التغير المناخيالمقالاتقمة المناخ كوب 28مقالات التغير المناخي

كيف تؤثر الحروب في تفاقم ظواهر تغير المناخ (مقال)

الدكتور عبدالله النعيمي*

تعدّ الحروب سببًا رئيسًا للوفاة ومعاناة ملايين الأشخاص حول العالم، فهي تُلحق أضرارًا بالبيئة وتؤثّر في تغير المناخ.

ومن ثم، فإنها لا تقتل من يتعرض لها بشكل مباشر فحسب، بل تؤثّر أيضًا في الأجيال القادمة التي ترث عواقب الحرب.

وتُلحق الحروب أضرارًا بالبيئة وتسهم في أزمة المناخ من خلال انبعاث كميات كبيرة من غازات الدفيئة (GHGs)، التي تحبس الحرارة في الغلاف الجوي، وتتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري.

وتؤكد الدراسات الإحصائية أن أكثر من 230 مليون شخص فقدوا حياتهم نتيجة الحرب من عام 1900 حتى الوقت الحاضر.

انبعاثات جيوش العالم وتغير المناخ

تشمل بعض الحروب -الأكثر تدميرًا خلال القرن الماضي- الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الكورية، وحرب فيتنام، والحرب الأهلية السورية، بجانب الوفيات الأخيرة في غزة بسبب القصف الإسرائيلي للمدنيين.

وتعدّ حصيلة القتلى الحالية بسبب الصراعات العالمية هي الأعلى في القرن الـ21، إذ قُتل نحو 240 ألف شخص في عام 2022 فقط.

وترتبط الحروب أيضًا بانبعاثات غازات الدفيئة، والتي تتكون من الغازات الملوثة المختلفة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز والغازات المفلورة، وهي المرتبطة بتفاقم أزمة تغير المناخ.

وتشير تقديرات تستند إلى بيانات من وكالة الطاقة الدولية ومعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن انبعاثات جيوش العالم نحو 1.2 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، (CO2e) في عام 2019، ويمثّل ذلك نحو 2.3% من الإجمالي العالمي.

تغير المناخ

والولايات المتحدة، أكبر مصدر للانبعاثات الناجمة عن العمليات العسكرية، تُقدَّر انبعاثاتها بنحو 205 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون في العام نفسه، أي ما يعادل 0.4% من الإجمالي العالمي.

ولا تأخذ في الحسبان هذه التقديرات الانبعاثات الصادرة عن الصناعات التي تزوّد الجيوش بالأسلحة والمعدّات، ولا الانبعاثات الناجمة عن الأضرار البيئية والنزوح الناجم عن الحروب والصراعات.

وتُقدَّر كمية الغازات الدفيئة في غزة بنحو 70 مليون طن خلال الـ40 يومًا الماضية، إذ تستعمل بعض المصادر الأقلّ موثوقية طريقة سهلة لضرب عدد الضحايا في متوسط البصمة الكربونية للشخص.

وتأخذ هذه الطريقة في الحسبان فقط خفض الانبعاثات، وهو 1.2 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا.

وهذا بالطبع بافتراض التخفيضات فقط، لكنه لا يأخذ في الحسبان الانبعاثات الناجمة عن العمليات العسكرية، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، وإعادة الإعمار، التي من المرجّح أن تكون أعلى بكثير من الانبعاثات الناجمة عن فقدان الروح البشرية.

انبعاثات غازات الدفيئة بسبب الحروب

من المؤسف أن انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن الحروب والعمليات العسكرية لا يُبَلَّغ عنها أو تؤخذ في الحسبان بشكل جيد من قبل معظم البلدان.

ويرجع هذا -جزئيًا- إلى ثغرة في اتفاقيات المناخ الدولية، التي لا تُلزم البلدان بإدراج انبعاثاتها العسكرية ضمن أهدافها أو قوائم جردها.

وقد نشأت هذه الثغرة في عام 1997، خلال المفاوضات بشأن وثيقة كيوتو، عندما أصرت الولايات المتحدة على استبعاد الانبعاثات الناجمة عن العمليات متعددة الأطراف، والأنشطة التي تشمل أكثر من دولة واحدة، والانبعاثات الناجمة عن السفن والطائرات المرتبطة بالنقل الدولي.

واتفاق باريس الموقّع عام 2015 لا يتضمن الإعفاءات الخاصة بالانبعاثات العسكرية، لكنه يترك لكل دولة المجال في تقديرها عن الانبعاثات، من خلال إعلانها أو عدم إعلانها.

لذلك، فإن معظم البيانات المتاحة يعتمد على تقديرات من باحثين ومنظمات مستقلة، والتي قد تختلف تبعًا للمصادر والأساليب التي يستعملونها لقياس تأثير كمية الغازات الدفيئة.

إبان انعقاد قمة المناخ كوب 26 في غلاسكو، اجتمع نشطاء المناخ والأكاديميون ومنظمات المجتمع المدني في إحدى الخيام، وطالبوا المنظمين بإدراج الانبعاثات العسكرية في جدول الأعمال الرسمي لاجتماع الأمم المتحدة.

ووقّع أكثر من 200 منظمة من منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، دعوة مرصد النزاعات والبيئة للحكومات للالتزام بخفض الانبعاثات الناجمة عن العمليات العسكرية.

لقد أجمع الموقّعون على العريضة بأن الحرب وتغير المناخ مترابطان، وأن معالجة أحدهما تتطلب معالجة الآخر.

كما حثّوا المجتمع الدولي لاعتماد نهج قائم على حقوق الإنسان في العمل المناخي، وضمان حماية ودعم الأشخاص الأكثر ضعفًا وتضررًا.

السيطرة على الاحتباس الحراري

مع عدم الإبلاغ عن أكثر من 2% من الانبعاثات العالمية، وما تبقّى من بيانات سرّية، فإن ظاهرة الاحتباس الحراري ستظل تحت سيطرة محدودة.

وأفادت وكالة الطاقة الدولية، في اليوم الأخير من قمة المناخ كوب 28 في الإمارات، بأن الالتزامات التي تمّ التعهد بها حتى الآن ليست كافية للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.

ذلك على الرغم من كل الجهود والعمل الشاق المبذول خلال المؤتمر، الذي يعدّ الأكثر نجاحًا من حيث التنظيم، وكذلك الالتزامات الدولية.

قمة المناخ كوب 28

وتعهَّد ما يقرب من 130 دولة بزيادة مصادر الطاقة المتجددة 3 مرات، بينما وافقت 50 شركة للنفط والغاز على خفض انبعاثات غاز الميثان بحلول عام 2030، وفقًا لمخرجات المؤتمر.

ويشير تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى أنه حتى وإن نفّذ الجميع التزاماتهم، فسيؤدي ذلك إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالطاقة على مستوى العالم بمقدار 4 مليارات طن متري.

في واقع الحال، إن هذه الالتزامات أقلّ من 30% مما هو مطلوب للحدّ من الاحتباس الحراري العالمي عند 1.5 درجة مئوية.

‏يتضح لنا من ذلك، أن الحروب وما تنتجه من غازات ثاني أكسيد الكربون بجانب غازات أخرى، تمثّل ما يقارب 30% من كل الالتزامات الدولية التي جرت خلال قمة المناخ كوب 28.

كما أن أضرار الغازات الناتجة عن الحروب والخلافات الدولية، مثل غازات الخردل والسارين والكلور والفوسجين، تتجاوز التأثيرات الآنية لارتفاع درجة حرارة الأرض، وتؤثّر في صحة البشر والبيئة المحيطة بهم.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق