استقلال سلاسل توريد الطاقة المتجددة العالمية عن الصين قبل 2030 غير ممكن (تحليل)
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- الصين تهيمن على إنتاج المعادن الأرضية النادرة وتكريرها في العالم
- تكلفة بناء سلاسل توريد مستقلة عن الصين لن تقل عن 700 مليار دولار
- أثر الإنفاق الأوروبي والأميركي في توطين سلاسل التوريد لن يظهر قبل 2030
- الاستثمارات الغربية متأخرة جدًا ولا تُقارن بحجم نظيرتها الصينية المبكرة
- تفوّق الشركات الصينية من حيث الخبرة وبراءات الاختراع يصعّب المنافسة الغربية
تثير هيمنة الصين على سلاسل توريد الطاقة المتجددة حفيظة الدول الغربية الكبرى والاقتصادات المتقدمة المتسارعة نحو الطاقة النظيفة، لا سيما أوروبا والولايات المتحدة، وسط مخاوف من تحكم بكين في مستقبل مصادر الطاقة للأجيال الغربية القادمة.
وتخشى الدول الغربية الاعتماد على شريك تجاري واحد مثل الصين، المهيمنة على سلاسل توريد الطاقة المتجددة بصورة كبيرة جدًا، بداية من سلسلة المنبع وحتى المصب، إذ تمتد سيطرة الصين من المناجم إلى معالجة المعادن وحتى تصنيع المكونات النهائية.
وبدأت الولايات المتحدة وأوروبا تبني سياسات تحفيزية واسعة لدعم استقلال سلاسل توريد الطاقة المتجددة عن الصين، إلا أن وصولها إلى ذلك لن يكون سهلًا وسريعًا، وسيكون مكلفًا للغاية، بحسب أحدث تقرير تحليلي صادر عن شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي.
ويرى التقرير -الذي اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة- أن محاولات الدول الغربية بناء سلاسل توريد الطاقة المتجددة على أسس محلية وإقليمية لضمان الإمدادات بصورة موثوقة وبأسعار معقولة، ما زالت ضعيفة ومتأخرة جدًا.
تكلفة الاستقلال قد تتجاوز 700 مليار دولار
أجرت ريستاد إنرجي تحليلًا للإنفاق اللازم لبناء سلاسل التوريد المحلية، بداية من استخراج المواد وحتى معالجتها وتكريرها، وصولًا إلى تصنيع مكونات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات.
وانتهى التحليل إلى أن الفاتورة الإجمالية لتحقيق هذا الهدف في مجال التعدين والتصنيع قد تصل إلى 700 مليار دولار بالنسبة إلى الدول الغربية، مع احتمال عدم ظهور أثر ملموس لهذه الاستثمارات قبل العقد المقبل على أقل تقدير.
وأسهم تركيز الغرب المتزايد على أمن الطاقة منذ الحرب الروسية الأوكرانية في إجبار الحكومات على تحمل مسؤولية أكبر عن سلاسل توريد الطاقة المتجددة التي زاد الرهان عليها، ليس فقط لخفض الانبعاثات، وإنما للتخلص من واردات الوقود الأحفوري الروسي.
كما أثارت هيمنة الصين على تصنيع الخلايا الشمسية وخلايا البطاريات مخاوف الغرب بشأن موثوقية الإمدادات حال الاعتماد على شريك تجاري واحد متحكم في إنتاج المواد الخام وتصنيع المكونات الضرورية للطاقة المتجددة.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- حجم استعمال المعادن الحيوية في صناعات الطاقة المتجددة بفروعها المختلفة:
ودفعت هذه المخاوف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إعلان خطط ضخمة لتوطين صناعات الطاقة المتجددة وبناء سلاسل التوريد على أسس محلية وإقليمية، وهو ما ظهر في مبادرات أميركية وأوروبية سخية للغاية.
وأقرت الولايات المتحدة في أغسطس/آب 2022 قانون خفض التضخم الذي تضمّن أكبر حزمة إعفاءات ضريبية في تاريخ البلاد، بما يقرب من 370 مليار دولار، لدعم توطين الطاقة المتجددة ونشرها في أميركا حتى عام 2030.
ورغم محاولات الدول الغربية لكسر الهيمنة الصينية على سلاسل توريد الطاقة المتجددة، فإنها تخوض معركة شاقة من أجل الاستقلال في هذا المجال، وربما يستغرق ذلك سنوات طويلة واستثمارات ضخمة لإحداث تأثير فعال، بحسب رئيس وحدة أبحاث سلاسل التوريد في شركة ريستاد إنرجي أودن مارتنسن.
كيف تهيمن الصين على سلاسل التوريد؟
لا تقتصر الصين على استغلال مواردها المحلية في استخراج المواد الخام، وإنما تتطلع إلى ما وراء حدودها لاستخراج المعادن الأرضية النادرة في عديد من دول العالم.
وتستثمر الصين في تعدين المعادن الأرضية النادرة في أفريقيا، بما في ذلك استخراج الليثيوم من بلدان مثل ناميبيا، كما تمتلك أغلب معادن الكوبالت في الكونغو الديمقراطية، كما تستثمر في مناجم النيكل بإندونيسيا، بالإضافة إلى استثمارات أخرى في دول أميركا اللاتينية.
وأسهم هذا السعي المبكر وراء المواد الخام، في امتلاك شركات التعدين الصينية حصصًا مختلفة في شركات التعدين بالدول المنتجة للمعادن الأرضية النادرة داخل القارات الـ5 الرئيسة للعالم.
كما أسهم ذلك في هيمنة الصين على 60% من إنتاج المعادن الأرضية النادرة في العالم، أبرزها الليثيوم والكوبالت والنيكل والغرافيت، وهي تستحوذ -أيضًا- على 95% من عمليات تكرير خام المنغنيز العالمية، رغم إنتاجها 10% أو أقل من إمداداته، بحسب تقرير صادر عن معهد بيكر لدراسة السياسات العامة بجامعة رايس الأميركية.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- أكثر 10 دول إنتاجًا للمعادن الأرضية النادرة في العالم عام 2022:
وتمتد سيطرة الصين من المناجم إلى عمليات التكرير والمعالجة للمعادن الأرضية النادرة، إذ تتحكم في تكرير معظم المواد الخام التي ترسل إلى مصانعها المتخصصة دون أن تكون الطرف المنتج للمعادن بالضرورة.
وتتميّز شركات التعدين الصينية بقدرتها على معالجة المعادن النادرة بكميات أكبر وبتكلفة أقل، بفضل الدعم الحكومي الواسع في مجال الأراضي ومصادر الطاقة الرخيصة.
ويستغرق بناء مصافي تكرير المعادن بين عامين و5 أعوام، كما يستغرق تدريب العمال وتعديل المعدات وقتًا إضافيًا، وهو ما تتفوّق الصين فيه منذ أعوام طويلة نتيجة خبراتها المكتسبة في القطاع، ما يصعب عملية المنافسة الغربية معها في هذا المجال.
تحديات استغلال الغرب عن الصين
إذا أرادت الدول الغربية بناء سلاسل توريد الطاقة المتجددة بعيدًا عن الصين، فإن التحديات التي تواجهها لن تقتصر على زيادة قدرة التعدين فحسب، وإنما ستمتد إلى اختراق طرق التجارة الدولية في هذه المواد، إذ يجري تحويل مسارها إلى مصافي تكرير ومواقع تصنيع خارج الصين، بحسب تقرير ريستاد إنرجي.
وتتطلّب القدرة على معالجة وصقل وتصنيع المواد اللازمة لبناء قدرات الطاقة المتجددة حول العالم استثمارات ضخمة قبل إنشاء سلاسل توريد موثوقة.
وارتفعت الاستثمارات السنوية الموجهة لبناء قدرات التصنيع والمعالجة في الصين من 10 مليارات دولار في عام 2016 إلى 140 مليار دولار في عام 2023.
وأدت هذه الاستثمارات الضخمة إلى زيادة قدرة تصنيع الطاقة الشمسية في الصين من 14 غيغاواط/تيار متردد عام 2016 إلى 850 غيغاواط عام 2023، كما قفزت سعة تصنيع خلايا البطارية من 126 غيغاواط/ساعة إلى 1.55 تيراواط/ساعة في عام 2023، بحسب بيانات تفصيلية رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من تقرير ريستاد إنرجي.
على الجانب الآخر، ارتفع الاستثمار السنوي المجمع في جميع الدول الأخرى على قدرات التصنيع والمعالجة للمواد من 7 مليارات دولار فقط عام 2016 إلى 20 مليار دولار في عام 2023، ما يشير إلى فجوة الإنفاق الضخمة بين الصين والعالم في هذا المجال.
وتحاول البرامج والسياسات المختلفة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تحقيق تكافؤ الفرص في بناء سلاسل توريد الطاقة المتجددة، لإحداث توازن في أسواقها الدولية مع الصين.
وأطلق قانون خفض التضخم عدة مبادرات جديدة، بما في ذلك المنح المربحة لتشجيع بناء خلايا البطاريات، ووحدات الطاقة الشمسية، وتصنيع مكونات طاقة الرياح في جميع أنحاء البلاد.
ورغم ذلك فما زالت المشروعات قيد التنفيذ خارج الصين تمثّل أقل من ربع الاستثمارات المطلوبة للانفصال الكامل عنها، الذي تُقدر تكلفته في مجال التعدين والتصنيع بما يقرب من 700 مليار دولار.
كما تتفوّق الصين على غيرها من ناحية المعرفة والخبرة التراكمية في الصناعة، إذ تمتلك الشركات الصينية عددًا لا يُحصى من براءات الاختراع، وتقود تطوير التقنيات الجديدة، ما سيصعّب عملية اللحاق بها من قبل الشركات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لهذه الأسباب، تعتقد ريستاد إنرجي أن أهداف بناء سلاسل توريد الطاقة المتجددة وتوطين الصناعة والاكتفاء الذاتي في أوروبا والولايات المتحدة ربما تتأخر إلى العقد المقبل وليس الحالي.
كما تنصح شركة الأبحاث النرويجية الدول الغربية باستغلال إمكانات إعادة تدوير المعادن على نطاق واسع، بما في ذلك المعدات التي تم إيقاف تشغيلها، للإسهام في تحقيق بعض الأهداف الغربية في المجال.
ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى توفير 25% من الطلب على المعادن اللازمة لمشروعات الطاقة المتجددة وغيرها من عمليات إعادة التدوير بحلول عام 2030، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- انطلاق سباق التعدين في أعماق البحار لأول مرة منذ الستينيات (تقرير)
- نفايات المناجم.. هل تحرر العالم من سيطرة الصين على المعادن الأرضية النادرة؟
- صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.. هل يمكنها التحرر من قبضة الصين الممتدة؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- الطلب العالمي على الفحم يحطم الأرقام القياسية في عام 2023 (تقرير)
- حفارات النفط الأميركية تنخفض للأسبوع الثاني على التوالي
- بوادر انفراج في صراع النفط بين فنزويلا وغايانا.. هل يحلّه الحوار؟
- طاقة الرياح البحرية تستقبل 5 مشروعات ضخمة حول العالم (تقرير)