محطة عملاقة لتغويز الفحم في إندونيسيا (صور)
نوار صبح
- • إندونيسيا رابع أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم
- • تغويز الفحم في إندونيسيا يهدف إلى دعم مصالح الفحم المحلية
- • الصين واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام والهند تتجه إلى الاستغناء عن الفحم في توليد الكهرباء
- • إندونيسيا تلجأ إلى تغويز الفحم تقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية من غاز البترول المسال
- • الحكومة الإندونيسية تصنف محطات تغويز على أنها مشروعات إستراتيجية وطنية
- • انبعاثات الميثان من مناجم الفحم تتجاوز انبعاثات قطاعي النفط والغاز العالميين
في يناير/كانون الثاني الماضي، دخلت شركة إير برودكتس آند كيميكلز الأميركية في شراكة مع إندونيسيا لبناء محطة لتغويز الفحم، بصفتها جزءًا من مشروع استثماري موجّه قيمته 15 مليار دولار، من شأنها تقويض التعهدات المناخية للبلاد.
وشرعت إندونيسيا في إنشاء محطة لتغويز الفحم بقيمة 2.3 مليار دولار في جزيرة سومطرة، ومن المتوقع الانتهاء من بنائها في عام 2025 أو 2026.
وتُعدّ هذه المحطة أحد أكبر استثمارات الفحم الخارجية الذي تنفذه شركة إير برودكتس آند كيميكلز الأميركية، ومقرها ولاية بنسلفانيا الأميركية، حسبما نشر موقع إنرجي مونيتور (energymonitor) في 7 يونيو/حزيران الجاري، واطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
- الفحم الحراري.. إندونيسيا تعرض تلبية احتياجات باكستان
- الوجه الآخر لارتفاع أسعار الفحم بين معاناة المستوردين وأرباح المصدرين (تقرير)
علاوة على ذلك، تشارك شركة إير برودكتس آند كيميكلز الأميركية في بناء منشأة تغويز ثانية للفحم في شرق كاليمانتان، على الجانب الإندونيسي من جزيرة بورنيو.
الاستثمار والتحديات المناخية
من المنتظر أن تنتج المحطتان معًا 3.2 مليون طن من ثنائي ميثيل الإيثر (دي إم إي) المستخرج من الفحم سنويًا، ما يجعلهما من بين أكبر المنشآت في العالم. ويُعد ثنائي ميثيل الإيثر غازًا اصطناعيًا يمكن استخدامه وقودًا بديلًا في الاستعمالات الصناعية أو الكيميائية أو تطبيقات النقل.
وقال خبير الطاقة في جمعية الطاقة المتجددة الإندونيسية، وهي مؤسسة فكرية محلية، سوريا دارما: إن هذا الاستثمار الضخم سيعود بالفائدة على إندونيسيا.
وأشار إلى أن هذا الاستثمار يمثّل تحديًا كبيرًا لأهداف الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، نظرًا إلى أن إندونيسيا طرف في اتفاقية باريس، وفي ظل تعهد الحكومة الإندونيسية بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
وتكمن المشكلة في أن هذه المحطات، عند بنائها، يمكن أن ترسخ الاستخدام طويل الأمد للفحم في بلد به احتياطيات هائلة من الفحم، وهو بالفعل رابع أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم.
في المقابل، تهدف إندويسيا من وراء تغويز الفحم إلى دعم مصالح وشركات الفحم المحلية.
وأوضح سوريا دارما أن الحكومة الإندونيسية ترغب في إيجاد بديل لغاز النفط المسال المخصص للاستخدام المنزلي، مشيرًا إلى أن الفحم سيطلق انبعاثات، وتساءل عن طريق معالجة شركة إير برودكتس آند كيميكلز الأميركية لهذه الناحية.
دوافع تغويز الفحم في إندونيسيا
تميّزت إندونيسيا -رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان- بأنها لاعب رئيس في أسواق الفحم العالمية.
وكانت إندونيسيا واحدة من أكبر مصدري الفحم الحراري -النوع المستخدم غالبًا لتوليد الكهرباء- منذ أوائل عام 2010، إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام والهند، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA).
وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الفحم -حاليًا- فإن مستقبل هذا السوق غير مؤكد، إذ توجد دلائل متزايدة على أن تلك البلدان تتجه إلى الاستغناء عن الفحم لتوليد الكهرباء.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت كوريا الجنوبية واليابان تعهدات الحياد الكربوني بحلول عام 2050 العام الماضي، في حين تشهد فيتنام والهند ارتفاعات كبيرة في استخدام الطاقة الشمسية.
وأصبحت حماية مستقبل الفحم مصدر قلق أساسيًا للحكومة الإندونيسية، لأن مصالح الفحم وشركاته في البلاد تتمتع بنفوذ سياسي كبير.
الحكومة تروّج لصناعة الفحم
يمتلك العديد من أعضاء حكومة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو أصولًا مالية كبيرة في مجال الفحم، بما في ذلك الوزير المنسق القوي للشؤون البحرية والاستثمار، لوهوت بنسار باندجايتان، ووزير الدفاع برابوو سوبيانتو.
ويمتلك العديد من أعضاء البرلمان -أيضًا- استثمارات أو حصصًا في الفحم.
كانت أولويتهم حماية مصالحهم الخاصة، وليس ضمان انتقال عادل نحو مصادر طاقة أنظف التي تمتلكها إندونيسيا بكثرة، كما يقول مدير البرنامج في مؤسسة "ترند آسيا"، وهي مؤسسة مقرها جاكرتا تركز على تسريع عملية تحول الطاقة، أندري براسيتيو.
وقال أندري براسيتيو إن الحكومة تروّج لصناعة الفحم وتضمن قدرتها على البقاء، على الرغم من أن بقية العالم يتخلى عن الفحم.
تُجدر الإشارة إلى أن تغويز الفحم يُعدّ تقنية عمرها قرن من الزمان، ولكن في السنوات الأخيرة أعادت صناعة الفحم إحياءها بوصفها بديلًا للغاز الطبيعي والبترول، وهي جزء من الجهود لإعادة تصنيف الفحم بصفته مصدر طاقة محايدًا كربونيًا.
وبينما فشلت معظم الجهود لبناء محطات تغويز الفحم في الولايات المتحدة، تُستخدم التكنولوجيا على نطاق واسع في الصين وجنوب أفريقيا - وهما دولتان رئيستان منتجتان للفحم.
وقالت محللة الأبحاث في مؤسسة "غلوبال إنرجي مونيتور" غير الربحية ومقرها ولاية كاليفورنيا، فلورا تشامبينوا: إنه نظرًا إلى تعهد المزيد من البلدان تتعهد بالاستغناء عن الكهرباء المولَّدة بالفحم، فإن الاهتمام يظهر في تقنيات الفحم الأقل تقليدية.
واستشهدت بمحطات تحويل الفحم إلى وقود سائل، في بلدان مثل إندونيسيا وباكستان والهند.
مصادر بديلة للإيرادات
من ناحية ثانية، دفعت إندونيسيا، في عهد الرئيس جوكوي، إلى زيادة استخدام تكرير الصادرات الرئيسة وتسويقها، بما في ذلك النيكل والبوكسيت كجزء من الجهود المبذولة لتنمية هذه الصادرات بصفتها مصادر للإيرادات.
إلى جانب دور ثنائي ميثيل الإيثر المستخرج من الفحم، في حماية مصالح الفحم المحلية، هناك هدف آخر يتمثل في تقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية من غاز البترول المسال، الذي تجادل الحكومة بأنه سيخلق فرص عمل ويحد من الاختلالات التجارية.
وقد ألغت الحكومة الإندونيسية الضرائب على الفحم المخصص للتغويز، لجعل الاستثمارات أكثر جاذبية، وصنّفت هذه المحطات على أنها مشروعات إستراتيجية وطنية تقلل من صرامة متطلبات تقييم الأثر البيئي.
وقد يؤدي تحفيز تغويز الفحم في إندونيسيا إلى إبطال أي انعكاسات لالتزام إندونيسيا بالتخلص التدريجي من استخدام الفحم في توليد الكهرباء بحلول عام 2040، وفقًا لما تشير إليه مؤسسة "ترند آسيا"، واطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتقدر المؤسسة أن خطط الحكومة لتغويز الفحم قد تتطلب القدر نفسه من الفحم الذي يتطلبه أسطول محطات توليد الكهرباء بالفحم في إندونيسيا بالكامل حاليًا.
من جهتها، ترى صناعة الفحم والمدافعون عنها في الحكومة الإندونيسية أن خطط التغويز تستحق التكلفة، لأنها ستفيد الاقتصاد من خلال تمكين استخدام المزيد من الطاقة المحلية والحفاظ على مئات الآلاف من الوظائف.
دور الاستثمار الأجنبي
تحتاج إندونيسيا إلى الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا لتوسيع استهلاك الفحم المحلي.
ورغم أن الشركات المحلية مثل شركة بي تي بوكيت أسام المملوكة للدولة تتمتع بخبرة وقدرة كبيرتين في مجال التعدين، فإنها تفتقر إلى المعرفة التكنولوجية لتطوير تغويز الفحم في المراحل النهائية. وهنا يأتي دور شركة إير برودكتس آند كيميكلز الأميركية.
وتُعد شركة إير برودكتس آند كيميكلز الأميركية رائدة في توفير تقنيات التغويز ولاعبًا رئيسًا في صناعة الهيدروجين والغاز الاصطناعي وحتى أنواع وقود الطائرات البديلة.
وبينما الشركة لا تدير سوى منشآت تغويز الفحم على نطاق صغير في الولايات المتحدة، فهي لاعب رئيس في سوق التغويز الرائد في العالم، الصين، إذ توفر التكنولوجيا لبعض من أكبر محطات التغويز في العالم.
ويُعدّ استثمار شركة إير برودكتس آند كيميكلز في إندونيسيا أكبر استثمار لتغويز الفحم في إندونيسيا، ولكنه ليس الاستثمار الوحيد - هناك أيضًا مشروع مشترك بقيادة صينية يتطلع إلى استثمار 560 مليون دولار في مشروع تغويز الفحم في آتشيه، شمال سومطرة.
ومع ذلك، فمن الواضح أنه دون شركة إير برودكتس من غير المرجح أن تتمكن إندونيسيا من تحقيق خططها الهائلة للتغويز وإنقاذ صناعة الفحم لديها من تحول الطاقة إلى الحياد الكربوني عبر آسيا.
وقالت محللة الأبحاث في مؤسسة "غلوبال إنرجي مونيتور"، فلورا تشامبينوا: إنه إذا نجحت الشركة في إنشاء سوق محلية للفحم يتجاوز أسطول محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم، فإن البنية التحتية الجديدة سوف تقلل التأثيرات البيئية السلبية الأخرى لعقود مقبلة.
دور احتجاز الكربون وتخزينه
يتساءل الكثيرون في إندونيسيا حول الدور الرئيس الذي تلعبه شركة إير برودكتس آند كيميكلز الأميركية في خطط تغويز الفحم في إندونيسيا.
جدير بالذكر أنه أُعلنت مشاركة هذه الشركة لأول مرة بعد أيام من مؤتمر المناخ كوب 26، إذ انضم الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أكثر من 40 دولة في التعهد بإنهاء تمويل الفحم.
وقال مدير البرنامج في مؤسسة "ترند آسيا" -وهي مؤسسة مقرها جاكرتا تركز على تسريع عملية تحول الطاقة- أندري براسيتيو: إن الاستغناء التدريجي عن الفحم يجب أن يشمل جميع أشكال الفحم، بما في ذلك ثنائي ميثيل الإيثر أو تغويز الفحم أو تسييل الفحم.
بدورها، تشعر جمعية الطاقة المتجددة الإندونيسية بالقلق من أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عن الفحم يمكن أن تكون لها انبعاثات أعلى من غاز البترول المسال الذي سيحل محله.
وأشارت محللة الأبحاث في مؤسسة "غلوبال إنرجي مونيتور" غير الربحية ومقرها ولاية كاليفورنيا، فلورا تشامبينوا، إلى أنه لا توجد خطط أو إستراتيجيات مقنعة لضمان توافق المشروعات مع أهداف انبعاثات الحياد الكربوني.
وأضافت أنه غير الواضح مدى تكلفة تقنية احتجاز الكربون وتخزينه غير المختبرة وغير المؤكدة التي ستؤثر في المشروع وجدواه.
وأوضحت أن تحويل الفحم إلى ثنائي ميثيل الإيثر يطلق انبعاثات كبيرة، وسيتطلب تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، لتتماشى مع أهداف الانبعاثات في الحياد الكربوني، ما سيجعل العمليات غير مجدية اقتصاديًا.
وأردفت تشامبينوا قائلة إن انبعاثات الميثان من مناجم الفحم في جميع أنحاء العالم تتجاوز الانبعاثات الصادرة عن قطاعي النفط والغاز العالميين.
اقرأ أيضًا..
- صراع النفط والغاز.. لبنان يطلب تدخل أميركا لحسم أزمة ترسيم الحدود مع إسرائيل
- منجم السكري.. هل يصبح أحد أكبر 10 مناجم ذهب عالميًا؟
- أنس الحجي: حصار النفط الروسي لن ينجح.. والأوروبيون سيشترونه من الهند والصين