الغاز الروسي في مواجهة قانونية مع أوروبا.. من يحسمها؟ (مقال)
فيلينا تشاكاروفا - ترجمة: نوار صبح
- • تحرك الاتحاد الأوروبي يُعدّ بمثابة رد مباشر على استعمال روسيا للطاقة بصفتها سلاحًا إستراتيجيًا
- • يسمح القانون للدول التي تستورد حاليًا الغاز الطبيعي والمسال الروسيين بالحفاظ على علاقاتها التجارية
- • تستمر العديد من الدول الأعضاء في الاعتماد بصورة كبيرة على الغاز المسال الروسي
- • نهج الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في التعامل مع وارداتها من الطاقة الروسية ليس متجانسًا
يكثّف الاتحاد الأوروبي جهوده لتقليل اعتماده طويل الأمد على الغاز الروسي، الطبيعي والمسال، وتأتي هذه الخطوة الإستراتيجية، التي تمثّل مناورة سياسية تاريخية، استجابة لتطورات المشهد الجيوسياسي والتزام الاتحاد بأمن الطاقة.
وقد صوّت البرلمان الأوروبي على قانون مؤثر من شأنه أن يمكّن كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تتمتع بالحكم الذاتي من اتخاذ قرار بشأن منع الشركات الروسية والبيلاروسية من ترسيخ قدراتها في خطوط أنابيب الغاز ومحطات الغاز المسال.
وتمثل هذه المبادرة خروجًا كبيرًا عن الأساليب السابقة الأكثر جماعية، التي عاقها الاعتراض "الفيتو" الذي استغلته المجر، الأمر الذي أدى إلى التحول إلى سياسة أكثر مرونة تعتمد على الدولة الفردية.
تشريع الغاز في الاتحاد الأوروبي
تأتي الجوانب الرئيسة لتشريع الغاز في الاتحاد الأوروبي، التي ستخفّض الاعتماد على الغاز الروسي، على النحو التالي:
تمكين الحكم الذاتي للدول الأعضاء: وافق البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي، الذي يمثّل الدول الأعضاء، على جزء من حزمة شاملة تضع أحكامًا مشتركة للغاز الطبيعي والغازات المتجددة والهيدروجين.
ويكتسب هذا الجانب من الحزمة أهمية خاصة، لأنه يسمح للحكومات الأعضاء بمنع المصدرين الروس والبيلاروسيين مؤقتًا من حجز سعة البنية التحتية اللازمة لشحنات الغاز المسال والطبيعي.
أحكام أمن الطاقة: يحتوي التشريع على أحكام محددة تمكن الدول الأعضاء من اعتماد قيود على إمدادات الغاز الطبيعي، بما في ذلك الغازان الروسي والبيلاروسي، خاصة الغاز المسال.
وتهدف هذه التدابير إلى حماية المصالح الأمنية الأساسية للدول الأعضاء أو الاتحاد الأوروبي، مع التركيز الشديد على أهداف أمن العرض والتنويع.
الرد على العدوان الروسي: يُعدّ تحرك الاتحاد الأوروبي بمثابة رد مباشر على استعمال روسيا للطاقة سلاحًا إستراتيجيًا، وهو ما أبرزه تحديدًا الارتفاع الأخير في شحنات الغاز المسال من موسكو، حتى مع تضاؤل تدفقات الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى مستويات قياسية.
أهمية التشريع: وفقًا لعضو البرلمان الأوروبي، جيرزي بوزيك، فإن هذا التشريع يُعدّ الأكثر تأثيرًا من نوعه في التاريخ، لأنه يعالج التوترات الجيوسياسية الحالية، ويضع الأساس لاستقلال الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة واستدامتها على المدى الطويل.
انتظار الموافقة الرسمية: على الرغم من حصول التشريع على موافقة مبدئية، فإنه ما يزال يتطلب موافقة رسمية من البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في المجلس حتى يجري إقرارها ليصبح قانونًا.
ومن المتوقع أن يؤثر التشريع بصورة كبيرة في سياسة الطاقة لدى الاتحاد الأوروبي، ما يحفّز الاستغناء عن الوقود الأحفوري ونحو محفظة طاقة أكثر تنوعًا وأمانًا.
تعميق المبادرات التشريعية وديناميكيات الطاقة
على الرغم من أهمية التشريع المقترح في رمزيته السياسية، فإنه قد لا يُحدث ثورة فورية في أنماط استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوروبي.
ويسمح التشريع للدول التي تستورد حاليًا الغاز الروسي -الطبيعي والمسال- بالحفاظ على علاقاتها التجارية، في حين يمنح الدول الأخرى حرية فرض الحظر الدائم.
ويبدو أن الهدف الرئيس يتلخص في تقليص التعاملات المالية مع غازبروم، شركة الطاقة الروسية العملاقة، التي تسيطر عليها الدولة وتحتكر إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي.
من ناحية ثانية، لا يمكن المبالغة في تعقيد هذا التحول، وغالبًا ما تكون العقود الأوروبية مع شركة غازبروم ملزمة بشروط "الأخذ أو الدفع"، التي تلزم دول الاتحاد الأوروبي بدفع ثمن الغاز بغض النظر عما إذا كانت تستعمله بالفعل.
وبالتالي، يمكن تفسير الحظر الجديد على تأجير القدرات على أنه حدث القوة القاهرة، ما قد يمكّن الشركات من تخليص نفسها من هذه العقود الملزمة، ويُعدّ هذا المسار غارقًا في التعقيدات القانونية، وقد يؤدي إلى معارك قانونية ممتدة في المحاكم الدولية.
الهيدروجين.. الريادة في تحول الطاقة
في تطور موازٍ لا يقل أهمية، أطلق الاتحاد الأوروبي حزمة طموحة لغاز الهيدروجين، وتضع هذه المبادرة بنية قانونية شاملة لتعزيز سوق الهيدروجين، وتقديم الحوافز إلى مشروعات الميثان الحيوي وتمكين وقف واردات الغاز الروسي على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وكان رئيس الوزراء البولندي السابق عضو البرلمان الأوروبي الحالي، جيرزي بوزيك، في طليعة هذه المناقشات، ما يؤكد الدور الحاسم الذي من المتوقع أن يؤديه الهيدروجين في مشهد الطاقة المستقبلي.
في المقابل، وتمهد قدرة الهيدروجين على التكيف وإمكان استعماله في قطاعات متنوعة -من النقل البحري والجوي إلى النقل البري الثقيل، وكذلك في الصناعات الرئيسة مثل إنتاج الأسمدة والصلب- لعصر جديد في استهلاك الطاقة.
ويمثّل هذا التحول خطوة جريئة نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي -خاصة الغاز الروسي- والتحرك نحو استقلال الطاقة المستدامة.
التعامل مع تعقيدات الاعتماد الروسي على الطاقة
تواجه الجهود التشريعية الأخيرة التي بذلها الاتحاد الأوروبي للحد من الاعتماد على الغاز الروسي حقيقة حتمية، ويستمر العديد من الدول الأعضاء، بما في ذلك الدول البارزة مثل هولندا، في الاعتماد بصورة كبيرة على الغاز المسال الروسي.
ويؤكد هذا الاعتماد الطبيعة المعقدة والصعبة للاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية، حتى في ظل الضغوط السياسية والضرورات الإستراتيجية لتنويع الطاقة.
وتُظهر هولندا، بعد إعلانها خططًا لوقف وارداتها من الغاز المسال الروسي، الصعوبات الكامنة في مثل هذا التحول.
وعلى الرغم من هذه التصريحات، استأنفت البلاد شراء الغاز الروسي المسال بكميات كبيرة في غضون 8 أشهر.
وشهدت واردات هولندا من الغاز المسال تراجعًا ملحوظًا في مايو/أيار الماضي، بانخفاض بلغ نحو 30%، وتوقفت تمامًا في يونيو/حزيران الماضي.
وقد تم تخفيف تداعيات هذا التوقف من خلال الاكتفاء المؤقت خلال أشهر الصيف.
ومع اقتراب فصل الشتاء، ووسط التوقعات بدرجات حرارة أكثر برودة، وجد الاتحاد الأوروبي نفسه يستورد 211.5 مليون متر مكعب من الغاز المسال في سبتمبر/أيلول الماضي، بقيمة 117.75 مليون دولار، ومن المتوقع حدوث زيادات أخرى.
وبحسب ما ورد اشترت هولندا أكثر من 200 مليون متر مكعب من الغاز المسال الروسي في سبتمبر/أيلول الماضي.
