قلبت توترات مضيق باب المندب حركة التجارة العالمية رأسًا على عقب، ولم تكن صادرات النفط بمنأى عن ذلك؛ إذ أعلنت شركات عالمية اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح رغم طول المدة وارتفاع التكاليف.
وبهدف الضغط من أجل وقف الحرب في غزة، هدّدت جماعة الحوثي في اليمن باستهداف السفن المتجهة إلى مواني إسرائيل دون النظر إلى جنسيتها، وهو ما دفع تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة إلى شن هجوم مضاد لحماية الطريق الحيوي، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وعلى نحو خاص، شهدت صادرات النفط الروسي إلى الهند تباطؤًا ملحوظًا، خلال الأشهر المنصرمة؛ ما أثار مخاوف بشأن تأثرها بهذا الوضع المتوتر.
وروسيا هي أكبر مصّدر للنفط إلى الهند صاحبة أكبر تعداد سكاني في العالم، وفي عام 2023، شكّلت موسكو أكثر من ثُلث واردات الهند من النفط، ومن المتوقّع أن يستمر هذا الاتجاه الصعودي في أوائل العام الجاري (2024).
وأرجع محللون ومصادر تجارية ذلك التباطؤ إلى عوامل مثل العقبات المرتبطة بآلية الدفع (وهو ما نفاه وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري)، بالإضافة إلى التأخيرات اللوجيستية ومشكلات تتعلق بالشحن.
كما نفوا أن يكون لتلك العوامل تأثير كبير في إجمالي الصادرات، وخاصة أن المصافي الهندية اعتادت تكرير درجات الخام الروسية، بعدما كانت تشكل حصة ضئيلة (2%)، لكن الخصومات المغرية التي قدمتها موسكو بعد حرب أوكرانيا أغرت الهنود بالشراء.
النفط الروسي إلى الهند
تُعَد الهند ثالث أكبر مشترٍ ومستهلك للنفط في العالم، وتعتمد على الاستيراد من الخارج لتلبية أكثر من 85% من الطلب المحلي.
وأسهمت روسيا بأكثر من 35% من إجمالي واردات الهند من النفط الخام في 2023، عند 1.7 مليون برميل يوميًا، بحسب تقرير نشرته وكالة "إس آند بي غلوبال" (spglobal).
وفي ديسمبر/كانون الأول، بلغ حجم الشحنات 1.43 مليون برميل يوميًا، بانخفاض 150 ألف برميل يوميًا عن نوفمبر/تشرين الثاني، وفي تراجع كبير قدره 620 ألف برميل يوميًا من ذروة الواردات في مايو/أيار.
وبشأن توترات باب المندب، أقرّت مصادر تجارية ومحللون بأن سلسلة الهجمات الأخيرة اضطرت التجار والموردين إلى استكشاف طرق بديلة مرورًا بطريق رأس الرجاء الصالح المار بجنوب أفريقيا.
لكنهم شددوا على أن صادرات النفط الروسي إلى الهند لم تتأثر بتلك التوترات حتى الآن.
يؤكد ذلك محلل اقتصادات المصافي في منصة "إس آند بي غلوبال" سوميت ريتوليا، بقوله إن الطلب الهندي على الخام الروسي ما زال مرنًا رغم التهديدات بالبحر الأحمر، مع عدم ظهور أي تحويلات عن ذلك الطريق إلى الآن.
لكن بالنسبة لشحنات الخام القادمة من الولايات المتحدة ودول أميركا اللاتينية؛ فمن المحتمل -بحسب ريتوليا- أن تتخذ طريق رأس الرجاء الصالح.
تباطؤ مؤقت
كان غياب واردات خام سوكول الروسي في ديسمبر/كانون الأول لافتًا؛ إذ إن المصافي الهندية تعوّدت على الشراء بمعدل يتراوح بين 150 ألفًا و160 ألف برميل يوميًا.
