الحرب في أوكرانيا والعقوبات.. غازبروم الروسية تواجه أكبر خسائرها (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح
- • غازبروم الروسية خسرت 6.9 مليار دولار في السنة المالية 2023
- • توقعات إيرادات غازبروم في الأعوام المقبلة غير مؤكدة
- • خط أنابيب باور أوف سيبيريا يهدف إلى تعزيز صادرات الغاز، وخصوصًا إلى الصين
- • شركة غازبروم بدأت الدخول إلى الأسواق الفورية داخل أوروبا بهدف تنويع قنوات مبيعاتها
تركت الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية اللاحقة لها، تأثيرًا كبيرًا في مشهد الطاقة العالمي، وخاصة شركة غازبروم، عملاقة الطاقة المملوكة للدولة في روسيا.
وبالنظر إلى سعي أوروبا الدؤوب لتنويع مصادر الطاقة لديها وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، سجلت الشركة الحكومية العملاقة أول خسارة مالية سنوية لها منذ أكثر من عقدين.
وترجع هذه النكسة المالية بصورة مباشرة إلى الانخفاض الحادّ في صادرات الغاز بأكثر من 50% إلى أوروبا، التي كانت تاريخيًا، سوق المبيعات الرئيسة لشركة غازبروم.
ونتيجة للجهود المتضافرة التي بذلتها أوروبا، كشفت شركة غازبروم، التي تمرّ بأكثر الأوقات صعوبة في تاريخها التشغيلي، عن أول خسارة سنوية لها منذ أكثر من عقدين من الزمن، بلغ مجموعها 629 مليار روبل (6.9 مليار دولار) في السنة المالية 2023.
ويؤكد هذا التراجع الكبير في صادرات الشركة الخطوات الناجحة التي حققتها أوروبا في تقليل اعتمادها على الغاز الروسي، في أعقاب الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى انخفاض إجمالي عائدات غازبروم بنسبة 30%.
تحديات إضافية تواجه غازبروم
تواجه شركة غازبروم عقبات كبيرة تفرضها التطورات الأخيرة التي خلّفتها الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك مصادرة الأصول من جانب شركة نفتوغاز الأوكرانية، بما يتجاوز 5 مليارات دولار.
يضاف إلى ذلك الاحتمال الوشيك لإجراءات التحكيم من جانب العملاء الأوروبيين الذين يسعون للحصول على تعويضات كبيرة عن إمدادات الغاز المتوقفة، بسبب تعطّل خط الأنابيب نورد ستريم.
وتؤكد هذه التطورات المحورية التفاعل المعقّد بين المتغيرات الجيوسياسية وأسواق الطاقة، ما يمهّد لتحوُّل جوهري في مشهد الطاقة العالمي، ويطرح تحديات كبيرة لاستدامة غازبروم المستقبلية وآفاق نموها.
وبالنظر إلى المستقبل، تبدو توقعات إيرادات الشركة الروسية قاتمة، إذ تواجه عددًا كبيرًا من التحديات.
ومن المتوقع أن تنخفض إيرادات التصدير بنسبة % في عام 2023، ما يشير إلى تراجع كبير في الأداء المالي، في حين انخفضت الأرباح الأساسية "الأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك واستهلاك الدين" (EBITDA) إلى 618.38 مليار روبل من 2.79 تريليون روبل في عام 2022.
من ناحية ثانية، انخفضت شحنات الغاز الطبيعي إلى أوروبا بنسبة 55.6% إلى 28.3 مليار متر مكعب في عام 2023، ما يعكس تراجعًا حادًا في حجم المبيعات داخل سوق حيوية.
وتواجه الشركة عقبات إضافية مثل العقوبات المتواصلة منذ انطلاق الحرب في أوكرانيا، وقيود خطوط الأنابيب، وانقطاع الإمدادات إلى أوروبا، ما يؤدي إلى تفاقم محنتها المالية.
ونظرًا لهذه الصعوبات، فإن توقعات إيرادات غازبروم في الأعوام المقبلة تظل غير مؤكدة، وخصوصًا إذا استمرت التوترات الجيوسياسية وديناميكيات السوق السائدة.
تدابير لمعالجة الخسارة السنوية
نفّذت شركة غازبروم العديد من التدابير الإستراتيجية لمعالجة خسائرها السنوية، ويتضمن هذا تنويع صادراتها من الطاقة من خلال إعادة توجيهها إلى أسواق بديلة مثل الصين والهند، في استجابة للطلب المتضائل في أوروبا.
وشرعت الشركة باستثمارات كبيرة في مشروعات جديدة، مثل خط أنابيب باور أوف سيبيريا، الذي يهدف إلى تعزيز صادرات الغاز، وخصوصًا إلى الصين.
بالإضافة إلى ذلك، تبذل شركة غازبروم جهودًا حثيثة لاستكشاف إستراتيجيات تنويع مصادر إيراداتها لمواجهة الانخفاض في عائدات الغاز.
وعلى الرغم من التحديات، شهدت الشركة أداءً إيجابيًا في قطاعي النفط والكهرباء، إذ شهد قطاع النفط زيادة في الإيرادات بنسبة 6.7%، وسجل قطاع محطات الكهرباء ارتفاعًا في المبيعات بنسبة 8.8%.
وتبنّت الشركة نهجًا أكثر حذرًا في التعامل مع الإنفاق، فقلّصت خططها الاستثمارية لعام 2024 بنحو 16% مقارنة بالعام السابق.
وتؤكد هذه المبادرات الشاملة الجهود الاستباقية التي تبذلها للتكيف مع ديناميكيات التجارة المتغيرة وتوسيع قاعدة عملائها، بهدف التخفيف من تأثير خسارتها السنوية.
وتشمل خطة الشركة متعددة الأوجه توسيع حضورها في آسيا، وخصوصًا في الصين، لتقليل الاعتماد على الأسواق الأوروبية.
ولتحقيق هذه الغاية، قامت شركة غازبروم باستثمارات كبيرة في مشروعات، مثل خط أنابيب باور أوف سيبيريا، المصمم لتعزيز صادرات الغاز إلى الصين.
وفي الوقت نفسه، أعادت الشركة توجيه صادراتها من الطاقة إلى دول أخرى مثل الصين والهند، استجابةً لتناقص الطلب في أوروبا، الذي بدأ في أعقاب انطلاق الحرب في أوكرانيا.
الأسواق الفورية في أوروبا
بدأت شركة غازبروم الدخول إلى الأسواق الفورية في أوروبا، بهدف تنويع قنوات مبيعاتها وتقليل الاعتماد على العقود الطويلة الأجل، التي تراجعت بعد الحرب في أوكرانيا.
بالإضافة إلى ذلك، شاركت الشركة بنشاط في عمليات تبادل الأصول والشراكات مع مؤسسات مثل شركة فينترشال التابعة لشركة "باسف" BASF الألمانية، بهدف إنشاء موطئ قدم في السوق الأوروبية وتوسيع قنوات البيع.
واستكمالًا لهذه الجهود، تواصل شركة غازبروم الاستثمار في مشروعات جديدة مثل خط أنابيب باور أوف سيبيريا، ما يعزّز حضورها في الصين، مع تقليل الاعتماد على الأسواق الأوروبية.
وتؤكد هذه الإستراتيجيات الجماعية النهج الاستباقي الذي تتّبعه الشركة الروسية العملاقة في التكيف مع ظروف السوق المتطورة وتنويع أسواق مبيعاتها لتعويض تأثير انخفاض الطلب الأوروبي.
وقد واجهت الشركة -التي كانت في السابق مؤسسة مزدهرة- انكماشًا كبيرًا، ما يمثّل خسارتها السنوية الأولية منذ أكثر من عقدين من الزمن.
ويتناقض صافي خسارة الشركة البالغة 629 مليار روبل (6.9 مليار دولار) في عام 2023 بصورة واضحة مع صافي أرباح العام السابق البالغ 1.2 تريليون روبل.
(الروبل الروسي = 0.011 دولارًا أميركيًا)
وترتبط هذه النكسة المالية ارتباطًا مباشرًا بالانخفاض الكبير في مبيعات غازبروم من الغاز إلى أوروبا، سوقها الرئيسة.
بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، أدت الجهود التي بذلتها أوروبا لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية إلى انخفاض صادرات غازبروم من الغاز إلى القارة بأكثر من 55%، لتصل إلى 28.3 مليار متر مكعب فقط في عام 2023.
ونتيجة لجهود أوروبا بعد الحرب في أوكرانيا، شهدت الشركة انخفاضًا كبيرًا في إجمالي الإيرادات، بانخفاض ما يقرب من 30%، من 11.7 تريليون روبل إلى 8.5 تريليون روبل، مقارنة بالعام السابق.
على صعيد آخر، شهدت الأرباح الأساسية للشركة، أو "الأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك واستهلاك الدين" انخفاضًا كبيرًا إلى 618.38 مليار روبل، وهو أدنى مستوى لها في 22 عامًا.
وتواجه الشركة الروسية تحديات إضافية، بما في ذلك مصادرة الأصول من جانب شركة نافتوغاز الأوكرانية وإجراءات التحكيم المحتملة من العملاء الأوروبيين الذين يسعون للحصول على ما يقرب من 15 مليار يورو (16,15 مليار دولار) مقابل الإمدادات المعطّلة بسبب الأضرار التي لحقت بخطّ أنابيب نورد ستريم.
التحول الكبير في مشهد الطاقة العالمي
تُظهر الخسائر السنوية التي تتكبدها شركة غازبروم وسط ديناميكيات التجارة المتغيرة، التحول الكبير في مشهد الطاقة العالمي.
وكانت الحرب في أوكرانيا والتحول الإستراتيجي الذي اتّبعته أوروبا بعيدًا عن مصادر الطاقة الروسية سببًا بانحدار مالي غير مسبوق في تاريخ الشركة الروسية العملاقة.
وكان الانخفاض الكبير في مبيعات الغاز إلى أوروبا، فضلًا عن التحديات التنظيمية والجيوسياسية، سببًا في إعادة تشكيل النظرة المالية للشركة بصورة جذرية.
ومع استمرار أوروبا في تنويع مصادر الطاقة لديها، تواجه الشركة عقبات كبيرة في التكيف مع ديناميكيات التجارة المتطورة والحفاظ على مكانتها في السوق.
وتعتمد استدامة الشركة المستقبلية على قدرتها في التغلب على هذه التحديات بفعالية، وتوسيع قاعدة عملائها خارج السوق الأوروبية التقليدية.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- وحدة أبحاث الطاقة: 3 تغيرات تشهدها أسواق النفط بعد عامين من الحرب في أوكرانيا
- هجمات الحوثيين والحرب في أوكرانيا تُربكان أسواق النفط خلال 2024 (صوت)
- الحرب في أوكرانيا.. كيف أنقذ النفط السعودي الأسواق الآسيوية خلال عام؟
اقرأ أيضًا..
- حقل أفروديت للغاز يثير الجدل مجددًا.. وحقل ظهر المصري يترقب الموقف
- أكبر 5 صفقات نفطية في أبريل 2024 تشهد صدارة خليجية
- اكتشاف غاز جديد في الإمارات.. ونفط الشارقة: كميات اقتصادية مبشرة