مسؤول: الطاقة المتجددة في الجزائر تنتج 590 ميغاواط.. وهكذا نستغل الهيدروجين الأخضر محليًا (حوار)
عماد الدين شريف - الجزائر
تشهد الطاقة المتجددة في الجزائر نشاطًا كبيرًا على جميع الأصعدة، ضمن مساعي الدولة لتنويع مزيج الطاقة لديها؛ بما يحقق الموثوقية، ويدعم الاقتصاد، ويرسّخ مكانة البلاد بصفتها مصدّرًا للعديد من مصادر الطاقة.
وضمن هذا الإطار، تعمل محافظة الطاقات المتجددة في الجزائر على تنفيذ مجموعة من الأنشطة التي تصب في ذلك الاتجاه؛ إذ تُعَد إحدى المؤسسات الحكومية التي يُعوَّل عليها كثيرًا في تطوير القطاع وتعظيم مخرجاته.
ويكشف محافظ الطاقات المتجددة والفاعلية الطاقوية نور الدين ياسع، في حوار خاص مع منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن)، عما تقوم به المحافظة من جهود لتطوير قطاع الطاقة المتجددة في الجزائر، مع إلقاء الضوء على أحدث نتائج هذه الجهود على أرض الواقع.
ويتطرّق "ياسع" إلى مختلف جوانب قطاع الطاقة المتجددة في الجزائر؛ بما في ذلك إنتاج الهيدروجين الأخضر ودور الشركات المحلية والعالمية فيه.
كما يتحدّث عن البرامج الوطنية، وأطرها القانونية، والعديد من النقاط المهمة التي يكشف عنها الحوار التالي:
ما نظرتكم لقطاع الطاقة المتجددة في الجزائر؟ وما إسهام المحافظة فيه؟
محافظة الطاقات المتجددة تُسهِم مع جميع القطاعات الوزارية في بعث المشروعات الخاصة بالانتقال الطاقوي في الجزائر، ضمن تنفيذ خطة عمل الحكومة وبرنامج رئيس الجمهورية في هذا المجال؛ ومن ثَم فقد عملت المحافظة منذ تأسيسها على وضع البنية التحتية للقيام بهذا الدور.
ومن هذا المنطلق؛ فالمحافظة الآن تتحكم في مختلف الجوانب التي تخص الطاقة المتجددة في الجزائر: الإدارية والتقنية والفنية، فضلًا عن الموارد البشرية.
وعملت المحافظة -في إطار مهامها- على تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية المتعلق بما يُعرف بـ"مناطق الظل" وهي المناطق المعزولة البعيدة على شبكة الطاقة، وهذا بالتعاون مع وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية في إطار اتفاقية بين الجانبين، التي برزت ثمارها في الوقت الحالي.
هناك برنامج لتوسيع استعمال الطاقة المتجددة في الجزائر، كيف يجري هذا؟
رافقت المحافظة -ضمن مهامها بتوسيع استعمال الطاقة المتجددة في الجزائر- الجماعات المحلية في عملية توزيع معدات للهياكل الشمسية تتكون من الألواح الشمسية والبطاريات لتخزين الطاقة لتزويد المناطق المعزولة بالكهرباء المستمدة من الشمس، وأحصت هيئتنا -حتى الآن- أكثر من 5200 نظام شمسي.
وفي الإطار نفسه، يبلغ عدد المدارس الابتدائية المزودة بأنظمة الطاقة الشمسية، نحو 1000 مدرسة نموذجية في مختلف مناطق البلاد، ما يعادل 4 ميغاواط، ضمن هدف تجهيز مدرسة في كل بلدية بهذه الأنظمة؛ تحقيقًا لمجموعة من الأبعاد؛ أولها توفير الطاقة من مصادر متجددة، بالإضافة إلى البعد التربوي والبيئي؛ ما يضع تلاميذ المدارس أمام تجارب عملية لاستعمال المصادر النظيفة للحصول على الطاقة.
وتسعى محافظة الطاقات المتجددة -أيضًا- إلى تجسيد برنامج رئيس الجمهورية المتعلّق بتوفير الإنارة العمومية من مصادر الطاقة الشمسية، وقد وصل حاليًا إلى أكثر من 132 ألف نظام خاص بالإنارة العمومية بالطاقة الشمسية، تمثل نحو 12.3 ميغاواط، بالإضافة إلى الأنظمة الموجهة للاستعمال في ضخ المياه بمجال الري والفلاحة، ولا سيما في المناطق الجبلية والصحراوية.