ويعود سبب ذلك إلى أن بعض السفن اضطرت للانتظار لمدة تزيد على 10 إلى 15 يومًا لتفريغ الشحنات.
كما يمكن ربط هذا التراجع بصعود حصة الشرق الأوسط في واردات الهند؛ في ضوء المشكلات الناجمة عن الطقس البارد في المواني الروسية وزيادة عمليات الصيانة بالمصافي والتدقيق المتزايد في السفن الناقلة للنفط الروسي.
من جانبه، أرجع المحلل ريتوليا، تراجع واردات خام سوكول إلى عاملين؛ هما العقوبات الغربية والمشكلات المرتبطة بالدفع.
وقال إن مشكلة الدفع تبدو مؤقتة، ومن المتوقع ألا تؤثر في الشحنات المستقبلية، مع انتعاش الشحنات في الأشهر المقبلة.
يتفق مع ذلك الرأي المحللون الذين يقولون إن الطفرة في صادرات النفط الروسي إلى الهند قريبة، بعد انتهاء عمليات الصيانة، خاصة في ظل هوامش أرباح التكرير المرتفعة والحاجة إلى تلبية الطلب الموسمي على النفط.
من جانبهم، نفى مسؤولون هنود وجود أي مشكلات تتعلق بآلية الدفع، وأرجعوا تراجع الواردات إلى الأسعار غير الجاذبة وتراجع هوامش الأرباح.
يقول وزير النفط هارديب سينغ: "لا توجد مشكلة دفع. القيادة الهندية لها طلب وحيد وهو ضمان حصول المستهلكين الهنود على الطاقة بأقل سعر ودون إرباك".
مضيق باب المندب
ما زال طريق البحر الأحمر هو المفضّل للتجار الناقلين للنفط الروسي إلى المصافي الهندية، وحاليًا لا توجد تغييرات ملحوظة على خطط النقل.
وحاليًا، توجد ناقلات تحمل نحو 112 مليون برميل من النفط الروسي في عرض البحر؛ منها 43.7 مليون برميل متجهة إلى الهند.
ويوجد 19.2 مليون برميل بالقرب من شبه القارة الهندية في بحر العرب وشرق المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا.
وفي حالة حدوث أي اضطرابات، يمكن للمصافي أو التجار استعمال تلك الشحنات من أجل استمرار عمليات التكرير.
لكن مدير شؤون جنوب آسيا في معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي فيبهوتي غراج، لفت إلى احتمال ارتفاع أسعار النفط في ظل عدم تحسن الأوضاع في باب المندب.
وأوضح أن الهند استفادت من النفط الروسي الرخيص لكن قد تكون العقود المستقبلية في خطر في ظل الظروف القائمة وعدم وجود تحويلات عن طريق باب المندب، وفي ضوء هذا السيناريو، قد تبحث الهند عن موردين بدلاء لروسيا مثل دول الشرق الأوسط.
في هذا السياق، اعترف وزير النفط بأن توترات باب المندب أوجدت وضعًا مضطربًا للغاية، وأن الحكومة تراقب التطورات عن كثب.
كما لفت إلى أن الهجمات على السفن قد تُربك إمدادات الخام، لكن "الهند واثقة بتجاوز الاضطرابات".
موضوعات متعلقة..
- الهند تدافع عن مشتريات النفط الروسي: أنقذنا العالم من ارتفاع الأسعار
- توترات باب المندب تهدد صادرات نفط 4 دول.. ليبيا والجزائر أكبر المتضررين
- أسعار الغاز العالمية تقفز 8% مع تزايد التوترات في البحر الأحمر
اقرأ أيضًا..
- المغرب يتفاوض على صفقة غاز مسال ضخمة
- لماذا تصدر مصر النفط الخام وتستورده مرة أخرى؟
- كيف خسرت تيسلا الصدارة العالمية أمام شركة صينية؟ تحليل يكشف عن الأسباب (فيديو)