وأدى إغلاق حقل غاز غرونينجن، الذي كان مصدرًا مهمًا لإنتاج الغاز المحلي لهولندا، إلى تفاقم حاجة البلاد لاستيراد الغاز المسال، واستلزم هذا الإغلاق إيجاد مصادر بديلة لتعويض الإنتاج المحلي المفقود، ما أدى إلى زيادة الاعتماد على الغاز الروسي.
على صعيد آخر، يعكس الوضع في هولندا التحدي الأوسع الذي تواجهه أوروبا في تقليل الاعتماد على الغاز المسال الروسي.
وعلى الرغم من التدابير التشريعية التي اتخذها الاتحاد الأوروبي، التي تسمح للدول الأعضاء بإلغاء العقود مع الشركات الروسية والبيلاروسية على أساس كل حالة على حدة، هناك نقص ملحوظ في المشاركين الراغبين في اتخاذ هذه الخطوة.
ويُعدّ الانقسام صارخًا بين الحاجة إلى أمن الطاقة والإرادة السياسية للحد من الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية.
وتجد الدول الأوروبية، التي تتصارع مع احتياجات الطاقة الفورية وأهداف الاستدامة الأطول أمدًا، نفسها في موقف معقد، إذ لا يكون التحول السريع ممكنًا دائمًا.
ويوضح الجدول التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، الدول التي اشترت الوقود الأحفوري الروسي في أكتوبر:
اعتماد النمسا المتزايد على واردات الغاز الروسي
في تطور مهم، استوردت النمسا نسبة ضخمة بلغت 90% من احتياجاتها من الغاز من روسيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويشكل هذا الرقم رقمًا قياسيًا جديدًا لواردات الغاز الروسي منذ أن بدأت شركة إي-كونترول، الجهة المنظمة للطاقة، جمع البيانات ونشرها.
ومن حيث القيمة المطلقة، شهد حجم هذه الواردات ارتفاعًا ملحوظًا في عام 2023، مع وجود مؤشرات تشير إلى مستويات أعلى في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويُعزى هذا الاتجاه، جزئيًا، إلى إحجام النمسا عن تنويع مصادر الغاز بصورة فعالة، بما يتجاوز جهود العلاقات العامة الاسمية.
ونتيجة لذلك، كلما سلمت شركة غازبروم الغاز الروسي، تقبله النمسا بسهولة.
بدورها، لم تُظهر شركة أوه إم في النمساوية متعددة الجنسيات للنفط والغاز والبتروكيماويات، ميلًا يُذكر نحو تنويع مصادر إمدادات الغاز.
ويتجسد هذا الجمود في الظروف المحيطة بتوسيع خط أنابيب الغاز غرب النمسا (دبليو إيه جي)، وهو أمر بالغ الأهمية لزيادة إمدادات الغاز من غرب النمسا إلى شرقها.
وعلى الرغم من الفوائد المحتملة، كان هناك نقص في الإلحاح في تنفيذ هذا التوسع، ومن المقرر الآن الانتهاء منه بحلول عام 2027.
ويُعد خط الأنابيب هذا بالغ الأهمية بالنسبة للنمسا، للوصول إلى مصادر الغاز غير الروسية، بما في ذلك الإمدادات من النرويج والغاز المسال الأميركي والجزائر وإنتاج الغاز المحلي.
وفي المدة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2023، بلغت واردات النمسا من الغاز الروسي 2.9 مليار يورو (3.13 مليار دولار)، ما يجعلها واحدة من أكبر مستوردي الطاقة الروسية في الاتحاد الأوروبي. وهذا أمر جدير بالملاحظة، بالنظر إلى أن النمسا تقليديًا لا تستورد النفط الروسي.
واردات المجر وسلوفاكيا من الطاقة الروسية
تتلقى دول أوروبا الوسطى والشرقية الغاز الطبيعي الروسي عبر خطوط الأنابيب عبر أوكرانيا وترك ستريم، في حين يتم الحصول على النفط الخام عبر خط أنابيب النفط دروجبا.
ولم يفرض الاتحاد الأوروبي بعد حظرًا على الغاز الطبيعي والنفط الخام الروسي عبر خط أنابيب دروجبا-الجنوب.
ويُعدّ النهج، الذي تتبناه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في التعامل مع واردات الطاقة الروسية، ليس متجانسًا، بل هو خليط من السياسات والاستجابات الوطنية المتنوعة.
فقد واصلت دول مثل المجر وسلوفاكيا وارداتها الكبيرة من الوقود الأحفوري الروسي، في حين استغلت دول أخرى، مثل بلغاريا، الإعفاءات القانونية لدعم وارداتها من النفط الخام الروسي.
ويوضح هذا الخليط من الاستجابات التفاعل المعقد بين احتياجات الطاقة الوطنية، والمخاوف الأمنية، والهدف الأوسع المتمثل في الحد من الاعتماد على الطاقة الروسية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، برزت المجر بصفتها أكبر مستورد للوقود الأحفوري الروسي في الاتحاد الأوروبي، إذ بلغت قيمة الواردات الرئيسة من النفط الخام والغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب 303.56 مليار دولار و277.63 مليون دولار على التوالي.
وعلى الرغم من الزيادة الإجمالية في الاستهلاك الشهري للغاز، الذي يتضمن زيادة في توليد الكهرباء باستعمال الغاز، شهدت واردات المجر من الغاز الأحفوري انخفاضًا بنسبة 11% على أساس شهري.
وسجلت سلوفاكيا واردات كبيرة من روسيا بلغت قيمتها 200 مليون يورو (216.06 مليون دولار) من النفط الخام و137 مليون يورو من الغاز الأحفوري.
واستوردت بلغاريا، المعفاة من الحظر على الواردات الروسية، النفط الخام والمنتجات النفطية والغاز بقيمة 207.41 مليون دولار، و91.82 مليون دولار على التوالي، عبر خطوط الأنابيب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتتم معالجة جميع النفط الروسي المنقول إلى بلغاريا في مصفاة نيفتوتشيم بورغاس، وهي الأكبر في شبه جزيرة البلقان، المملوكة لشركة لوك أويل الروسية.
ويوضح الجدول التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، مشترو الوقود الأحفوري الروسي في أوروبا في أكتوبر 2023:
إستراتيجية طاقة متعددة الأوجه
يشكّل المسعى التشريعي الأخير للاتحاد الأوروبي منعطفًا حاسمًا في سياسة الطاقة التي يتبناها، ويشير إلى إستراتيجية شاملة للحد من الاعتماد على الطاقة الروسية، ورغم ذلك، فإن الفروق الدقيقة في هذه التغييرات معقدة.
ويسمح النهج اللامركزي الذي يتم من خلاله التعامل مع كل دولة على حدة بالقدرة على التكيف، ولكنه يسلّط الضوء على التحديات التي تواجه التوصل إلى موقف متماسك ضد نفوذ الطاقة الروسي.
ويطرح التحول نحو الهيدروجين والطاقات المتجددة رؤية لمستقبل مستدام، إلا أن الجوانب العملية المباشرة لعقود الطاقة الحالية والترابط الجيوسياسي تشير إلى مسار مليء بالتحديات نحو تنويع الطاقة الحقيقي وأمنها.
خلاصة القول، إن التحرك الأخير الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي يشكل خطوة مهمة في اتجاه استقلال الطاقة واستدامتها، وهو يسلّط الضوء على التحديات المعقدة والمتعددة الأوجه الكامنة في الاستغناء عن الاعتماد على الطاقة الراسخة.
وعلى الرغم من أن الرحلة المقبلة محملة بالعقبات القانونية والاقتصادية والسياسية، فإنها تفتح سبلًا للإبداع والمساعي التعاونية إلى تحقيق مستقبل طاقة أكثر استدامة وأمانًا لأوروبا.
ومع أن الاتحاد الأوروبي يواجه هذا المشهد المعقد، فإن نتائج هذه السياسات ستكون لها آثار بعيدة المدى في سوق الطاقة العالمية والديناميكيات الجيوسياسية في القرن الـ21.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- الغاز الروسي يواجه قانونًا أوروبيًا جديدًا قد يحظر إمداداته بالكامل
- الغاز الروسي يغطي أكثر من نصف احتياجات النمسا
- ضريبة صادرات الغاز الروسي إلى شرق أوروبا قد لا تتحملها غازبروم
اقرأ أيضًا..
- مؤتمر الطاقة العربي.. الوزراء يوجهون 5 رسائل شديدة اللهجة
- معالجة الغاز في السعودية.. 10 معامل تدعم إنتاج الطاقة منخفضة التكاليف والكربون
- خبير أوابك: مشروع الغاز المغربي النيجيري لن يرى النور.. وهذه 6 أسباب
- وزير النفط الكويتي: 4 دول عربية تتصدر تحول الطاقة