رئيسية التغير المناخي تقارير التغير المناخي

خدعة الحياد الكربوني في بريطانيا.. خسائر وتسريح آلاف الموظفين (تقرير)

دينا قدري

2024-01-22

0 574

تداعيات الحياد الكربوني في بريطانيا — مصانع الصلب في بريطانيا التابعة لـ"تاتا ستيل" - الصورة من صحيفة الإندبندنت

تواجه أهداف الحياد الكربوني في بريطانيا انتقادات عنيفة، بعد إعلان شركة تاتا ستيل الهندية (Tata Steel) إغلاق مصانع صلب في ويلز وتسريح 3 آلاف موظف، في ظل سعيها إلى تصنيع صلب محايد للكربون، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وبدلًا من أن تشهد البلاد انتعاشًا غير مسبوق للصناعة مدعومًا بالانتقال إلى الحياد الكربوني، كشف التحرك الأخير من "تاتا" أن الهوس بالحياد الكربوني، وما يتبعه من عدم الاكتراث بتكاليفه، أو تأثيره في العمال العاديين، قد يسحق ما تبقّى من الصناعة البريطانية.

فقد أُنتج الصلب بكميات كبيرة في ويلز منذ القرن الـ19، وأسهم في الثورة الصناعية، وساعد في بناء العالم الحديث، ورغم ذلك يبدو أنه يواجه تحديًا لا يمكنه التغلب عليه: الحياد الكربوني.

ولا شك أن هذا التطور يمثّل ضربة ساحقة للاقتصاد المحلي؛ إذ تعدّ ويلز واحدة من أفقر مناطق المملكة المتحدة، ولن تُستبدل الوظائف التي فُقدت بسهولة.

ومن المؤكد أن هناك جدلًا يجب أن يدور حول ما إذا كان للمملكة المتحدة دور بوصفها مصنّعة كبرى للصلب بعد الآن.

إغلاق مصانع الصلب في بريطانيا

قالت شركة تاتا ستيل، يوم الجمعة (19 يناير/كانون الثاني 2024)، إنها ستغلق اثنين من أفرانها في بريطانيا بحلول نهاية العام، مع خسارة ما يصل إلى 2800 وظيفة بمصانع الصلب في بورت تالبوت الواقعة في ويلز.

وتعدّ عمليات الإغلاق جزءًا من خطة الشركة الهندية لتغيير نشاطها الخاسر في صناعة الصلب في بريطانيا، من خلال التحول إلى أفران القوس الكهربائي منخفضة الكربون، بدعم من الحكومة بما يقرب من 500 مليون جنيه إسترليني (636.4 مليون دولار أميركي)، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة، نقلًا عن وكالة رويترز.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة تاتا ستيل، تي في ناريندران: "المسار الذي نطرحه صعب، لكننا نعتقد أنه المسار الصحيح.. يجب أن نتحول بوتيرة سريعة لبناء أعمال مستدامة في المملكة المتحدة على المدى الطويل".

وتُشغَّل أفران القوس الكهربائي بوساطة عدد أقل من العمال مقارنةً بالأفران العالية، وقالت "تاتا"، إنها ستقدّم حزمة دعم بقيمة 130 مليون جنيه إسترليني (165.5 مليون دولار) لمساعدة الموظفين المتضررين على إعادة تدريبهم والعثور على وظائف جديدة.

ومن المتوقع أن يؤدي التحول إلى صناعة الصلب الكهربائية إلى خفض انبعاثات الكربون في بريطانيا بنسبة 1.5%، إذ يُعدّ مصنع بورت تالبوت، الذي يعمل بالفحم، أكبر مصدر منفرد لانبعاثات الكربون في البلاد.

وقالت بريطانيا، إن دعمها المالي لشركة تاتا ستيل ساعد بتأمين مستقبل صناعة الصلب في البلاد، لأن "تاتا" هددت بإغلاق المصنع بالكامل دون هذا الدعم، مشيرة إلى خسائر قدرها مليون جنيه إسترليني (1.27 مليون دولار) يوميًا.

احتجاجات ضد إغلاق مصانع الصلب في بريطانيا - الصورة من منصة "ويلز أونلاين"

الحياد الكربوني في بريطانيا "وهم"

الواقع أن الاستعاضة عن أفران الصهر التقليدية بتقنيات صديقة للبيئة وأقلّ استهلاكًا للعمالة، أسفرت الآن عن خسارة 3 آلاف وظيفة؛ ما أثار غضب النقابات.