ماذا عن البرنامج الوطني للهيدروجين الأخضر؟
شاركت المحافظة في وضع الخطة الوطنية وإعداد الإستراتيجية الخاصة بالبرنامج الوطني لتطوير الهيدروجين؛ بما في ذلك الأخضر والأزرق، والمصادقة عليها من قِبل أعلى هرم في السلطة، وهي الآن في طور التنفيذ، من خلال العمل على الأطر القانونية والتشريعية، موازاة مع التكوين على مستويين؛ المهني والعلمي، تزامنًا مع إطلاق مشروعات نموذجية، على غرار مشروع إنتاج 50 ميغاواط من الهيدروجين الأخضر.
ونؤكد في هذا السياق أنّ الجزائر بلد طاقوي أثبت مصداقيته في أعين زبائنه، خاصة في الضفة الشمالية للمتوسط، أما بشأن إنتاج الهيدروجين الأخضر؛ فإنّ الإستراتيجية الوطنية تتحدّث عن الهيدروجين المستمد من الطاقات المتجددة؛ الأمر الذي يفرض المرور بمجموعة من المراحل؛ أولها التحكم في التقنية ضمن خطة متكاملة لإنشاء اقتصاد حول شعبة الهيدروجين.
ومن هذا المنطلق؛ فإنّ المقاربة الجزائرية تقوم على انخراط الشركات الأجنبية -الأوروبية وغيرها- في تحقيق هذه الخطة، عبر استثمارها في مشروعات الهيدروجين، خاصة أنّ بنود قانون الاستثمار في نسخته الأخيرة تشجع هذا النوع من المشروعات، فضلًا عن الاستفادة من البنية التحتية والتجربة الجزائرية في مجال إنتاج الغاز ونقله؛ ومن ثَم تخفيض التكلفة أيضًا. كما يمكن استغلال الهيدروجين النقي محليًا في إنتاج الأسمنت الأخضر، والأسمدة الخضراء، والحديد الأخضر، وغيرها من المجالات ذات القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.
هل للمحافظة دور على المستوى الدولي؟
على المستوى الدولي تُعَد محافظة الطاقات المتجددة عضوًا فاعلًا في مجلس الأمناء للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، فضلًا عن التعاون في إطار لجنة الخبراء للطاقة المتجددة لجامعة الدول العربية، من خلال تقديم مجموعة من الاقتراحات والإسهامات في مجال الخطة العربية لتطوير الهيدروجين الأخضر، والخطة العربية لتطوير نقل الكهرباء، ودراسة تخص استعمال الطاقات المتجددة في تحلية مياه البحر.
في الشأن نفسه، اقترحنا في إطار المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة تشبيك الهيئات ومراكز البحث لتبادل المعارف والخبرات، بالإضافة إلى التكوين والتدريب.
كم يبلغ إنتاج الطاقة المتجددة في الجزائر؟
يبلغ إنتاج الطاقة المتجددة في الجزائر 590 ميغاواط؛ من بينها 130 ميغاواط من الطاقة المائية، ولا تمثل طاقة الرياح سوى 10 ميغاواط، في حين تنتج الطاقة الشمسية نحو 39 ميغاواط خارج الشبكة ضمن مجموعة الأنظمة التي تحدثنا عنها آنفًا، والموجّهة للمناطق المعزولة، والبنيات العمومية، والإنارة العمومية بالطاقة الشمسية وغيرها من الاستعمالات، على أنّ وتيرة النمو متزايدة سنة عن أخرى؛ إذ إنّ الأرقام المقدمة تخص سنة 2022، وتعمل المحافظة على حصيلة العام الماضي.
ما شروط نجاح البرامج الوطنية؟
يفرض تجسيد مشروعات الطاقة المتجددة في الجزائر مشاركة جميع القطاعات من أجل تجسيدها ميدانيًا، ولا سيما أنها تتطلب توفير نسيج صناعي وطني لمرافقتها، من حيث إنتاج الألواح الشمسية والبطاريات الشمسية والمحولات، أو كل سلاسل القيم، ومن ثَم فإنّ البرامج لا تعني مشروعات الطاقة فحسب، وإنما مشروعات صناعية أيضًا، وهي مجموعة الخطوات التي من شأنها توفير فرص العمل، وتوفير الديناميكية الصناعية، فضلًا عن إنتاج الطاقة.
ومن هذا المنطلق؛ فإنّ كل الجامعات الجزائرية والمدارس العليا -حاليًا- تملك تخصصات في مجال الطاقات المتجددة، والهيدروجين، بالإضافة إلى أكثر من 100 مركز للتكوين المهني، لتخرّج تقنيين وتقنيين سامين في تخصص الطاقات المتجددة، ولاحظنا طلبًا متزايدًا على هذا التخصص، منتقلًا من 300 متخرج في 2021 إلى نحو 800 في السنة الماضية.
ماذا عن الإطار القانوني؟
هو جانب مهم، تعمل عليه المحافظة منذ نشأتها؛ بغرض توسيع استعمال الطاقات المتجددة على مستوى جميع القطاعات؛ إذ إنّ هناك فريق عمل يعمل بالتنسيق مع جميع القطاعات، الطاقة والمناجم، والداخلية والجماعات المحلية، والبيئة والطاقات المتجددة والمحافظة ومجموعة من القطاعات الأخرى؛ من أجل وضع القانون والتنظيم التقني، ولا سيما الموجّه لاستعمال الأنظمة الشمسية الصغيرة الموضوعة على أسطح المباني، بهدف ربطها مع شبكات التوزيع الخاص بالتوتر المنخفض.
ووضعت الصيغة الأولوية لتحديد المواصفات الفنية والتقنية الضرورية لهذا النوع من الأنظمة الشمسية الصغيرة، بالإضافة إلى الجوانب القانونية الخاصة بمنح التراخيص، فضلًا عن الجانب المهم المتعلق بالتحفيزات لتشجيع تركيب أنظمة الطاقة الشمسية مع الاستفادة من تجارب العديد من الدول عبر العالم، وتفادي الأخطاء المرتكبة من قبلهم.
هل تملك الجزائر القدرة على تغطية الطلب المحلي من التجهيزات والألواح الشمسية؟
عندما نتحدث عن الصناعة في مجال الطاقات الشمسية، نتكلم بالأساس عن الاستثمار وإنتاج الألواح الشمسية الكهروضوئية، وهو قطاع عرف تطورًا في السنوات القليلة الماضية؛ حيث تبلغ القدرة الإنتاجية حاليًا نحو 400 ميغاواط، في القطاعين العمومي والخاص، بمواصفات تحترم المعايير العالمية، من شأنها ضمان الاستدامة الضرورية والمواصلة في الإنتاج.
ونلاحظ مساعي لاستثمار شركات أخرى في هذا المجال، لا سيما لكون التحفيزات التي تقدمها السلطات العمومية لهؤلاء المنتجين، فضلًا عن وجود رؤية واضحة المعالم، ومن ثَم فإنّ نجاح البرامج لا يتوقف على المشروعات الطاقوية فحسب؛ وإنما على المشروعات ذات البعد الصناعي كذلك، موازاة مع التطوير التقني والابتكار، وتوفير نوع من التواصل مع مراكز البحث والمخابر.
انتقل تجسيد المشروعات الكبرى 1000 و2000 ميغاواط إلى مجمع سونلغاز.. هل سيُسرع هذا الأمر من العملية؟
سونلغاز تملك خبرة طويلة في هذا المجال، على غرار إنجاز 23 من محطات الطاقة المتجددة في الجزائر، فضلًا عن امتلاكها الإمكانات والإطارات البشرية؛ لذلك فإنّ تسلُّم شركة سونلغاز لتنفيذ البرامج الوطنية يندرج في صلب الإستراتيجية الوطنية، وتحقيق تسارع لتجسيدها على أرض الواقع، ومن ثَم بلوغ الأهداف الموضوعة وهي إنتاج 15 ألف ميغاواط في آفاق سنة 2035.
وعلى هذا الأساس، فإنّ كل الخطوات العملية تتقدّم بوتيرة جيدة لترجمة النموذج الطاقوي المتوازن، تحظى فيه الطاقة المتجددة في الجزائر بنصيب مهم، من خلال تجسيد البرامج الوطنية المقررة في الآجال المطروحة، ومن ثَم تقليص الاعتماد على الغاز في إنتاج الكهرباء، وقصد الحفاظ على هذا المورد المهم سواءً لاستهلاكه على الصعيد المحلي واستغلاله في الصناعات التحويلية أو تصدير جزء منه إلى الخارج.
هل من كلمة أخيرة؟
نعم؛ نؤكد في الأخير أنّ الجزائر تنعم بالرفاهية الطاقوية والأمن الطاقوي؛ حيث تصل نسبة التوصيل بالكهرباء إلى 99%، والغاز إلى 65%، وهدفنا هو استدامة هذه الرفاهية إلى الأجيال المقبلة بالتحكم في استهلاك الطاقة، وتطوير واسع للطاقات البديلة والمتجددة، لتعزيز الأمن الطاقوي والحفاظ على البيئة والمناخ في إطار التنمية المستدامة.
اقرأ أيضًا..
- سعر خام برنت يتجاوز 85 دولارًا لأول مرة في عام 2024
- أنس الحجي: النفط الروسي لم يتأثر بالعقوبات.. وأسعار البنزين هدف بوتين وبايدن
- حقول غاز شرق المتوسط.. احتياطيات ضخمة تتصدرها مصر (تقرير)