تعتمد أرامكو على تقنية فريدة تمكّنها من التحكم في إنتاج الغاز في السعودية، بما يؤمن الاحتياجات المحلية خاصة في أوقات ذروة الطلب.
يؤدي الغاز في السعودية، بالتوازي مع الطاقة المتجددة، دورًا رئيسًا مهمًا في خطة المملكة لتنويع مزيج الطاقة، إذ تعتزم المملكة التوقف عن استعمال الوقود السائل في توليد الكهرباء بحلول 2030، واستبداله والاعتماد على الغاز الطبيعي، ومصادر الطاقة المتجددة بنسبة 50% لكل منهما، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وشهد إنتاج الغاز في السعودية على مدار العقد الماضي زيادة بنحو 30%، ما مكّن المملكة من تحقيق الاكتفاء الذاتي وسط خطط طموحة لتطوير العديد من الحقول، في إطار إستراتيجية تحول الطاقة ضمن رؤية المملكة 2030.
وشغلت السعودية المركز الثاني في قائمة أكبر الدول العربية المنتجة للغاز الطبيعي خلال العام الماضي (2021)، لكنها في المقابل تتصدر قائمة أكثر الدول العربية استهلاكًا للغاز الطبيعي؛ إذ زاد استهلاك المملكة من ذلك الوقود الأحفوري بأكثر من 3.7% على أساس سنوي في 2021.
شبكة الغاز في السعودية
يساعد إنتاج أرامكو من الغاز في تزويد المملكة بمصدر إضافي للطاقة لتلبية الطلب المحلي ودعم النمو والازدهار، في عصر يتّسم بالتغيرات العالمية المتلاحقة التي تشمل التحول في مجال الطاقة والتطورات التقنية.
وتعدّ المراقبة الفعالة لشبكة الغاز في السعودية عملية معقدة، خاصة أنها تغذّي العديد من معامل معالجة الغاز على نطاق واسع، وتمتد لأكثر من 15 ألف كيلومتر من خطوط الأنابيب وآلاف آبار الغاز المنتشرة في العديد من حقول إنتاج الغاز.
وعملت أرامكو السعودية على مواجهة التحدي مباشرةً، من خلال إطلاق منصة رقمية طموحة لأعمال الغاز على سطح الأرض وداخل الآبار تُعرَف باسم "غاز أوبتيما"، وهي حائزة على جائزة أرامكو للتميز لعام 2022.
وفي عام 2010، قدّمت أرامكو إستراتيجية إنتاج الغاز في السعودية في أوقات الذروة الموسمية، التي تهدف إلى توفير المزيد من الغاز الطبيعي، إضافة إلى الالتزامات الشهرية العادية لإنتاج الغاز.
وتتفق الإستراتيجية مع خطط المملكة، إذ توفر الغاز الطبيعي في المقام الأول ضمن إطار إستراتيجية استبدال الوقود السائل، ليكون الغاز مصدر طاقة بديلًا لتوليد الكهرباء خلال ذروة الطلب في موسم الصيف.
وشهدت قدرة معالجة الغاز في السعودية طفرة كبيرة خلال السنوات الماضية، إذ ارتفعت إلى 18 مليار قدم مكعبة يوميًا عام 2022، مقابل ملياري قدم مكعبة يوميًا عام 2000، وفق ما اطّلعت عليها منصة الطاقة.
كما حققت المملكة أعلى معدل لإنتاج الغاز الطبيعي في يوم واحد خلال 2022، بواقع 11.3 مليار قدم مكعبة، وفقًا لبيانات شركة أرامكو السعودية.
يشار إلى أن إنتاج الغاز في السعودية كان قد قفز خلال المدة بين عامي 2010 و2020 بنسبة 30%، بدعم من تطوير الحقول غير المصاحبة، وبلغ متوسط الإنتاج في نهاية العقد الماضي 11 مليار قدم مكعبة يوميًا.
إنتاج الغاز في أوقات الذروة
يهدف توجّه أرامكو للتوسع في إنتاج الغاز في السعودية إلى المساعدة في الحدّ من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري مقارنة باستعمال النفط الخام وقودًا لتوليد الكهرباء خلال أوقات ذروة الطلب الموسمي.
كما يتماشى ذلك مع رؤية أرامكو السعودية للاستثمار في تقنيات يمكنها دعم استقرار التحول في مجال الطاقة، إذ تستعمل مصادر مختلفة للطاقة لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة، مع الحدّ في الوقت نفسه من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وتعمل إستراتيجية إنتاج الغاز في السعودية خلال أوقات الذروة الموسمية في الوقت نفسه بصفتها وثيقة طوارئ لتعويض أيّ خسارة في إنتاج الغاز بسبب الاضطرابات التشغيلية أو وقف التشغيل في الحالات الطارئة.
وكان توليد المزيد من الغاز في الماضي يعدّ عملية يدوية شاقة تستهلك الوقت والموارد، مما استلزم تحليل أداء الآبار، وفق ما أكدته بيانات أرامكو.
واستعمل المهندسون في ذلك العديد من البيانات من الآبار والحقول المختلفة لتلبية الطلب على الطاقة في أوقات الذروة الموسمية، دون المساس بالالتزام الحالي.
وأدت التطورات التقنية الأخيرة إلى إطلاق مبادرة التحول الرقمي التي أحدثت ثورة بإستراتيجية الإنتاج في أوقات الذروة الموسمية، من خلال تحسين مزيج الغاز وسير العمل، بحيث يمكن الآن وخلال لحظات فقط تنفيذ مهام كانت تستغرق أيامًا.
وأصبح حاليًا بإمكان مهندسي أرامكو تحليل المعوقات الحالية التي تواجه كل بئر، سواء المعوقات الميكانيكية، أو التي تجري خلال الحفر تحت سطح الأرض في غضون ثوانٍ، مما يقلل بشكل كبير من الوقت اللازم لتقديم المعلومات الإضافية المطلوبة، وهو ما يضمن توريد الغاز بصورة أكثر اتّساقًا وموثوقية، ويعزز الأداء التشغيلي والإنتاجية العامة.
غاز أوبتيما
مهّد استعمال منصات متطورة مثل "غاز أوبتيما" الطريق أمام تحقيق كفاءة ودقة غير مسبوقتين في إدارة المكامن، إذ توفر المنصة للمهندسين نظامًا يعمل بنقرة واحدة لعرض منظر شامل لشبكة الغاز في السعودية بأكملها في الزمن الآني.
ومن خلال الاستفادة من إمكانات تحليل البيانات وتعليم الآلات، تقوم منصة غاز أوبتيما بدمج البيانات من مصادر متعددة بسلاسة، وتيسير التعقيدات، مما يمكّن المهندسين من اتخاذ قرارات مدروسة لزيادة معدلات إنتاج الغاز في السعودية، وتلبية الطلب على الطاقة خلال أوقات الذروة.
قال النائب الأعلى للرئيس لهندسة النفط والتطوير في أرامكو، وليد الملحم: "إن التطبيق المبتكر ليس مجرد أداة، بل هو نقلة نوعية في قطاع الطاقة يحسّن الكفاءة التشغيلية للشركة ويعزز الاستخلاص، مع المحافظة على صحة المكامن في الوقت نفسه".
وأضاف أن منصة غاز أوبتيما تعزز قوة الذكاء الاصطناعي، مما يوفر مراقبة فورية لكل حقل ومعمل غاز، ومن ثم إمكان تحليل التداخل بين معوقات حفر الآبار فوق سطح الأرض وداخل البئر.
وأشار إلى أن المنصة تتميز بقدرة لا مثيل لها على توليد سيناريوهات سريعة لتلبية الطلب، وكل ذلك يتحقق في غضون ثوانٍ فقط، ومن خلال تبنّي هذا المستقبل القائم على الذكاء الاصطناعي، تعمل الشركة على وضع معايير جديدة في قطاع الطاقة.
التحول الرقمي
ترى أرامكو السعودية أنه مع استمرار تطور هذا التحول الرقمي، ينطلق قطاع الطاقة نحو مستقبل أكثر كفاءة، إذ لا يقتصر هذا التوجه الابتكاري لمنصة غاز أوبتيما على مواجهة تحديات شبكة الغاز في السعودية، والتغلب على محدوديات أداء المرافق الفردية، بل يدعم أيضًا سلامة شبكة المكامن، ويحسّن الإيرادات من خلال تحسين مزيج الغاز، مع توفير إمدادات طاقة موثوقة للعملاء في جميع أنحاء المملكة.
وقال نائب الرئيس لأعمال تطوير الغاز في أرامكو، عدنان الكنعان: "يتميز برنامج الغاز منذ بدايته بتفوقه في الاستفادة من الإنجازات التقنية وحلول الثورة الصناعية الرابعة لتحسين أداء إنتاج الحقول وتلبية الطلب المتزايد على الغاز في السعودية".
وأضاف: "تعمل أرامكو على نشر هذه التقنيات الناشئة لترسيخ سمعتها القوية وتميزها في أعمال التنقيب والإنتاج، وفي الوقت نفسه، توفير إمدادات موثوقة من الطاقة اللازمة للنمو الاقتصادي بشكل آمن وفّعال".
ترشيد الاستهلاك
نجحت أرامكو منذ بدء تطبيق إستراتيجية إنتاج الغاز في السعودية خلال أوقات الذروة الموسمية في عام 2010، في خفض الاستهلاك المحلي من النفط بنحو 254 مليون برميل من النفط المكافئ، مما أدى إلى تجنّب إطلاق ما يصل إلى 28 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى توفيرها لتصديرها للخارج.
وساعدت الإستراتيجية لأكثر من عقد من الزمان في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في المملكة، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتنظر أرامكو السعودية إلى إستراتيجية إنتاج الغاز في السعودية خلال أوقات الذروة الموسمية بأنها ذات قيمة جوهرية من خلال دعم توفير التكاليف، وزيادة الإيرادات بتحقيق عائد نقدي من منتجات الغاز الثانوية الإضافية، وتجنّب استعمال النفط الخام عالي القيمة.
وتشدد أرامكو على أن فرق دائرة تخطيط وتنظيم توريد النفط جاهزة للتعامل مع التغير الموسمي في الطلب والاستجابة للمتطلبات التشغيلية، بالاستفادة من تفوق الشركة في المجالات الهندسية والابتكارية والتقنية، والتي من أمثلتها منصة غاز أوبتيما وغيرها من الحلول لتلبية الاحتياجات في الوقت الحالي والمستقبل.
وتمتلك السعودية احتياطيات من الغاز الطبيعي تقارب 298 تريليون قدم مكعبة (8.4 تريليون متر مكعب) خلال 2021، مقابل 332.7 تريليون قدم مكعبة (9.4 تريليون متر مكعب) في العام السابق له، وفقًا لبيانات أويل آند غاز جورنال.
ولا تستورد السعودية الغاز الطبيعي أو تصدّره، لكنها تتوقع أن تبدأ تصدير الغاز بحلول عام 2030، مع تطوير مشروع حقل الجافورة.
موضوعات متعلقة..
- خبير أوابك: إنتاج الغاز في السعودية قد يوفر مليون برميل نفط يوميًا
- إنتاج الغاز في السعودية يرتفع 30% في 10 سنوات (تقرير)
- حقل الشرفة.. اكتشاف جديد يعزز إنتاج الغاز في السعودية
اقرأ أيضًا..
- النفط الروسي ينجو من توترات البحر الأحمر.. كيف تتجنب الناقلات تهديدات الحوثي؟
- مصر تترقب نجاح اكتشاف غاز باحتياطيات 10 تريليونات قدم مكعبة
- موازنة الكويت 2024 تتوقع تراجع الإيرادات النفطية 3.5 مليار دولار