نفطمفاهيم الطاقةموسوعة الطاقة

ما هي أوبك؟

الهدف الأصلي للمنظمة التخلص من الاعتماد على النفط

أنس الحجي

"أوبك" هو الاسم المختصر لمنظّمة الأقطار المصدّرة للنفط، بالإنجليزية "OPEC"، وهي نادٍ لمصدّري النفط، مهمّته تنسيق وتوحيد السياسات النفطية للدول الأعضاء، بهدف ضمان استقرار أسواق النفط عن طريق تأمين إمدادات نفطية كافية ومنتظمة وبتكاليف معقولة للمستهلكين، وضمان دخل مستمرّ للمنتجين، وعائد عادل على رأس المال للمستثمرين في صناعة النفط.

إذن، الهدف الأساس لمنظمة أوبك لا يقتصر على تحقيق المنفعة للمنتجين فقط، بل يمتدّ للمستهلكين والمستثمرين، إدراكًا من المؤسّسين وقادة أوبك أن مصلحة المنتجين مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمنفعة المستهلكين والمستثمرين.

كما إن استقرار أسواق النفط يتطلّب استمرارية الاستثمار، وهذا لا يحدث إلّا بوجود عائد مجزٍ عليه، واستمرار الطلب، ومن ثمّ يجب أن تكون أسعار النفط معقولة من وجهة نظر المستهلكين، واستمرارية العائد للمنتجين، وهذا يقتضي أن يكون السعر مناسبًا بشكل يفي بهذا الغرض من جهة، وأن تكون تذبذبات الأسعار منخفضة من جهة أخرى.

هذا يعني أن هناك أسعارًا معتدلة تهدف إليها، ومن ثمّ فإن الأسعار المرتفعة مضرّة، والأسعار المنخفضة مضرّة -أيضًا-، الأمر الذي يتطلّب وجود طاقة فائضة لاستغلالها وقت الطوارئ، وهذا ما قامت به السعودية تاريخيًا.

ولا شكّ أن دور السعودية الضخم في أسواق النفط، جعل من الصعب على الكثيرين فهم دور أوبك في أسواق النفط العالمية، فدورها محدود، لأن أغلب الدور الذي قامت به السعودية جرى تحت غطاء المنظمة، فقام بعضهم بإعطاء صفات لأوبك ما كان لها أن تكون لولا السعودية.

مرحلة تأسيس أوبك

أسّس أوبك 4 دول تطلّ على الخليج (مع فنزويلا)، لكن لم يجرِ انتخاب أمين عامّ للمنظّمة من أيٍّ من هذه الدول في العقود الماضية، بسبب الخلافات بينها -قبل أن يتم اختيار الكويتي هيثم الغيص لهذا المنصب أغسطس/آب 2022- ومع هذا يحضر الجميع كلّ اجتماعات المنظّمة.

العراق وإيران من مؤسّسي المنظّمة، ودخلتا في حرب ضروس استمرّت 8 أعوام، ومع ذلك حضر مندوبو إيران والعراق اجتماعات أوبك! العراق والكويت من الأعضاء المؤسّسين، ومع ذلك غزا العراق الكويت، واحتلّها، ثمّ احتلّ الأميركيون العراق عن طريق الكويت، ومع ذلك حضر مندوبو الكويت والعراق اجتماعات أوبك، طيلة تلك المدة!

استمرّت مرحلة التأسيس زهاء 12 عامًا، وتُوِّجت هذه الجهود بتأسيس أوبك يوم 14 سبتمبر/ أيلول عام 1960، بمشاركة 5 دول، 3 منها عربية، هي السعودية، والعراق، والكويت، بالإضافة إلى فنزويلا وإيران، ثمّ انضمّت لها قطر في عام 1961، ولكنّها انسحبت في نهاية 2018، بعد الخلاف المعروف مع السعودية والإمارات.

وانضمّت إندونيسيا وليبيا في عام 1962، إلّا أن إندونيسيا انسحبت، ثمّ عادت، ثم انسحبت للمرة الأخيرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وأصبحت خارج أوبك، لأنّها تحوّلت من مصدِّر صافٍ للنفط إلى مستورد صافٍ له، بسبب انخفاض الإنتاج من جهة، وزيادة الاستهلاك المحلّي من جهة أخرى.

وانضمّت أبوظبي في عام 1967، وبما أن الإمارات العربية المتّحدة تأسّست في نهاية 1971، امتدّت عضوية أبوظبي لتشمل دول الإمارات، ثمّ انضمّت الجزائر في عام 1969، ونيجيريا عام 1971، والإكوادور في عام 1973، ثم علّقت عضويّتها في عام 1992، ثمّ عادت بنهاية 2007، ولكنّها انسحبت مرّة أخيرة في بداية 2020.

وأصبحت الغابون عضوًا في المنظمة عام 1975، ثم انسحبت عام 1995، قبل أن تعود في عام 2016، كما انضمّت أنغولا في 2007، والكونغو في 2017، و غينيا الاستوائية في 2018، وبهذا يبلغ عدد الدول الأعضاء في منظّمة أوبك 13 دولة، كما هو مذكور في الرسم التوضيحي أدناه:

الدول الأعضاء في أوبك 2020

وعلى الرغم من أن المنظّمة تتّخذ من فيينا مقرًّا لها، إلّا أن الأعضاء المؤسّسين اختاروا -في البداية- جنيف مقرًّا للمنظّمة، أسوة بالمنظّمات العالمية الموجودة في سويسرا.

وبعد البداية في جنيف، رفضت الحكومة السويسرية الاعتراف بأوبك بصفتها منظّمة دولية، الأمر الذي أجبر المنظّمة على الذهاب إلى فيينا، حيث استقبلتها الحكومة النمساوية بكلّ ترحاب، وما زالت تقوم بذلك حتّى اليوم.

أسباب تأسيس أوبك

كما يذكرون في كتب التاريخ، فإن هناك أسبابًا مباشرة، وأخرى غير مباشرة، الهدف المباشر هو الوقوف صفًّا واحدًا ضدّ شركات النفط العالمية، التي سيطرت على الاحتياطيات والإنتاج في الدول المنتجة، من خلال امتيازات طويلة المدى، خاصّةً بعد قيام هذه الشركات بتخفيض أسعار النفط المعلنة، التي يُبنى عليها نصيب الحكومات، مرّتين في عام 1959.

وعلى الرغم من أن لكلّ دولة من الدول الـ5 المؤسّسة مصلحة معيّنة من تشكيل أوبك، تختلف عن مصالح الدول الأخرى، إلّا أن العامل المشترك بينها هو كيفية الضغط على شركات النفط للحصول على عوائد ماليّة أعلى.

أمّا الأسباب غير المباشرة، فتتمثّل في أفكار الوزيرين ألفونسو بيريز الفنزويلي، وعبدالله الطريقي السعودي، اللذينِ رأيا أن استغلال شركات النفط العالمية يجب أن يتوقّف، وأن تقوم الدول المنتجة باستغلال إيرادات النفط لتطوير نفسها واللحاق بركب الدول المتقدّمة.

المثير في الأمر أن الفكرة الأساسية لإنشاء أوبك جاءت إلى ألفونسو بيريز، نتيجة انبهاره بما فعلته "مفوّضية سكّة حديد تكساس"، من إجبار المنتجين في الولاية على تخفيض الإنتاج، ثمّ توزيع الحصص عليهم.

وعندما تعرّف على عبد الله الطريقي، وتطابقت أفكار الرجلين، قاما بدراسة ما تفعله المفوّضية، كما شاركا في مؤتمر منتجي تكساس المستقلّين وملّاك احتياطيات النفط، الذين كانوا خاضعين لتنظيم مفوّضية سكّة الحديد، إلّا أن أوبك أُنشأت دون حصص إنتاجية، ولم يُقرَّر تبنّي نظام الحصص إلّا في عام 1982.

المثير هنا أمران، الأوّل، أن فكرة وقف وتخفيض وتنظيم إنتاج النفط بقوّة قانونية ومُلزمة هي فكرة أميركية، وأن فكرة أوبك مبنيّة -من الأصل- على فكرة توزيع الحصص، إلّا إن نظام الحصص لم ينشأ إلّا بعد 22 سنة من إنشاء أوبك، وسنعرف لاحقًا لماذا هذا التأخير، ومن الواضح الآن أن أفكار ألفونسو والطريقي كانت أكبر من إمكانات الدول الأعضاء وقتها.

تنفيق الريع

تنفيق من "نفقة" أو "تكاليف"، والريع هو ما يحصل عليه مالك المصدر الطبيعي، مقابل السماح للآخرين باستخراج ذلك المصدر، ويُقصد بـ "تنفيق الريع"، جعله ضمن تكاليف الشركة، لأن ذلك يرفع من إيرادات الحكومة.

كان "تنفيق الريع" من أوّل وأهمّ إنجازات أوبك في الستينيات، عندما كانت شركات النفط العالمية تسيطر على احتياطيات النفط وإنتاجه وتسويقه، فقد كانت الشركات تحسب ما تدفعه من ريع على أنّه جزء من الأرباح أو الضرائب الذي تعطيه للحكومات.

إلّا أن الحكومات أصرّت على فصل الريع عن الأرباح والضرائب، وإدخاله في تكاليف الشركات، كما هي الحال في الولايات المتّحدة، ومن ثمّ، فإن الشركات تدفع الريع، ولنفرض أنّه 12%، ثمّ تحسبه في التكاليف، وبعدها تدفع الضرائب والجزء المتّفق عليه من الأرباح، الأمر الذي نتج عنه زيادة في الإيرادات الحكومية، من كمّية الإنتاج نفسها.

مرحلة شركات النفط الوطنية

كانت السيطرة على قرار الإنتاج الشغل الشاغل لمؤسّسي أوبك، إلّا أن الوضع السياسي في ذلك الوقت كان صعبًا، بسبب رضوخ أغلب دول العالم الثالث لوطأة الاستعمار، وكون بعضها تحرّر حديثًا، ولكن دون أيّ مقوّمات، حتّى لحماية حدود الدولة.

وفي اجتماع لدول أوبك في عام 1968، تقرّر تبنّي فكرة زيادة حصّة الحكومة، ومشاركتها في القرار، وتُرجم ذلك على أرض الواقع بإحدى طريقتين: التأميم، كما حدث في العراق وليبيا، مثلًا، أو المشاركة التدريجية، ثمّ شراء حصص الشركات الأجنبية، كما فعلت دول الخليج، ونتيجةً لذلك، أصبحت دول أوبك تسيطر على احتياطيات النفط فيها وقرارات الإنتاج، في أواخر السبعينيات، الأمر الذي مهّد لتبنّي الحصص الإنتاجية في عام 1982.

إذن، تأخُّر تبنّي الحصص الإنتاجية كان طبيعيًا، بسبب سيطرة الشركات الأجنبية على كلّ القطاع، بشكل شبه كامل.

وهناك خلاف بين الباحثين حول دور أوبك في موضوع نشوء شركات النفط الوطنية، وسحب البساط من تحت شركات النفط العالمية، فهل تعدّ سيطرة الشركات الوطنية على احتياطيات النفط وقرارات الإنتاج من منجزات أوبك؟ الراجح أنّها من منجزات الدول الأعضاء، وليست من منجزات أوبك بصفتها منظّمة.

وربّما يكون تبادل المعلومات بشكل غير رسمي من خلال اجتماعات أوبك، قد أدّى دورًا في ذلك؛ فقرارات التأميم أو المشاركة كانت فردية وسيادية، ودون تنسيق رسمي مع باقي دول أوبك.

كما إن هذه التغيّرات كانت ستحصل على كلّ حال، بسبب حركات التحرّر العالمية، وتأميم قناة السويس، خاصّةً أن تأميم القناة أدّى دورًا أساسيًا في إنشاء أوبك.

تنويه.. هذا التقرير تم تحديثه حتى 12 سبتمبر/أيلول 2023، وفق أحدث البيانات المتاحة.

لقراءة المزيد من مفاهيم الطاقة..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق