منوعاتتقارير منوعةمفاهيم الطاقةموسوعة الطاقة

الأمونيا الخضراء.. العصا السحرية في تحول الطاقة

الطاقة المتجددة المبدّدة سر نجاج الأمونيا الخضراء

وحدة أبحاث الطاقة

تُظهر الأمونيا الخضراء خيارًا آخر قد يصبح أكثر أهمية من الهيدروجين الأخضر، الذي يُنظر إليه بوصفه الوقود النظيف الأمثل في تحوّل الطاقة من الوقود الأحفوري إلى المصادر المتجددة، إذ يبحث العالم عن الطريق الأسرع للوصول على الحياد الكربوني.

والأمونيا في حدّ ذاتها ليست جديدة على العالم، إذ تُنتَج بكميات كبيرة في جميع أنحاء العالم لاستعمالها في الأسمدة الزراعية، ولكن عملية إنتاجها تعتمد على الغاز الطبيعي أو أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، ما يجعلها تسهم بنحو 1.5% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.

إلّا أن انتشار الطاقة الشمسية والرياح في الآونة الأخيرة، وعدم القدرة على تخزين الكهرباء في الأوقات التي لا يحتاجها الناس، فتح المجال أمام استعمال هذه الطاقة المتجددة وقت عدم الحاجة إليها بإنتاج الأمونيا الخضراء.

وهذه العملية -سالفة الذكر- تقلل انبعاثاتها من جهة، وتدعم عملية خفض الانبعاثات الكربونية عالميًا من ناحية أخرى.

ما هي الأمونيا؟

الأمونيا هي غاز ذو رائحة قوية يُستعمل على نطاق واسع في صناعة الأسمدة الزراعية.

وفضلًا عن الزراعة، تُستعمل الأمونيا كذلك في صناعة المستحضرات الطبية والنسيج والصناعات المعدنية والمنظّفات المنزلية والمبيدات الحشرية وغيرها.

كيف تُصنع الأمونيا؟

الأمونيا عبارة عن مركّب يتكون من ذرة نيتروجين واحدة (82%) و3 ذرّات هيدروجين (18%)، ورمزها الكيميائي هو NH3.

أنواع الأمونيا

يوجد عدّة أنواع من الأمونيا حسب طريقة تصنيعها، مثل الأمونيا الرمادية والأمونيا الزرقاء والأمونيا الفيروزية والأمونيا الخضراء.

الأمونيا الرمادية

تاريخيًا، وحتى الآن -في الغالب-، تنتج الأمونيا بطرق من شأنها إطلاق انبعاثات كربونية.

وبشكل تفصيلي، تشهد عملية إنتاج الأمونيا تفاعل غاز الميثان مع البخار لإنتاج الهيدروجين، الذي يتفاعل مع النيتروجين لصناعة الأمونيا، وهنا تُسمى بالأمونيا الرمادية، أو التقليدية، هذه العملية تنتج نحو 1.8% من انبعاثات الكربون عالميًا.

ويأتي ذلك مع حقيقة أن الأمونيا الرمادية تُنتج في الغالب من الغاز الطبيعي، وتستعمل سمادًا للزراعة، وكذلك في العمليات الصناعية المختلفة.

الأمونيا الزرقاء

هناك الأمونيا الزرقاء، التي تُنتج بطريقة إنتاج الأمونيا الرمادية نفسها، لكنها تستعمل تقنية التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه.

لذلك يُنظر إلى الأمونيا الزرقاء على أنها منخفضة الكربون، لأن تأثيرها في المناخ يكون أقلّ مقارنة بالأمونيا الرمادية.

وفي سبتمبر/أيلول 2020، أُرسلت أول شحنة من الأمونيا الزرقاء في العالم من السعودية إلى اليابان، إذ استُعملت لتوليد الكهرباء.

وفي 2022، صدّرت السعودية أول شحنة تجارية من الأمونيا الزرقاء المعتمدة في العالم إلى كوريا الجنوبية.

الأمونيا الفيروزية

تفكر الصناعة أيضًا في الأمونيا الفيروزية (نسخة بين الأخضر والأزرق)، إذ تستعمل هذه العملية التحلل الحراري لتحويل الميثان إلى كربون نقي وهيدروجين، والذي يتفاعل مع النيتروجين لإنتاج الأمونيا، مثل مشروع شركة مونوليث في نبراسكا الأميركية.

وأمام ذلك، تُعدّ أفضل عملية إنتاج أمونيا خالية من الكربون إنتاجها من الهيدروجين الأخضر والناتج عن التحليل الكهربائي للماء، باستعمال الكهرباء المتجددة.

الأمونيا الخضراء

تنتج الأمونيا الخضراء عن طريق تفاعل الهيدروجين والنتروجين معًا عند درجات حرارة مرتفعة وضغط عالٍ، وينتج عن عملية تصنيع الأمونيا الخضراء الماء والنيتروجين منتجات ثانوية فقط.

وتُعرف العملية سالفة الذكر بعملية هابر-بوش (Haber-Bosch)، وهي الطريقة الرئيسة في إنتاج الأمونيا الخضراء، إذ تعتمد على الهيدروجين الأخضر أو المُصنّع، عبر الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.

خزان أمونيا
خزان أمونيا - الصورة من NS Energy

فوائد واستعمالات الأمونيا

يمكن أن يوفر إنتاج الأمونيا الخضراء المزيد من الخيارات في الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

أولاً، وقود خالٍ من الكربون: يمكن حرق الأمونيا بدلًا من الوقود الأحفوري في التوربينات الغازية، على سبيل المثال، أو استعمالها في خلية وقود لإنتاج الكهرباء، أو في مركبة كهربائية بعد تكسير الهيدروجين مرة أخرى منها.

ومن المرجح أن تكون صناعة الشحن البحرية من أوائل المتبنّين لها، لتحلّ محلّ استعمال زيت الوقود في المحركات البحرية.

وفي سيناريو تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، قالت وكالة الطاقة الدولية، إن الأمونيا يجب أن تُشكّل 45% من الطلب على الطاقة في قطاع الشحن البحري.

وتؤكد وكالة الطاقة الدولية أن الأمونيا والهيدروجين سيكونان الوقود البحري الأساس، إذا وصل العالم للحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي، بينما قد يمثّل نحو 60% من السوق مع سيطرة الأولى على الحصة الأكبر.

ومع التحول إلى الكهرباء المتجددة لإنتاج الأمونيا، يمكن تجنّب أكثر من 40 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا في أوروبا وحدها، أو أكثر من 360 مليون طن في جميع أنحاء العالم.

ثانيًا، تخزين الكهرباء: يمكن تخزين الأمونيا بسهولة بكميات كبيرة بصفة سائل، ما يجعلها مخزنًا كيميائيًا مثاليًا للطاقة المتجددة.

وتنبع الفكرة من أن هناك طاقة متجددة مبددة -توليد الكهرباء من عنفات الرياح بعد منتصف الليل والناس نيام مثال على الطاقة المبددة- ومن ثم يمكن إنتاج الأمونيا الخضراء منها، ثم استعمالها وقودًا في أيّ وقت يحتاجه الإنسان، وبهذه الطريقة تحوّلت الأمونيا إلى مخزن للكهرباء، مثل البطاريات.

ثالثًا، حامل للهيدروجين: يُعدّ تخزين الهيدروجين بكميات كبيرة صعبًا ومكلفًا، على حين أن استعمال الأمونيا أسهل وأرخص في التخزين والنقل، ويمكن بسهولة تكسيرها لتوفير غاز الهيدروجين عند الحاجة، وإمكان استعماله في خلايا الوقود.

ويجب تخزين الهيدروجين السائل في ظروف معينة تصل إلى سالب 253 درجة مئوية، على حين يمكن تخزين الأمونيا عند سالب 30 درجة مئوية فقط.

رابعًا: الأمونيا لديها كثافة أعلى للطاقة، تبلغ 12.7 ميغاجول/لتر، ورغم أنها لا تزال أقلّ بكثير من الوقود الأحفوري، فإنها أعلى عند المقارنة مع 8.5 ميغاجول/لتر للهيدروجين السائل.

طفرة مرتقبة للإنتاج والمشروعات

بعد قرن من استعمال الأمونيا في الزراعة، توجد بُنية تحتية واسعة للأمونيا، مع إنتاج نحو 180 مليون طن متري من الأمونيا سنويًا في جميع أنحاء العالم.

وتستهدف شركة أرامكو السعودية إنتاج نحو 11 مليون طن سنويًا من الأمونيا الزرقاء بحلول عام 2030، مع خطط المملكة لأن تصبح أكبر مُصدر للهيدروجين عالميًا، مستغلة احتياطياتها من الغاز.

وشهدت السنوات القليلة الماضية إعلان عدة مشروعات ضخمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء؛ ففي عام 2022، أعلنت السعودية مشروعًا ضخمًا بقيمة 5 مليارات دولار، لإنتاج 1.2 مليون طن متري من الأمونيا الخضراء سنويًا.

وتشارك شركة إير برودكتس الأميركية، مع أكوا باور ونيوم السعوديتين، ببناء أكبر منشأة في العالم للهيدروجين الأخضر، شمال غرب السعودية، بحلول عام 2025.

ومن المخطط أن يوفر المشروع 4 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي من شأنها توليد الكهرباء بما يكفي لعملية التحليل المائي، ومن ثم إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتحويله بعد ذلك إلى أمونيا، ليكون أسهل وأكثر أمانًا في الشحن، مع حقيقة أن الطن الواحد من الأمونيا يحتوي على 177 كيلوغرامًا من الهيدروجين.

ومن أكبر المشروعات عالميًا، مركز فلور دي ليز في كندا بسعة إنتاجية 43 مليون طن سنويًا، ويعتمد المشروع على الكهرباء المولدة بطاقة الرياح البحرية بسعة 500 غيغاواط، وسيُنتِج الأمونيا الخضراء.

 

الأمونيا الزرقاء
أحد مشروعات إنتاج الأمونيا - أرشيفية

وفي 2023، أعلنت إيبردرولا الإسبانية خططها لبناء أول محطة لإنتاج الأمونيا الخضراء في جنوب أوروبا، لتوريد نحو 100 ألف طن شمال القارة.

بينما تأبى الولايات المتحدة أن تتخلف عن الركب، إذ تخطط شركة سي إف إندستريز لإطلاق أول مشروع ضخم للأمونيا الخضراء في البلاد، مع خطة لإنفاق 100 مليون دولار على مدى السنوات الـ3 المقبلة، بهدف تحويل 20 ألف طن سنويًا من الأمونيا التقليدية -تنتج من الوقود الأحفوري- في مصنعها في ولاية لويزيانا، إلى اللون الأخضر، عن طريق تركيب أجهزة التحليل الكهربائي.

كما تحتضن ولاية تكساس الأميركية مشروع "هيدروجين سيتي"، بسعة إنتاجية سنوية 3 ملايين طن، ويستهدف إنتاج الأمونيا الخضراء وتصديرها إلى آسيا.

ويرصد الإنفوغرافيك التالي، أكبر مشروعات الهيدروجين الأخضر عالميًا من حيث السعة، التي تستهدف -غالبًا- إنتاج الأمونيا الخضراء وتصديرها:

أكبر مشروعات الهيدروجين الأخضر في العالم

عقبات أمام تعزيز إنتاج الأمونيا

مثل العديد من المصادر والتقنيات النظيفة، تظهر التكلفة عقبة رئيسة أمام تعزيز إنتاج الأمونيا الخضراء.

ولن يكون دعم صناعة وقود الأمونيا سهلًا، إذ تمثّل 5% من استهلاك الغاز الطبيعي عالميًا، على حين لا تزال مصادر الطاقة الخضراء أغلى بكثير من الغاز، وهناك حاجة لزيادة الكهرباء المتجددة لصنع الأمونيا الخضراء، وفقًا لتقرير صادر عن منتدى الاقتصاد العالمي.

وتُقدّر وكالة بلومبرغ نيو إنرجي فايننس، أن صناعة الأمونيا الخضراء ستحتاج إلى 150 مليار دولار من الدعم بحلول عام 2030، والمزيد من الاستثمارات الشاملة.

ووفقًا لمعظم التقديرات، ستبلغ تكلفة إنتاج الأمونيا الخضراء من مرتين إلى 4 مرات تكلفة نظيرتها التقليدية، ولا تزال بعض التقنيات اللازمة لاعتمادها، مثل محركات احتراق الأمونيا، قيد التجربة.

ومن المتوقع تزايد مصانع الأمونيا في جميع أنحاء العالم، بدءًا من عام 2025، لإنتاج الأمونيا الخضراء بسعر يتراوح بين 650 و850 دولارًا لكل طن متري، وفقًا لما ذكرته مؤسسة السجل الكوري للشحن (Korean Register of Shipping).

كما من المتوقع أن تنخفض التكلفة لتتراوح بين 400 إلى 600 دولار/طن متري بحلول عام 2030 ثم تنخفض مرة أخرى، لتتراوح بين 275 و450 دولارًا/طن متري عام 2040، مع زيادة الاستهلاك، وفقًا للتقرير.

وفي هذا الصدد، يرى مدير قسم آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط في منصة آرغوس المعنية بشؤون الطاقة، شير أندريا فالنتيني، أن الأمونيا الزرقاء قد توفر طريقًا أسرع وأرخص لاقتصاد الهيدروجين.

وقال: "بالنظر إلى إمكانات استعمال المنشآت الحالية، يجب أن تلعب الأمونيا الزرقاء دورًا مهمًا، سواء كان من خلال عملية انتقالية أو دورًا بجزء من مزيج الطاقة طويل الأجل"، بحسب ما نقلته مجلة أخبار الكيمياء والهندسة (C&EN).

كما يحدد فالنتيني عقبة أخرى أمام الأمونيا الخضراء، وهي أن محركات السفن البحرية حاليًا غير قادرة على استعمال الأمونيا، لذا يجب تطويرها حال رغبة الصناعة في جعل الأمونيا الخضراء وقودًا بديلًا.

وتُعدّ الأمونيا خطرًا على البشر، بالنظر لكونها مادة كاوية بتركيزات عالية، وسامّة، فضلًا عن كونها قابلة للاشتعال.

خلاصة القول

لا يستطيع العالم الاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة في التحول إلى مستقبل أخضر حيادي الكربون، كونها تتأثر بالظروف الجوية في الغالب، وتحتاج إلى التخزين عندما لا يحتاج الناس إليها.

وتمثّل الأمونيا الخضراء حلاً مجديًا لتخزين الطاقة المبددة، خاصةً أنه يمكن نقلها بسهولة، ولها استعمالات متعددة، إلّا أن هناك عقبات حقيقية، أهمها التكلفة وكونها مادة خطرة.

تنبيه.. جرى تحديث هذا التقرير في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق