طاقة نوويةتقارير الطاقة النوويةرئيسية

توليد الكهرباء من الاندماج النووي يسجل رقمًا قياسيًا.. خطوة لتعزيز أمن الطاقة

محمد عبد السند

ارتفع سقف التوقعات بشأن استعمال تقنية الاندماج النووي لتوليد كميات مهولة من الكهرباء النظيفة؛ بما يُسهم في تعزيز أمن الطاقة وتسريع جهود الحياد الكربوني.

وتوصي علوم المناخ حكومات العالم بضرورة خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة إلى النصف تقريبًا خلال العقد الحالي، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول أواسط القرن الحالي (2050)، للحيلولة دون تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري إلى مستويات كارثية، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وهذا يعني ضرورة تسريع التحويل بعيدًا عن مصادر الوقود الأحفوري -الفحم والنفط والغاز- والاتجاه نحو المصادر النظيفة، ومن بينها الطاقة النووية.

توليد الكهرباء من الاندماج النووي

سجّل العلماء والمهندسون بالقرب من مدينة أكسفورد البريطانية رقمًا قياسيًا في تقنية الاندماج النووي، ليقتربوا بذلك خطوة جديدة من تحويل مصدر الطاقة النووية إلى واقع، وفق ما أوردته شبكة سي إن إن (CNN) الأميركية.

ونجح العلماء في تحقيق رقم قياسي قدره 69 ميغاغول من طاقة الاندماج النووي لمدة 5 ثوانٍ، باستعمال ما لا يزيد على 0.2 ملليغرام من الوقود، وذلك بفضل استعمال توكاماك (Tokamak)، آلة ضخمة تتخذ شكل كعكة دائرية مُعدّة خصوصًا لاحتواء بلازما دوامية تُسَخَّن إلى 200 مليون درجة مئوية.

(1 ميغاغول يساوي 1000000 غول).

ويشير الاندماج النووي إلى تلك العملية التي تندمج خلالها نواتان ذرّيتان خفيفتان لتكونا نواة ذرّية واحدة أثقل وزنًا، وتلك التقنية هي المصدر الرئيس للطاقة في الشمس والنجوم، ويُنظر إليها على أنها مصدر لا محدود من الطاقة النظيفة.

ويختلف الاندماج النووي عن مفهوم الانشطار النووي الذي يُقصَد به عملية انقسام نواة ذرة ثقيلة إلى قسمين أو أكثر، وبهذه العملية يتحول عنصر معين إلى عنصر آخر، وينتُج عن عملية الانشطار نيوترونات وفوتونات عالية الطاقة.

ويعمل الخبراء، منذ عقود، على إتقان تنفيذ عملية الاندماج النووي بالغة التعقيد على كوكب الأرض، وإذا ما نجحوا في ذلك، فسيكون بمقدور تلك التقنية توليد كميات هائلة من الطاقة بكميات صغيرة من الوقود، ودون أي انبعاثات كربونية على الإطلاق.

آلة "التوكاماك"

غذى العلماء وعاء التوكاماك بعنصري الديوتيريوم والتريتيوم، وهما نظائر لعنصر الهيدروجين من المرجح استعمالهما في محطات الاندماج التجارية المستقبلية.

ولتوليد طاقة من الاندماج النووي، رفع فريق البحث درجات الحرارة في آلة التوكاماك إلى 150 مليون درجة مئوية، ما يزيد بنحو 10 مرات عن الحرارة في قلب الشمس.

وتجبر تلك الحرارة المتطرفة الديوتيريوم والتريتيوم على الاندماج معًا وتكوين غاز الهيليوم، في عملية تطلق، في المقابل، كميات هائلة جدًا من الحرارة.

وتُبطَن آلة التوكاماك بمغناطيسات قوية تحمل البلازما، ثم تُسخر الحرارة، بعد ذلك، وتستعمل لتوليد الكهرباء، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتُعد تجربة الاندماج النووي تلك هي الأحدث من نوعها، بالنسبة إلى وعاء التوكاماك الذي يعمل منذ أكثر من 40 سنة، وتمهد التجربة -وهذا الرقم القياسي- الطريق أمام مشروعات اندماج نووي جديدة، وفق ما قاله الرئيس التنفيذي لتحالف يورو فيوجن (EUROfusion) أمبروغيو فاسولي.

منظر للقاعة التي توجد بها آلة توكاماك
منظر للقاعة التي توجد بها آلة توكاماك – الصورة من هيئة الطاقة الذرية في المملكة المتحدة

يُشار إلى أن تحالف يورو فيوجن الذي يضم 300 خبير هو من أشرف على إجراء تجربة الاندماج النووي.

سلّط فاسولي الضوء على آي تي إي آر (ITER)، أكبر توكاماك في العالم يجرى بناؤه في جنوب فرنسا، ودي إي إم أو (DEMO)، وهي آلة من المقرر أن تُستعمل مع آي تي إي آر لإنتاج كمية طاقة أكبر، مثل النموذج الأولي لمحطة الاندماج.

وفي هذا الصدد أوضح فاسول: "إن عرضنا الناجح للسيناريوهات التشغيلية لآلات الاندماج المستقبلية مثل آي تي إي آر و دي إي إم أو، بعطي ثقة أكبر بتطوير طاقة الاندماج النووي"، في بيان تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

التسويق التجاري معضلة

بينما يعول على طاقة الاندماج النووي في تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لمعضلة التغيرات المناخية -التي تنجم في المقام الأول عن أنشطة الوقود الأحفوري- فإنها تقنية قد تحتاج إلى سنوات عديدة لدخولها حيز التسويق التجاري.

وترى زميلة البحث في تقنية الاندماج النووي بجامعة مانشستر أنيقة خان إنه وبحلول الوقت الذي تتطور فيه تلك التقنية بالكامل، سيكون الأوان قد فات لاستعمالها أداةً رئيسة لمعالجة تغير المناخ.

وفي كل الأحوال تبقى هناك تحديات كثيرة؛ من بينها، على سبيل المثال، استعمال الباحثين كمية طاقة لتنفيذ التجربة أكبر مما جرى توليده، وفق ما أكدته خان.

الاندماج النووي

وأضافت: "تلك نتيجة علمية مذهلة، غير أننا ما زلنا بعيدين عن الاندماج التجاري"، مشيرة إلى أن بناء محطة طاقة اندماجية لا يسلم كذلك من التحديات الهندسية وتلك المتعلقة بالمواد الخام.

تنامي الاستثمارات النووية

قالت خان: "الاستثمار في الاندماج النووي يشهد نموًا مطردًا، ونحن نحقق تقدمًا واقعيًا، لكن نحتاج كذلك إلى تدريب عدد كبير من الأشخاص وصقلهم بالمهارات الضرورية للعمل في هذا المجال، ويحدوني الأمل في أن تُستعمَل تلك التقنية خلال النصف الأخير من القرن".

يُذكر أن الإعلان عن الرقم القياسي الخاص بطاقة الاندماج النووي جاء في اليوم نفسه الذي أكدت فيه خدمة كوبرنيكوس (Copernicus) لمراقبة المناخ والطقس التابعة للاتحاد الأوروبي أن العالم قد تجاوز عتبة الاحتباس الحراري العالمي البالغة 1.5 درجة مئوية على مدى 12 شهرًا للمرة الأولى على الإطلاق.

وكثيرًا ما أعرب العلماء عن قلقهم إزاء تجاوز الاحتباس الحراري ذلك الحد في المدى الطويل، غير أن ذلك يُعد تَذكِرة مهمة بأن العالم يتجه نحو مستوى التغيرات المناخية التي سيكافح في سبيل التكيف معها.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق