إزالة الكربون من صناعة الصلب.. كيف تفكر أكبر 4 شركات منتجة؟ (تقرير)

اكتسب الحديث عن إزالة الكربون من صناعة الصلب العالمية زخمًا متصاعدًا خلال السنوات الأخيرة، في إطار الخطط والمبادرات العالمية والإقليمية الرامية إلى خفض انبعاثات الصناعات الثقيلة.

وتتزايد الضغوط على كبرى شركات الحديد والصلب، للتحول عن استعمال الفحم الموصوم بيئيًا إلى بدائل الوقود منخفضة الانبعاثات مثل الهيدروجين.

في هذا السياق، أظهر تقرير تحليلي حديث -اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة- استجابات مختلفة لمسألة إزالة الكربون من صناعة الصلب بين أكبر 4 شركات منتجة للحديد عالميًا.

وتضم قائمة أكبر المنتجين للحديد والصلب في العالم 3 شركات أسترالية هي: بي إتش بي غروب (BHP Group)، وريو تينتو (Rio Tinto)، وفورتسكيو ميتالز (Fortescue Metals Group)، بالإضافة إلى شركة الحديد البرازيلية فالي (Vale).

جهود إزالة الكربون من صناعة الصلب

من بين المنتجين الـ4 الرئيسين، تركز 3 شركات، وهي فالي وريو تينتو وفورتسكيو، على زيادة المعروض من الخامات عالية الجودة المتوافقة مع تقنيات إنتاج الحديد المختزل المباشر المعتمد على الهيدروجين الأخضر.

بينما تواصل شركة بي إتش بي غروب ثقتها في تبني تقنية احتجاز الكربون وتخزينه واستعماله، رغم تعثر هذه التقنية وسجلها الضعيف في الأداء، بحسب التقرير الصادر عن معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي.

وتركز جهود إزالة الكربون من صناعة الصلب على معالجة انبعاثات النطاق 3 -الانبعاثات غير المباشرة الناتجة عن الاستهلاك النهائي-، وعادة ما ينصرف الحديث إلى حلول كثيرة، أبرزها تقنية الاختزال المباشر للحديد المعتمدة على استعمال الهيدروجين الأخضر.

ويتطلب الإنتاج بطريقة الاختزال المباشر درجة أعلى من خام الحديد مع محتوى حديد أكبر يصل إلى 67% أو أكثر، مقارنة بالحديد المنتج عبر أفران الصهر العالية العاملة بالفحم، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

ولا يمثّل الحديد عالي الجودة المنتج بطريقة الاختزال المباشر سوى جزء صغير من إجمالي تجارة خام الحديد العالمية حاليًا، بسبب توجه الصناعة في الصين خلال العقدين الماضيين إلى الحديد الأقل جودة، لكن من المتوقع أن يشهد الطلب عليه نموًا كبيرًا خلال السنوات المقبلة.

ومن المتوقع أن يؤدي تحول صناعة الصلب العالمية من الأفران العالية إلى تقنية الاختزال المباشر إلى طفرة ملحوظة في جودة خام الحديد المتداول في الأسواق العالمية، إلى جانب خفض انبعاثات الصناعة.

كيف تفكر شركات الصلب؟

تحتاج صناعة الصلب إلى خام الحديد عالي الجودة عند التحول من الأفران العالية وأفران الأكسجين الأساسية إلى أفران القوس الكهربائي، وهو ما بدأت شركات عالمية التخطيط للحصول عليه من الآن.

وتخطط شركة فالي البرازيلية لزيادة إمداداتها من الخام عالي الجودة، استجابة إلى مبادرات إزالة الكربون من صناعة الصلب والتحول المتسارع في تقنيات الصناعة.

على الجانب الآخر، يظهر بقية منتجي خام الحديد الكبار في أستراليا استجابات مختلفة لهذا التوجه، إذ تنتج مصانع شركة ريو تينتو في كندا خام الحديد عبر تقنية الاختزال المباشر.

كما وقعت الشركة الأسترالية الكبرى اتفاقيات متعددة السنوات، لتوريد هذا المنتج عالي الجودة إلى شركة الصلب السويدية الناشئة إتش 2 غرين ستيل (H2 Green Steel).

كما تتجه ريو تينتو لتوسيع استثماراتها التعدينية في الخارج، بحثًا عن المناجم التي تحتوي خام الحديد عالي الجودة، ومن أبرز هذه الاستثمارات مناجم سيماندو في غينيا التي تضم أكبر رواسب غير مستغلة لخام الحديد عالي الجودة في العالم.

وتمتلك ريو تينتو حصة تصل إلى 53% في أحد المنجمين قيد التطوير في المنطقة بالتعاون مع شركاء من الصين، ومن المتوقع أن يبدأ إنتاج المنجم الأول في عام 2025.

وتعتقد الشركة الأسترالية أن مناجم سيماندو ستمكنها من تحقيق أهداف إزالة الكربون من صناعة الصلب عبر توفير خام الحديد عالي الجودة الذي تحتاج إليه طريقة الإنتاج بالاختزال المباشر.

ورغم ذلك فما زالت شركة ريو تينتو لا تملك هدفًا قابلًا لقياس خفض انبعاثاتها ضمن النطاق 3، في حين نجحت شركة فورتسكيو الشقيقة في وضع هدف للوصول إلى صافي انبعاثات هذا النطاق بحلول عام 2040، ما يجعله الهدف الأكثر طموحًا بين أقرانها المتنافسات على الصدارة.

وتستهدف فورتسكيو التوسع في عمليات تعدين خام الحديد الأفريقي في إطار هذه الإستراتيجية، إذ شهد ديسمبر/كانون الثاني 2023 شحن أول كمية من مشروع بيلنغا (Belinga) لتعدين الحديد الخام في الغابون، وهو أول تسليم على الإطلاق من خارج أستراليا.

وكانت التفاصيل حول جودة هذا المشروع في البداية ضئيلة، لكن فورتسكيو أصرت على أن المؤشرات التي تتوافر لديها تؤكد أن المشروع ستكون لديه القدرة على إنتاج خام الحديد عالي الجودة بصورة واسعة، بحسب معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي.

وعلى عكس أشقائها الأستراليين، لا تستهدف شركة التعدين الكبرى "بي إتش بي" زيادة إنتاجها من خام الحديد عالي الجودة، مع تركيزها على التوسع في الإنتاج عبر الأفران العالية في منطقة بيلبارا شمال غرب ولاية غرب أستراليا.

لا جدوى لتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه

اتخذت شركة "بي إتش بي" لنفسها مسارًا مختلفًا لإزالة انبعاثات النطاق 2 من عملياتها عبر تبني التقنيات التي تسمح باستعمال خام بيلبارا في صناعة الصلب القائم على تقنية الاختزال المباشر إلى جانب تقنيات احتجاز الكربون.

ويمكن لهذا الإصرار أن يؤدي دورًا في إزالة الكربون من صناعة الصلب، خاصة في الأفران العالية التي تستهلك الفحم، لكن ذلك سيتطلب إعادة تجهيز هذه الأفران بوحدات احتجاز الكربون التي لم تسجل تقدمًا يُذكر في العالم حتى الآن، بحسب معهد اقتصاديات الطاقة.

وليست شركة "بي إتش بي" الوحيدة التي تعتمد هذه التقنية في إزالة الكربون، إذ تشاركها في ذلك شركات مثل إتش بي أي إس (HBIS) الصينية، وشركة أرسيلور ميتال الهندية (ArcelorMittal).

ويبدو من غير المرجح أن تسهم هذه التقنية في الوصول إلى أهداف إزالة الكربون من صناعة الصلب أو الشركات التي تبنتها، بحسب تحليل نشره مركز الأبحاث الألماني أغورا إندستري (Agora Industry).

ويشير التحليل، الذي اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة، إلى زيادة خطط مشروعات إنشاء مصانع الاختزال المباشر للحديد بحلول عام 2030، لتصل قدرتها المحتملة إلى 94 مليون طن سنويًا، في حين لم تبلغ مشروعات احتجاز الكربون في صناعة الصلب القائمة على الأفران العالية أكثر من مليون طن سنويًا فقط حتى الآن.

استنادًا إلى ذلك، لا يتوقع مركز الأبحاث الألماني وصول شركة التعدين الأسترالية "بي إتش بي" إلى هدف صافي الانبعاثات للنطاق 3 بحلول عام 2050، إذا ظلت معتمدة على تقنية احتجاز الكربون وتخزينه.

موضوعات متعلقة..

• استثمارات الحياد الكربوني قد تحظى بـ11 تريليون دولار إضافية بحلول 2030
• أكبر شركات الصلب الآسيوية تخطط لإزالة الكربون.. ما دور الهيدروجين؟
• تكلفة إزالة الكربون من صناعة الصلب تقارب 1.4 تريليون دولار (تقرير)

اقرأ أيضًا..

• اختبار لتصادم السيارات الكهربائية على الطريق يُظهر كارثة جديدة (فيديو)
• إمكانات الغاز المسال في أفريقيا تنمو بقيادة مصر والجزائر
• حساب استهلاك تعدين العملات المشفرة للكهرباء ما زال مجهولًا في أميركا (تحليل)
• وحدة أبحاث الطاقة: السيارات الكهربائية محاطة بالأزمات.. والصين تحتل عرش المبيعات