ويُمكن القول، إنه من الأفضل أن يجري هذا النوع من التصنيع الثقيل في الدول ذات تكاليف العمالة والطاقة والمواد الخام المنخفضة، بدلًا من دعم الإنتاج في هذا البلد، وفق ما نقلته صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية (The Telegraph).

ومع ذلك، فإن حجم فقدان الوظائف يسلّط الضوء على قضيّتين رئيستين، أولهما أنه تبيَّن أن فكرة أن الحياد الكربوني سيوفر كميات هائلة من الثروة هي فكرة وهمية.

إذ أفادت الكثير من الروايات بأن التحول إلى اقتصاد محايد للكربون من شأنه أن يطلق العنان لموجة من الاستثمار، وإعادة التصنيع، و"النقل إلى الداخل"، وهو ما من شأنه أن يحفّز النمو الاقتصادي، وخاصةً بالنسبة لهذا النوع من الوظائف العمالية التي تراجعت على مدى الـ40 سنة الماضية.

وكتبت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، التي حوّلت هدف الحياد الكربوني لعام 2050 إلى قانون، إلى قادة الأعمال عند إقرار التشريع في عام 2019: "ليس علينا الاختيار بين خفض الانبعاثات وزيادة النمو الاقتصادي.. يمكننا أن يكون لدينا كلاهما.. ويتعين علينا ذلك".

وبدأ يتضح أن تلك "الوظائف الخضراء ذات الأجر الجيد" لا وجود لها في الواقع، على الأقل حتى الآن، وليس في بريطانيا، على الرغم من وجود الكثير منها في الصين؛ بل شهدت بريطانيا "تسريح الموظفين من الوظائف الخضراء بأجور زهيدة".

ثانيًا، تُحقق بريطانيا -بالفعل- تقدمًا كبيرًا في مكافحة تغير المناخ؛ إذ كانت أول دولة في مجموعة السبع تعمل على خفض انبعاثاتها الكربونية إلى النصف، مقارنةً بالذروة التي بلغتها في عام 1970.

وهو ما يعني أن التحول إلى الطاقة المتجددة يسير في البلاد بشكل أسرع من أيّ اقتصاد رئيس آخر.

متطلبات الحياد الكربوني في بريطانيا

ما ينساه صنّاع السياسات في حرصهم على دعم بريطانيا بوصفها زعيمًا عالميًا، هو أن هناك حدودًا لمدى التأثير الذي يُمكن أن تُحدثه هذه الدولة بمفردها، التي لا تمثّل سوى 1% من انبعاثات الكربون العالمية، وفق ما رصدته منصة الطاقة، نقلًا عن تقرير "ذا تيليغراف".

ولن يُحدِث ذلك فرقًا كبيرًا بالنسبة للمناخ، لكنه سيُحدِث فرقًا كبيرًا للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، وللشركات التي توظّفهم، وكذلك للمجتمعات الأوسع التي نشأت حول هذه المحطات والمصانع.

المتعصبون للحياد الكربوني نادرًا ما يأخذون في الحسبان التأثير الاقتصادي، إلّا إذا كان المقصود منهم تقديم ادّعاءات زائفة حول "الوظائف" و"الاستثمار" الأخضر.

فقد وضع صنّاع السياسات هدفًا لتحقيق الحياد الكربوني في بريطانيا، دون أدنى فكرة عن كيفية تحقيقه؛ ما اتضح أنه مجرد وهم، والآن يدفع العمال الثمن، بحسب الصحيفة البريطانية.

وهناك من قد يرحّب بإغلاق مصنع الصلب التابع لـ"تاتا ستيل"، أولئك الذين يعتقدون أنه يجب القضاء على الوقود الأحفوري، بغضّ النظر عن مدى اعتماد التصنيع البريطاني عليه.

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن البلاد ستشهد المزيد من فقدان الوظائف في مختلف أنحاء الصناعة البريطانية، مع ارتفاع تكاليف الطاقة، وفرض أهداف الانبعاثات؛ وسيتبيّن أن الطلب على "المنتجات الخضراء" مجرد وهم.

ولذلك، رأت الصحيفة أنه يتعين على بريطانيا أن تعيد صياغة خطة الحياد الكربوني، مع إعادة ضبط هدفها لعام 2050، قبل أن يتسبب طموحها في المزيد من الضرر ويدمّر ما تبقّى من قاعدتها الصناعية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..