السيارات الكهربائية في بريطانيا لـ"الأثرياء فقط".. استنزاف للطاقة وتحديات ضخمة
هبة مصطفى
يكتسب الجدل حول السيارات الكهربائية في بريطانيا زخمًا متزايدًا مع اقتراب انعقاد الانتخابات العامة في البلاد، إذ تكثر الشعارات والتعهدات دون إلمام بالواقع الحقيقي لحجم حصة هذه السيارات في السوق.
وفي الآونة الحالية تُعد تكلفة شراء هذه السيارة باهظة مقارنة بمتوسط الدخل السنوي، ما يجعل بيعها قاصرًا على فئة محددة تستعملها في نطاق ومدى محدوديْن، حسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
ورغم أن بريطانيا سبق أن التزمت بمستهدفات نشر السيارات صديقة البيئة فإن حصتها ما زالت ضئيلة في السوق، مقارنة بالسيارات العاملة بمحرك الاحتراق الداخلي والوقود الأحفوري.
وأظهرت أرقام المبيعات وحجم الإقبال على شراء السيارات الكهربائية فجوة حقيقية، بين المستهدفات الحكومية والواقع الاستهلاكي للصناعة، ما يجعل تغيير هذه الصورة مستقبلًا مرتبطًا بقدرة الحكومة على تجنب الحالية.
عزوف المستهلكين
قُدرت حصة السيارات الكهربائية في بريطانيا بنحو 16% من إجمالي حصة السوق خلال عامين، ولم تسجل نموًا أكبر من ذلك، رغم محاولات الترويج والدفع بقوة لشرائها.
وفعليًا، 10 أشخاص من كل 11 مشتريًا في المملكة المتحدة يفضّلون شراء سيارات محرك الاحتراق الداخلي عن الكهربائية، وفق مقال لمحرر الأعمال في صحيفة ذا تيليغراف البريطانية (The Telegraph)، أليست هيث.
ويبدو أن مواصفات هذه السيارات وميزاتها، التي روّج لها المصنعون وصناع القرار كثيرًا، كانت غير واقعية، إلى الحد الذي دفع الممثل البريطاني روان أتكينسون إلى كتابة مقال حول تعرضه "للخديعة" بعد شرائه سيارة كهربائية.
وعكس اعتراض أتكينسون مدى واقعية غير الراغبين في شراء هذه السيارات، لما لها من مساوئ ظهرت بصورة جلية خلال مدة صغيرة من انتشارها في السوق، ما يجعل سيارات الوقود الأحفوري خيارًا أكثر تفضيلًا لدى الكثير من المستهلكين.
واللافت إلى النظر أن السياسات الحكومية كانت في وادٍ بعيد عن معدل المبيعات وعزوف المستهلكين عن شراء السيارات الكهربائية، إذ يطمح رئيس الوزراء ريشي سوناك إلى أن تشكل هذه السيارات 80% من حصة الإنتاج الإجمالية، بحلول 2030.
التكلفة والمدى
ترتفع تكلفة شراء السيارات الكهربائية في بريطانيا مقارنة بحجم الدخل، وتُصنف بالنسبة إلى الغالبية تحت بند "السيارات باهظة الثمن"، ويمكن القول بأن هذه السيارات صُنعت خصيصًا لتناسب فئة الأثرياء وميسوري الدخل، طبقًا للمقال.
ومثالًا، تبدأ تكلفة السيارة الكهربائية من 26 ألف جنيه إسترليني، وقد تضطر إلى دفع 30 ألف جنيه إسترليني للحصول على سيارة معقولة، أو 40 ألف جنيه لشراء سيارة تيسلا (Tesla)، مقابل 13 ألفًا و600 جنيه لسيارات شركة كيا (Kia) العاملة بالبنزين، أي ما يقارب الضعف.
(الجنيه الإسترليني = 1.26 دولارًا أميركيًا)
ويمكن أن يعادل سعر السيارة الكهربائية متوسط الدخل السنوي لعامل بدوام كامل، بما يقارب 35 ألف جنيه إسترليني، ما يؤدي في نهاية الأمر إلى تفضيل السيارات المستعملة منها.
وإذا استمرت التكلفة الباهظة في مستوياتها الحالية، فإن شراء السيارات الكهربائية سيظل مقتصرًا على محبي السيارات الفارهة من الأثرياء.
وبخلاف تكلفة الشراء، ما زالت السيارات الكهربائية في بريطانيا غير مرغوبة بالقدر الكافي نظرًا إلى محدودية مداها، ما يجعلها ملائمة أكثر للفئة الثرية وميسورة الحال التي لا تستهلكها بصورة يومية.
وربما يشير ذلك إلى أن استمرار الفجوة بين المصنعين والساسة من جهة وبين المستهلك من جهة أخرى قد يجعل السيارات الكهربائية غير ملائمة للانتشار على نطاق واسع لكل الطبقات، على الطرق اللندنية.
ضغوط الشبكة والشحن
ينذر الضغط المتواصل من صناع القرار والأحزاب باتجاه نشر السيارات الكهربائية في بريطانيا على الطرق بكارثة، إذ يُشير هذا الضغط إلى عدم إدراك ما تعانيه شبكة الكهرباء الوطنية في البلاد من صعوبات في تلبية الطلب العادي.
وقد تتعرض الشبكة إلى الانهيار خلال مسيرة التخلص من سيارات محرك الاحتراق الداخلي، وتزداد احتمالات انقطاع التيار، إذ ما استمرت الحكومة البريطانية في ضغط الشبكة.
وما قد يزيد الأمر سوءًا أن نقاط الشحن الحالية لا تلائم المستهدفات الطموحة لنشر السيارات الكهربائية في بريطانيا، إلى الحد الذي يمكن خلاله توقع اصطفاف الطوابير الطويلة أمام المحطات على الطرق السريعة.
ويحتاج تنفيذ هذه المستهدفات إلى نشر الملايين من نقاط الشحن، وقبل ذلك يتطلب زيادة توليد الكهرباء والتوسع في إنتاج الطاقة النووية حفاظًا على الشبكة ولحمايتها من الانهيار.
وبالتوازي مع ذلك يتعين على الحكومة بناء المزيد من الطرق الملائمة لنشر السيارات الكهربائية في بريطانيا، والتنسيق مع المصنعين، لضمان ألا تنخفض قيمتها بسرعة، إذ تشير التقديرات إلى أن السيارة الكهربائية تفقد 49.1% من قيمتها خلال 5 سنوات، مقابل 38.8% للسيارات الأخرى.
الرسوم والمدى
لا ينبغي أن تغفل الحكومة البريطانية والمصنعون، على حد سواء، التكلفة الإضافية التي قد يتحملها المستهلك للتأمين على السيارات الكهربائية أو لتغيير بطاريتها.
أما فيما يتعلق بالرسوم فحدّث ولا حرج، إذ تبدأ لندن فرض رسوم على السيارات عديمة الانبعاثات بدءًا من مطلع العام المقبل، وهو أمر دفع العديد من المشترين الحاليين إلى بيع أو تأجير سياراتهم الكهربائية إلى الشركات الراغبة في تعزيز أسطولها.
واتهم عدد من مستعملي السيارات الكهربائية في بريطانيا الشركات المُنتجة بـ"عدم المصداقية" فيما يتعلق بالمدى ونطاق القيادة على الطرق السريعة، الذي جرى اختباره فعليًا من مستهلكين، وتبيّن أنه منخفض وغير متوافق مع ما تروج له الشركات.
وتُشير التحديات السابقة كافّة إلى أن تسرُّع الحكومة في تبني نشر هذه السيارات قد يأتي بنتيجة عكسية في ظل عدم الجاهزية، خاصة أن الغالبية تتوافق مع أهداف خفض البصمة الكربونية والانبعاثات، لكن الاختلاف حول الكيفية والإطار الزمني.
وحذر كاتب المقال من استمرار الحكومة البريطانية على نهجها الحالي نفسه، إذ قد يؤدي إما إلى تمسك المستهلكين بسيارات محرك الاحتراق الداخلي، وإما إلى فتح السوق البريطانية أمام "الإغراق الصيني"، داعيًا إلى زيادة حزمة الدعم.
موضوعات متعلقة..
- بعد انهيار شركة الشاحنات.. تخبط بريطانيا يضرب السيارات الكهربائية في مقتل
- تكرار إصلاح السيارات الكهربائية في بريطانيا يقفز بتكلفة التأمين
- سوق السيارات الكهربائية في بريطانيا تسجل نموًا ضعيفًا خلال 2023
اقرأ أيضًا..
- استطلاع: شباب السعودية يفضّلون العمل في الطاقة المتجددة عن النفط والغاز
- ارتفاع صادرات أميركا من الفحم الحراري.. ومصر والمغرب بقائمة المستوردين
- ألمانيا توقع أول صفقة لاستيراد الغاز الجزائري عبر خطوط الأنابيب