منوعاتتقارير منوعةرئيسية

انبعاثات المباني تهدد الأهداف المناخية للاتحاد الأوروبي (تقرير)

أسماء السعداوي

تتخذ جهود خفض انبعاثات المباني أبعادًا جديدة، لتصل إلى معالجة التلوث الناتج عن عملية البناء نفسها، وخلال العمر التشغيلي للمبنى، وفي أثناء الهدم وبعده.

كما يتجاوز الأثر البيئي للمنازل والمدارس والمتاجر والمكاتب انبعاثات الكهرباء والتدفئة إلى ما قبل استعمال تلك المباني، ويستمر حتى بعد هدمها.

يشمل ذلك إنتاج المواد المستعملة في الأرضيات والحوائط والأسقف، ونقلها إلى مواقع البناء وعملية البناء نفسها والتجديد.

ووفق البيانات التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة، فالمباني مسؤولة عن نحو 40% من انبعاثات الكربون المرتبطة بالطاقة، وتأتي 28% من تشغيل المباني، و11% من المواد وعملية البناء.

وحذّر تقرير حديث من تراجع الاهتمام بالأخطار البيئية لعمليات البناء، ما يهدد بتعريض أهداف المناخ والحياد الكربوني بحلول عام 2050 للخطر.

ومؤخرًا، ظهرت حلول لجعل المباني أكثر استدامة، لكن لا يوجد نهج موحّد داخل الاتحاد الأوروبي ليتحرك أصحاب المصالح للتدخل.

خفض انبعاثات المباني

تشكّل صناعتا الأسمنت والصلب نحو 4 و5% على الترتيب من انبعاثات الكربون في الاتحاد الأوروبي، كما يمثّل الأسمنت وحده نحو 8% من الانبعاثات العالمية، وإذا كان دولة لكان ثالث أكبر مطلقي الانبعاثات بعد الصين والولايات المتحدة.

وكشف تقرير أصدره مركز الأبحاث "أغورا إندستري" (Agora Industry) أن 36% من انبعاثات الصلب و50% من انبعاثات الأسمنت في الاتحاد الأوروبي جاءت من قطاع المباني وعمليات البناء.

وتوجد مواد البناء على قائمة أكثر المنتجات من حيث كثافة الكربون في سوق الاتحاد، بمتوسط 250 مليون طن كربون سنويًا.

انبعاثات تنطلق من أحد مصانع الأسمنت
انبعاثات تنطلق من أحد مصانع الأسمنت- الصورة من "britannica"

يقول مؤسس شركة استشارات الإنشاءات "ريسبونابل أسيتس" الدنماركية (Responsible Assets)، تيان لانغ:" سنبلغ أهداف المناخ فقط عندما نقلل البصمة المناخية (الكربونية) الكبيرة لصناعة البناء بصورة كبيرة".

وأضاف: "لذلك، من المُلحّ أن تبدأ الصناعة في استعمال وإعادة تدوير وإعادة استعمال مواد بناء صديقة للبيئة".

ومن المتوقع أن ترتفع الانبعاثات المتجسدة عالميًا لدورة حياة المباني إلى 50% بحلول منتصف القرن في عام 2050، بحسب التقرير الذي نشرته منصة "كلين إنرجي واير" (cleanenergywire).

تكلفة أعلى؟

يرى المهندس المعماري والأستاذ بجامعة برلين التقنية، إي روسوانغ كلينغ، أن جعل المباني أكثر استدامة لا يتطلب بالضرورة إنفاق أموال أكثر، قائلًا، إن المقارنة العادلة للعمر الكامل لمبنى ما تُظهر المنفعة الاقتصادية للبناء المستدام، كما تنخفض تكاليف التشغيل.

وبصورة أكبر، تتجلى عقبة الجمود أو القصور الذاتي بكونها حجر عثرة لتحقيق الاستدامة بوصفها فكرة وتحقيقها على أرض الواقع، بمعنى القيام بالأعمال بالصورة المعتادة عند إنشاء مبانٍ جديدة أو عند تجديدها.

وعلى سبيل المثال، تتطلب استدامة البناء التفكير في كامل عملية التصميم واختيار المواد، ويستلزم ذلك تعليمًا ومعلومات أفضل ليتمكّن البناة من اختيار المواد الأقل تأثيرًا في البيئة بسهولة في مشروعاتهم.

وعند الهدم، تتطلب عملية تفكيك المواد تدقيقًا وتدابير مختلفة ورسم خريطة للمواد التي سيُحتَفَظ بها لإعادة استعمالها فيما بعد وتخزينها وبيعها، وهي مهام ليست مستحيلة، لكنها بالتأكيد جهد إضافي، ويحتاج للتنسيق بين أصحاب المصالح.

تصور لمبنى محايد كربونيًا
تصوّر لمبنى محايد كربونيًا- الصورة من "cleanenergywire"

دعوة للعمل

المباني مسؤولة عن 50% من استخراج واستهلاك الموارد في بلدان الاتحاد الأوروبي، وتتطلب 1.6 مليار طن من المواد الخام، كما أن المباني وعمليات البناء تضيف أكثر من 30% من إجمالي النفايات السنوية.

وتتراوح معدلات إعادة تدوير مخلفات البناء والهدم بين أقل من 10% وأكثر من 90%، ويصعب إجراء مقارنات فيما بين دول الاتحاد الأوروبي، نتيجة لتطبيق تعريفات مختلفة لمخلّفات البناء والهدم.

ودعت المفوضية الأوروبية لاتّباع نهج أكثر حذرًا في استعمال تلك المواد، ما قد ينقذ الكوكب من نحو 80% من الانبعاثات المصاحبة.

تقول مديرة الأبحاث والتطوير في المجلس الألماني للبناء المستدام (DGNB)، آنا براون، إن تطبيق استعمال مواد البناء المعاد استعمالها أو المعاد تدويرها يمكن أن يشهد تحسنًا، أو تتسارع وتيرته إذا أُدرج بوصفه قانونًا، لكن يوجد ضغط كبير ضد ذلك، مشيرة إلى أن أوروبا لديها مشكلة كبيرة فيما يتعلق بمعايير البناء القائمة.

وتضيف براون "نحتاج إلى إعادة التفكير في طرق استعمال المواد الخام الأساسية المحدودة والمعرّضة للخطر، ولذلك تتجلى الحاجة للتحول إلى اقتصاد دائري.

ولذلك، فالتشريعات والمعايير الخاصة بالمواد البديلة مهمة لبناء الثقة، حسبما يقول مؤلف ومؤسس شركة العمارة التجديدية "واي آر 22" (YR22)، فابيا هورمان، لكن التأخر هنا يرجع إلى عدم وجود تفاهم مشترك لمتطلبات البناء المستدام، بحسب مجلس البناء المستدام الألماني.

وبدورها، تقول مسؤولة السياسات في المكتب البيئي الأوروبي (EEB)، ليتيتيا أومونت، إنه لا توجد متطلبات بيئية على الإطلاق فيما يخص مواد البناء، مشيرة إلى أن معايير مواد البناء تُوضع بوساطة أجهزة محلية يهيمن عليها لاعبون بالصناعة "لذلك يكتبون حرفيًا قواعدهم الخاصة".

وبعيدًا عن السياسات، سلّطت الأزمات الجيوسياسية وآثار تغير المناخ الضوء على الحاجة لإعادة التفكر في طريق استعمال المواد ومصادر الصناعة.

ما الحل؟

تحلّ هولندا والدنمارك وفرنسا وفنلندا والسويد في طليعة جهود إزالة الكربون من قطاع المباني خارج نطاق الطاقة، وتطلب السلطات إما الإبلاغ عن دورة حياة انبعاثات الكربون، أو وضع حدود لتحجيم الأثر البيئي لانبعاثات المصاحبة خلال دورة حياة المبنى بالكامل.

ولعل أكثر الطرق فعالية لخفض أثر انبعاثات المباني هي خفض معدلات البناء، وخاصة في المواقع الجديدة، لأنه بالنظر إلى مرافق البنية الأساسية المطلوب ربطها بالمباني الجديدة، ومنها الطرق والمياه والصرف الصحي، نجد أنه حتى المشروعات المستدامة تطلق انبعاثات كربونية ضخمة.

تقول مديرة المشروعات في مركز "بي بي آي إي" البحثي (BPIE)، ليزا غراف، إنه من المهم تحقيق الاستعمال الأمثل للموارد الحالية، مع منح الأولوية لتقديم الدعم للاستعمال الأمثل للمساحات الحالية، ويشمل ذلك المباني الفارغة وتحويل المكاتب المهجورة إلى مبانٍ سكنية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق