيدروجين وتوزيعه -وهي المرحلة الوسيطة بين الإنتاج والاستهلاك- بمثابة تحدٍّ كبير آخر من الناحية الاقتصادية أمام التوسع في استخدام هذا العنصر الموجود بوفرة في الكون؛ نظرًا لارتفاع تكلفة نقله إلى مسافات طويلة، وذلك مقارنة بأنواع الوقود الأخرى.

وخلاصة الأمر، أنه بينما يكون الاعتماد على الهيدروجين وحده ذا تكلفة عالية للغاية؛ فإنه يجب استغلاله في سياق التكامل مع سياسة الطاقة المتجددة؛ إذ تبرز المغرب هنا مثالًا للاعتماد على خيار الهيدروجين؛ نظرًا لأنها ليست دولة نفطية لكنها توسعت في الطاقة المتجددة، وتستخدمه باعتباره عنصرًا في مزيج الطاقة مع تصدير الفائض.

هل التكنولوجيا الحالية كافية لإنتاج الهيدروجين ونقله وتخزينه؟

يعني انخراط الهيدروجين في مزيج الطاقة، القدرة على إنتاجه ونقله وتخزينه واستخدامه بكميات كبيرة، لكن السؤال: هل التكنولوجيا الحالية كافية لأداء هذه المهمة؟ الإجابة ببساطة: نعم التكنولوجيا متوافرة؛ إلا أن التكلفة مجددًا تبدو التحدي الرئيس في الوقت الراهن، وهي العقبة التي ربما تُحل مستقبلًا كما هو الحال مع الطاقة المتجددة.

وعلى سبيل المثال؛ فإن تكلفة الخلايا الشمسية -المستخدمة في إنتاج الطاقة الكهروضوئية- تراجعت بأكثر من 80% مقارنة بالتكلفة قبل عقد من الزمن تقريبًا، وهو المسار نفسه المتوقع أن يسلكه الهيدروجين كذلك.

وفي حين أن طرق إنتاج الإنتاج -سالفة الذكر- عديدة وتختلف حسب المادة المستخدمة في الإنتاج وحسب الانبعاثات وخلافه؛ فإن نقل الهيدروجين بكميات كبيرة يضعنا أمام خيارين؛ إما ضغطه وإما تسييله.

ويتطلب تحويل الهيدروجين إلى سائل شروطًا أكثر صعوبة من تسييل الغاز الطبيعي؛ لأنه يحتاج إلى التبريد عند سالب 252 درجة مئوية، في حين أن الغاز يجري تسييله عند درجة حرارة 160 درجة مئوية تحت الصفر.

وبنهاية عام 2019، كانت قدرة تسييل الهيدروجين تبلغ 600 طن يوميًا، مقابل سعة 1.24 مليون طن يوميًا من الغاز الطبيعي؛ ما يعني أن تسييل الهيدروجين تجاريًا يجري على نطاق محدود للغاية بما لا يسمح بالاعتماد على هذه الطريقة في نقل الهيدروجين في صورته الغازية.

وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، في تقرير اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة، أنه كي تكون منشآت تسييل الهيدروجين صالحة لتلبية التجارة العالمية؛ تجب زيادتها بأكثر من 220 مرة عن متوسط حجمها الحالي على غرار مصانع الغاز المسال.

وبالنسبة إلى ضغط الهيدروجين؛ فالمشكلة نفسها تتكرر؛ إذ يحتاج للضغط عند 700 ضغط جوي، وهو رقم مرتفع للغاية، كما أن ضغطه يعني الحاجة إلى مواد مخصصة لاحتواء الهيدروجين بهذا الضغط المرتفع، وهي مواد ذات أوزان ضخمة وتحتاج أيضًا لتكلفة إضافية.

ولا يزال نقل الهيدروجين يجري بكميات قليلة، وعلى نطاق ضيق عبر استخدام خطوط الأنابيب؛ إذ توضح أحدث إحصائيات أوابك أن أطوال خطوط أنابيب نقل الهيدروجين تبلغ 5 آلاف كيلومتر تقريبًا بين المناطق المنتجة والمستهلكة، وهي أطوال محدودة للغاية إذا ما قورنت بخطوط أنابيب الغاز -على سبيل المثال- والبالغة مليوني كيلومتر.

وهناك خيارات أخرى لنقل الهيدروجين، وهي السفن أو الناقلات، وسط تجارب لنقل الهيدروجين السائل دون ضغط مثل الغاز المسال، ومع ذلك يظل الخيار الأكثر فاعلية والمطروح كذلك على الساحة العالمية حاليًا هو عدم نقله في صورته السائلة ولا في صورته الغازية المضغوطة ولكن تحويل الهيدروجين إلى أمونيا.

وتكمن فاعلية هذا الخيار في أن الأمونيا هي صناعة راسخة بالفعل وسط توافر أكثر من 120 ميناء حول العالم يتعامل مع الأمونيا، كما أن لها ضوابط وأكوادًا قياسية للتعامل سواء في المواني أو مع المادة نفسها عن طريق قواعد الأمن والسلامة، وكذلك يوجد في السوق العالمية صوب 70 ناقلة لنقل الأمونيا، بالإضافة إلى أن ناقلات غاز النفط المسال نفسها يمكن استخدامها في نقل الأمونيا.

وهنا يتبقى تحويل الهيدروجين إلى أمونيا، وهو الأمر المتاح عن طريق تطبيق عملية كيميائية، ومن ثَم يمكن نقل كميات كبيرة من الهيدروجين في حالته السائلة، رغم أن الأمونيا هو غاز في الحالة الطبيعية لكن مع تبريد عند 33 درجة مئوية تحت الصفر يتحول إلى الحالة السائلة.

وتُقَدر سوق الأمونيا حول العالم بنحو 183 مليون طن سنويًا، أو تقريبًا 50% من حجم التجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال، والبالغة 360 مليون طن.

ومع ذلك؛ فإن أبرز التحديات أمام هذا الخيار -المطروح في الوقت الراهن بقوة على الساحة الدولية- هو فقدان طاقة تتراوح بين 13% و34% عند إعادة تحويل الأمونيا إلى هيدروجين -وهناك تقديرات تشير إلى أن الفقد يتراوح بين 7% و8%- وعمومًا فإن هذا التحدي يمكن تفاديه عبر الاستخدام المباشر للأمونيا في بعض الصناعات مثل الأسمدة حاليًا أو على هيئة وقود في المستقبل.

وعلى سبيل المثال، توجد تجارب رائدة عالميًا في الوقت الحالي، وتحديدًا في السوق اليابانية، سواء لاستخدام الأمونيا بشكل مباشر في صناعة السماد أو لاستخدامها بشكل مباشر في توليد الكهرباء في بعض المحطات.

ومع ذلك، تظل هناك حاجة لوضع الضوابط والمواصفات القياسية من جانب صناعة الهيدروجين نفسها، من خلال أصحاب المصلحة، ومنها الاشتراطات التي ينبغي فرضها على الناقلات الوافدة للممرات البحرية وإجراءات الأمن والسلامة، وغيرها من الضوابط.

وكذلك يبقى تحدي تخفيض تكاليف تخزين الهيدروجين؛ حيث إن التجارب لا تزال تجريبية وفي مراحلها الأولى؛ إذ شهدت مدينة لوليو السويدية افتتاح منشأة تجريبية -من المقرر أن تخضع لاختبار مدته عامان- لتخزين الهيدروجين الأخضر تحت الأرض داخل كهف صخري، وهي التجربة الأولى من نوعها، بعدما أثبتت تقنية تخزين الغاز في كهف صخري جنوب السويد منذ قرابة 20 عامًا نجاحها.

ومن بين النماذج الأخرى، تعمل شركة أرامكو السعودية على تطوير تقنيات تعتمد على ألياف الكربون -وهي مادة رقيقة للغاية أخف من الألومنيوم وأقوى من الفولاذ- لاستخدامها في تطبيقات مختلفة؛ مثل صهاريج لتخزين الهيدروجين.

هل يصبح الهيدروجين بديلًا للغاز الطبيعي؟

يستحوذ الغاز الطبيعي على حصة كبيرة نسبيًا في مزيج الطاقة عالميًا؛ لأنه بطبيعة الحال سلعة متوافرة إلى حد ما، ويمكن الاعتماد عليها في توفير إمدادات العديد من الأسواق، كما توفر العديد من المزايا البيئية في عدة قطاعات؛ مثل قطاع الكهرباء.

مزيج الطاقة العالمي

وعند النظر إلى الصراع القائم بين تحول الطاقة وأمن الطاقة؛ نجد أن الهيدروجين يُعَد بمثابة ميزة إضافية -وليس عيبًا- للغاز الطبيعي؛ إذ يمكن استخدام الأخير في إنتاج الهيدروجين، كما يمكن أن تكون هذه الطريقة صديقة للبيئة حال احتجاز الكربون وتخزينه.

