احتياطيات النفط والغاز في روسيا كبيرة ظاهريًا وتتضاءل مقارنة بمعدلات الإنتاج اليومي (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- روسيا تمتلك احتياطيات نفطية كبيرة تصل إلى 19.1 مليار طن
- %60 من الاحتياطيات النفطية الروسية تُصنّف على أنها يصعب استردادها
- روسيا تتمتع بدور محوري في توريد النفط والغاز خصوصًا إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية
- روسيا ستحافظ على دورها موردًا رئيسًا للطاقة في المستقبل المنظور
تبدو احتياطيات النفط والغاز في روسيا ضمن وجهة نظر مختلطة تعكسها البيانات الأخيرة، الصادرة عن وزارة الموارد الطبيعية والوكالة الفيدرالية للموارد المعدنية في الاتحاد الروسي Rosnedra .
وانطلاقًا من بداية عام 2023، تمتلك روسيا احتياطيات نفطية كبيرة تصل إلى 19.1 مليار طن، واحتياطيات غاز تبلغ 43.9 تريليون متر مكعب.
رغم ذلك، يتمثّل التحدي الكبير في أن 60% من هذه الاحتياطيات النفطية تُصنّف على أنها "يصعب استردادها"، ما يعقّد جهود الاستخراج.
وفي العام نفسه، حققت شركات الطاقة الروسية 43 اكتشافًا هيدروكربونيًا جديدًا، وأضافت مجتمعة 43 مليون طن من النفط و145 مليار متر مكعب من الغاز.
وتتضاءل هذه الأرقام، رغم أنها كبيرة ظاهريًا، مقارنة بمعدلات الإنتاج اليومي في البلاد وأحجام الاكتشافات التاريخية.
أثر احتياطيات النفط والغاز في روسيا حاليًا
يواجه قطاع الطاقة في روسيا تحديًا كبيرًا يتراوح بين الاحتياطيات الهيدروكربونية الكبيرة والمحدودة وخروج التقنيات والخبرة الغربية المهمة.
وفي الوقت الحالي، تشير التقديرات إلى أن احتياطيات النفط والغاز المستكشفة في روسيا ستدعم الإنتاج لمدة 40 و70 عامًا تقريبًا على التوالي، وهذا يضع روسيا لاعبًا رئيسًا في سوق الطاقة العالمية في المستقبل المنظور، نظرًا إلى دورها المحوري في توريد النفط والغاز، خصوصًا للأسواق الأوروبية والآسيوية.
رغم ذلك، فإن خروج شركات الخدمات النفطية الغربية الرائدة -شلمبرجيه، وهاليبرتون، وبيكر هيوز، وويذرفورد- يمثل عقبة هائلة.
وتوقفت هذه الشركات عن الاستثمار وتوريد تقنيات حقول النفط المتقدمة إلى روسيا، التي مكّنت تقليديًا من استخراج ومعالجة الهيدروكربونات بكفاءة.
وتُعد هذه الخطوة جزءًا من العقوبات الاقتصادية الأوسع نطاقًا وخروج الشركات ردًا على التوترات الجيوسياسية، ما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي تواجهها روسيا في الحفاظ على قدراتها الإنتاجية، ناهيك بتوسيعها.
الاكتشافات الجديدة
يعكس الوضع الراهن صورة دقيقة لإدارة الموارد الروسية ونجاح الاستكشاف، ويتمثّل أكبر الاكتشافات الجديدة في حقل بورسكوي في منطقة إيركوتسك، ويحتوي على 8.7 مليون طن من النفط، أي ما يعادل ستة أيام فقط من مستويات الإنتاج الحالية لروسيا.
وهذا يسلط الضوء على قضية بالغة الأهمية، على الرغم من جهود الاستكشاف القوية وزيادة الاستثمار المالي في البحوث الجيولوجية، فإن العائد من هذه الأنشطة آخذ في التضاؤل.
ويمثّل إجمالي النفط الجديد الذي جرى تحديده في عام 2023 أدنى مستوى له منذ 6 سنوات، إذ بلغ 565 مليون طن، بانخفاض قدره 30.9% عن العام السابق.
ويُعد هذا الانكماش جزءًا من اتجاه طويل المدى لانخفاض أحجام الاكتشافات، مع تزايد ندرة الحقول الجديدة المهمة على مدى السنوات الـ5 الماضية.
وعلى الرغم من هذه التحديات، من المهم أن ندرك أن الزيادة السنوية في الاحتياطيات ما تزال تتجاوز مستويات الإنتاج، ما يشير إلى أن روسيا ستحافظ على دورها بصفتها موردًا رئيسًا للطاقة في المستقبل المنظور، في المقابل، فإن انخفاض معدل الاكتشافات الجديدة والانتشار المتزايد للاحتياطيات التي يصعب استخراجها يمكن أن يضغط على الصناعة للابتكار والتكيف لضمان الإنتاج المستدام والاستقرار الاقتصادي.
منعطف حاسم
تؤكد تصريحات وكيل وزارة الطاقة في الاتحاد الروسي، بافيل سوروكين، منعطفًا حاسمًا بالنسبة إلى صناعة النفط والغاز في روسيا.
ووفقا لسوروكين، فإن غالبية احتياطيات الموارد الحالية في روسيا تُعد حاليًا في مرحلة الإنتاج، والعديد من الحقول على وشك الاستنفاد.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا الوضع إلى انخفاض ريع الموارد على المدى المتوسط، مدفوعًا بتصاعد تكاليف الاستخراج والصعوبة المتزايدة لاكتشاف مكامن جديدة.
وتتفاقم هذه التحديات بسبب تدهور نوعية الاحتياطيات المتبقية، ما يزيد من تعقيد عملية الاستخراج ويقلل الكفاءة.
واستجابة لهذه التحديات الناشئة، يدعو سوروكين إلى تعزيز الحوافز الضريبية الرامية لتنشيط الاستثمار في القطاع، خصوصًا في تنمية الودائع المستنفدة.
ويحدد سوروكين منطقة خانتي مانسيسك المتمتعة بالحكم الذاتي، ووسط روسيا، وأجزاء من شرق سيبيريا بصفتها مناطق مهمة، إذ يمكن تركيز هذه الجهود.
من ناحية ثانية، يشير التركيز الإستراتيجي على هذه المناطق إلى التحول نحو زيادة الإنتاج من الحقول الحالية، مع محاولة اكتشاف وتطوير احتياطيات جديدة داخل هذه المناطق.
بدورها، تخفف الحوافز الضريبية المقترحة بعض الأعباء المالية المرتبطة بمشروعات الاستخراج عالية التكلفة، ومن المحتمل أن تحفز الابتكار التكنولوجي وتطوير البنية التحتية، وهو أمر ضروري للوصول إلى الاحتياطيات الأعمق أو الأكثر صعوبة من الناحية الفنية واستغلالها بكفاءة.
ويعكس هذا النهج ضرورة أن يتكيّف قطاع الطاقة في روسيا مع تغيرات الطلب العالمي على الطاقة والضغوط الداخلية لإدارة الموارد.
توقعات واقعية لإنتاج النفط الروسي
قدّم كبير الاقتصاديين لدى بنك فينيشيكونومبانك التابع للدولة، أندريه كليباتش، توقعات واقعية لإنتاج النفط الروسي في المنتدى الوطني للنفط والغاز، مشيرًا إلى التحديات الكبيرة التي من المتوقع أن تقيّد النمو حتى نهاية العقد.
وعلى الرغم من المرونة التي ظهرت في مواجهة العقوبات الأولية والضغوط الخارجية، سلط كليباتش الضوء على التفاعل المعقد بين القيود اللوجستية والتوترات الجيوسياسية المستمرة التي من المرجح أن تحد من قدرة روسيا على زيادة إنتاج النفط بصورة كبيرة قبل عام 2030.
ويتوقع زيادة محتملة إلى ما يقرب من 540 مليون طن سنويًا، ويتوقف ذلك على القدرات التصديرية للبلاد، التي تواجه مخاطر كبيرة، لا سيما بسبب ضعف أنظمة النقل المعتمدة على الناقلات أمام العقوبات والصراعات الإقليمية، مثل تلك التي تؤثر في طرق البحر الأحمر.
بالإضافة إلى ذلك، أشار كليباتش إلى التحول الكبير الذي طرأ على أنماط تصدير النفط الروسي، إذ أصبح جزء كبير منه يتجه الآن نحو الهند، التي تمثّل نحو 37% من صادرات النفط الروسية في الأعوام الأخيرة.
وعلى الرغم من هذا المحور الإستراتيجي، فإن تصاعد الصادرات بصورة أكبر على المدى القريب قد يشكّل تحديًا بسبب التعقيدات وزيادة التكاليف المرتبطة بطرق النقل غير خطوط الأنابيب.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التحول في آليات الدفع، مع إجراء جزء كبير من المعاملات بالدرهم الإماراتي واليوان الصيني بدلًا من الدولار، يمثّل طبقة أخرى من التعقيد يمكن أن تعوق تدفق الإيرادات من صادرات النفط. في المقابل، تبدو توقعات الغاز الطبيعي أكثر تفاؤلًا، مع وجود آفاق واعدة لصادرات الغاز المسال واحتمال تطوير أنظمة خطوط أنابيب جديدة، خصوصًا مع الصين.
وستتطلب هذه الفرص استثمارات طويلة الأجل واتفاقيات سياسية إستراتيجية لتحقيقها، ما يؤكد ضرورة تكييف روسيا إستراتيجية الطاقة لديها، استجابة للتحديات المباشرة وإمكانات السوق المستقبلية.
الفجوة التقنيّة
تمتد الآثار المترتبة على هذه التطورات إلى ما هو أبعد من العجز التقني المباشر، إذ تخاطر روسيا بالتخلف عن إنتاج الطاقة العالمية وتحولها، لأنها تفقد إمكان الوصول إلى التقنيات المبتكرة الضرورية لتعزيز استخراج النفط والحد من التأثير البيئي.
ومن الممكن أن تؤدي هذه الفجوة التقنيّة إلى انخفاض كفاءة الإنتاج وربما زيادة تكاليف الإنتاج، ما يقوّض قدرة روسيا على المنافسة في سوق النفط العالمية التي تعاني ضيقًا شديدًا.
وبالنّظر إلى تحول التركيز الدولي نحو مصادر الطاقة المتجددة والإبداعات التقنيّة للحد من انبعاثات الكربون، فإن اعتماد روسيا الكبير على الموارد الهيدروكربونية التقليدية يمكن أن يحد من خياراتها الإستراتيجية على المدى الطويل.
إزاء ذلك، قد تحتاج روسيا إلى الاستثمار بصورة كبيرة في تطوير التكنولوجيا المحلية أو البحث عن شركاء دوليين بديلين يمكنهم توفير المعدات والخبرة اللازمة.
ويُظهر هذا الوضع التداعيات الأوسع نطاقًا للعزلة الجيوسياسية، ويشكّل منعطفًا حاسمًا بالنسبة إلى روسيا، لإعادة تقييم وربما إعادة ضبط نهجها الإستراتيجي في قطاع الطاقة والدبلوماسية الدولية.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- الجزائر تعلن "مشروع القرن" في قطاع الطاقة
- لمواجهة انقطاع الكهرباء في مصر.. حل شمسي بأقل سعر
- تخزين الهيدروجين في آبار النفط والغاز الناضبة.. دراسة جديدة