أوروبا تغض الطرف عن أزمة تغير المناخ لتمويل صفقات التسليح
سامر أبو وردة
يتحول تركيز إنفاق الاتحاد الأوروبي من مواجهة تغير المناخ ودعم الاقتصاد الأخضر إلى مشروعات التسليح والصناعات الدفاعية، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وأظهرت استطلاعات رأي محلية، أنه من المتوقع أن تستحوذ الأحزاب الشعبوية واليمينية على نصيب كبير من كعكة المقاعد في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران 2024، مقابل خسائر لأحزاب يسار الوسط وأحزاب الخضر، وهو ما سيؤدي إلى تشكيل تحالف سياسي مناهض لسياسات المناخ، بحسب تقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وقال وزير المالية البلجيكي فنسنت فان بيتيجيم: "إنه بعد جائحة كورونا كان هناك تركيز كبير على الاقتصاديْن الأخضر والرقمي، لكن الآن نرى أن التركيز يتحول بعيدًا قليلًا".
استبدال التسليح بمكافحة تغير المناخ والاقتصاد الأخضر
تجلّى التحول الأوروبي في أولويات الإنفاق في القرارات التي اتُخذت بشأن صندوق السيادة الأوروبي، إذ إنه خلال قمة الاتحاد الأخيرة التي عُقدت في ديسمبر/كانون الثاني 2023، أشار زعماؤه إلى أنهم لن يوافقوا إلا على مبلغ إضافي قدره 1.5 مليار يورو (1.63 مليار دولار أميركي) للدفاع.
وجاء ذلك بعد أن دفعت المفوضية من أجل إنشاء منصة تكنولوجية إستراتيجية بقيمة 10 مليارات يورو (10.8 مليار دولار)، التي كان من المفترض أن تشمل استثمارات في تكنولوجيا خفض الكربون ومشروعات للبحث العلمي.
(اليورو = 1.08 دولارًا أميركيًا)
كان صندوق السيادة الأوروبي قد أُُعلن عام 2022، الذي كان من المقرر أن يعزز الإنفاق في مجالات مكافحة تغير المناخ والتكنولوجيا الخضراء والمتطورة.
كذلك يتعرض بنك الاستثمار الأوروبي، الذي يُطلق عليه "بنك المناخ"، وهو الأكبر في العالم، إلى ضغوط كبيرة لتمويل المزيد من مشروعات تصنيع الأسلحة، وفقًا لما أوردت فايننشال تايمز.
كما خفّضت الدول الأعضاء ميزانية الصندوق المشترك لتحفيز الابتكار من 10 مليارات يورو (10.8 مليار دولار) إلى 1.5 مليار يورو (1.63 مليار دولار أميركي)، وقصرت استغلالها إلا على المشروعات المتعلقة بالدفاع، وليس مشروعات مواجهة تغير المناخ أو التكنولوجيا الخضراء أو غيرها من المشروعات ذات الصلة.
وقال المدير التنفيذي لمجموعة كلين تك "Cleantech" الصناعية جول بيسناينو، إن المناقشات حول كيفية تمويل الاتحاد الأوروبي لسياسته المناخية الطموحة "خرجت من النافذة".
بدوره، قال وزير الخارجية الهولندي السابق ووبك هوكسترا، مفوض المناخ في الكتلة، إن المجالات التي تتطلب استثمارات كبيرة تشمل الدفاع والعمل المناخي والذكاء الاصطناعي.
وحول الدفاع أضاف: "الدول تتقدم، وهي محقة في ذلك، ولم نشهد نهاية الأمر".
الدعم الأوروبي لأوكرانيا عسكريًا
فرضت دول الاتحاد الأوروبي على نفسها هدفًا بإنتاج مليون قذيفة مدفعية سنويًا بحلول مارس/آذار 2024، وتحاول زيادة إنتاجها المحلي من الذخيرة والأسلحة الأخرى، لتعويض ما تم توفيره حتى الآن لأوكرانيا.
ووصف قادة ألمانيا وهولندا والدنمارك وإستونيا وجمهورية التشيك، في رسالة مشتركة، إلى فايننشال تايمز، الحاجة إلى تسريع إمدادات الأسلحة بأنها مسألة حياة أو موت للقوات الأوكرانية.
ومن المقرر أن يشهد الاجتماع القادم لقادة الدول الأعضاء الـ27، مناقشة تمرير حزمة دعم مالية بقيمة 50 مليار يورو (54.2 مليار دولار) لأوكرانيا، التي يعرقلها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
كما تناقش دول الاتحاد الأوروبي تمويل المزيد من المساعدات العسكرية لكييف، تصل إلى 5 مليارات يورو سنويًا، في إطار صندوق منفصل يُسمى "مرفق السلام الأوروبي"، وتشير التوقعات إلى اتخاذ قرار بخصوص الصندوق بحلول مارس/آذار 2024.
وتناقش بروكسل كيفية إعادة ضبط صندوق حماية البيئة، الذي سدّد لعواصم الاتحاد الأوروبي قرابة 6 مليارات يورو (6.5 مليار دولار) من الأسلحة التي أرسلتها إلى أوكرانيا، لتمويل إنتاجها.
احتياجات الإنفاق المتعلقة بالمناخ
ما تزال احتياجات الإنفاق المتعلقة بمكافحة تغير المناخ مرتفعة، إذ تقدر بروكسل أن مكافحة تغير المناخ وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 90% بحلول عام 2040 ستتطلب استثمارات بقيمة 1.5 تريليون يورو (1.63 تريليون دولار) سنويًا، بحسب ما نشرت صحيفة فايننشال تايمز.
ويخشى دبلوماسيون أوروبيون انخفاض الاستثمارات في تخضير الاقتصاد بعد عام 2026 عندما ينفد صندوق التعافي، إذ أوضحت العواصم الأوروبية -بما في ذلك برلين- أن الاقتراض المشترك غير المسبوق كان لمرة واحدة، بموجب حزمة بلغت 800 مليار يورو (868 مليار دولار).
ويتعين على الدول إنفاق 37% من نصيبها على أهداف المناخ، لكن الدبلوماسيين قالوا إن نهاية حزمة الاقتراض المشترك قد تؤدي إلى توقف مفاجئ في الإنفاق.
أيضًا، جرى تعديل مراجعة قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن مستويات الديون الحكومية، التي تهدف إلى السماح لها بفرصة مالية للاستثمار في أولويات مثل تغير المناخ خلال المفاوضات، للسماح بالإنفاق الدفاعي بصفته عاملًا مخففًا إذا تجاوزت الدولة عتبة الـ3% نسبة عجز سنوية.
ولم يتلق الإنفاق على البنية التحتية الخضراء المعاملة نفسها بموجب القواعد المالية نفسها، التي ما تزال قيد المناقشة.
وقال عضو البرلمان الأوروبي، الرئيس المشارك لحزب الخضر فيليب لامبرتس: "في المناقشة حول القواعد المالية، ما تراه هو عودة العادات القديمة السيئة للتقشف"، متابعًا: "ما أراه هو أن أوروبا تطلق النار على نفسها في وقت كبير".
وقالت المديرة التنفيذية لمركز أجورا إنرجي ويند للأبحاث "Agora Energiewende"، فراوكي ثايس، إن "سياق السياسة الخضراء أصبح الآن مختلفًا تمامًا عما كان عليه عندما اقترحت بروكسل قانون المناخ بالصفقة الخضراء لأول مرة عام 2019".
وأضافت: "نحن في وضع يعاني قيود الاقتصاد والميزانية، ولدينا مشكلات أمنية وصراع جيوسياسي، ومخاوف بشأن القدرة التنافسية، وأخيرًا، إنها مسألة كبيرة تتعلق بالتحديات المجتمعية، والقبول العام".
مخاوف أميركية
وفق سياق متصل، كان المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص للمناخ جون كيري قد عبّر، في فبراير/شباط 2022، عن خشيته من أن تصرف حرب روسيا ضد أوكرانيا انتباه العالم عن أزمة تغير المناخ وتنتج "انبعاثات هائلة" من شأنها الإضرار بكوكب الأرض، بحسب ما أوردت قناة "فوكس نيوز" الإخبارية الأميركية.
وقال كيري، إنه يأمل في مساعدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للمحافظة على المسار الصحيح والقيام بما يخدم الأهداف المناخية.
ورأى جون كيري، خلال كلمة ألقاها في الجامعة الأميركية بالقاهرة لبدء استعدادات مصر لاستضافة قمة المناخ كوب 27 ، أن تغير المناخ قضية تتجاوز السياسة، وتتجاوز الأيديولوجيا، لأنها قضية تؤثر في العالم بأسره، وفقًا لما نشره موقع "ذا ناشيونال نيوز" الأميركي.
انتخابات البرلمان الأوروبي
ما يزيد الأمر سوءًا النتائج المُتوقعة لانتخابات البرلمان الأوروبي الصيف المقبل 2024، إذ إنه يُتوقع أن تتعرض أحزاب يسار الوسط وأحزاب الخضر الداعمة لسنّ سياسات أوروبا الخضراء، لخسارة كل من أصوات المواطنين ومقاعد البرلمان، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتتوقع دراسة أجراها مركز أبحاث لصالح المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن تجعل انتخابات البرلمان من تمرير سياسات أوروبا الخضراء أمرًا أكثر صعوبة من ذي قبل، ليظهر على السطح تحالف مناهض لسياسات مكافحة تغير المناخ.
موضوعات متعلقة..
- الشعوب قد تنقلب على سياسات أوروبا الخضراء.. وهؤلاء أبرز الخاسرين
- الحرب الروسية الأوكرانية تهدد إجراءات مكافحة تغير المناخ (تقرير)
اقرأ أيضًا
- أكبر شركة صلب في كوريا الجنوبية تتبنى الهيدروجين.. ما دور الإمارات؟
- بيان سعودي كويتي بخصوص حقل الدرة.. ورسالة إلى إيران والعراق
- بالأرقام.. صادرات الغاز المسال الجزائرية والمصرية في يناير 2024