مستقبل تقنية احتجاز الكربون من الهواء مرهون برقم 100 دولار للطن (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- تكاليف احتجاز الكربون من الهواء مباشرة ما زالت باهظة
- الولايات المتحدة ستخصص 3.5 مليار دولار لمشروعات احتجاز الكربون
- عدد محطات احتجاز الكربون من الهواء ما يزال صغيرًا حول العالم
- وكالة الطاقة الدولية تحذر شركات النفط والغاز من الاستغراق في وهم احتجاز الكربون
ما زال الجدل حول جدوى تقنية احتجاز الكربون من الهواء مباشرة مستمرًا في أوساط خبراء الطاقة والمناخ منذ طرحها في سوق التقنيات النظيفة المعوّل عليها في خفض الانبعاثات الكربونية عالميًا.
وتتزايد الضغوط على الحكومات والشركات، من أجل خفض انبعاثات الكربون بصورة أسرع وأكثر كثافة، تجنبًا لتداعيات ظاهرة تغير المناخ التي يحذر منها العلماء ويخشون تفاقمها خلال العقود المقبلة.
ويحث العلماء على تبني تقنية احتجاز الكربون من الهواء، لكن التوسع في نشرها من قبل الحكومات والشركات ما زال يواجه بتحديات ارتفاع التكلفة، مع استهداف الوصول إلى 100 دولار لطن الكربون المحتجز، بحسب ما ترصده وحدة أبحاث الطاقة.
كيف تعمل تقنية احتجاز الكربون من الهواء؟
تعمل هذه التقنية على التقاط الكربون مباشرة من الغلاف الجوي، عبر استعمال مراوح سحب للهواء المحيط وتمريره بوساطة مرشحات تقوم على فصل جزيئات ثاني أكسيد الكربون.
وعادة ما يجري تركيز هذه الجزيئات مع زيادة الالتقاط، ثم تخزينها بصورة دائمة تحت الأرض أو إعادة استعمالها مرة أخرى في أنشطة معالجة الأطعمة والمشروبات، إلى جانب الاستعمال التقليدي في استخلاص النفط المعزز، بحسب تقرير حديث نشره منتدى الطاقة الدولي.
وتطالب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ -التابعة للأمم المتحدة- بتبني جميع المسارات الممكنة لخفض انبعاثات الكربون، للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، بما في ذلك تقنية احتجاز الكربون من الهواء خاصة في المصادر التي لم تحدد تدابير معينة لتخفيف الانبعاثات.
وترشح عديد من الهيئات العلمية هذه التقنية، لما تتميز به من خصائص، أبرزها لا تنافس على الأراضي -مثل مشروعات تبني الطاقة المتجددة- ما يزيد من جاذبيتها، إلى جانب عمليات إعادة التشجير والتوسع في إنتاج الطاقة الحيوية.
ارتفاع استثمارات تقنيات احتجاز الكربون
جذبت التطورات الحديثة في تقنية احتجاز الكربون من الهواء مزيدًا من التمويل العام والأبحاث، خاصة في الولايات المتحدة التي خصصت 3.5 مليار دولار للإنفاق على هذه التقنية حتى عام 2026، حسبما جاء في قانون الاستثمار والوظائف الأميركي.
كما يتضمن قانون خفض التضخم، الذي أقرته أميركا في أغسطس/آب 2022، بنودًا يمكنها أن تعزز من نشر هذه التقنية على نطاق واسع في قطاع الصناعة خلال السنوات المقبلة.
وتنص حوافز القانون على زيادة الائتمان الضريبي لإزالة الكربون من 50 دولارًا إلى 180 دولارًا للطن عن استعمال تقنية الاحتجاز من الهواء مباشرة.
كما خفض القانون عتبة كمية ثاني أكسيد الكربون التي يجب على المنشأة إزالتها للتأهل إلى الحصول على الائتمان من 100 ألف طن إلى 1000 طن سنويًا، ما وسع دائرة المستفيدين المحتملين وزاد من فرصة وصول المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
وعلى الرغم من الزخم المتصاعد حول تقنية احتجاز الكربون من الهواء خلال السنوات الماضية، فإن كميات ثاني أكسيد الكربون المحتجزة من الغلاف الجوي باستعمالها ما زالت ضئيلة حتى الآن، بحسب تقرير منتدى الطاقة الدولي.
يوضح الرسم التالي -أعدته وحدة أبحاث الطاقة- نسب استعمال تقنيات احتجاز الكربون المتداولة في العالم:
وحتى سبتمبر/أيلول 2022، بلغ عدد المحطات العاملة في احتجاز الكربون من الهواء 18 فقط على مستوى العالم، بقدرة إجمالية بلغت 0.01 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.
وتستعد أكبر محطة لاحتجاز الكربون من الهواء مباشرة، التي طوّرتها شركة "كاربون إنجنيرنج" بولاية تكساس (Carbon Engineering)، لبدء عملياتها في عام 2024، بقدرة احتجاز تصل إلى مليون طن سنويًا من ثاني أكسيد الكربون.
استثمارات الشركات في احتجاز الكربون
يتوقف مستقبل تقنيات احتجاز الكربون من الهواء مباشرة من الغلاف الجوي على انخفاض تكاليفها لكل طن، ما سيشجع الشركات والحكومات على زيادة استثماراتها المستقبلية فيها مع توازن تكاليفها.
وتتطلب سيناريوهات صافي الانبعاثات وصول أحجام ثاني أكسيد الكربون المحتجزة من الهواء مباشرة إلى 60 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، ما يتطلب تسريعًا كبيرًا في معدلات النشر وزيادة الاستثمارات بصورة ضخمة.
وثمة اتجاه متصاعد بين الشركات الدولية الكبرى للاستثمار في هذه التقنيات، إذ أعلنت شركة النفط الأميركية أوكسيدنتال (Occidental) في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، خطة لبيع تراخيص بناء محطات الاحتجاز المباشر للكربون وتشغيلها إلى آخرين، بهدف زيادة طاقتها من 100 مشروع حاليًا إلى أكثر من 1000 بحلول نهاية 2026.
إلى جانب ذلك، تستثمر شركة بلاك روك، أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، نحو 550 مليون دولار في مشروعات الاحتجاز المباشر للكربون، كما تمول شركة أدنوك الإماراتية دراسة هندسية أولية لمنشأة احتجاز في الإمارات بطاقة مليون طن سنويًا.
وعلى الجانب الآخر، التزمت شركة أمازون بشراء 250 ألف طن من الكربون المحتجز باستعمال هذه التقنيات خلال 10 سنوات، كما أبرمت شركة الطيران اليابانية أول نيبون أيروايز (All Nippon Airways) وشركة الطيران البريطانية إيزي جيت (easyjet) اتفاقيات مماثلة.
وتشير هذه الاستثمارات والوعود بالشراء من قبل كبرى العلامات التجارية في العالم إلى ثقة متزايدة قد تدفع مشروعات الاحتجاز للتوسع بصورة كبيرة خلال السنوات المقبلة.
تحديات احتجاز الكربون ومنتقديه
يُعد احتجاز الكربون من الغلاف الجوي أكثر استهلاكًا للطاقة من احتجاز الكربون من مصدر ثابت مثل مصانع الأسمنت، ما يعرضه لانتقادات واسعة حتى من وكالة الطاقة الدولية التي انتقدت تركيز شركات النفط والغاز استثماراتها على هذه التقنية دون غيرها.
وطالب مدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، شركات النفط والغاز بالتخلي عما وصفه "الوهم القائل"، بأن احتجاز كميات كبيرة من الكربون هو الحل لخفض انبعاثات الصناعة.
ويحتاج العالم إلى احتجاز 32 مليار طن من الكربون بحلول عام 2050، بما في ذلك 23 مليار طن عن طريق التقاط الكربون من الهواء مباشرة، وهو أمر صعب تحقيقه في ظل سيناريو السياسات الحالية، بحسب تقديرات الوكالة.
وما زالت هذه التقنية باهظة التكاليف، إذ تصل تكلفة احتجاز الطن المتري في بعض الحالات إلى 600 دولار، وهو رقم بعيد جدًا عن التكلفة المستهدفة لنشره على نطاق واسع والبالغة 100 دولار للطن، بحسب تقرير منتدى الطاقة الدولي.
وعلى الرغم من أن الخبراء يحذرون من أن الوصول إلى هذا الرقم قد يكون غير واقعي خلال السنوات الـ10 المقبلة، فإن سوابق انخفاض التكلفة في الطاقة المتجددة ما زالت تمنح الأمل باحتمال الوصول إلى ذلك في غضون عقد من الزمن.
وانخفضت تكاليف الطاقة الشمسية بنسبة 89% بين عامي 2009 و2019، كما انخفضت تكلفة طاقة الرياح بنسبة 70% خلال المدة نفسها، بسبب زيادة معدلات النشر والاستثمار، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- أكبر 10 مشروعات في احتجاز الكربون وتخزينه عالميًا خلال 2023
- مشروعات احتجاز الكربون وتخزينه تشهد زخمًا في 45 دولة
- تجارة الكربون.. بين إنقاذ العالم و"بيع الوهم" (مقال)
اقرأ أيضًا..
- تراجع صادرات النفط لـ5 دول عربية خلال 2023.. وارتفاعها في مصر (رسوم بيانية)
- إيرادات صادرات النفط السعودية في 2023 تنخفض 24% (إنفوغرافيك)
- طفرة السيارات الكهربائية في أميركا تنهار.. انخفاض الطلب وتسريح العمالة (تقرير)