وبينما يوجد تقريبًا 522 مشروعًا للهيدروجين حول العالم -وفق أحدث الإحصائيات- كان يُعتقد أنها من الهيدروجين الأخضر، إلا أن الأرقام تؤكد أن 50% من هذه المشروعات لإنتاج الهيدروجين الأزرق عبر استخدام الغاز الطبيعي.

ويرى خبير الهيدروجين في أوابك، وائل عبدالمعطي، أن كلًا من الهيدروجين والغاز الطبيعي سيكونان بمثابة عنصرين مكملين لبعضهما، مع الإشارة إلى وجود دراسات تؤكد أن استخدام خليط من الهيدروجين والغاز يقلل الانبعاثات.

وباختصار؛ فإن الهيدروجين في مرحلته الحالية لا يمكن وضعه باعتباره صناعة تنافسية مع الغاز الطبيعي، لكن بما أن الحديث عن خيار للتخلص من الكربون؛ فإن ارتفاع التكلفة أمر متوقع، وعلى الأقل فإن السعر لن يصبح تنافسيًا في أول 10 سنوات من عمر الصناعة.

ما أثر الهيدروجين في أسواق النفط؟

يكمن الأثر المباشر للهيدروجين في أسواق النفط، في استخدامه وقودًا للسيارات والشاحنات والقطارات وغيرها من وسائل المواصلات، ومن ثم فإن أثر الهيدروجين لا يختلف عن أثر السيارات الكهربائية فيما يتعلق بتقليص استخدام المشتقات النفطية في قطاع النقل.

ورغم أن عملية حرق الهيدروجين بصفته وقودًا لا تخلّف أي انبعاثات ضارة للبيئة؛ فإنه لا تزال عملية إنتاج الهيدروجين نفسها تولّد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حسب مصدر الطاقة المستخدم لاستخلاصه (بمعنى آخر: هل نستخدم الوقود الأحفوري أم مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الهيدروجين؟).

وبحلول منتصف القرن الحالي، من المتوقع أن يصل الطلب على الهيدروجين منخفض الكربون من جانب قطاع التكرير العالمي إلى 50 مليون طن سنويًا، وفق تقرير صادر عن وود ماكنزي رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وشكّل قطاع تكرير النفط قرابة 35% من استهلاك الهيدروجين عالميًا خلال عام 2020، ليكون القطاع إحدى أكبر أسواق الهيدروجين.

ومؤخرًا، تعكف شركات بالتعاون مع شركة شل على إجراء دراسة جدوى، والتي تهدف إلى تشغيل السفن في سنغافورة عبر استخدام خلايا وقود الهيدروجين، وحال نجاح مثل هذه التجربة سيكون الطريق ممهدًا أمام تقنيات خالية من الانبعاثات.

وتسعى شركة سيمنس جاميسا لتعزيز قدرتها في توفير الهيدروجين الأخضر بتكلفة تنافسية بحلول عام 2030 عبر طاقة الرياح البرية وبحلول عام 2035 من الرياح البحرية؛ ما يعني تقليص الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري.

وتخطط شركة إير ليكيد لاستثمار 10 مليارات دولار في سوق الهيدروجين مع حلول عام 2035، كما وقعت الشركة الفرنسية مذكرة تفاهم مع شركة سيمنس إنرجي الألمانية لتوحيد خبراتهما في مشروعات الهيدروجين داخل أوروبا، كما وقّعت شركة غلوبال إنرجي فينجرز الأسترالية مذكرة تفاهم مع أخرى ألمانية لتطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر في أوروبا وأستراليا.

وعلى جانب الدول، بدأت مصر خطوات فعلية لتنويع مصادر الطاقة النظيفة؛ إذ تتواصل البلاد حاليًا مع الدول والشركات العالمية لاستكشاف فرص التعاون في إنتاج الهيدروجين.

وفي السياق نفسه، تعتزم الحكومة المصرية إطلاق خطة وطنية للهيدروجين بقيمة 40 مليار دولار في الأشهر المقبلة، كما وقّعت 7 مشروعات للهيدروجين الأخضر في الأشهر الـ3 الماضية بسعة إجمالية تتجاوز 1.5 مليون طن.

وفي المجمل، تبلغ سعة هذه المشروعات أكثر من 1.57 مليون طن من الهيدروجين الأخضر؛ ما يضع البلاد في صدارة الدول عالميًا بعد أستراليا وفي الترتيب نفسه مع موريتانيا، وسط توقعات بأن تبلغ تكلفة مشروعات الهيدروجين في مصر دون بنية تحتية إضافية تقريبًا 20 مليار دولار، وفق شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي.

ووضعت كذلك الإمارات خريطة طريق طويلة الأجل تهدف لتحقيق وسائل نقل عام عديمة الانبعاثات مع حلول عام 2050، كما تتنافس بعض الدول العربية على الاستثمار في مشروعات إنتاج الهيدروجين، سواء الأخضر أو الأزرق.

وفي الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم؛ فإن جو بايدن يعتزم تقديم إعفاءات ضريبية لإنتاج الوقود الحيوي والهيدروجين الأخضر، في خطوة تعكس توجه الرئيس الأميركي للانتقال بعيدًا عن مصادر الوقود الأحفوري.

وفي حين تدعم الشركات وحتى حكومات الدول مشروعات تطوير الهيدروجين باعتباره مستقبل تحول الطاقة؛ فإن هناك جانبًا آخر من المعارضة، وخاصةً فيما يتعلق باستخدام الهيدروجين وقودًا للمركبات؛ إذ كتب مؤسس شركة تيسلا، إيلون ماسك، في تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، في يونيو/حزيران عام 2020: "خلايا الوقود = بيع الحماقة".

وهناك بعض المشككين تمامًا -مثل ماسك- في جدوى خلايا وقود الهيدروجين؛ حيث يشير تقرير لشركة الأبحاث البريطانية (آي دي تيك إي إكس)، إلى أن خلايا الوقود أقل كفاءة من البطاريات، كما أن تكلفة بناء البنية التحتية الداعمة؛ مثل محطات التزود بالوقود، ستكون أعلى بكثير.

وأضاف التقرير أن المركبات التي تعمل بخلايا الوقود سوف تستمر بالفشل من الناحية التجارية في غضون العقدين المقبلين.

وعلى نطاق البيئة، تتحدث كبيرة علماء المناخ، إليسا أوكو، عن الفوائد المناخية للهيدروجين النظيف في سلسلة تغريدات نشرتها عبر صفحتها في تويتر، مؤكدة أن الحكمة التقليدية "خاطئة"، على حد وصفها، موضحة أن الهيدروجين المصنوع من مصادر الطاقة المتجددة والمياه ليس محايدًا مناخيًا بطبيعته ويمكن أن يُسهِم في تغير المناخ.

وتعلل إليسا رؤيتها بأن الهيدروجين عبارة عن جزيء صغير للغاية يمكنه التسرب بسهولة للغلاف الجوي؛ ما يعني احتمالية إطلاق تفاعلات كيميائية تزيد من غازات الدفيئة الأخرى، موضحة أن الفكرة هنا تكمن في أن تأثيرات الاحترار غير المباشرة للهيدروجين تدوم عقدين من الزمن فقط؛ لذا فإنه سقط من حسابات رصد الأثر على مدى قرن.

وتشير محللة علم المناخ إلى أن خطورة هذه القضية بالنسبة للمناخ تتوقف على مقدار تسرب الهيدروجين إلى الغلاف الجوي مع زيادة الإنتاج والاستهلاك خلال العقود القليلة المقبلة، لكنها تؤكد أن تركيز أجهزة الاستشعار الحالية على التسربات عند المستويات المتفجرة وغير قادرة على اكتشاف التسربات الصغيرة التي لا تمثل مخاطر على السلامة ولكنها مهمة بالنسبة للمناخ.

ما الدول المنتجة والمصدرة للهيدروجين؟

من أجل وضع العالم على المسار الصحيح للوصول إلى هدف الحياد الكربوني؛ ستكون هناك حاجة لإنتاج مليوني ميغاواط أو أكثر عبر الهيدروجين الأخضر، حسب مجموعة تقارير حول الهيدروجين نشرتها وكالة بلومبرغ، لكن أكبر منتج للهيدروجين عبر التحليل الكهربائي (النسخة الخضراء)، هي الشركة النرويجية المتخصصة في إنتاج الهيدروجين وتخزينه وتوزيعه من مصادر الطاقة المتجددة (نيل)؛ إذ يمكنها إنتاج 80 ميغاواط سنويًا فقط.

وتضم قائمة الدول المرشحة لصدارة قائمة كبار المنتجين للهيدروجين، أستراليا وتشيلي والسعودية والمغرب، وسط توقعات بأن الهيدروجين سيغطي 12% من استهلاك الطاقة عالميًا بحلول 2050.

وتمتلك أفريقيا القدرة على إنتاج قرابة 5 مليارات طن سنويًا من الهيدروجين بأقل من دولارين لكل كيلوغرام عبر استخدام الطاقة المتجددة المتوافرة بكثرة في القارة السمراء، بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر في يونيو/حزيران 2022.

وتؤكد الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها عن الطاقة في أفريقيا، أن مصر وموريتانيا والمغرب وناميبيا وجنوب أفريقيا على رأس الدول الأفريقية التي تشهد حاليًا تنفيذ مشروعات للهيدروجين منخفض الكربون.

وكانت 6 دول -كينيا وجنوب أفريقيا وناميبيا ومصر والمغرب وموريتانيا- قد أطلقت في 18 مايو/أيار 2022 التحالف الأفريقي الأخضر للهيدروجين؛ لإظهار نوايا الالتزام بإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون.

وتنتج أوروبا حاليًا 7 ملايين طن من الهيدروجين عبر الوقود الأحفوري؛ أغلبها يذهب لإنتاج السماد، ومع ذلك قررت القارة العجوز -بموجب خطة "ريباور إيه يو"- استبدال هذه الكمية والاعتماد -بدلًا منها- على الهيدروجين المُنتج بالطاقة المتجددة لاستخدامه في إنتاج السماد، وذلك لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي المستخدم في إنتاج الهيدروجين.

وبينما تظهر المنطقة العربية باعتبارها منطقة محتملة لإنتاج الهيدروجين بشكل تنافسي -رغم ارتفاع السعر نسبيًا مقارنة بالبدائل الأخرى- فإن التركيز ينصبّ في الأساس على تصدير الهيدروجين، سواء في صورته الأصلية أو في صورة الأمونيا، مع وجود سوق محتملة وهي السوق الأوروبية.

وكانت السعودية أول دولة تعلن مشروعًا تجاريًا عالميًا، وهو مشروع نيوم عن طريق استخدام المحللات الكهربائية لإنتاج نحو 650 طنًا من الهيدروجين يوميًا أو 1.2 مليون طن من الأمونيا في السنة، وتقوم فكرة هذا المشروع على إنتاج الهيدروجين أو الأمونيا بغرض التصدير.

وفي المجمل، هناك 8 مشروعات معلنة في المملكة تنحصر بين الهيدروجين الأزرق والأمونيا الزرقاء أو الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، كما أن السعودية أعلنت رسميًا هدف تصدير 2.9 مليون طن في السنة من الهيدروجين بحلول عام 2030، ويصل هذا الرقم إلى ما بين 3.5 و4 ملايين طن سنويًا بحلول عام 2035.

وأعلنت سلطنة عمان الأمر نفسه؛ إذ تستهدف تصدير الهيدروجين من خلال 8 مشروعات، مع استغلال موقع البلاد الجغرافي المتميز الذي يسهل عملية النقل.

وهناك أيضًا دولة الإمارات -أول دولة عربية تُعلن خريطة طريق للهيدروجين- مع تحديد هدف الحصول على 25% تقريبًا من السوق العالمية لتجارة الهيدروجين بحلول عام 2030، وهو ما سيترجم بالتأكيد إلى جملة من المشروعات، وبالفعل أعلنت البلاد 8 مشروعات أغلبها من الأمونيا الزرقاء والأمونيا الخضراء بكميات تتراوح بين 1 و1.12 مليون طن، وفي مشروعات في منطقة الرويس وغيرها.

ويمكن تلخيص هذه المشروعات في جملة واحدة مفادها أن منطقة الخليج العربي تسعى جاهدة نحو الحصول على حصة سوقية في وقت مبكر من التجارة المحتملة للهيدروجين؛ لأن هناك منافسين أقوياء أبرزهم أستراليا، وفق رؤية وائل عبدالمعطي.

ويضيف: "استغلال الهيدروجين داخل منظومة الطاقة المحلية بالدول العربية في الوقت الحالي سيكون خيارًا مكلفًا للغاية؛ لأن الفكرة لا تكمن فقط في إنتاج الهيدروجين، خاصةً أن سلسلة التوريد الخاصة بالصناعة لا تزال في مراحلها الأولى، كما أن المجال المتاح في الوقت الحالي لبعض الدول العربية هو مجال التصدير".

ويُقدر إنتاج الهيدروجين النقي بنحو 77 مليون طن سنويًا -حسب أحدث بيانات متاحة من وكالة الطاقة الدولية عن عام 2018- إلا أن الإنتاج الحالي يحدث عن طريق الغاز الطبيعي والفحم بنسبة 76% و23% على الترتيب، رغم ما يصاحب ذلك من انبعاثات كربونية شديدة تصل لـ830 مليون طن متري من الكربون سنويًا، أما النسبة المتبقية -البالغة 1% فقط- فتكون عبر الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.

وعلى جانب الطلب، يبلغ حاليًا إجمالي الطلب العالمي على الهيدروجين في تطبيقات الاستخدام النهائي 115 مليون طن سنويًا بزيادة 325% عن الطلب المسجل عام 1975 والبالغ 27 مليون طن، مع واقع أن الطلب على الهيدروجين النقي يُشكل الثلثين تقريبًا، بينما يمثل الطلب على خليط الهيدروجين مع غازات أخرى قرابة الثلث.

ومن المرجح نمو الطلب على الهيدروجين بشكل سنوي مركّب يبلغ 35% خلال المدّة من عام 2020 حتى عام 2044، وبمعدل سنوي 28% حتى عام 2050، بحسب تقديرات مجلس الهيدروجين، أما شركة شل الهولندية فتتوقع أن يشهد استهلاك الهيدروجين نموًا سنويًا مركّبًا 23% حتى عام 2040.

ما الفروق الأساسية بين سيارات الهيدروجين والمركبات الكهربائية؟

تُعَد كل من سيارات خلايا الوقود العاملة بالهيدروجين، والمركبات الكهربائية بدائل صديقة للبيئة أكثر من تلك العاملة بالوقود الأحفوري، الذي يُخلّف انبعاثات ضارة بالبيئة.

ويكمن الفارق بين خلايا وقود الهيدروجين والبطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية، في عدم الحاجة إلى الشحن ولكن إلى وقود مثل الهيدروجين، الذي يجري ضغطه في بعض الأحيان إلى 350 ضغطًا جويًا، وفي بعض الحالات النظرية إلى 700 ضغط جوي، ومن ثَم يمكن استخدامه بأمان داخل السيارات الكهربائية، مثل الغاز الطبيعي المضغوط في السيارات العاملة بالغاز المضغوط، وهناك تجربة رائدة في مصر للسيارات العاملة بالغاز المضغوط.

وعند استخدام الهيدروجين وقودًا للسيارات، إما يُحرَق بشكل مباشر في محركات أشبه بمحركات الاحتراق الداخلي أو يُستخدم فيما يُطلق عليه خلايا الوقود، وهي العملية العكسية تمامًا لإنتاج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي للماء.

ويمكن فصل الهيدروجين عن الأكسجين من خلال التحليل الكهربائي للماء، ومن ثم استخدامه بشكل مباشر سواء وقودًا أو مادة خام، بينما يعتمد تطبيق خلايا الوقود على تفاعل الهيدروجين الموجود في خزان السيارة مع الأكسجين المتوافر من الهواء الجوي ليولد تيارًا كهربائيًا يُستخدم في تحريك السيارة.

وهنا يكون الماء هو المنتج الثانوي لاستخدام الهيدروجين في تطبيق خلايا الوقود داخل أيّ سيارة، ومن ثَم تكون صديقة للبيئة بنسبة 100%.

وتتميز سيارات خلايا الوقود العاملة بالهيدروجين عن نظيرتها الكهربائية، بالقدرة على السير لمسافات أطول تصل لنحو 530 كيلومترًا مقابل 300 كيلومتر في المركبات الكهربائية، مع تعبئة خزان الوقود بنحو 4 إلى 5 كيلوغرامات من الهيدروجين.

كما أن سرعة إعادة تعبئة خزان السيارة بالهيدروجين -بدلًا من البنزين أو وقود الديزل- تستغرق من 10 إلى 20 دقيقة، لكن في حالة السيارات الكهربائية ربما تحتاج البطاريات إلى 8 ساعات لإعادة الشحن.

وعلى مستوى العالم، يصل إجمالي عدد محطات إعادة التعبئة بالهيدروجين لنحو 470 محطة، والعدد الأكبر منها في الولايات المتحدة، كما أن هناك جزءًا كبيرًا في الصين.

ومن حيث التكلفة؛ فإن خلايا الوقود العاملة بالهيدروجين باهظة التكلفة مقارنة بالسيارات الكهربائية، فضلًا عن أن هناك مخاوف تتعلق بالسلامة؛ لأن غاز الهيدروجين شديد الاشتعال -كما ذكرنا سابقًا-.

وتحتوي سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية على بطاريات تُخزن الهيدروجين والأكسجين، ولديها أنابيب عادم، لكن الشيء الوحيد الذي تخلّفه هو الماء، بينما تخزن السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطارية الشحن بطريقة مماثلة للهواتف المحمولة، رغم أن هناك أنواعًا يمكنها إعادة شحن نفسها نسبيًا عن طريق تحويل الحرارة الناتجة عن الحركة إلى كهرباء.

وبينما يعمل إنتاج بطارية الليثيوم أيون -المستخدمة في السيارات الكهربائية- على إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون؛ فإن إنتاج الهيدروجين من المحتمل أن يكون أقل استهلاكًا للطاقة أو أكثر صداقة للبيئة حال اعتماده على الكهرباء المتجددة.

ومن المرجّح أن يخترق الهيدروجين قطاع النقل بشدة؛ حيث يوجد أكثر من 25 ألف مركبة في الوقت الحالي على مستوى العالم تستخدم خلايا الوقود، وهناك تجارب ناجحة في بعض الشركات المتخصصة في محركات الاحتراق الداخلي مثل شركة تويوتا التي لديها بعض النماذج الناجحة في هذا الشأن.

وارتفع إجمالي مبيعات تويوتا (ميراي) وهيونداي (نيكسو)، من سيارات خلايا الوقود العاملة بالهيدروجين للركاب خلال العام الماضي (2021)، بنحو 82%، ليصل إلى 15.538 ألف مركبة، وفق شركة الأبحاث البريطانية (آي دي تيك إي إكس).

الهيدروجين في مزيج الطاقة - مبيعات سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية

ومن بين الدول العربية التي لديها تجارب ريادية في استخدام مركبات خلايا الوقود العاملة بالهيدروجين، تأتي الإمارات التي بدأت التجربة عام 2017 من خلال أسطول مكون من 3 سيارات، بالإضافة لمشروعات داخل السعودية تهدف لاستخدامه في السيارات فضلًا عن محطتين في الظهران تعملان بخلايا الوقود.

وبحسب أحدث الإحصائيات بناءً على الخطط المعلنة من جانب الدول الآسيوية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ فإن أسطول مركبات خلايا الوقود قد يتجاوز 10 ملايين مركبة بحلول نهاية العقد الحالي (2030)، خاصةً أن تجارب استخدام البطاريات في حافلات نقل الركاب أو المقطورات ذات الأحمال الشاقة أثبتت فشلها كما هو الحال في فرنسا.

ويتماشى ذلك مع هدف (10-10-10)، المعلن في الاجتماع الوزاري للهيدروجين المنعقد عام 2019 في اليابان بمشاركة 30 دولة و4 منظمات معنية بشؤون الطاقة، والذي يهدف إلى بناء أسطول يضم 10 ملايين مركبة تعمل بخلايا الوقود و10 آلاف محطة إعادة تعبئة بالهيدروجين خلال مدة 10 سنوات.

ورغم ذلك؛ فإن أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم -الصين- تمضي قدمًا في استخدام بديل البطاريات لتشغيل الجيل القادم من المركبات الصديقة للبيئة أو السيارات الهيدروجينية؛ إذ تسعى بكين لتطوير السيارات والشاحنات والحافلات التي تعمل بالهيدروجين، عبر تقديم مكافأة للمدن التي تحقق أهدافًا تتبنى هذا الاتجاه؛ أي اتجاه السيارات التي تعتمد على الهيدروجين باعتباره وقودًا.

وبموجب الخطة، تستهدف الصين أن يكون لديها مليون سيارة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بحلول عام 2030، رغم أنه لم يُبَع سوى 2700 سيارة فقط في البلاد خلال عام 2019.

ويشير تقرير -نشره موقع ديسموج- إلى أن الهيدروجين يمكن استخدامه باعتباره وسيلة لتخزين الطاقة وتوفيرها، فيما يشبه إلى حد كبير طريقة عمل البطاريات، وهذا هو السبب في كونه جذابًا باعتباره طريقة لاستبدال الوقود الأحفوري الذي يحترق.

هل يستمر الاستثمار في الهيدروجين؟

أدرك الجميع أهمية الهيدروجين منذ زمن بعيد، لكن استخراجه بالطريقة الخضراء لم يكن أمرًا ممكنًا؛ بسبب ارتفاع التكاليف؛ لأن كمية الطاقة المستخدمة كانت أكبر من كمية الطاقة المستخرجة.

وتُعَد قضية التمويل والاستثمار -التي ستعزز أرضية هذا التحول نحو بيئة نظيفة أكثر واقتصادات منخفضة الكربون- مسألة مهمة أخرى تلوح في الأفق، رغم التعارض بين المؤيدين للهيدروجين والفريق الذي يعتقد أنها تقنية فاشلة ولا جدوى منها.

وتسارع تدفق مليارات الدولارات في هذا المجال خلال الأشهر الأخيرة، مدفوعًا بتزايد اتجاه تبني المركبات عديمة الانبعاثات، بمقتضى الموعد النهائي للتخلص من الكربون والمحدد بحلول عام 2050، إضافة إلى دعم الرئيس الأميركي، جو بايدن، للطاقة النظيفة.

وتقدر بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس أن الصناعة ستحتاج إلى نحو 150 مليار دولار من المساعدات بحلول عام 2030، وأكثر من ذلك بكثير في الاستثمار بشكل عام، في حين أن مؤسسة الأبحاث (آي إتش إس ماركت)، تعتقد أنه من المرجح أن يتجاوز الاستثمار في إنتاج الهيدروجين المدعوم بمصادر الطاقة المتجددة -أو الهيدروجين الأخضر- نحو مليار دولار بحلول عام 2023.

وتعزو مؤسسة الأبحاث توقعات الاستثمار المرتفعة إلى انخفاض التكاليف ودعم السياسات من الحكومات التي تتطلع للتحول نحو اقتصادات منخفضة الكربون.

ويتمتع الهيدروجين النظيف (أو الأخضر) مؤخرًا بدعم غير مسبوق بين قادة السياسية عالميًا؛ إذ يعتقدون أنه وسيلة لإزالة الكربون من بؤر الاقتصاد التي تصعب معالجتها، بالإضافة لتعزيز الوظائف والاستثمار في مرحلة ما بعد (كوفيد-19).

وعلاوة على ذلك، يتطلب إنتاج كميات كبيرة من الهيدروجين الأخضر كذلك كميات هائلة من الطاقة المتجددة؛ إذ ستحتاج -على سبيل المثال- المملكة المتحدة إلى 30 مرة مثل سعة الرياح البحرية الحالية حتى تتمكن من إنتاج ما يكفي من الهيدروجين الأخضر لاستبدال جميع المولدات العاملة بالغاز الطبيعي في البلاد، طبقًا للجنة تغير المناخ البريطانية.

ويُعَد الهيدروجين منخفض الكربون بمثابة مكون رئيس في العديد من خطط التعافي للعديد من الحكومات في مرحلة ما بعد الوباء وإستراتيجياتها طويلة المدى.

وتأتي خريطة الاتحاد الأوروبي -المنشورة خلال شهر يوليو/تموز 2020- في مقدمة سباق الهيدروجين؛ حيث تعتزم الكتلة إنفاق نحو 470 مليار يورو (498 مليار دولار) على إنتاج الهيدروجين في نسخته الخضراء بحلول عام 2050، وستضاعف التكلفة على الأقل؛ كي يسير العالم بأكمله في الاتجاه نفسه.

وفي هذا الشأن، خصصت وزارة الطاقة الأميركية 128 مليون دولار للبحث والتطوير في مجال النقل المستدام؛ بما في ذلك 33 مليون دولار للهيدروجين الأخضر ومشروعات الهيدروجين الأخرى.

وحتى مع هذه الجهود المبذولة للترويج للهيدروجين الأخضر، يصف الموقع الإلكتروني لشركة شل الوضع الحالي، كالتالي: "في حين أن الهيدروجين الأخضر هو الطموح المثالي لمستقبل طاقة منخفضة الكربون؛ فإن هذه التكنولوجيا أمامها سنوات عديدة قبل أن تكون ذات سعر تنافسي".

وتؤدي المملكة المتحدة دورًا كبيرًا في الدفع الأوروبي نحو اقتصاد الهيدروجين، رغم أن لجنة تغير المناخ البريطانية تقدر أنه بحلول عام 2050، سيكون 80% من الهيدروجين المستهلك في البلاد من النوع الأزرق، مع توقع 20% فقط من الهيدروجين الأخضر.

ومع ذلك، مرحبًا بكم في أرض الواقع؛ فالمستقبل لا يزال تشوبه حالة من عدم اليقين، والحاضر يكشف عن أن غالبية الهيدروجين الصناعي في العالم ليس أخضر، لكنه ناتج عن تلك النسخة التي تخلف انبعاثات كربونية.

الهيدروجين في مزيج الطاقة

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق