التقاريرتقارير السياراترئيسيةسيارات

صناعة السيارات في ألمانيا تواجه خطر الاستحواذات الإستراتيجية الصينية (تقرير)

سامر أبو وردة

على مدى عقود طويلة، برزت صناعة السيارات في ألمانيا بصفتها رائدة عالميًا، لكنها بدأت تواجه تحديات ضخمة، خلال السنوات الأخيرة، لعل أبرزها المنافسة الشرسة من جانب نظيرتها الصينية.

ولم تكتفِ شركات صناعة السيارات الصينية، مثل بي واي دي (BYD) وجيلي (Geely) وغريت وول موتورز (Great Wall Motors)، بما حققته من نجاحات في السوق المحلية، بل بدأت تستحوذ على استثمارات إستراتيجية في الشركات الألمانية.

ووفقًا لتحديثات قطاع السيارات عالميًا لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تمتلك الشركات الصينية حصصًا كبيرة في العديد من شركات صناعة السيارات الألمانية، مثل شركة جيلي، التي تملك العلامتين فولفو وبولستار، وتدير العلامة التجارية سمارت مع دايملر، بالإضافة إلى استحواذها على حصة تبلغ نسبتها 10% في دايملر، في عام 2018.

وأثار تنامي هذا الاتجاه المخاوف بشأن مستقبل صناعة السيارات في ألمانيا، ودفع إلى طرح تساؤلات عن "ماذا لو استحوذ المنافسون الصينيون على الصناعة الألمانية الرائدة عالميًا؟".

استحواذات صينية على حصص في الشركات الألمانية

مؤخرًا، كان الرئيس التنفيذي لشركة "دايملر" أولا كالينيوس، يبحث عن شريك في بكين، التي تُمثل سوقها نحو 36% من مبيعات مرسيدس، ولا تسير أمورها على ما يُرام في الوقت الحالي، حسبما أورد تقرير نشره القسم الألماني لموقع "بزنس إنسايدر".

وسجّلت المبيعات تراجعًا، في الربع الثالث من العام الجاري (2024)، بنسبة 13%، وتواجه السيارات الكهربائية الفاخرة، على وجه الخصوص، أصعب أوقاتها، وسعيًا لإيجاد حلول أبرموا صفقة مع منصة تيك توك لجلب الذكاء الاصطناعي الخاص بهم إلى السيارات في الصين.

ولا يقتصر استحواذ الصين على الشركات الألمانية على جانب واحد (شراء حصص)، لكنه يمتد إلى التكنولوجيا وسلاسل التوريد.

أحد مقار شركة كاتل الصينية للبطاريات
أحد مقار شركة كاتل الصينية للبطاريات - الصورة من ذا إيدج ماليزيا

على سبيل المثال، ترتبط أكبر شركة لصناعة السيارات في ألمانيا، فولكسفاغن، بعلاقات تقليدية وثيقة مع الصين تمتد إلى الإنتاج في ألمانيا.

وعلى الرغم من أن شركة كاتل الصينية لتصنيع البطاريات (CATL) لا تملك أي أسهم مباشرة في فولكسفاغن؛ فإنها شريك مهم لإنتاج السيارات الكهربائية، وجزء لا يتجزأ من سلسلة التوريد؛ ما يزيد من الاعتماد على التكنولوجيا والتمويل الصيني.

عوامل مؤثرة في الاستحواذات

تخضع شركتا فولكسفاغن وبي إم دبليو لسيطرة عائلات ذات نفوذ؛ إذ تمتلك عائلة بورشه-بييش أغلبية أسهم التصويت في فولكسفاغن، من خلال شركة بورشه، وهو الحال نفسه في شركة بي إم دبليو، التي تسيطر عليها أفراد عائلة كواندت.

ونتيجة لذلك؛ ففي حال طُرحت خطط بشأن بيع أسهم كبيرة بأي من الشركتين، فولكسفاغن وبي إم دبليو؛ فسيكون القرار عائليًا بحتًا.

ونتيجة لما يتطلبه التحول إلى التنقل الكهربائي والمنافسة الشرسة من جانب الشركات الصينية من استثمارات ضخمة، يتزايد الضغط على صناعة السيارات في ألمانيا.

وفي هذا السياق؛ ففي حال انخفضت الأرباح وارتفعت المخاطر؛ فإنه من الممكن أن تعيد الأسر التقليدية، مثل بورشه بيش أو كواندت، النظر في استثماراتها، ولا سيما إذا كانت العروض المربحة من المستثمرين الصينيين مطروحة على الطاولة.

التدخلات السياسية

يتساءل مراقبون "هل تستطيع السياسة الألمانية أن تمنع استحواذ الشركات الصينية على شركات صناعة السيارات في ألمانيا؟"، وتتلخص إجابة السؤال في أنه من حيث المبدأ، تستطيع سلطات المنافسة الألمانية والأوروبية منع أي صفقة إذا كانت ستؤدي إلى وضع احتكاري مهيمن في السوق أو تعرض الأمن القومي للخطر.

وأيضًا، بإمكان الحكومة الفيدرالية الألمانية التدخل ومنع الصفقة مثلما فعلت من قبل مع عمليات الاستحواذ على صناعات إستراتيجية أخرى.

وقبل ذلك، أثارت عمليات الاستحواذ الأجنبية على شركات ألمانية، مثل شراء شركة الأجهزة الصينية ميديا ​​لمجموعة الروبوتات الصناعية كوكا في عام 2016، واستحواذ شركة كارير، التي يقع مقرّها في الولايات المتحدة، على أعمال المضخات الحرارية المملوكة لعائلة فيسمان، مخاوف ونقاشات بين السياسيين في برلين بشأن مصير الميزة الصناعية في البلاد.

ورغم أن صناعة السيارات لا تُعد بشكل مباشر بنية تحتية بالغة الأهمية؛ فإن أهميتها الإستراتيجية للاقتصاد الألماني قد تبرر التدخل الحكومي، ولا سيما إذا أدّت التوترات الجيوسياسية مع الصين دورًا في ذلك.

وفي مثل هذه الحالات لا يكون التدخل خشنًا، بل تُستعمل أدوات السياسة؛ فعلى سبيل المثال، تمتلك ولاية ساكسونيا السفلى حصة تبلغ نحو 20% في شركة فولكسفاغن، ولديها أقلية معطلة.

توصيات لصناعة السيارات في ألمانيا

يتعيّن على شركات صناعة السيارات في ألمانيا مواكبة التقنيات والتكنولوجيا المتقدمة، ولا سيما في مجال التنقل الكهربائي، وتكنولوجيا البطاريات، والبرمجيات، التي تحظى الشركات الصينية بالسبق فيها.

مصنع شركة فولكسفاغن في ألمانيا
مصنع شركة فولكسفاغن في ألمانيا - الصورة من وكالة بلومبرغ

كما يتعيّن على شركات صناعة السيارات الألمانية -بهدف الحفاظ على الاستقلال- تقليل اعتمادها على الموردين والأسواق الصينية؛ إذ يُعد توسيع القدرات الإنتاجية في أوروبا وتنويع أسواق المبيعات أمرًا ضروريًا.

وعلى الجهات الحكومية وضع شروط إطارية واضحة وتقديم الحوافز؛ لمنع عمليات الاستحواذ الإستراتيجية وتشجيع الابتكار في الصناعة المحلية؛ إذ يمكن لصناعة السيارات في ألمانيا أن تظل مستقلة على المدى البعيد وتؤكد نفسها في المنافسة عالميًا، فقط من خلال القرارات المتسقة والابتكار.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق